أكّد الرئيس المشترك السابق لحزب الشعوب الديمقراطي، صلاح الدين دميرتاش، أنّ الحرب في أوكرانيا هي الخطوة الأولى في لعبة الشطرنج بين الرأسماليتَين الغربية والشرقية والتي ستتبعها سلسلة خطوات تؤدي إلى تغيير جوهري في النظام العالمي.
تصريحات دميرتاش، جاءت في معرض ردّه على أسئلة عدد من الصحفيين، من سجنه في أدرنة، حول قضايا تنوّعت بين الغزو الروسي لأوكرانيا وإعلان المعارضة التركية الأخير حول خطة مستقبلية للانتقال من النظام الرئاسي السائد في البلاد حالياً إلى النظام البرلماني.
وجّه الصحافي أحمد إيفا، لدميرتاش السؤال التالي: مع اندلاع حرب واسعة النطاق بين روسيا وأوكرانيا، و التي من المحتمل أن يكون لها تأثير على أوروبا الشرقية والشرق الأوسط وبقية العالم، ما هو تقييمك لتصريحات الإدارة السياسية التركية؟
صلاح الدين دميرتاش:
أولاً، لا بد من التأكيد على موقفنا المعارض للحرب بكافة أشكالها، ودعمنا المطلق للسلام. إن الموقف الأخلاقي لا يتّسق مع دعم الحرب بأي حال من الأحوال، مع ذلك، فإنّ الحرب ، و هي جزء مؤلم ومدمر يرافق البشرية منذ آلاف السنين، لا تزال موجودة إلى الآن كأداة للسياسة. الحرب في النظام الرأسمالي العالمي أيضًا إحدى وسائل تنفيذ الاستراتيجيات الوحشية لتشكيل الأسواق وإدارة الأزمات.
ينظر الغرب اليوم إلى النظام الرأسمالي للصين وروسيا، والذي يُشار إليه بـ”الشرق”، على أنه تهديد، ويحاول تقييد تطوّره بشتّى الوسائل. في السابق كانت الشيوعية هي مصدر التهديد الرئيس، أما اليوم فحلّت محلها “السلطوية” في الأدبيات الغربية. تم التعبير عن فرز محور “السلطوية” بوضوح من خلال الرؤية الاستباقية التي تمّت صياغتها غربياً ومفاده أن العالم سيكون خلال فترة رئاسة بايدن في عملية انتقالية؛ من عالم أحادي القطب إلى عالم ثنائي القطب؛ عالم الديمقراطيين و عالم المستبدين. تبلور ذلك بشكل أوّلي في تنظيم الولايات المتحدة مؤتمراً دولياً حول الديمقراطية في التاسع والعاشر من كانون الأول/ يناير الماضي، وكان واضحاً أنّ الدول غير المدعوة مصنّفة ضمن الدول السلطوية، و أبرزها الصين وروسيا وتركيا.
تسعى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى العمل مع الدول “الديمقراطية” في إعادة تشكيل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتحويله إلى أكثر من مجرد كيان عسكري، ضمن مساعي الدول الغربية في تقييد نمو “الرأسمالية الشرقية”، و لا سيما في المجال الاقتصادي.
في المقابل، تدرك كل من روسيا والصين، منذ فترة طويلة، أنهما هدف لهذه المساعي الغربية، و تحاولان اختراق هذه الرؤية لضمان عدم التعثر أمام هذه الخطط، و في هذا الإطار لجأتا إلى زيادة أنشطتهما الاقتصادية بشكل كبير على مستوى العالم، وخاصةً في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط.
إنّ جملة من العوامل تدفع الغرب إلى التكتل أكثر، واتخاذ تدابير للحد من توسع الشرق (الرأسمالية الشرقية)؛ فالصين و روسيا قوتان عسكريتان كبيرتان، و لديهما نفوذ وسيطرة على جزء كبير من مصادر الطاقة العالمية، و تتمتعان بقوة بشرية كبيرة في سوق العمالة، و مستوى القوة الرأسمالية الشرقية بدأت تهدد هيمنة الرأسمالية الغربية.
ضمن هذه المعطيات ينبغي قراءة الغزو الروسي لأوكرانيا؛ فنحن أمام رقعة شطرنج كبرى على نطاق عالمي، و روسيا قامت بأول حركة على رقعة الشطرنج في قلب أوروبا. إن هذه الحرب هي الخطوة الأولى ضمن سلسلة من الصدامات التي ستؤدي في نهاية المطاف إلى تغييرات جوهرية في النظام العالمي.
من ناحية أخرى ، فإن الأبرياء يدفعون الثمن الأكبر من جرّاء هذه الحروب. لذا، لا بدّ من النظر أيضاً إلى هذه الحرب بعين المظلومين و المستَغلّين. يجب أن نقول إن عالمًا آخر كبديل للرأسمالية والإمبريالية، أمرٌ ممكن، وأنْ نواصل الكفاح لصياغة منظور يساري يقوم على الديمقراطية الراديكالية والحقوق المدنية وحقوق العمال والهويات والمعتقدات الاجتماعية المختلفة و المساواة بين الجنسين.
بالنسبة للسلطة الحاكمة في تركيا، فإنّ حزب العدالة والتنمية والحركة القومية، ينتهجان سياسات انتهازية لاستغلال غنائم الحرب، في محاولة منهما للتعامل مع الأزمات الداخلية والخارجية.
في المقابل، يجب أن نستند إلى رؤية شاملة، وليست ذاتية، في حل الأزمات الداخلية والخارجية، وأن نسعى إلى الانتصار من خلال الدفاع عن مسار السلام، و جعل الإدارة الديمقراطية بديلاً حقيقياً، من خلال دعم مقاومة الكادحين في كل تركيا، وتوحيد هذه المقاومة مع النضال من أجل حرّية الشعب الكردي.
* نُشر اللقاء في موقع medyanews باللغة الإنجليزية