الحرب الأوكرانية.. المواجهة العسكرية المباشرة مع روسيا لا تخدم الولايات المتحدة

توم زد كولينا

ناشد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في خطاب مؤثر وعاطفي  أمام الكونغرس يوم الأربعاء، الولايات المتحدة لتقديم المزيد من المساعدات لبلاده من أجل التصدي للغزو الروسي البربري غير المشروع. واستشهد زيلينسكي بالهجوم الياباني على ميناء “اللؤلؤة”، وهجمات تنظيم القاعدة على مركز التجارة العالمي في الولايات المتحدة، قائلاً “نحن بحاجة إلى المزيد من الدعم والمساعدة “.

بالنظر إلى خطورة الغزو الروسي وتداعياته، يتوجب على الولايات المتحدة اتخاذ المزيد من الخطوات لإيقاف الحرب، وتخفيف وطأة المعاناة الإنسانية للأوكرانيين. استمرت الولايات المتحدة بدعم الأوكرانيين بالأسلحة للتصدي للغزو الروسي، مثل صواريخ “ستينغر” المضادة للطائرات، وصواريخ “جافلين” المضادة للدبابات، عطفاً عن فرض عقوبات اقتصادية قاسية وشاملة على روسيا. وبعيد خطاب زيلينسكي، أعلن الرئيس بايدن عزم الولايات المتحدة على إرسال مساعدات عسكرية، إضافية إلى أوكرانيا بقيمة 800 مليون دولار، كجزء من حزمة دعم تبلغ قيمتها 14 مليار دولار كان قد وافق عليها مُسبقاً.

ولكن، هناك خطوط حمراء يتوجب على الولايات المتحدة عدم تجاوزها، وبمعزل عن تعاطفنا مع الشعب الأوكراني و محنته، فإن توجّه إدارة بايدن في تفادي تعميق المشاركة العسكرية الأمريكية في أوكرانيا صائب، وذلك خشية من أن يؤدي ذلك إلى مواجهة مباشرة بين حلف الأطلسي وروسيا والتي ستكون عواقبها وخيمة. فعلى سبيل المثال، إذا ما رضخ بايدن للضغوط بفرض منطقة حظر طيران في أوكرانيا، فإن ذلك حتماً سيؤدي إلى حرب نووية. وفي هذا الصدد، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش هذا الأسبوع “أصبحت احتمالات نشوب حرب نووية واردة وذلك بعد أن شهد العالم فترة استقرار منذ الحرب العالمية الثانية”.

بعد حربٍ باردة بينهما، يُدرك بايدن جيداً أن الصراع المباشر بين الولايات المتحدة وروسيا يمكن أن يتصاعد إلى حرب نووية، ربما ولّت حقبة الاتحاد السوفييتي قبل نحو 30 عاماً، ولكن إرثه النووي مازال باقياً في مقابل الترسانة النووية التي تمتلكها الولايات المتحدة. وتداعيات الاستخدام المتبادل للأسلحة النووية ستكون كارثيّة ليس على البشر فقط بل أيضاً على البيئة، وسيؤدي إلى حدوث مجاعات ومزيد من الوفيّات نتيجة للإشعاعات في منطقة الانفجار، كما سيؤدي أيضاً إلى نهاية الحضارة و تبدلّ شكلها السابق.

تدرك إدارة بايدن جيداً حجم المخاطر. حيث صرّح بايدن في 11 آذار /مارس بالقول ” لن ننزلق في أتون حرب مع روسيا في أوكرانيا، فالمواجهة المباشرة بين حلف شمال الأطلسي وروسيا ستكون حتماً شرارة للحرب العالمية الثالثة، وهو أمر يتوجب علينا بكل ما أوتينا من طاقة تجنّبه”. على ضوء ذلك، رفضت إدارة بايدن إرسال قوات أمريكية إلى أوكرانيا في الوقت الراهن، وعوضاً عن ذلك أرسلت قوّاتها إلى دول حلف شمال الأطلسي بأوروبا الشرقية، وتعهّدت بمؤازرتها ضد أية أطماع روسية مستقبلية.

برؤية ثاقبة و تصرف سديد، رفض بايدن فرض منطقة حظر طيران في أوكرانيا، فضلاً عن رفض عرض بولندي لتزويد أوكرانيا بطائرات مقاتلة من الحقبة السوفيتية من طراز “ميغ” لعدم استفزاز روسيا، وبالتالي حدوث مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة.

ولكن في ظل الأزمة الإنسانية المتصاعدة في أوكرانيا يتوجب بذل المزيد من الجهود للتخفيف من وطأتها. من المؤسف أن نقف هنا في الولايات المتحدة عاجزين عن فعل شيء خشية حدوث حرب نووية. حذّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أن ” أية دولة تقف ضد روسيا في أوكرانيا ستتلقى رداً قاسياً لم تشهد مثله في تاريخها”. بوتين في الحقيقة يبتزّ الدول بسلاحه النووي كي لا تقترب من أوكرانيا و تقدّم المساعدة لها. هل هو مُخادع؟ من المرجح أنه كذلك، ولكن بالنظر إلى العواقب المحتملة، لا يمكننا تحمّل مغامرة التقدير الخاطئ للموقف.

ما الذي يتوجب فعله من أجل أوكرانيا؟ بداية، يتوجّب مواصلة الجهود الدولية لوضع حدّ لهذه الحرب الوحشية، فالعقوبات التي فُرضت على روسيا والأسلحة التي يُرسلها البنتاغون إلى أوكرانيا هدفها زيادة الضغط على روسيا، ورفع تكلفة الصراع على بوتين، ذلك لإجباره على عقد تسوية سياسية. يتوجب أن يستمر هذان المساران تزامناً مع سعي البيت الأبيض عدم الانجرار إلى مواجهة مباشرة بين حلف شمال الأطلسي و روسيا. كلما طالت مدة الحرب، زادت تكلفتها على طرفي النزاع. وعلى الرغم من رؤية معاناة الأوكرانيين إلا أن ذلك أقل سوءً بالمقارنة مع حرب نووية شاملة قد تحدث وتسّبب خسائر بشرية هائلة ومأساة تفوق معاناة الأوكرانيين بأرقام مضاعفة.

الأمر الآخر الذي يتوجّب فعله هو تغيير موقفنا تجاه الأسلحة النووية، وإدراك أن طرق التفكير القديمة قد عفا عليها الزمن، وأصبحت خطيرة. كما أن الترسانة النووية الأمريكية عاجزة عن فعل شيء لنا في هذا الصراع لإرغام بوتين على التراجع عن غزوه لأوكرانيا. لجأ بوتين لترسانته النووية و جعلها غطاءً لحربه ضد أوكرانيا والتهديد بها لكل من تسوّل نفسه التدخل ضد روسيا، إن ذلك يدلل على استعداد الدول النووية غزو الدول الضعيفة تحت تهديد استخدام السلاح النووي لكل من يقف بوجهها، من هذا المنطلق يتوجب علينا أن نرفض استخدام الأسلحة النووية ونبذل جهداً لإجبار روسيا على عدم التهديد بهذا السلاح بالمستقبل.

بإمكان إدارة بايدن الحد من استخدام الأسلحة النووية من خلال تغيير سياساتها النووية، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو من هدد باستخدام السلاح النووي أولاً في حربه ضد أوكرانيا. وبهذا يتوجّب على إدارة بايدن أن لا تسلك مسار بوتين بل ينبغي أن تسعى لحشد إجماع دولي حول فكرة أن الغرض الوحيد للأسلحة النووية هو ردع استخدامها من قبل الآخرين، وقد أيّد بايدن هذا الموقف لسنوات.

بالإضافة إلى ذلك، يتوجّب على الولايات المتحدة اليوم أن تبدأ في حشد الدعم الدولي لتقليص استخدام الأسلحة النووية، والعمل على التخلي عنها كي لا تُستخدم من قبل الطُغاة والمستبدّين لارتكاب مجازر مروعة يندى لها جبين الإنسانية.

يتوجّب علينا وضع حدّ لهذه الحرب العبثية وحماية أوكرانيا وتجنب الكارثة النووية، والمهمة الصعبة والشاقة هي تحقيق توازن دقيق وصائب في هذه الأزمة. ولتقليص نفوذ روسيا بالمستقبل، يتوجب أن نتقبّل حقيقة أن الترسانة النووية تصب في مصلحة بوتين أكثر منه للغرب، وأن القنبلة النووية سلاح مخيف ومدمّر، لذلك يتوجّب بذل جهود جبّارة كي لا يخرج عن السيطرة و يدمر العالم.

المصدر: نيويورك تايمز

ترجمة: المركز الكردي للدراسات

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد