فريدريكا خيردينك
في يونيو/ حزيران عام 2018 ، وخلال حملة الانتخابات العامة في تركيا، جاء النائب إبراهيم خليل يلدز، مرشح حزب العدالة والتنمية، إلى متجر عائلة شنياشار في سروج مع اثنين من حراس الأمن. وسروج هي المدينة الواقعة على الحدود مع سوريا، حيث انطلقت منها لشهور حملة تضامن ضخمة بين عامي 2014 و 2015، حين كانت تقاتل القوات الكردية المنضوية تحت راية وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة، تنظيم داعش في معركة كوباني الأسطورية. وقد أوضح حينها حاجي أسود شنياشار، زوج أمينة، وصاحب المتجر، أنه لا يريد ممثلين عن حزب العدالة والتنمية في متجره، وبعد ذلك اندلع شجار، وسرعان ما تم سحب البنادق. وتوفي حاجي أسود على الفور، بينما نُقل ولداه إلى المستشفى. لا أحد يعرف تفاصيل ما حدث في المستشفى لأن الصور والمشاهد كانت “مفقودة”، وفقد كلا الابنين في نهاية المطاف حياتهما. كما توفي عنصر أمني من مرافقي خليل يلدز، في حين حُكم على ابن آخر لأمينة شنياشار بالسجن لمدة طويلة.
بعد أيام قليلة من هذه الأحداث، انتُخب خليل يلدز نائباً في البرلمان، حيث ظل في مقعده بمنأى عن المحاسبة. تقف أمينة مع أحد أبنائها أمام مبنى المحكمة في أورفا (رها) للمطالبة بالعدالة منذ 9 مارس / آذار 2021. هناك عدة تحقيقات قضائية جارية ضد أمينة لمجرد مطالبتها بتقديم القتلة إلى المحاكمة.
وعليه، سأدون رسالة تضامنية مع أمينة شنياشار:
عزيزتي أمينة شنياشار..
لقد مضى نحو 330 يوماً وأنت تطالبين بالعدالة لزوجك وأبنائك أمام المحكمة في أورفا. لقد كتبْتِ مقالة قصيرة نشرت في وكالة ميزوبوتاميا، بأنك رأيت فصول السنة تتعاقب بينما تطالبين بمحاكمة قتلة أحبائك، ولكن بدون جدوى. إلى متى يمكنك الاستمرار على هذا النحو؟
في نفس المقال المقتضب الذي نشر في الوكالة، أوضحتِ أيضاً بأنك تريدين أن تحتضني ولدك المسجون بين ذراعيك قبل أن تأتيك المنية. كما طالبتِ بالإفراج عنه من السجن والعودة إلى المنزل. أتمنى لك حقاً فصلًا جديداً في هذه المعركة ضد الدولة، فصل يمكنك خوضه من منزلك وأنت بين مجتمعك مباشرة، وليس على الرصيف أمام `”قصر العدل” البارد في أورفا. فهذا القصر الذي يطلق عليه “دار العدل” ليس أكثر من مجرد ثقب أسود للعدالة، أليس كذلك؟ فالعدالة تتلاشى هنا دون أي أثر يذكر.
من المحتمل جداً، إنني زرت متجر عائلتك في بلدة سروج الحدودية. كنت هناك لأسابيع متتالية بين سبتمبر/أيلول عام 2014 ويناير/ كانون الثاني عام 2015، عندما كانت تقاتل قوات حماية الشعب بجوار وحدات حماية المرأة بشجاعة ضد حصار داعش لكوباني. مكثتُ في العديد من منازل، منها مقر البلدية، وأحياناً في منزل المعلمين، حيث كان العديد من الصحفيين يمكثون فيه على الدوام. وفي مرة واحدة مكثت في المسجد الواقع في إحدى القرى الواقعة على طول الحدود، حيث تم تنظيم فعاليات التضامن مع وحدات حماية الشعب في كوباني. وعندما كنتُ بحاجة إلى شيء ما، مثل رصيد الهاتف، نوع من الكابلات، جوارب إضافية، سمه ما شئتِ، كنت سأشتريه من أحد المتاجر الصغيرة في وسط المدينة.
كانت الأجواء في المدينة حماسية جداً، مليئة بالطاقة والأمل، ومشبعة بالتضامن. أنا على يقين من أنك تتذكرين كل هذه التفاصيل. وكنت على دراية بصورة مسبقة أيضاً بأن هذه الأجواء لن تدوم. فحزب العدالة والتنمية بصفته الممثل الحالي للدولة لا يمكن الوثوق به، أراهن أنك على دراية بذلك. خاصة أن التضامن والأمل اللذان ألهبا المدينة، لم يكن بفضل حزب العدالة والتنمية في البداية بكل تأكيد، وإنما كانت بفضل الحركة (الحركة التحررية الكردية).
لكن بعد سنوات قليلة من هذه الأجواء، وجدتِ نفسكِ على الرصيف أمام دار المحكمة للمطالبة بالعدالة في جريمة قتل زوجك وأبنائك يوماً بعد يوم، فصلٌ يعقب فصلاً، من الربيع إلى الشتاء، وقريباً سيأتي فصل الربيع مرة أخرى، هو بعيد كل البعد عن أي شيء يمكن أن تتوقعه حتى امرأة كردية. أو أنه شيء يوجد دائماً في خفايا لاشعور أمتكم مفاده: يمكن أن تتغير حياتنا بشكل جذري في أي وقت، لأننا كرد، ولأننا نقاوم؟
أعتذر لطرح مثل هذه الأسئلة. بيد أنني أتابع مشاهد من كفاحِك في سبيل ولدك المسجون، وينفطر قلبي عليك، ويدب اليأس في أعماقي. ابنك يتحدث بحدَة عندما يتحدّث، لكن غالباً يقف إلى جانبك، ويتبنى مطالبك، ويكون صدىً لصرختك. عندما أراكِ تذرفين الدموع، أرجو لك من أعماقي أن تجدي سبيلاً يخفف هذا الألم عنك وأنت محاطة بالعناية وسط عائلتك والمجتمع من حولك.
ثم أغضب مجدداً، وخاصة أعلم أن الشفاء الحقيقي لا يمكن أن يبدأ إلا عندما يتم تحقيق نوع من العدالة، عندما يتم سماعك بطريقة ما. عندما يتم القبض على القتلة الذين أفضّل عدم ذكر أسمائهم، وعندما يتم تجريد المشتبه به الرئيسي، وهو الآن نائب عن حزب العدالة والتنمية، من حصانته البرلمانية وتقديمه للمحاكمة، وحين يتم الإفراج عن ولدك وتبرئته، هل سينتهي اعتصامك عندما يُفرج عنه ياترى؟
نضالكم هو النضال الكردي حتى لو كانت على مساحة متر واحد. لقد دُمرت عائلتك، لكنك أصبحت مطلوبة للمحاكمة بسبب مطلبك الشرعي الكامل بالعدالة. يتم تصوير الضحايا على أنهم مؤيدون للإرهاب، بينما القتلة الحقيقيون هم خدم مطيعون للدولة ويحصلون على ترقية بعد ارتكابهم فظائع، حتى أنهم لا يضطرون إلى إنكارها أو إخفائها. محاولة كل احتجاج يهدف إلى تغيير سلوك الدولة، علماً أنه لن يؤدي إلى النتيجة المرجوة في وقت قريب. ينبغي أن لا أدلي بهذا القول. سيما أن تطورات غير متوقعة قد تحدث فجأة وتقلب المسار رأساً على عقب.
عزيزتي أمينة، في يوم من الأيام، ستأتي هذه التغييرات التي تبدو الآن مستحيلة وغير واقعية. وستكون قد ساهمتِ في تحقيقها بإخلاصك الدؤوب لزوجك الحبيب وأطفالك. قد يكون كفاحك تفصيلاً صغيراً، لكنه ضخم، وفي غاية الأهمية. أنت بطلة، وستبقين إلى الأبد، وكذلك زوجك وأبناؤك الذين لم يعودوا بيننا الآن، بسبب وقوفهم في وجه الوحشية في ذلك اليوم المأساوي عام 2018. النصر لن يكون ممكنًا أبداً بدون أشخاص مثلك.
أتمنى لك عودة آمنة إلى المنزل، قريباً.
تحياتي وتقديري
* فريديريكا خيردينك، صحفية هولندية، صدرت لها مؤلف بعنوان “مات الأولاد” تطرقت فيه إلى تاريخ القضية الكردية في تركيا، كتب هذا النص حصراً للمركز الكردي للدراسات، وسوف يترجم أيضاً إلى اللغة الكردية.