فريق الرصد في المركز الكردي للدراسات
أثار مقتل زعيم تنظيم الدولة الإسلامية، أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، خلال الغارة الأمريكية على منزله في بلدة أطمة بالقرب من الحدود التركية في محافظة إدلب، جملة من تساؤلات حول دور تركيا في إيواء الإرهابيين على حدودها، سيما أن المنزل الذي كان يأوي القريشي يقع على بضع مئات من الأمتار من نقطة تفتيش تسيطر عليها الجيش التركي، وعلى بعد كلم واحد من الحدود التركية.
جاء الهجوم على القرشي بعد أكثر من عامين من العثور على سلفه أبو بكر البغدادي الذي قتل في عملية بقيادة الولايات المتحدة في قرية أخرى على بعد 15 كلم جنوب أطمة. وعلى غرار سلفه ترامب، أذاع الرئيس الأمريكي جو بايدن خبر مقتل زعيم داعش بنبرة تحمل نشوة النصر على الإرهاب، إلا أنّ أكثر من عشرة مسؤولي في المخابرات الأمريكية الحالية والسابقين وخبراء مكافحة الإرهاب أكدوا من خلال مقابلات مع موقع USA Today بأن شبكة تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابية تزدهر، ولديها خطة عمليات مستمرة، وتشكل تهديدًا كبيراً لمصالح الولايات المتحدة والعالم.
ولطالما كانت محافظة إدلب تشكل وكر للإرهابيين الفارين من مطاردة التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية حسب صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، فإن السؤال الذي يبدو ملحاً: ما هو الدور التركي، العضو في حلف الناتو، في إنعاش الإرهابيين وحمايتهم عبر المناطق المحتلة في شمال سوريا؟
وعليه، ثمة خلل جوهري في آلية مكافحة الإرهاب، وتحديداً من موقع تركيا كعضو في حلف الناتو وتسخير نفوذها في إيواء قيادات وعناصر داعش على طول المناطق المحتلة في شمال سوريا، فقد كانت المنطقة الحدودية التركية لسنوات عدة تحت سيطرة التنظيمات المتشددة، تارة عبر المليشيات السورية المسنودة من تركيا، وتارة أخرى، من خلال هيئة تحرير الشام، وهي فصيل جهادي كان يُعرف سابقاً باسم جبهة النصرة، ويرأسها أبو محمد الجولاني الزعيم السابق لفرع القاعدة في سوريا.
ميدانياً، تمتلك تركيا نحو عشرة مراكز مراقبة عسكرية في المنطقة التي تسيطر عليها المعارضة الإسلامية الموالية لها، وتعتبر نفسها الضامن لتلك الزاوية من سوريا، وذلك بعدما مزقت الحرب البلاد تقريباً وشرذمتها إلى مناطق نفوذ دولي، فكانت محافظة إدلب من حصة تركيا منذ فترة طويلة. وعلى الرغم من أن غالبية المناطق المحتلة من قبل تركيا تحتضن العديد من الفصائل والتشكيلات التي تحمل الفكر الجهادي وتنحدر أعضائها من القاعدة وتنظيم داعش، فإن الدول الغربية لا تزال تساهم في إرسال المساعدات الإنسانية تحت ذريعة الحدّ من النزوح والهجرة صوب أوروبا، وتتغاضى عن خلفية هذه التشكيلات الجهادية المتطرفة، وأحياناً تفرض رقابة صارمة على وسائل الإعلام الغربية والمنظمات الحقوقية المعنية بعدم نقل الصورة كما يجب. لكن ما هو المسكوت عنه حسب بعض الخبراء، يتمثل في أن هذه التشكيلات المتطرفة تُستثمر من قبل تركيا وبعض الأجندات الغربية ضد النفوذ الروسي والإيراني ونظام بشار الأسد، والمفارقة، إن قوات سوريا الديمقراطية التي تقود حملة محاربة الإرهاب بصورة مباشرة، كانت ضحية لهذه المقاربة في المقام الأول.
عقب مقتل القرشي، بدأت بعض الصحف الغربية تخرج عن صمتها، إذ كشفت صحيفة اندبندنت البريطانية في تقرير لها بأن التاريخ والأحداث الماضية لا تقف إلى جانب تركيا. ففي السنوات التي سبقت إنشاء “خلافة” داعش وما تلاها، فشلت تركيا في تأمين حدودها مع سوريا، مما مكّن آلاف المقاتلين الأجانب من الانضمام إلى الجماعات الجهادية، وتقول إليزابيث تسوركوف، الباحثة في معهد نيو لاينز الأمريكي: “بهذا المعنى، لعبت تركيا دوراً أساسياً في ظهور داعش”.
وأوضحت الصحيفة أن العلاقات بين هيئة تحرير الشام وتركيا غامضة نسبياً، فغالباً ما تعبر الدوريات العسكرية التركية الحدود مع هيئة تحرير الشام، وتعمل كمرافقين ضمن خطة اتفاقيات وقف إطلاق النار التي أبرمت مع راعية النظام السوري، روسيا. ومن المعروف حسب الصحيفة أن جهاز المخابرات التركي MIT لديه اتصالات وثيقة مع نظرائه في هيئة تحرير الشام.
واعتبر نفس التقرير أن حادثة مقتل القرشي ستشكل ورقة الضغط على أنقرة التي تتفاوض مع روسيا حول المنطقة العازلة في سوريا التي تسيطر عليها، على أساس أنها ستضمن استئصال جذور جميع الجماعات الجهادية، بما في ذلك المنشقون عن القاعدة وداعش. بيد أنّ الخطاب التركي الذي يتذرع أمام الرأي العام الدولي بوجوب مكافحة الإرهاب، وقيام أنقرة بين فينة وأخرى في اعتقال ثلة من أعضاء داعش على أراضيها، لا يتماشى مع الأهداف التركية الفعلية في سوريا، وخاصة في مسألة تفضيل محاربة قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية على حساب مكافحة الإرهاب الجهادي. وتالياً، تتناقض المصالح والاهداف التركية بالضرورة مع مصالح التحالف الدولي، وهو الأمر الذي أكده مراراً المنسق الأمريكي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بريت ماكغورك.
بدورها أفردت صحيفة جيروزاليم بوست مقالة الرأي بعنوان” هل الحدود السورية التركية ملاذاً آمناً لقادة داعش”؟ إذ تناولت الصحيفة فكرة مفادها: إن تركيا التي دعمت المتطرفين في سوريا لسنوات عدة، ومكنت الآلاف من أعضاء داعش من العبور عبر تركيا إلى سوريا منذ عام 2014، وكانت لديها اثنان من قادة داعش يعيشون بالقرب من معبرها الحدودي، فإنه من غير منطقي بأنها لا تعلم بكل هذه التحركات، كما أن داعش بدوره لا يشعر بالتهديد من تركيا بسبب وجود الروابط بين قيادته المقربة جداً من تركيا”.
واعتبرت الصحيفة أن السؤال حول قرب قيادات داعش من الحدود التركية، هو سؤال لا يريد المسؤولون الأمريكيون وحلف الناتو الإجابة عليه، لأنه سيثير سؤال آخر عن سبب تمكين تركيا للعديد من المتطرفين من العيش في المناطق التي تسيطر عليها في سوريا. على سبيل المثال: كيف تم العثور على اثنين من أكثر الرجال المطلوبين في العالم يعيشون تحت نفوذ القوات التركية؟ على عكس البغدادي، الذي اختار العيش في مجمع منعزل على مشارف بلدة صغيرة، فقد اختار القرشي مبنى في أكثر المناطق كثافة سكانية في شمال غرب سوريا.
منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2019 عندما سمحت الولايات المتحدة لتركيا بغزو شمال شرق سوريا، حيث كانت القوات الأمريكية تعمل مع قوات سوريا الديمقراطية لمحاربة داعش. فإن هذا الغزو أدى إلى تحرك روسيا صوب مناطق كانت القوات الأمريكية موجودة فيها من قبل. ففي عام 2021، هددت تركيا مرة أخرى بغزو أجزاء من سوريا لمهاجمة قوات سوريا الديمقراطية. كما تواصل أنقرة بصورة دورية في قصف قوات سوريا الديمقراطية التي تقاتل داعش. وقد مكنت هذه العمليات التركية من إنعاش داعش في العديد من النقاط.
من الواضح أن داعش لا يصون نفسه فقط في إدلب، حيث يتم العثور على قادته، ولكن أيضاً في داخل تركيا، فضلاً على أنه شن مؤخراً هجوماً كبيراً على سجن الصناعة في محافظة الحسكة، حيث خلفت المعارك العديد من الضحايا. وعقب إعادة قسد ضبط الوضع الأمني، شنت تركيا غارات جوية واسعة النطاق في سوريا والعراق، مستهدفة مناطق مثل شنكال، كما هاجم متطرفون مدعومون من تركيا بلدة تل تمر، وهي منطقة تعيش فيها الأقليات المسيحية.
يبدو توقيت هروب عناصر داعش من السجن والغارات الجوية التركية ضد المناطق الكردية في سوريا والعراق، ومن ثم عملية مقتل القرشي غامض نوع ما. لكن ما هو المؤكد أن الولايات المتحدة لا تريد التلميح إلى دور تركيا الإشكالي في دعم المتطرفين في سوريا وتوفير ملاذ آمن للمتطرفين في إدلب، حيث مكّن هذا الملاذ الآمن لقادة داعش من الانتقال إلى منزل مجاور لتركيا، وهو المكان الوحيد الذي يبدو أنهم يشعرون فيه بالأمان. ومجدداً تساءلت صحيفة جيروزاليم بوست: كيف لم تلاحظ المخابرات التركية وجود هذه القيادات؟ أما أن تركيا لا تولي اهتماماً بهذا الملف، أو أنها تلعب دوراً فيما يحدث.
يشكل هذا جزءاً من السياق الذي يفسر سبب شعور داعش بالراحة في هذه المنطقة، فمع تطهير عفرين من المكون الكردي، باتت بيئة مثالية لداعش لإقامة معسكراته. إن اختيار القرشي منزلاً له بالقرب من المكان الذي عثرت فيه الولايات المتحدة على البغدادي، يظهر أنه غير قلق. لقد قُتل الآن، وليس من الواضح ما إذا كان سيتم العثور على المزيد من قادة داعش في هذه المنطقة، أو ما إذا كانوا سيعبرون الحدود أو عبر عفرين وإدلب إلى منطقة أخرى. لكن ما هو المؤكد أن استراتيجية مكافحة الإرهاب تحمل بذرة فشلها من داخلها، طالما تواصل تركيا بتوفير ملاذ أمن للإرهابيين.