أنشال فوهرا
في مطلع شباط (فبراير) الجاري، حطّت قوات أمريكية خاصة ( الكوماندوز) قوامها نحو ٢٠ عنصراً على منزل ببلدة تقع شمال غرب سوريا وملاصقة للحدود التركية لإلقاء القبض على زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، الذي عمد إلى تفجير نفسه على غرار سلفه أبو بكر البغدادي في 2019 في منطقة قريبة. وجد زعيما تنظيم داعش ضالتهما بمحافظة إدلب شمال سوريا حيث اتخذاها وكرا لهما، تقع إدلب تحت سيطرة هيئة تحرير الشام، التي كانت تجمعها سابقاً روابط بتنظيم القاعدة ، بيد أنها زعمت تحولها إلى قوة قومية إسلاموية .
منذ عام 2015، أستطاعت الولايات المتحدة تحييد العشرات من قادة القاعدة، إضافة إلى إسلامويين بإدلب بغارات عبر الطائرات المسيرة. وما وجود قيادات بارزة من تنظيم داعش والقاعدة في آخر معقل للمتمردين في سوريا إلا دليل على أن إدلب أصبحت المخبأ المفضل لفلول التنظيمات الجهادية السورية بكافة أشكالها.
وبالانتقال إلى باكستان ، ففي عام ٢٠١١ تم إكتشاف وكر زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في مدينة ” أبوت آباد” ، حيث ساد اعتقاد في تلك الفترة أن البلد الجنوب أسيوي قد أصبح بيئة خصبة لمقاتلي القاعدة وطالبان، الذين تلقوا تدريبات داخل المدارس الدينية في البلاد. بيد أنه في الوقت الراهن تحولت إدلب إلى قبلة للإرهابيين بدلا من باكستان. وهذا يطرح التساؤل حول ما ينبغي فعله في هذا الشأن.
لا تُعارض الولايات المتحدة الوضع الراهن في شمال سوريا والمتمثل بمناطق سيطرة تركيا طالما أنها تستطيع بحرية تنفيذ غارات وضربات جوية لمناهضة الإرهاب. بيد أنها بحاجة إلى وضع أستراتيجة إقليمية جديدة مع روسيا تهدف إلى عودة إدلب إلى حاضنة الحكومة السورية. وفي ظل وجود أعداد كبيرة من الجهاديين في هذه البقعة لم يعد أمام الولايات المتحدة خيارات سوى هذا الحل و إعلان الحرب عليهم.
تزعم هيئة تحرير الشام بأنها تكافح خلايا تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية، حيث من المرجح أن كلا من البغدادي والقرشي قد استغلا الثغرات الأمنية وتسللا إلى إدلب واللذان وجداها مخبئا أمناً، ولكن دون دراية الهيئة بأنهما بمناطق نفوذها. من جهة، رأى بعض المحللين أن هيئة تحرير الشام يمكن أن تكون رأس حربة توظفها الولايات المتحدة لقتال تنظيم الدولة الإسلامية . ومن جهة ثانية، شكك أخرون بمصداقية الهيئة، حيث رأوا ان الهيئة ربما كانت على علم بمكان زعيم تنظيم الدولة الإسلامية، الذي كان يتواجد على مقربة من مركز أمني يعود لهيئة تحرير الشام وموقع عسكري تركي .
معطوف على ذلك، فإن هناك اعتقاد قوي بأن هيئة تحرير الشام تُساند المتطرفين، كذلك تواجه الجماعة اتهامات باستهداف المتمردين الموالين للديمقراطية، وخطف وتعذيب النشطاء وفقهاء القانون والصحفيين الذين ينتقدونها.
و لتظهر بصورة برّاقة، زعمت هيئة تحرير الشام قطع صلاتها بالقاعدة وقدمت نفسها على أنها الممثل الشرعي لنحو 3 ملايين سوري في مسعى منها لإبراز قدرتها على أن تكون بديلاً لنظام بشار الأسد. وتضطلع حكومة الإنقاذ التابعة للهيئة بتوفير التعليم والرعاية الصحية وغيرها من الخدمات. أعادت هيئة تحرير الشام هيكلة نظامها وشكلها على غرار طالبان كقوة إسلامية قومية مناهضة للنظام في محاولة لكسب تعاطف و قبول المجتمع الدولي لها.
أعتبر المبعوث الخاص إلى سوريا إبّان عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، جيمس جيفري امكانية توظيف هيئة تحرير الشام كأداة للضغط على نظام الأسد، وذلك عبر أجراء محادثات سرية معها من خلال وسطاء في المنظمات غير الحكومية وعن طريق الصحفيين. وفي مقابلة له مع قناة ” بي بي أس” العام الماضي، قال جيمس جيفري : «على الرغم من أن الهيئة مُدرجة على لوائح المنظمات الإرهابية، إلا انها ليست من أولى أولويات الولايات المتحدة. فسياسة الولايات المتحدة في سوريا مبنية بشكل أساسي في الضغط على نظام الأسد» .
وفي سياق متصل، اعتبرت إدارة جو بايدن بأن مجموعة أهداف الولايات المتحدة السابقة في سوريا ومن ضمنها الإطاحة بنظام الأسد واستبداله بقوى معارضة، أصبحت مُجافية للحقيقة. بيد أن سياسة بايدن حيال هيئة تحرير الشام لاتزال مُبهمة. هل ستقيم الولايات المتحدة علاقات مع جماعة جهادية تدعي أنها تكافح التنظيمات الجهادية وتشاركها في ذلك؟ أو هل ستعتبرها جزءا لا يتجزء من هذه التنظيمات؟ وفي هذا الصدد، أوضح مدير الأبحاث في معهد أبحاث السياسة الخارجية آرون شتاين لمجلة فورين بوليسي: « لا أعتقد أن هناك دفعا باتجاه إقامة علاقات بين الولايات المتحدة وهيئة تحرير الشام، خاصة وأن التقييم العام يرى الجهاديين المنضوين تحت عباءة الهيئة مسؤولون عن مقتل جنود أمريكيين ».
وبحسب خبراء فأن الأحداث الأخيرة التي جرت بمناطق سيطرتها ستفقد من حظوظ الدفع نحو إقامة أية علاقات مع هيئة تحرير الشام. قال مدير الأبحاث في مركز مكافحة الإرهاب في الأكاديمية العسكرية الأمريكية دانييل ميلتون : « يتوجب إعادة تقييم العلاقة التي تربط التنظيمات الجهادية الثلاث: هيئة تحرير الشام والقاعدة والدولة الإسلامية خاصة بعد اكتشاف ان زعيمي تنظيم داعش كانا يختبئان في إدلب. من جهته، قال مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما جوشوا لانديس :« اعتقدت الولايات المتحدة في ظل إدارة ترامب ان هيئة تحرير الشام ساعدتها بتعزيز نفوذها على الأسد ومنعته من التقدم أكثر السيطرة على مناطق جديدة. بيد أن موقف الولايات المتحدة بدأ بالتحور خاصة بعد مقتل الزعيم الثاني لتنظيم داعش في محافظة إدلب».
وعلى ما يبدو، فقد تبخرت آمال هيئة تحرير الشام في كسب الإعتراف الأمريكي بها بعد تحول مناطقها ( شمال غرب سوريا) إلى ملاذ آمن لمقاتلي القاعدة وداعش . فضلاً عن ذلك، لا توجد رؤية واضحة لدى إدارة بايدن حول آلية تستطيع من خلالها إقناع الأسد بالموافقة على نظام لامركزي في شمال غرب سوريا والعمل لوقف الحرب المستعرة منذ عقود.
تتمحور السياسة الأمريكية في منطقة شمال غرب سوريا حول تسهيل تقديم المساعدات الإنسانية إلى 3 ملايين نازح سوري عبر مجلس الأمن الدولي وغض الطرف عن دعم تركيا للجماعات المسلحة. وفي هذا الصدد، قال آرون لوند ، الزميل في مؤسسة القرن و خبير في وكالة أبحاث الدفاع السويدية:« دأبت الولايات المتحدة إلى إبرام صفقات مُقايضة مع روسيا لكيلا تستخدم روسيا حق النقض ( الفيتو) تمنع بموجبه دخول المساعدات الإنسانية إلى منطقة المعارضة ، فضلا عن دعم السياسة التركية القائمة بسوريا ليكون موقفها قويا في محادثاتها مع موسكو على الصعيدين الإنساني والعسكري. بيد أن تحقيق ذلك بمنتهى الصعوبة كون السياسات الأمريكية و التركية تقفان على النقيض في مناطق أخرى من سوريا» .
تعمل تركيا وتنسّق مع هيئة تحرير الشام بغية دفعها لقتال القوات الكردية وتثبيت وجودها في المناطق الكردية التي تراه أمر حيوياً بالنسبة لها، في حين انها تتغاضى عن تنظيمي القاعدة وداعش. وفي هذا السياق، تحدث مقاتل من الجيش السوري الحر لفورن بوليسي قائلاً لن تستقر إدلب حتى يتم محق جميع التنظيمات الإسلاموية . وتابع حديثه مفضلا عم ذكر اسمه :« في الوقت القريب، سيُعلن عن معركة مع الإسلامويين لأنه لا مستقبل لهم في سوريا، إنها مسألة وقت فقط. وأعتقد أن هذا السيناريو مثاليا للولايات المتحدة، بيد أن المعارضة المعتدلة ، حسب رأي الكثيرين ، غير قادرة على هزيمة كادر هيئة تحرير الشام المنضبط.
وفي حوار أجرته فورن بوليسي، أكد الرئيس المشترك السابق لحزب الإتحاد الديمقراطي صالح مسلم :« ان قوات سوريا الديمقراطية _ حليف الولايات المتحدة في قتال تنظيم داعش _ أماطت اللثام عن معلومات تفيد بأنه معظم المقاتلين الذين هاجموا سجن الحسكة بهدف تحرير عناصر داعش تسللوا من المناطق الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام، التي هي أصلا وجه آخر لتنظيم داعش». تعتبر تركيا والقوات الكردية حليفين للولايات المتحدة، وفي نفس الوقت هما عدوان لدودان. وبعد أن قدمت القوات الكردية تضحيات جسام وقوافل من مقاتليها لدحر تنظيم داعش، هاهو الآن يعيد ترتيب صفوفه ويستجمع قواه متخذا إدلب قاعدة له. وأضاف مسلم :« يتوجب على الولايات المتحدة أن تقضي على هيئة تحرير الشام و تفكيكها».
ليس الأمر بالمستغرب حيال ضبابية الموقف الأمريكي فيما يتعلق بتحديد أولوياتها في الشمال السوري، خاصة وأن الولايات المتحدة لا يوجد لها هدف في سوريا بحكم انها غير مهتمة بهذا البلد، أو لتعدد الأطراف الفاعلة و المتصلبة في مواقفها. إن بقاء القوات الأمريكية في سوريا لأجل غير مسمى سواء فيما يخص حماية حلفائها الكرد أو لملاحقة فلول الجهاديين المختبئين في إدلب، ليس حلا يمكن الاتكال عليه. وعوضا عن ذلك، بإمكان الولايات المتحدة تفعيل المسار الدبلوماسي مع الأتراك والروس للضغط على حلفائهم للتقليل من سقف توقعاتهم وإيجاد تسوية طويلة الأمد للمناطق المحاصرة المتبقية.
وحتى الآن تبدو هذه مهمة صعبة وشائكة للغاية على إدارة بايدن التي وجهت تركيزها نحو الأهداف قصيرة الأمد التي تعتبرها قابلة للتحقيق. وفي الوقت الراهن، سيبقى وجود واشنطن في شمال سوريا مُنصباً على الدعم الإنساني ومراقبة مكافحة الإرهاب وشن غارات جوية ضد تنظيمي القاعدة وداعش.
في الوقت الحالي، يبدو هذا أمرًا طويلاً للغاية بالنسبة لإدارة بايدن، والتي بدلاً من ذلك ضيقت تركيزها نحو الأهداف قصيرة المدى التي تعتبرها قابلة للتحقيق. لذا، سيظل وجود واشنطن في شمال سوريا مركزًا على الدعم الإنساني ومراقبة مكافحة الإرهاب والضربات الجوية ضد القاعدة وداعش.
المصدر: فورين بوليسي
ترجمة: المركز الكردي للدراسات