ماذا تحمل ألمانيا في عصر ما بعد ميركل للكتلة الأوروبية؟

سيلفيا أمارو

في الوقت الذي تستعد فيه ألمانيا لإصلاح وضعها السياسي الراهن، يتطلع المحللون إلى التأثير الذي يمكن أن تحدثه الحكومة المقبلة على الإتحاد الأوروبي.

وفي هذا الصدد، توجه يوم الأحد ناخبو أضخم إقتصاد في أوروبا إلى صناديق الاقتراع في تصويت حاسم لأختيار مستشاراً جديداً وذلك خلفاً للمستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل” والتي أمضت 16 عاما في منصبها.

ووفقًا لنتائج الإنتخابات الأوليّة فقد فاز الحزب الاشتراكي الديمقراطي بفارق ضئيل عن منافسيه بنسبة 25.7 ٪ من التأييد. والذي يحاول الآن تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب الخُضر والحزب الليبرالي. بينما حصل تحالف “ميركل” المحافظ والذي يشمل “الإتحاد الديمقراطي المسيحي” و “الإتحاد الإجتماعي المسيحي” ، وكان يهيمن على السياسة الألمانية لعقود، على أسوأ نتيجة له منذ الحرب العالمية الثانية، حيث حصل على 24.1٪ من الأصوات.

يبدو أن مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي لمنصب المستشار ” أولاف شولتز” والذي يشغل حاليا منصب وزير المالية في البلاد ونائب المستشارة “ميركل” في الطليعة ليكون الزعيم الألماني القادم . رغم أن ذلك  ليس بالأمر الحاسم،  إضافة إلى أن السعي لإقامة تحالفات  ومحادثات قد يكون مصيره الفشل.

في هذا السياق، قالت دانييلا شوارزر، المديرة التنفيذية في مؤسسة المجتمع المتحرر، لشبكة “سي إن بي سي” يوم الاثنين حول ماهية علاقة “شولتز” بأوروبا :” في حال فوز أولاف شولتز بمنصب المستشار، سيكون في وضع جيد تماماً، لأنه على الأقل يتمتع بخبرة وزير المالية”.

وعلى الرغم من ذلك، أشارت شوارزر إلى أن شولتز يفتقر للحنكة التي كانت تتمتع بها ميركل، التي لعبت دوراً محورياً في السياسة الأوروبية لسنوات.

وأضافت:” ربما ستكون الأمور في غضون الأشهر القادمة على وجه الخصوص-  بالنظر إلى الإنتخابات الفرنسية المقبلة في الربيع المقبل- أقل سلاسة مما كانت عليه سابقا “.

ولطالما حملت ألمانيا، باعتبارها إحدى الدول المؤسسة للإتحاد الأوروبي، عبئا ثقيلا في صنع السياسة الأوروبية. فخلال فترة عملها كمستشارة ، ساعدت ” ميركل  في قيادة استجابة الاتحاد للأزمة المالية العالمية وأزمة الديون السيادية وأزمة الهجرة، ومؤخراً جائحة فيروس كورونا.

بعيداً عن أسلوب القيادة، هنالك سيل من الأسئلة حول دور المستشار الألماني الجديد في تحقيق تكامل أعمق بين إقتصادات دول اليورو الـ 19.

وفي مقابلة له يوم الإثنين قال المدير الإداري في وحدة إدارة المعلومات الاقتصادية، روبن بيو، لبرنامج ” صوت أوروبا الإقتصادي” والذي يعرض على قناة ” سي إن بي سي”  :” في الوقت الذي تجري الأمور بسلاسة وإيجابية والتي يتطلع إليها الإتحاد الأوروبي، أعتقد أن قدرة المستشار الألماني على التصرف بشكل حاسم ستكون مقيدة للغاية، وذلك لأن الائتلاف ، بمجرد تشكيله، من المرجح أن يميل أكثر قليلاً نحو تكامل الإتحاد الأوروبي أكثر مما كان عليه في الماضي”. إلا أنه شدد أيضاً على أنه سيكون من الصعب إدارة تحالف ثلاثي، نظراً لتشعب الآراء. وأضاف بيو ” لا أعتقد أننا سنشهد قيادة قوية في هذه المرحلة “.

القضايا الأوروبية

سيتعين على الحكومة الألمانية القادمة التعامل مع العديد من القضايا في أوروبا. فأحد المشاريع الحيوية على مستوى منطقة اليورو هو أستكمال ما يسمى بـ” الاتحاد المصرفي” الذي ينقل الصلاحيات من السلطات المصرفيّة الوطنية إلى المؤسسات على مستوى أوروبا. وتم التلكؤ بإنجازه نتيجة ” أزمة الديون” ، بيد أن ألمانيا كانت متحفظة بشكل خاص تجاه هذه الفكرة وخاصة أن العديد من الألمان يعارضون المشروع، خوفاً من إجبارهم على دفع فواتير باهظة لدعم دول اليورو الأقل تحفظاً من الناحية المالية.

ومن المقرر أيضا أن تقوم منطقة اليورو بتحديث “قواعد الدين” و” القواعد المالية” في عام 2022 لأن القواعد قد تم تجاوزها في عدة مناسبات، فعلى سبيل المثال أبلغت دول مختلفة عن نسبة دين أعلى من 60 ٪ من الناتج الإجمالي المحلي، وفي ضوء ذلك من المتوقع أن تستمر وتيرة الاختلافات.

من غير الواضح فيما إذا كانت ألمانيا، المعروفة بدعمها لسياسة مالية صارمة عبر الاتحاد، ستدعم التغييرات في “سقف الديون” على وجه الخصوص.

 إتخذ الإتحاد الأوروبي القرار في يوليو /تموز عام 2020 لجمع الأموال بشكل مشترك من الأسواق العامة لتمويل تعافي المنطقة من الوباء. حيث تم تقديم ما يسمى “صندوق التعافي” كإجراء لمرة واحدة لاسترضاء الدول المحافظة مالياً مثل “هولندا” ، بيد أن بعض الخبراء يتساءلون عما إذا كان بإمكان الإتحاد الأوروبي أن يجعله أداة دائمة، وهو أمر يتطلب دعم المستشار الألماني الجديد.

وفي سياق متصل أعرب “شولتز” مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي لمنصب “المستشار” في ألمانيا بأن القواعد المالية في أوروبا مرنة بما يكفي بالفعل والتي سمحت للبلدان بإنفاق المزيد لمكافحة الوباء. وفي الوقت عينه تجنب الأسئلة المتعلقة بزيادة “ديون” الإتحاد الأوروبي مرة أخرى في المستقبل، قائلاً إن هذا ليس نقاشاً مطروحاً في الوقت الراهن .

في غضون ذلك، قال محللون في شركة “أوراسيا الإستشارية” في مذكرة يوم الاثنين إن الحزب الليبرالي، والذي من المرجح أن يظهر في الإئتلاف الألماني المقبل قد ” تحول إلى حد ما من المشككين في الإتحاد الأوروبي فيما يتعلق بتكامل أعمق في منطقة اليورو. وبالتالي، من غير المرجح حدوث تخفيف دراماتيكي للموقف الألماني بشأن ديون الاتحاد الأوروبي والقواعد المالية، وبالتالي عدم جعل صندوق التعافي أداة دائمة من أدوات الهيكل المالي للإتحاد الأوروبي”.

هناك قضية أخرى في أوروبا وهي محاولاتها الطموحة لتصبح خالية من الكربون بحلول عام 2050. ولتحقيق ذلك، يناقش المشرعون الأوروبيون خطة ملموسة لتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 55 ٪ على الأقل بحلول عام 2030. وسيكون لألمانيا، بقطاعها المعروف في صناعة السيارات، دور رئيسي تلعبه في هذه المجال إذا ما كان الاتحاد الاوروبي يهدف تحقيق طموحات عملياتية غير تسويفية.

وفي هذا السياق، وصفت شركة “أوراسيا الإستشارية” “شولتز” مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي بأنه براغماتي في هذه الناحية، وحسب كلامه قال إنه سيكون “منفتحا على إستخدام مساحة للمساعدة في تمويل انتقال ألمانيا إلى إقتصاد متعافي دون أن تترتب على ذلك أية آثار مالية”.

كان رئيس البرلمان الأوروبي” ديفيد ساسولي” أحد السياسيين القلائل في أوروبا الذين علقوا على نتيجة التصويت. وبعد تهنئة شولتز بفوزه، قال: “بعد هذه الأزمة التاريخية ، ليس هناك متسع من الوقت لإضاعته : أوروبا بحاجة إلى شريك قوي وموثوق في برلين لمواصلة عملنا المشترك من أجل الانتعاش من الناحيتين الاجتماعية واقتصاد صديق بالبيئة”.

ترجمة: المركز الكردي للدراسات

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد