أبعاد حرب “باردة” جديدة في الشرق الأوسط

محمد فؤاد تينغاي

يمكن القول إن إيران والمملكة العربية السعودية، والتي لهما ثقل في الشرق الأوسط، يمثلان الإتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط. إن هيمنة البلدين كبيرة جدا في كل جانب من جوانب الشرق الأوسط تقريبا. الصراع بين البلدين هو صراع ” قديم مُتجدد” على أساس الدين بين “السُّنة والشيعة”. ومع ذلك، نحن بحاجة إلى التمعن في أصل هذا الخلاف عبر السنوات الـ 41 الماضية.

أضحى عام 1979 بداية القصة التي تدور فيها هذه الحرب الباردة. فبعد سقوط نظام “شاه إيران”، إستبدلت إيران قيادتها العليا بـِ “آية الله الخميني” وجعلت من الطائفة “الشيعة” ركيزة للدولة. وهذا بالطبع مثل صدمة للعالم الإسلامي وخاصة “السعودية”، التي تحمل راية الدول الإسلامية في العالم، من هذا المنطلق يمكن القول أن السعودية بدأت تنتابها المخاوف من إيران، في ظل سعي الأخيرة لنشر “التشيّع ” في العالم الإسلامي وإطلاق تسمية ” الجمهورية الإسلامية” على نظام حكمها. في حين تمثل كل من “مكة المكرمة ” و “المدينة المنورة” أقدس المدن بالنسبة للمسلمين، مما يجعل المملكة العربية السعودية لها ثقل خاص. بشكل عام، هناك اختلافات كثيرة بين ” السُّنة والشيعة ” حدثت منذ وفاة النبي محمد.

من ناحية أخرى، يتبلور الإختلاف بين هاتين الدولتين في مجال التعاون الدولي أيضاً، فإيران يتمحور مفهومها حول  إخراج الشرق الأوسط من بوتقة الإستغلال الغربي، وخاصة الولايات المتحدة التي تعتبر دول الشرق الأوسط ساحة لـِ تصفية حسابات.

على نقيض ذلك، فالسعودية لها علاقاتٍ وثيقة مع الغرب مستفيدة من قطاع النفط لديها في إستمالتهم. وهذا ما يجعل ” إيران والشيعة” متناقضين سياسياً مع السعودية بمجالات شتى، فهم يفضلون تمويل “الجماعات الشيعيّة” المسلحة المتحالفة مباشرة معهم وتدعم المُتعاطفين معهم مثل ” بشار الأسد ” في سوريا. ويمكن القول إن إيران بدأت الآن في محاصرة المملكة العربية السعودية ومحاولة تضييق الخناق عليها، فهي مُتغلغة في العراق واليمن ولبنان. خاصة فيما يتعلق بكيفية ردهم على فلسطين، حيث يبدو أن إيران أكثر وضوحا في تقديم الدعم لحلفائها على عكس السعودية. فلقد دعمت إيران “حزب الله” في لبنان كذراع لها والذي شكل حلفا مع حركة “حماس” لمواجهة إسرائيل . وعبر السنوات الخمس عشرة الماضية، تفاقمت الخلافات بين السعودية وإيران بفعل سلسلة من الأحداث. لم يعلن البلدان البتة مواجهة مفتوحة مع بعضهما البعض، لكنهما خاضتا حروبا بالوكالة في العراق وسوريا واليمن وتونس والبحرين وليبيا والمغرب. مؤخراً، بدأت المملكة العربية السعودية بتوطيد نفوذها في لبنان باعتبارها ساحة المعركة التالية لحروبها بالوكالة.

وعلى الرغم من أن لبنان معرض لخطر “الفوضى” كما هو الحال في سوريا، إلا إن المصالح السعودية تسير بسلاسة هناك بحسب خبراء. ويمكن للصراع في لبنان أن يجذب إسرائيل بسهولة إلى “حزب الله”، وقد يؤدي ذلك إلى إندلاع حرب إسرائيلية لبنانية ثالثة أشد ضراوة من الحرب السابقة. أما بالنسبة “للخليج الفارسي ” فهو يعد بؤرة للتوتُّرات باعتبار كلتا الدولتين لهما حدود بحرية مع بعضهما البعض في هذا الخليج. وفي هذا الصدد تصنف الولايات المتحدة وحلفاؤها” إيران” على أنها قوة مزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط، وهذا ليس إلا بسبب المصالح. يمكن أن يجعل هذا النشاط السعودي الجديد مصدرا لمزيد من عدم الإستقرار في المنطقة، حيث يركز التعاون الغربي على المملكة العربية السعودية باعتبارها القوة الدافعة بالمنطقة .

تبعاً لذلك، يجعل هذا النزاع الدول الأخرى تضغط من أجل إيجاد حل له كما فعلت الصين وروسيا . بيد إننا بحاجة إلى النظر في السبب الكامن خلف هذا الصراع ، مثل “الدين” و “المصالح السياسية” .

يثير هذا الوضع القائم  التساؤل حول إلى أين تتجه سياسة البلدين، وخاصة السعودية. ففي 29 سبتمبر / أيلول إلتقى البلدان في العراق إضافة لمشاركتهما في محادثات رفيعة المستوى بعد قطع العلاقات فيما بينهما منذ العام 2016. وقد تم تأكيد إنعقاد هذا الإجتماع التي حامت حوله الشكوك من قبل مسؤول حكومي، و أفادت تقارير أيضا بأن الرياض لديها مخاوف و تحفظّات بشأن أمتلاك إيران لأسلحة نوويّة. ومع ذلك، في الوقت الراهن، يحتاج المجتمع الدولي فقط إلى إنتظار ما سيحدث في المستقبل، لأن هذا الإجتماع تم في أوج الصراعات المستمرة في دول الشرق الأوسط الأخرى حيث يتحرك وكلائهم. وفي مؤتمر للجمعية العامة للأمم المتحدة تم عبر تقنية الفيديو، قال العاهل السعودي الملك سلمان “نأمل أن تؤدي محادثاتنا إلى نتائج ملموسة من شأنها بناء الثقة وإحياء التعاون الثنائي”.

إن الطموحات السياسية للبلدين متناقضة، بيد أن إيران أبدت أستعدادها للتعاون مع العالم الغربي، وخاصة الولايات المتحدة، باستثناء إسرائيل التي قللت من قيمتها السياسية في  محاولة منها لتقليص تواجد القوى الغربية في الشرق الأوسط. وبالفعل ، فإن مصداقية التوجه السياسي للسعودية وإيران بدأ يتأقلم تدريجيا مع الوضع الراهن على نقيض ما كان سابقا. إن التكيف ضروري لرؤية آفاق التعاون والأمن . لا يمكن إنكار أن الإستراتيجية القديمة قد لا تكون مناسبة في ظروف عالم اليوم إذا تم النظر إليها من وجهة نظر سياسية. ومع ذلك، من حيث الدين، تعطي هذه المشكلة على الأقل انطباعا بأن “السُّنة” قد قبلوا وجود “الشيعة”، وهو ما يتعارض تماماً مع قيم الإسلام السنّي تاريخياً.

تأتي “عملية التفاوض” هذه في مصلحة الإيرانيين، حيث سيكونون أكثر حرية في نشر “إيديولوجيتهم” دون الحاجة إلى استخدام الوكلاء كوسيلة للقتال وتقليص الميزانية. أما بالنسبة للسعوديين فينبغي عليهم أن يتخلوا عن صورتهم كممثلة لدول العالم الإسلامية، وهم بحاجة إلى قوة سياسية وفكرية لمواجهة الأفكار التي تطرحها إيران. ومع ذلك، فإن هذه المفاوضات قد تعزز فقط الأمن الداخلي، والقوة الإقليمية، والتهديد غير المتكافئ ضد المملكة العربية السعودية، هو بخلاف التهديد الاكبر والدائم  والمتمثل في القوة النووية الإيرانية المنتشرة في الخليج الفارسي.

المصدر: مودرن دبلوماسي

ترجمة: المركز الكردي للدراسات

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد