ناتالي أرمبروستر
جرى لقاءٌ بين كلٍّ من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان مؤخرا في “سوتشي” لمناقشة العمليات العسكرية في شمال غرب سوريا. وقبل هذا الحدث كان أردوغان يعول كثيراً على التعاون العسكري التركي مع روسيا واصفاً إيّاه بأنه يُشكّل “أهميّة قُصوى” في إشارة إلى ما تعلمه الولايات المتحدة بالفعل: لا تشعر تركيا بأنها ملتزمة بمسؤولياتها تجاه حلف “الناتو”. ولن تتردد في اتباع المسار الأكثر إنسجاما مع مصالحها الخاصة، بغض النظر عن موقعها سواء مع الغرب أو مع روسيا . وفي ضوء ذلك، يمكن للولايات المتحدة أن تعي ما يحدث وتتعلم عبر هذه السياسة الواقعية الذكية والجريئة.
في عام 2019، بعد سنوات من مسك تركيا للعصا من المنتصف بين ” روسيا و الغرب” ، بدا أن تركيا تدقّ الإسفين في نعش مصداقيتها في “حلف الناتو” خاصة بعد إقدامها على شراء منظومة صواريخ “إس 400” الروسية ، الأمر الذي حذا بطرد تركيا من برنامج تطوير “مقاتلات إف_35″ المشترك بين أعضاء حلف الناتو. لاحقاً أصدر البيت الأبيض بيانًا بشأن هذا القرار قال فيه إن شراء تركيا للمنظومة الروسية جعل ” مشاركتها المستمرة في تطوير مقاتلات إف_35 أمرا مُستحيلا” لإن مقاتلات “إف_35″ لا يمكن أن تتواجد مع منصة جمع معلومات إستخبارية روسية”. ومع ذلك، كان المسؤولون مثل السناتور” جيم ريش” (جمهوري من ولاية أيداهو) أكثر صراحة بشأن تداعيات الصفقة مؤكداً: “هذا ليس نزاعاً بسيطاً مع هذا البلد، فلم يكونوا صادقين معنا و مع حُلفائهم الآخرين في الناتو”.
وفي هذا السياق، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على تركيا، وحثت أردوغان على العدول عن القرار ، إلا أنّ أردوغان ضاعف جهوده قبل اجتماعات سوتشي الأخيرة، حيث قال : ” ليس من الممكن أن نتراجع عن الخطوات التي اتخذناها … من الأهمية بمكان أن نستمر في تعزيز العلاقات التركية الروسية بشكل مستمر “. لقد إختارت تركيا موقفها و مسارها. وبناء على ذلك، ينبغي على الولايات المتحدة تعديل سلوكها والتوقف عن التعامل مع تحالفاتها في الناتو باعتبارها أمرا مقدساً في الوقت الذي يبدو أن تركيا مُخلة في علاقاتها مع الحلف.
على الرغم من امتلاك تركيا ثاني أكبر قوة عسكرية دائمة في “الناتو”، إلا إنها تتجه رويدا رويدا نحو نقطة تصبح فيها عائقاً محتملاً للتحالف، أكثر من كونها مصدر قوة له. و مع عدم إستبعاد نقاط التوتر في سوريا وليبيا، فإن النقطة الأكثر اشتعالًا للصراع المحتمل هي التزام تركيا الدائم بالدفاع عن أذربيجان ضد أرمينيا، من خلال تدريب الضباط الأذريين وتزويدهم بالمعدات العسكرية. وفي حال إندلاع صراع مرة أخرى، فسيكون بين أذربيجان المدعومة من تركيا وأرمينيا المدعومة من روسيا، مما يعرض احتمال أن تكون تركيا، مرة أخرى، على خلاف مع الجيش الروسي وتطلب مساعدة الناتو وتقديم يد العون لها.
أججّت تركيا الصراع بين حلفاء الناتو أيضا، حيث أصبح أردوغان أكثر عدوانية في البحر الأبيض المتوسط. في عام 2020، تجاهلت تركيا حظر توريد الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة حول ليبيا وردت بعدوانية عندما واجهت الدوريات الفرنسية. وكادت التوترات اليونانية التركية في “بحر إيجة” أن تفجر حرب في نفس العام بعد أن تصادمت الفرقاطات اليونانية والتركية تقريبا بسبب نزاعات التنقيب، مما أجبر الولايات المتحدة على التدخل والدفع من أجل وقف التصعيد والمفاوضات. و رغم كل ما قامت به تركيا من أعمال إستفزازيّة وعدائيّة، تُركت بسلام من قبل حلفائها في الناتو.
في ظلّ إستمرار تركيا بـِ تأجيج نيران التوترات بشكل مستمر، يجب على الولايات المتحدة أن توضح أنها لن تخوض حروب أردوغان بموجب “ميثاق الدفاع” بحلف الناتو في حال فشل أردوغان على التصدي لهذه النزاعات. إن إستمرار تقديم التنازلات والمساعدات لشركاء الولايات المتحدة، لكونهم مجرد حلفاء، هو السبب في أن حلفاء أمريكا مثل تركيا أساءوا واستغلوا هذه التساهل وابتعدوا عن المصالح الأمريكية.
لا يُقصد من التحالفات أن تُعامل على أنها روابط مقدسة لا يمكن المساس بها. فتشكيلها يتم للتعرف على المصالح الموازية والالتزام بخدمة هذه المصالح بشكل مشترك. تم تشكيل حلف “الناتو” لدعم الدول الأوروبية التي أرادت مواجهة نفوذ وقوة “موسكو” وتوفير دفاع موحد ضد “الإتحاد السوفيتي” المنحل الآن. إذا كان هؤلاء الحلفاء في الناتو يغازلون بوتين الآن دون أي اعتذار، فيجب على الولايات المتحدة تعديل مدى التزامها تجاه أولئك الذين تتعارض مصالحهم مع المصالح الأمريكية، كما ينبغي على الولايات المتحدة إعادة التفكير ملياً في مسؤوليتها تجاه الدفاع عن أوروبا الدائم والتوقف عن تقديم خدماتها لحلفائها، مثل تركيا التي تستغل هذه الهدايا ضد مصالح حلفاء الناتو.
المصدر: مجلة نيوزويك
ترجمة: المركز الكردي للدراسات