“ناشيونال إنترست”: تركيا راعي التطرف عالميا.. و”أردوغان” يستغل فوضى ليبيا ضد مصر والجزائر

مايكل روبين | ناشيونال إنترست

في 18 أيلول/ديسمبر 2018، صادرت سلطات الجمارك الليبية ثلاثة آلاف مسدسات تركية الصنع في مدينة “خمس”، وهي مدينة ساحلية ليبية بها ميناء تقع على بعد أربعين ميلا شرق “طرابلس”. وقد تجاهل السلطات التركية كل الأنباء الواردة عن الشحنة، رغم أن هذا يمثل انتهاكا واضحا للحظر المفروض على ليبيا من الأمم المتحدة. تم تصنيف واحدة على الأقل من الشحنات التركية على أنها مواد غذائية. بعد فترة وجيزة، عثرت سلطات الميناء الليبية على أربعة ملايين رصاصة على متن سفينة شحن تركية.

رفض العميد أحمد المسماري المتحدث الرسمي للجيش الوطني الليبي التحقيق المشترك الذي وعدت به الحكومة التركية وفايز السراج رئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني الليبية. وألقى الجيش الوطني الليبي باللوم على شحنات الأسلحة التركية في تصعيد للهجمات والاغتيال في “طرابلس”. وقال فتحي المريمي المتحدث باسم رئيس مجلس النواب الليبي، وهو البرلمان التابع للحكومة المناهضة للإسلاميين المتمركزة في مدينة “طبرق” الشرقية: “كانت الشحنة في طريقها إلى الجماعات الإرهابية والمتطرفين والخارجين عن القانون”.

غير أن شحنات الأسلحة غير المشروعة هذه كانت فقط غيض من فيض، حيث أعلن عبدالقادر عبدالله أبيس قائد الشرطة العسكرية في “طبرق”، أن الشرطة قد أوقفت مؤخراً سيارة لاند كروزر وتمت مطاردة أخرى وعثر بداخلها على أسلحة تركية.

بعد ذلك في 7 كانون الثاني/ يناير2019، أعلن مسؤولون في “مصراتة” -وهي بلدة قريبة من “طرابلس”- أنهم قد اعترضوا شحنة أسلحة تركية أخرى، وهذه المرة في حاوية تحمل علامة نقل البضائع المنزلية وألعاب الأطفال. مع كل شحنة تم اعتراضها، أصبحت تأكيدات “أنقرة” بعدم علاقتها بتلك الشحنات، غير قابلة للتصديق بشكل متزايد. وتشير محاولة الاغتيال الأخيرة التي تعرض لها المحقق الليبي الأساسي في الشحنات، إلى أنه لا يزال هناك الكثير يحاول المتورطون إخفائه.

ما هي نهاية لعبة تركيا؟ في ظل إدارة رجب طيب أردوغان لمدة خمسة عشر عام، أصبحت تركيا فعليًا دولة بوليسية. عندما تتدفق الأسلحة إلى ليبيا، فإن ذلك يحدث لأن “أردوغان” يريد ذلك، كما أنه بالنسبة لأي مجموعة، تعتبر عملية شحن كميات كبيرة من الأسلحة عبر ميناء تركي دون اكتشاف السلطات التركية ذلك، ببساطة أمرا مستحيلا. وبالنسبة للوضع في ليبيا، فإنه يذكرنا بالشاحنات التي كانت تحمل الأسلحة التي تم اعتراضها في تركيا في طريقها إلى سوريا. في هذه الحال، أمر “أردوغان” بإطلاق سراح الشاحنات التي كان يتم الإشراف عليها من قبل دائرة الاستخبارات التركية، وعاقب الصحفيين الذين نشروا القصة.

في أعقاب وفاة الزعيم الليبي السابق معمر القذافي، انقسمت الدولة الشمال إفريقية الغنية بالنفط انقسمت إلى جزئين، وإذا اعتبرنا أن الجزء الجنوبي الخارج عن السيطرة القانونية محسوبا فإنها ستصبح ثلاثة أجزاء. في طرابلس، الحكومة المعترف بها دوليا تقتسم السلطة فعليا مع الجماعات الإسلامية بينما تقاتل حكومة مجلس النواب في “طبرق” على مقربة من الحدود المصرية تنظيم “داعش” والميليشيات المرتبطة بـ”القاعدة”. في الوقت الذي تدعم فيه مصر والسعودية والأردن والإمارات العربية المتحدة حكومة “طبرق” الأكثر تحررا ومعاداة للإسلاميين، انضمت تركيا إلى قطر والسودان لدعم الإسلاميين الليبيين. وعلى خلفية كل هذا، دخلت الأسلحة التركية المشهد ببساطة، عندما أصبحت قطر ممولًا للإخوان المسلمين وجماعاتها المتشددة الأكثر انتشارًا في جميع أنحاء العالم، وأصبحت تركيا سلاحها.

قد لا يكون هدف تركيا مجرد تمكين الجماعات المتطرفة من زعزعة استقرار ليبيا. “أردوغان” يرى أن صعود عبدالفتاح السيسي في مصر يعتبر إهانة له، وذلك لأن صعود “السيسي” إلى الحكم قضى على سيطرة الإخوان المسلمين في مصر، ولأن “أردوغان” فقد فيما بعد علاقاته المربحة داخل مصر. قد توفر ليبيا الإسلامية ملاذاً للجماعات التي تهدف إلى تقويض استقرار مصر وعودة الإسلاميين إلى السلطة فيها.

الجزائر أيضا تشعر بالقلق من تحركات “أردوغان” الأخيرة، وهي مقتنعة بأن بعض الأسلحة التي سعت تركيا إلى تهريبها إلى ليبيا كانت موجهة إلى مجموعات إرهابية في الجزائر التي تجاور ليبيا.

كذلك، هناك جماعة “بوكو حرام”، المجموعة الإسلامية المعروفة في الغرب بالخطف الجماعي لطلاب المدارس النيجيريين. في عام 2014، ظهر شريط مسجل لمحادثة بين كبير مستشاري “أردوغان” والسكرتير الخاص للرئيس التنفيذي للخطوط الجوية التركية، التي بدا أنه يعرب عن غضب قيادة الخطوط الجوية التركية المملوكة للدولة تجاه إجبارها على تهريب الأسلحة إلى نيجيريا، ليستغلها المتمردون مثل “بوكو حرام”. وعندما استولى فرع تابع لـ”القاعدة” على شمال مالي، وصف أحد الأشخاص الذين عينهم “أردوغان”، القوة الفرنسية المكلفة بهزيمة تلك المجموعة بأنها “قوة الإرهاب الحقيقي”.

لا يزال دور تركيا وسلوكها موضوع نقاش حاد في “واشنطن”: هل أردوغان معادٍ لأميركا؟ هل توجهه نحو روسيا إيديولوجي أم تفاعلي يهدف إلى المصلحة في المقاوم الأول؟ هل يمكن الوثوق بـ”أردوغان” للقضاء على “داعش” في سوريا إذا انسحبت الولايات المتحدة؟ في كثير من الأحيان، تحل إيديولوجيات البلدان محل البراغماتية مع ازدياد المسافة عن حدودهم. وفي مثل هذه الحالة، تمنحنا إجراءات تركيا المتزايدة لزعزعة الاستقرار في إفريقيا نافذة على تفكير “أردوغان” واتجاهات تركيا الجديدة، ليس باعتبارها جسرا بين الشرق والغرب، بل محفزا للتمرد والإرهاب الإسلامي. لقد حان الوقت للاعتراف بالواقع: تركيا اليوم تمثل ما كانت عليه المملكة العربية السعودية في العقود التي سبقت 11 أيلول/سبتمبر 2001، أي أنها الراعي الرئيسي للتطرف على نطاق عالمي. إنه درس تجاهلته “واشنطن”، ولكن تم الاعتراف به بشكل متزايد على أنه أمر واقع يحدث في أفريقيا. بعبارة أخرى، في الوقت الذي تقوم فيه الولايات المتحدة بإلقاء اللوم على إيران بسبب شحناتها من الأسلحة غير القانونية التي تقوض السيادة والاستقرار في بلدان مثل لبنان واليمن، فإن تركيا تقوم بنفس الشيء ولأهداف مشابهة.

—-

*مايكل روبين باحث مقيم في معهد أمريكا (إنتربرايز).

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد