تنظيم “داعش” “يرّحل” السكان الكرد من الرّقة بالتزامن مع تقدم الوحدات الكردية نحو المدينة!

مجدي سمعان – روث شيرلوك

بدأ تنظيم “داعش” بتنفيذ عمليات “ترحيل المدنيين الكرد” من مدينة الرقة، بالتزامن مع تقدم القوات الكردية والكتائب المتحالفة معها نحو معقِلْ التنظيم المتطرف. دخلت وحدات حماية الشعب (YPG)، ومجموعات الجيش الحر عميقاً إلى داخل أراضي محافظة الرقة، مدعومة من قبل طائرات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، في هجوم مفاجئ شبيه بالبرق، وباتوا على بعد 30 ميل فقط من عاصمة تنظيم “داعش”.

في إشارة على تزايد جنون الشك لدى التنظيم، كان رد فعل “داعش” على تقدم القوات الكردية، هو توزيع مناشير تحذيرية موجهة للسكان الكرد الذين يعيشون في مدينة الرقة، تطلب منهم “مغادرة” المدينة خلال 72 ساعة، بالإضافة إلى قيام عناصر التنظيم بوضع كتابات باللون الأحمر على جدران منازلهم.وقام نشطاء يعملون ضد التنظيم ويملكون مصادر خاصة داخل مدينة الرقة بنشر تغريده على شبكة الإنترنت تحت عنوان “الرقة تُذبح بِصَمت”، كما ونشروا صوراً للتعميم المنتشر والمطالب بالمغادرة. وأكّد السكان المدنيون بأن التنظيم طلب من الكرد المغادرة عبر مكبرات الصوت في المدينة أيضاً، حيث كانوا يقولون بأن هجوم وحدات حماية الشعب “جعل الأمر واضحاً بالنسبة لنا بأنكم تتعاونون مع التحالف الصليبي”.

وأضاف بيان التنظيم للمدنيين الكرد قائلاً “بُناءً على هذا، وبهدف منع الصِدَام بيننا وبينكم، ونتيجة لأفعال المغفلين لديكم، أي في إشارة للوحدات الكردية”، قال البيان “نطلب منكم مغادرة الرقة خلال 72 ساعة”. وأكمل البيان “أي شخص سيبقى هنا خارج المدة المحددة أعلاه، سيتم اعتقاله وتقديمه للمحكمة الشرعية”. يقول إبراهيم مسلم، الناشط الكردي والعضو السابق في مجلس محافظة الرقة “وزعوا هذا التعميم والبيان في الأحياء الكردية داخل مدينة الرقة”، وأضاف مسلم بأن التنظيم يبرر فعلته عبر القول بأنها “عملية رد فعل ضد الحملة الكردية – الصليبية”، في إشارة للعملية العسكرية التي نفذتها وحدات حماية الشعب بالاشتراك مع مجموعات الجيش السوري الحر ضد مواقع تنظيم “داعش” في منطقة تل أبيض وريفها.

ويكمل إبراهيم مسلم حديثه لصحيفة “ديلي تلغراف”، بأن التنظيم قام بقطع الطريق المؤدي إلى كلٍ من مدينتي كوباني، وتل أبيض في وجه الخارجين من الرقة، ساعياً إلى توجيه العائلات الكردية المُهَجّرة نحو صحراء تدمر، وسط البلاد.  ويوضّح مسلم حديثه قائلاً “اليوم صباحاً حاولت 15 سيارة وعلى متنها عائلات من كرد الرقة، الوصول إلى مدينة كوباني، إلا أن التنظيم منعهم، وأخبرهم بأنهم إذا ما حاولوا مرة أخرى فسيتم إعدامهم”. ويضيف مسلم “معظم الهاربين من النساء والأطفال”. هنالك تقارير متباينة حول الرقم الحقيقي للكرد الذين تم تهجيرهم. حيث أن السيد إبراهيم مسلم يشير بأن عدة آلاف من المدنيين لا زالوا تحت الخطر في الرقة، فيما يشير آخرون الكل خرج باستثناء 200 عائلة بقيت في المدينة.

وتمكن مئات منهم من الوصول إلى كوباني، متسللين من طرق صحراوية.أحدهم جوان علي، 32 عام، وهو معاق، وأجبر على مغادرة مدينة الرقة، مع عائلته يوم الأربعاء، أخبر جوان صحيفة “ديلي تلغراف” عبر التلفون من مدينة كوباني، بأن التنظيم أخبرهم عن وجوب مغادرة المدينة باتجاه صحراء تدمر دون أخذ أي شيء من أمتعتهم”، وأضاف جوان بأن مقاتلي التنظيم وضعوا كتابة باللون الأحمر على منازلنا مضمونها “أملاك تنظيم الدولة الإسلامية”. ويكمل جوان حديثهُ بالقول “في ظل حكم تنظيم داعش للرقة، تعرض الكرد لكثير من المضايقات، بالإضافة إلى الاعتقالات التعسفية، كما أنهم كانوا يتعاملوا معنا بلا أي إنسانية. كانوا يقطعون إمدادات المياه والطعام عن أحيائنا، وأضاف جوان “من الصعب جداً مغادرة منزلك”.

وحسب بعض المعلومات، فإن التنظيم بدأ بتحصين مواقعه الدفاعية حول مدينة الرقة، حيثُ يدّعي ريدور خليل، الناطق الرسمي باسم وحدات حماية الشعب(YPG)، بأن تنظيم “داعش” بدأ “بحفر الخنادق” حولها، لإعاقة أي تقدم نحو المدينة. سلسلة من الانتصارات حدثت، من بينها مدينة تل أبيض الحدودية، وهي قاعدة عسكرية مهمة، وبعدها في ليل الثلاثاء، السيطرة على قرية عين عيسى الإستراتيجية، كل هذه الانتصارات تمثل أول تحدي كبير لحكم المتطرفين في سوريا، منذُ إعلان أبو بكر البغدادي المنطقة جزءاً من الخلافة.

التقدم السريع الحاصل إلى داخل المحافظة يمثل تناقضاً صارخاً للمعركة التي حصلت من أجل كوباني، المواجهة الأخيرة الكبيرة التي حَصلت بين القوات الكردية وتنظيم “داعش. على الرغم من أن المدينة نفسها لك تكن تتمتع بالقيمة الكبيرة استراتيجياً، إلا أن المعركة التي حدثت كانت مؤشراً واختباراً على مدى قدرة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها على الأرض لهزيمة التنظيم.لكن في نهاية المطاف نجحوا، وذلك بعد صراع طويل دام لأكثر من أربعة أشهر، خلف مئات القتلى والمدينة بأكملها سويت بالأرض.

الهجوم الجديد أظهر وأثبت قدرة أكثر فعالية في القتال ضد المتطرفين، لكن من المرجح بأن محاولة السيطرة على مدينة الرقة، ستأخذ وقتاً طويلاً من الكرد وحلفائهم. وحدات حماية الشعب (YPG) صرّحت مراراً وتكراراً بأنها لا تخطط في الهجوم على مدينة الرقة، لكنها بدلا عن ذلك تركز في التضييق على المتطرفين وقطع طرق الإمداد المحيطة. هجوم كردي لوحده على مدينة الرقة من المرجح أن يواجه برفض من قبل الأغلبية السكانية السنية في المدينة.

لهزيمة تنظيم “داعش”، الأقوى والأغنى على مستوى العالم من جميع النواحي، في الرقة، فإن القوات الكردية تحتاج إلى حلفاء والتنسيق مع الكتائب والمجموعات السورية الأخرى.وحدات حماية الشعب تقاتل جنباً إلى جنب مع مقاتلي “بركان الفرات”، وهي مظلة جامعة لعدد من الكتائب المعتدلة، لكنهم حلفاء استسلموا للحقد والكراهية المتزايدة. الأسبوع الماضي وقع أكثر من عشرة كتائب من هذه المجموعات المتمردة بياناً يتهم الوحدات الكردية بتنفيذ عمليات “تطهير عرقي”، من خلال الترحيل القسري للعرب والتركمان من مدينة تل أبيض، التي تمت السيطرة عليها حديثاُ.

الوحدات الكردية من جانبها نفت وبشدة هذه الادعاءات، لكن التباين واضح بين الجانبين اللذين يحاربان “داعش”، من حيث الأهداف الأساسية لكلٍ منهما، كل طرف يملك أهداف مختلفة عن الأخر. بالنسبة للوحدات الكردية، فإن التقدم في عمق محافظة الرقة يمثل توسعاً في الأراضي والمنطقة التي يسمونها “روج آفا”، وهم يسعون لإقامة كيان كردي مستقل من شمال سوريا حتى أجزاء من العراق. الاحتفالات التي حدثت بعد السيطرة على تل أبيض، سريعاً ما تحولت إلى مشاحنات، بعد ورود معلومات عن إزالة القوات الكردية للعلم الثوري السوري “علم الاستقلال”، واستبداله بعلم الوحدات الأصفر.

* صحيفة (Telegraph) البريطانية.

الترجمة: المركز الكردي للدراسات. 

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد