الحرب على “داعش”: لقاء مع المقاتلات الكرديات اللاتي يقاتلن على الجبهات في ريف سري كانية”

باتريك كوكبورن

كان المقاتلون الكرد يقضون استراحة محارب على بعد نصف كيلومتر من الجبهة الأمامية للقتال ضد تنظيم “داعش” في ريف سري كانيه، لم يكن لدى النساء أدنى شك فيما يتعلق بمحاربة التنظيم. قالت المقاتلة نوجان بأن “داعش” يستهدف النساء، مضيفة إن التنظيم قام باغتصاب النساء وقتل الرجال في شنكال في العراق: ” انها قضية شرف: فنحن ندافع عن أنفسنا أولا، ومن ثم عن عوائلنا وأرضنا “. كانت تجلس بجانب نوجان، فتاة تبلغ من العمر اثنين وعشرون عاما اسمها زينا، والتي قالت أيضا بأنها تقاتل من اجل نفسها وعائلتها. 

علاوة على ذلك كانت أصوات الطائرات بدون طيار، التابعة للولايات المتحدة الأميركية، مسموعة بشكل واضح، فكما أفادت نو جان، بأنه كان هناك عدد من الضربات الجوية في ذاك الصباح بشكل يتناسب مع وتيرة القتال على الأرض، مضيفة بأن عدة مقاتلين اكراد قد قتلوا دون أن تعرف التفاصيل فوحدات حماية المرأة (YPJ)، والتي تنتمي نوجان إليها جعلت التنظيم ينحسر نحو الغرب. هذا ما أفادت به نوجان و غيرها من النساء اللواتي لم تتوسعن في إفاداتهن، ربما لأنهن منهكات من الحرب.

في الحقيقة فإن تراجع قوات التنظيم بضغط من القوات الكردية، ربما له أهمية عسكرية وسياسية، لأن القوى الكردية السورية المسلحة أصبحت تُحرز تقدما نحو حدود بلدة تل ابيض التي يسيطر عليها “داعش”. الملاحظة التي يشدّد عليها الكرد السوريون هي أن تركيا تقترب من الأراضي الكردية، مستخدمة قوات تنظيم “داعش” لكن الآن تل ابيض/ كردي سبي يعتبر طريقا مهما للوصول إلى الرقة عاصمة “داعش” السورية، والتي هددت من قبل الكرد الذين يحرزون تقدما في كل من الشرق والغرب.

البعض جاء من مدينة سري كانيه المدمرة في مقاطعة الجزيرة، وكذلك من الغرب، فالقوى الكردية تقدمت في كوباني التي ظلت تقاوم “داعش” على مدى أربعة اشهر و نصف من الحصار الذي فرضه “داعش”.سيهانوك ديبو مستشار صالح مسلم وآسيا عبد الله الشخصيتان البارزتان في قيادة حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، والذي يحكم المقاطعات الثلاث على الحدود التركية ـ السورية، والتي حددت حدود روج آفا في تصريح له قال: ” أن الهدف الثاني للقوات الكردية هو تل ابيض/كري سبي، فنحن على بعد 18 كم من تل ابيض شرقا وعشرين كم غربا. نأمل ان تتحرر حالا ……. إذا حدث ذلك، فستكون صدمة موجعة لداعش، و أيضا لتركيا التي سترى حدودها الجنوبية تٌدار من قبل القوات الكردية”. وقال ديبو بأن تركيا تدعم “داعش”، مشيرا بأن ” هدف داعش الثاني سيكون في دير الزور الواقعة على ضفة نهر الفرات، والتي يسيطر عليها نظام الأسد نسبيا، لأن غالبية السكان ينتمون إلى الطائفة السنيّة العربية، إلى جانب وجود نزعة قبلية، وهذا ما يناسب داعش”.

السيد ديبو توقع أن تسيطر “داعش” والمجموعات المتطرفة الأخرى مثل “جبهة النصرة” على النصف المتبقي من مدينة حلب، والذي لا يزال تحت سيطرة نظام بشار الأسد، وتحت حكم جيشه، فالقوات العسكرية التابعة ل”جبهة النصرة” بدأت تنحسر على الرغم من التنافس الوحشي مع تنظيم “داعش”، ف”داعش” يحصل على الدعم هناك.كان القادة الكرد السوريين مبتهجين في تلك اللحظة بسبب الانتصار على “داعش” في جبل عبد العزيز، في الأسبوع الماضي، حيث كانت الشاحنات العسكرية تضج بالهتافات من قبل المقاتلين الذين عادوا من الجبهة. فالكرد القاطنين في هذه الزاوية الشمالية الشرقية في سوريا، والمحاصرة بالأعداء، يعيشون في اكثر المناطق أمانا في سوريا، فالأرض الواقعة قرب جبهة القتال التي تقاتل فيها نوجان وصديقتها زينا، كانت أرضا زراعية، يحصد فيها الفلاحون القمح تحت حمايتهم. هنا تستطيع رؤية الجانب الآخر من سوريا.

الأمان الطاغي في هذا المثلث الآمن في الأراضي الكردية لا يقارن بأي مكان آخر، فعلى الرغم من أن هذه المنطقة تجاور حدود “داعش”، إلا انه لا يوجد أي سيارات مفخخة أو خطف، ولا عصابات قطع الطرق على نقاط التفتيش، ولا يوجد خوف من القتل، حيث الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي و المسمى وحدات حماية الشعب (YPG) يحتكر القوة، ويسيطر على الأوضاع، كما بفعل في المقاطعتين الكرديتين الأخرتين على الحدود التركية، حيث تم إعلان الإدارة الذاتية عند انسحاب الجيش السوري في يوليو/ تموز 2012. وعلى الرغم من أن حكمها العسكري ليس مرحبا به من جميع الكرد، إلا أن الميليشيا التي تضم في صفوفها الرجال والنساء تقوم بحماية المناطق الكردية أكثر من الجيش السوري أو الجهاديين.

ربما لم ينتهي القتال في سري كانيه، البلدة التي تحوي حوالي 30 ألف شخص، والتي لا تزال تبدو محطمة جراء القتال العنيف في 2012 و 2013 عندما كانت الاشتباكات دائرة بين الكرد والمتطرفين الجهاديين التابعين ل”جبهة النصرة” و من ثم “داعش”، فكل مكان في هذه البلدة الصغيرة المدمرة يدل على آثار الدمار و الخراب.

إبراهيم وجميل الرجلان المتوسطان في عمرهما و ممثلا وحدات حماية الشعب (YPG) قالا بأن “جبهة النصرة” عبرت الحدود التركية في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2012 حيث تم استقبالهم في البداية، لأنهم كانوا ضد نظام الأسد، ولكن صدمنا بأنهم كانوا جهاديبن، فقد اجبروا الناس وألزموهم بالذهاب إلى المساجد، وسرقوا بيوت المسيحيين، وقتلوا كل من عارضهم، كما اسروا أحد المسؤولين الذي كان ينتمي إلى الطائفة العلوية، ومن ثم قتلوه، ورد النظام في دمشق بالقصف العشوائي، مما أدى إلى قتل العديد من المدنيين، وتدمير البنايات وتسويتها بالأرض.

استمرت المعركة في سري كانيه من نوفمبر/ تشرين الثاني إلى يوليو/ تموز، وكانت تلك الحرب شبيهة بالقتال بين المعارضة التي تحوي المتطرفين الجهاديين وقوى علمانية، لكن الاختلاف في سري كانيه كان إن الجهاديين كانوا مسلحين بشكل جيد وهم يواجهون مقاتلين في وحدات حماية الشعب القريبة من حزب العمال الكردستاني الذي يقاتل الدولة التركية منذ عام 1984.

قال إبراهيم أن المرحلة الأخيرة في هذه المعركة المعقدة جاءت في 16 يوليو/تموز 2013 . نوجان القائدة في وحدات حماية المرأة (YPJ)، وبينما كانت تشتري اللباس العسكري الرسمي الموحد في السوق مع عدد من النساء المقاتلات، هوجمت من قبل ميليشيا “جبهة النصرة” والتي استاءت من رؤية قائد عسكري من النساء: ” ومن ثم عمدنا إلى محاربتهم وإبعادهم”.

الجزيرة، المقاطعة الكردية، هي جزيرة محمية بشكل جيد في بحر مليء بأسماك القرش. فتركيا قد طالبت ب”منطقة آمنة” في سوريا، والتي كانت ستسمح بسهولة لتركيا باحتلال الأراضي الكردية على طول الحدود، فكما قال ديبو: ” من الصعب أن تتنبأ ما سيحدث لاحقا، فتوازن القوى في الحرب السورية يمكن أن تتغير فجأة في أي لحظة نتيجة تدخل أي طرف خارجي”.

* صحيفة الاندبندنت (The Independet) البريطانية.  الترجمة: عبد الرحمن داوود. خاص بالمركز الكردي للدراسات.

ترجمة: المركز الكردي للدراسات

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد