تركيا: الأديان ملك للمجتمع ويجب حمايتها من انتهاك السلطة السياسية!

جميل باييك

حزب الشعوب الديمقراطية وضع في برنامجه الانتخابي فقرة حول ضرورة فصل وزارة الأديان عن الحكومة، وذلك للحيلولة دون مضي حزب العدالة والتنمية في استغلال هذه الوزارة للترويج لنفسه وسط الناس. الحزب الحاكم يعمل جاهدا في تجيير الدين لخدمة برنامجه والسلطة والدولة التي يقوم عليها.جميل باييكلذلك فإن الحفاظ على وزارة الأديان يعني الحفاظ على جزء من سلطة وأدوات الحزب الحاكم.

ولأن الحكومة تعرف مدى أهمية هذه الوزارة في كونها سلاحا انتخابيا يتم خداع وتضليل الناخب من خلاله، فهي تعمل جاهدة من اجل إبقائها في يدها والإشراف على كل شؤونها من تعيينات وأمور بيروقراطية أخرى. بهذا الفعل تثبّت الحكومة من وجود الدين وتأصيله ضمن أطر الدولة والإدارة، وتخلط بينه وبين السياسة وتجعل منه وسيلة لتوطيد حكمها وترسيخ خطاب معين ومحدد، وهو ما يزيد التوترات.الدين إذا ما تم تسييسه فإنه يؤدي غرضا منافيا تماما لرسالته الحقيقية في الأخلاق والرحمة وقيم الضمير والتسامح. الإمبراطورية الرومانية استخدمت الدين المسيحي لتوطيد سطوتها السياسية والعسكرية وترسيخ حكمها.

وكذلك فعلت الدولة الأموية، والتي خلطت الدين بالسياسة واعتمدت على الخطاب الديني من أجل تقوية حكمها وشرعنته وفرض المزيد من السطوة والهيبة. ويأتي الاعتماد على اقتباس الدين الإسلامي وخلطه بالسياسة بالاعتكاز على العصر الأول من الإسلام ودولته. لكن في الحقيقة إن الهدف هو الاستفادة والاستغلال لجوهر الدين من اجل تمرير الاجندة السياسية وتقوية السلطة والحكم.إن إبعاد الدين الإسلامي عن السياسة ودهاليزها يحافظ على جوهر ونقاء هذا الدين.

وعندما طالب حزب الشعوب الديمقراطية بحل رئاسة وزارة شؤون الأديان وفصلها عن سطوة الحكومة، هاجمه الحزب الحاكم وقال بأن حزب الشعوب الديمقراطية يريد “إزالة الدين من الوجود”. وهذا كذب وافتراء. الحزب الحاكم يعتبر هذه الوزارة سلاحا في يده ويصر على مزج الدين بالسياسة لمصالحه الخاصة، لذلك يحارب كل من يريد إعادة الاحترام والتقدير للدين بإعادته إلى المجتمع وانتشاله من دهاليز السياسة. الإسلام الصحيح هو الموجود بين المجتمع بعيدا عن السياسة وبازاراتها.الشعب الكردي يعي تماما بأن الإسلام النقي هو ذلك البعيد عن تدخل الدولة وانتهاكها له.

الشعب الكردي عرف الإسلام في المدارس والحجرات الخاصة. هذه المدارس والحجرات نقلت تعاليم الإسلام السمحة والدين النقي لكل الناس، وقد عاش المجتمع من خلال هذه المدارس الإسلام الصحيح القائم على تعاليم الحق والأخلاق والضمير والتسامح والعيش المشترك. وكان خريجو تلك المدارس والحجرات هم من قادة الثورات التي نهضت ضد الظلم والاضطهاد ودافعوا عن الحرية والعدالة والحقوق في مواجهة الاستبداد ومصادرة الحقوق والحياة. الكرد يعون جيدا الفرق بين إسلام المدارس والحجرات، إسلام المجتمع، وبين إسلام الدولة ومؤسساتها. ويعون جيدا بان مزاعم وزارة الأديان المرتبطة بالحكومة والدولة والتي تسميها ب”التعاليم الإسلامية” تختلف كثيرا عن الإسلام النقي الذي تعلموه على أيدي العلماء الكبار والمجربين في المدارس والحجرات الدينية.

إسلام الحكومة يختلف عن إسلام المجتمع وعن إسلام الناس البسطاء. إنه إسلام مسيس يهدف توطيد سلطة ظالمة.حزب الشعوب الديمقراطية يهدف لتخليص الإسلام من براثن الحكومة وأعادته إلى المجتمع والناس. والشعب الكردي يعرف جيدا أهداف ومقاصد حزب الشعوب الديمقراطية من وراء عملية إعادة الإسلام للناس والمجتمع وتخليصه من الاستثمار السياسي للحزب الحاكم. علماء الدين الإسلامي من الكرد من الذين درسوا في المدارس والحجرات الدينية في كردستان يعلمون حقيقة الأمر. الفصل بين الدين والدولة ليس عملا لا دينيا، بل ترك الدولة تستثمر وتستخدم الدين لصالح خطاب معين هو عمل لاديني. من يضر الدين هو حزب العدالة والتنمية ورجالاته من الذين يستخدمون الدين ويجيرونه لمصالحتهم ويغتنون من وراءه. من يضر الدين هو من يقطع رؤوس الناس الأبرياء ويقتلهم بدون سبب ويضيق على الخلق ويحاربهم في هويتهم ورزقهم.يجب فصل الدين عن الدولة أعادته للمجتمع.

يجب تدريس الدين في المدارس والحجرات الخاصة التي يقوم عليها علماء أنقياء أتقياء يعلمون جوهر الدين وتسامحه، وبذلك يتخلص من الاستثمار الحكومي ولا تنتهك قداسته. حركة التحرر الكردستانية تعتبر الدين جوهرا أصيلا لقيم المحبة والضمير والأخلاق والدفاع عن الحقوق والمظلومين. ونحن عندما نتكلم عن المجتمع فالفضل يعود للأديان من إسلام ومسيحية وايزيدية وعلوية. حزب العدالة والتنمية تحول في عموم منطقة الشرق الأوسط إلى أداة لدى الرأسمالية العالمية لفرض سيطرة أحادية والقضاء على قيم الأخلاق والضمير والثقافات المتعددة واستخدام الدين والانتفاع منه سياسيا. لذلك يجب تخليص الدين الإسلامي من سطوة هذا الحزب وأعادته للمجتمع وللناس. واذما خٌيّر الشعب الكردي بين الدين الذي تقدمه وزارة الحكومة وبين الدين الذي كانت المدارس والحجرات الكردية تقدمه نقيا للناس، فإن الاختيار سيكون لصالح الثانية، وحينئذ سوف تظهر الحقيقية ويظهر إفلاس ودجل الحزب الحاكم الذي يهين الدين ويبخس من قدره عبر تعريضه للاستثمار السياسي وجعله أداة للتربح والمقايضة.

حزب الشعوب الديمقراطية يرجح الاختيار الثاني ويسعى لتطبيقه وأعادة الدين للمجتمع ونزعه من بين براثن حزب العدالة والتنمية وتخليصه من لانتهاك والانتفاع.لا أحد يعارض حصص التربية الإسلامية، ولكن المعارضة تأتي حينما تجبر المسيحي والعلوي والايزيدي على حضور هذه الدروس. يجب منح كل شخص الحرية في الاختيار. وقد دعت محكمة حقوق الإنسان الأوروبية مرات كثيرة إلى عدم إجبار الناس على حضور حصص دينية لا تتوافق مع معتقداتهم. والسؤال هنا: هل من الدين أن تجبر شخصا ايزيديا أو علويا أو مسيحيا على حضور درس إسلامي، وتستخدم الشرطة في إجباره، أو تبتزه وتهدده بالرسوب وباقتطاع جزء من مجهوده الآخر اذ هو لم يحضر؟

ألا يعتبر هذا إكراها وإجبارا للفرد على تغيير قناعاته وفرض رأي محدد عليه؟. ثم ألا يعتبر هذا انتهاكا للدين وانتقاصا له من جانب الحكومة والحزب الحاكم، عبر إجبار الناس على حضور حصصه، وفرضه على الجميع فرضا وبالتهديد والوعيد؟.يجب أن تتحمل الدولة مسؤولياتها في تدريس وتعليم جميع الديانات والمعتقدات الموجودة في المجتمع. هذه مهمة الدولة والقائمين على الشؤون الدينية فيها، لكن على أن يكون ذلك في مصلحة المجتمع وان يشرف ويتابع المجتمع نفسه هذه العملية ودون أن تجير الدولة هذه العملية لصالح خطاب حزب سياسي أو إيديولوجية أو فكر ما.

لا يجب أن تؤسس الدولة فكرا أو نظرة معينة للدين تفرضها على الجميع من خلال مؤسساتها وتلزم بها جميع الناس من مختلف المشارب والمعتقدات. ويمكن تأسيس مؤسسة أو هيئة تضم مختلف المعتقدات والأديان والمذاهب الموجودة في المجتمع، بحيث يتمكن الجميع من تعلم وتعليم أصول معتقداتهم في إطار هذه الهيئة التي ستشرف على مجمل العمل الديني. بهذا العمل يمكن أن يحدث التقارب بين مختلف المعتقدات والمذاهب والأديان وبين أفراد وطبقات المجتمع في النهاية.

* صحيفة (Yeni Özgür Politika) الصادرة في آمد/ديار بكر.

ترجمة: المركز الكردي للدراسات

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد