نجيبة قرة داغي
نشرت الصحافة وشبكة التواصل الاجتماعي في الأسبوع الماضي خبرا يصور مجموعة من وزراء التشكيلة الحكومية الجديدة في إقليم جنوب كردستان، والتي انتظرها المواطنون 9 أشهر، وهم يرقصون ويتسامرون في حفلة صاخبة. الأغاني كانت باللغتين الكردية والإنكليزية، وكانت الكاميرات تصور يمنة ويسرة، بينما السادة الوزراء يتمايلون على أنغام الموسيقى الصاخبة.
المناسبة التي جمعت كل هذا العدد الكبير من الوزراء هي عيد ميلاد ملكة بريطانيا اليزابيث. ويفرض السؤال نفسه هنا: كيف سيكون رد فعل الشارع الكردستاني المنشغل بمقاومة إرهاب داعش وإرسال أبنائه إلى جبهات القتال، بينما مسئولوه يتمايلون على وقع الأغاني الرادحة بهذا الشكل؟. الأسئلة الكثيرة التي تتزاحم في عقل كل إنسان كردي وهو يرى هذا المشهد وهذا الاستهتار بمخاوف وآلام المواطنين، وبتضحيات أبناء الأمة الكردية من البيشمركة ووحدات حماية الشعب من الذين يقارعون تنظيم داعش الإرهابي. هذا المشهد جزء يسير من مشهد أعم يمثل فكرة “الدولة القومية البدائية” التي ينفصل فيها المسؤول عن الشعب، ويصبح له عالمه الخاص به البعيد عن هموم الناس والشارع. المسؤول الذي يهمه إرضاء بعض مراكز القوى و”ضبط” أموره معها، ومن ثم المداومة في السلطة. في العام الماضي دعوا المطربة اللبنانية مريام فارس للغناء والرقص الماجن في نفس اليوم الذي صادف ذكرى مجزرة حلبجة. هذه هي القيادة في تحولها الجديد. القيادة التي يتمايل مسئولوها في حفل راقص بعيد ميلاد ملكة بلاد بعيدة، بينما هي تحتفل بشكل رسمي برحيل الخميني في صالة القاضي محمد في هولير؟
العقلية التي ترفض أن تكون إمراءة الرئيسة المشاركة للمؤتمر القومي الكردي، ولكنها تقبل أن بتراقص وزراء حكومتها للاحتفال بعيد ميلاد إمراءة أخرى هي ملكة في بلاد بعيدة؟!. نحتاج هنا إلى التحليل النفسي لمثل هذه الظاهرة. رفض حقوق المرأة محليا وسحقها وإهمال شؤون حياتها، ومن ثم الظهور بمظهر المتحضر والرقص في حفل عيد ميلاد إمراءة أخرى. إنها عقلية الشعور بالنقص أمام الغير، عقلية ازدراء الشعب والقفز فوق آلامه ودموعه.هكذا يٌراد أن تكون “دولة جنوب كردستان”. هكذا يٌراد أن يكون منجز الكرد من التفاعلات والتطورات الأخيرة في الشرق الأوسط: تقدم داعش واللعبة السعودية القطرية التركية الأميركية المالكية. كل ذلك يتم في تغطية واضحة على الهجمات التي تتعرض لها روج آفا. أي مصيبة تنتظر الشعب الكردي من وراء هذه السياسة القوموية الضيقة، البعيدة عن هموم الناس ومشاكلهم، والآخذة في الانتفاخ طولا وعرضا بينما الواقع المعاش يقول شيئا آخر، والمواطنون يتأملون في القاع ويواجهون لوحدهم الإهمال والتهميش ومصاعب الحياة ومخاطر داعش والآفات الأخرى.
*صحيفة (يني اوزغور بولتيكا)
ترجمة: المركز الكردي للدراسات