وجهة نظر – مصطفى عبدي
تواصل الكتائب الإسلامية وفصائل من الجيش الحر حصار مدينة عفرين، ولعل قرار ” الضابطة الشرعية”، الذي صدر مؤخرا بقطع الطرق المؤدية إليها من اعزاز، جاء في ذات الاتجاه، للاستمرار في عقاب هذه المدينة الآمنة نسبيا، والواقعة شمالي حلب. قرار “الضابطة الشرعية”، جاء بعد أن انسحبت “جبهة النصرة” (فرع تنظيم “القاعدة” في سوريا) من عدة مواقع عسكرية كانت قد تقدمت اليها وسلمتها الى “الجبهة الشامية”.
قرار قطع الطريق من قبل “الضابطة” التي تسيطر عليها “النصرة”، جاء لاستكمال الحصار على عفرين، وهو رد فعل على فشلها العسكري، واداركها بأن التحالف الدولي لن يسمح بتكرار نموذج كوباني، حينما ظل يراقب مسلحي “داعش”، وهم يتقدمون حتى دخلوا المدينة، فبدأ بالتحرك والقصف. ورغم ذلك فإن سيناريو كوباني بات يتكرر تدريجياً في عفرين، وان كان بشكل مختلف، فمجموعات مسلحة كانت قد فرضت حصارا على المدينة في الأول من آب /أغسطس 2013، ومنها (المجلس العسكري والثوري، لواء التوحيد، لواء جند الحرمين، داعش، حركة أحرار الشام الإسلامية، لواء أصحاب اليمين، لواء اليرموك، لواء احرار الشيوخ، صقور الشام، النصرة)، وبعد شهر تم الاتفاق، وفك الحصار جزئيا من كل تلك الفصائل، عدا “داعش” الذي رفض الهدنة، ولجأ الى نصب الحواجز على الطريق الرئيسية: حلب ـ كوباني ـ الرقة، وتنفيذ حملات الاعتقالات بين صفوف المدنيين، وخاصة المسافرين عبر حواجزها في مفرق جسر قرقوزاق، ومنبج، وجرابلس، وتل ابيض. وكانت اكبر حملات الإعتقالات تلك اعتقال 250 تلميذا كانوا عائدين من الامتحانات في حلب، واعتقالات شملت حوالي 60 مدرسا، و190 من الركاب المتجهين لمقاطعة الجزيرة، وغيرهم، وما يزال مصير غالبهم مجهولا.ولم يكتف التنظيم الإرهابي بذلك، بل قام بتنفيذ اول هجماته الإرهابية على الريف الغربي لكوباني، وشن حربه الأولى في تل ابيض، والتي بدأت بحملة التطهير العرقية ضد الكرد، في 21 تموز/يوليو 2013، والهجوم على قرى ريف كوباني الشرقي، واحتلال العشرات منها مع اعتقالات على الهوية، لتهدأ الأمور فترة في حرب كر وفر، ترافق مع حصار شبه كامل وتضييق على حركة المدنيين. واستمر ذلك حتى جاءت الحرب الأخيرة، حرب 15 أيلول /سبتمبر، 2014 ، ولتشن “داعش” اكبر حملة عسكرية، نجحت من خلالها في احتلال 400 قرية، وثلثي المدينة.ظروف اقتصادية صعبة، نتيجة الحرب والحصار:ترزح المناطق الكردية في سوريا تحت ظروف قاسية، نتيجة الحرب التي يشنها تنظيم “داعش”، و”جبهة النصرة” من جهة، والحصار الخانق الذي تفرضه التشكيلات الإسلامية “المعارضة” بالتعاقب من جهة اخرى، معطوفاً عليه الدور التركي السلبي والرافض لأي صعود لحزب الإتحاد الديقراطي الكُردي، وهو الموقف الذي ينسجم مع وجهة نظر “الائتلاف” المعارض الرافض لكيان “الإدارة الذاتية” الذي اعلنه حزب الإتحاد الديمقراطي، وقوى اخرى كردية وعربية وسريانية متحالفة معه، وتعتبره “مشروعا للانفصال”، في الوقت الذي يشدد فيه المسؤولون الكُرد بأنهم يسعون إلى ترسيخ سوريا ديمقراطية موحدة ومتنوعة في آن، ويعملون لتعميم نموذجهم لسوريا المستقبل وفق قاعدة الجمهورية الديمقراطية والإدارة الذاتية المجتمعية.وليس بعيداً عن المشهد العام المتداول، ثمة تحديات عميقة تعصف بهذه المناطق التي كانت تعتبر حتى وقت قريب الأكثر استقرارا، وكانت ملاذا آمنا لعشرات الالاف من النازحين من مختلف المدن السورية، وخاصة بعد صعود “داعش”، وظهوره في المشهد السوري، وإذا ما قفزنا فوق التحديات الأمنية والعسكرية، سنصطدم بجملة من عقبات اقتصادية بالغة الصعوبة، هذه المناطق تعاني من ويلات تدهور الحياة الاقتصادية، والتي تقول المصادر المحلية بأنها من أهم المسببات الحيوية في الوقوف وراء ارتفاع معدلات النزوح الجماعي والفردي، هذا عدا عن بعض الاتهامات لحكومة المقاطعة بالتضييق عبر اصدار قوانين من قبيل التجنيد الاجباري، واعتقال بعض الافراد.تركيا شريك في الحصار:تقع المقاطعات الكردية الثلاث على الشريط الحدودي مع تركيا، مفتقرة إلى المعابر الرسميّة، وتؤكد الإدارة الكردية بأنه “كان بإمكان الحكومة التركيّة التخفيف من آثار الحصار والحرب”، والاستجابة للنداءات المحلية والدولية، وآخرها نداء من مجلس البرلمان الأوروبي الذي دعا إلى فتح ممر إنساني يُسهّل حركة المدنيين والمواد الغذائية والتجارية، زد على ذلك تشديد حرس الحدود التركي الرقابة على جميع المسالك غير الرسمية والتي تعتبر نافذة وحيدة أمام الناس. ولا يتوانى الجنود الأتراك في إطلاق النار على من يحاول اجتياز الحدود، حيث تم توثيق 31 حالة قتل منذ العام الفائت. و ” كأن تهريب الاحتياجات الحياتية أخطر من إدخال الأسلحة والجهاديين”، وفق توصيف جوان شيخو، وهو تاجر كردي محلي، يحاول تأمين البضاعة من الطرف التركي ونقلها إلى مدينة عفرين.طبيعة الحياة داخل عفرين:مهما تكن الصورة القاتمة في بعض المناطق الكردية إلاّ أن الحياة داخل عفرين تسير على ما يبدو بطريقة منظّمة، ولا شيء يوحي بتفكيك الشؤون العامة، حيث تحاول الإدارة بمؤسساتها وهيئاتها المتشكلة متابعة شؤون الحياة، وتحاول قدر المستطاع مساعدة الناس في احتياجاتهم اليومية بالحد الأدنى، فثمّة منظمات ومؤسسات تقف على تنظيم الخدمات وتدبير احتياجات عوائل الشهداء، والنازحين وذوي الاحتياجات الخاصة، وتحريك عجلة القطاع التعليمي، والقطاع الصحي، مع أهمية إيلاء بوجوب تحسين مستوى الأمن عبر عناصر الشرطة (الاسايش) وإحالة معظم القضايا الشائكة إلى المحاكم المحلية المختصة، لتتفرغ بدورها وحدات حماية الشعب(YPG) إلى صون الحدود.الحرب الأخيرة التي تشنها “جبهة النصرة” على المدينة، بمشاركة عدة كتائب إسلامية، ليست جديدة، فهو سيناريو مكرر كما جرى في كوباني، وتحاول مختلف المجموعات المسلحة تنفيذ هجمات بهدف ضرب الأمن والاستقرار في هذه المدينة الصغيرة، التي باتت موطن عشرات الالاف من العوائل النازحة من حلب وغيرها من المدن السورية، وخاصة، المدينة عاشت اول حرب وحصار منذ حزيران/يونيو 2013 من قبل 14 فصيلا عسكريا، لذا فإنه ورغم التهديدات المتكررة، فإن أهالي عفرين واثقين بأن المجتمع الدولي لن يتخلى عنهم كفريسة لفرع “القاعدة”، كما وأن لديهم ثقة بمدى خبرة مقاتلي وحدات حماية الشعب(YPG) وصمودهم في حماية حدودها، وإن ترافق التطور الأخير مع حالات من الخوف والقلق.بكلّ حالٍ لا يُبدي الكُرد في سوريا قلقاً بخصوص المستقبل، فهم يؤمنون بقدرتهم على كسب التّحديات إذا ما حُلّت الأزمة السوريّة. يثق معظمهم بقدرتهم على “لعب السياسة”. وهم لا يوافقون على اتهامهم بوجود “نزعة انفصالية” لديهم. لكنهم يجدون أن حصولهم على “الإدارة الذّاتيّة” حقّ مشروع، كما تقول شمس شاهين وهي ناشطة كردية: ” نحن سوريون، ونحبّ هذه البلاد ولن نتخلى عنها. ولكن لنا الحق أيضا في حماية مدننا وإدارة شؤوننا ذاتيّاً”.* صحفي كردي ومراقب ميداني. خاص بالمركز الكردي للدراسات.