سيهانوك ديبو
ولأن سوريا لم تكن يوماً وفق الجغرافية الحالية إلّا في اتفاقية ترسيم الحدود الأخيرة ما بين فرنسا وتركيا في العام 1937. مع العلم بأن تركيا أيضاً لم تكن وفق الخارطة الجغرافية التي طالما رأيناها تتدلى على سبّورة شعب المدارس ولم تزل شاهدة تؤكد بأن هذه الجغرافية تتزلزل؛ وكأنها أعدِّت بالأساس والمقصد لزلازل اجتماعية وحراكات مجتمعية وانتفاضات كما الحال في الوضع السوري؛ مثال بدوره على الأزمات وزلازل الشرق الأوسط. ولأن سوريا الطبيعية (سمّاها الروس وبقصدية ما بعد أيلول سبتمبر 2015 بسوريا المفيدة) موغلة في التاريخ كجزء من الهلال الخصيب لبلاد الميزوبوتاميا) من المهم أن تبقى تحت هذا المسمى في فيدرالية سوريا المستقبل. والتي من الممكن أن تتألف بدورها من أربع فيدراليات على أساس الجغرافية. فيدرالية سوريا الطبيعية، فيدرالية شمال سوريا، فيدرالية حوران (الجبل والسهل)، وأخيراً فيدرالية البادية؛ أو فيدرالية تدمر، والأخيرة ستكون أكثر تناغماً مع المعنى/ المعاني والحقائق الجغرافية والسياسية والتاريخية لها. وباقي المسميات الأخرى من الفيدراليات التي تشكل بدورها فيدرالية سوريا الديمقراطية؛ لها المسند والحقيقة التاريخية والحل الديمقراطي القويم. إذْ؛ لا مكان لمثل هذا المفهوم لأي احتمالية لإعادة فكر الاستبداد من خلال المركزية، وفي الوقت نفسه لن يكون هناك بأي حال أي احتمالية للمحاصصة وتوزيع السلطة على أساس الانتماءات الأوليّة الجزئية كما الاثنية والطائفية. ولو أمعن السوري بمسؤولية بعيداً عن المزاودة القومية التي تبدو منتعشة/ واصلة الذروة في الأزمة السورية، ورأوا بأنهم اللذين يطلون على دولتين/ جغرافيتين حديثتين كما حالها؛ يُرى فيها كل شيء ما عدا مسمى الدولة الوطنية؛ ليتيقنوا بدورهم بأن سوريا الانتماء تتحقق وفق هذا الفهم التنويري النهضوي، ومن خلال ذلك فقط تتحول إلى مكان جيد لظهور الديمقراطية التوافقية التي تم تغييبها لمئات من السنين؛ بسبب الأفكار التنميطية التي حكمت باسمها السلطات: خلافة كانت أمْ امبراطوريات أو دول تم صناعتها؛ كما حقيقة الدولة السلطوية السورية النمطية ما بعد سايكس بيكو وسان ريمو.من هم أصحاب الخطوات الأحادية في سوريا؟من الإنصاف أن نجد أنفسنا منتمين إلى قناعةِ قاعدةِ: في زمن الانعطاف؛ يلزم الكثير من المصداقية، والأخيرة حصرٌ على أصحاب المشروع/ المشاريع الديمقراطية وأفكارهم الثورية. لكن هذا يلزمه التصالح مع التاريخ. وتناوله كما هو موجود؛ دون زيادة ودون نقصان. فبعيداً عن السيناريو الذي كتب باب الحارة في أجزائه الثمانية كما جنيف. وبعيداً عمن يشبهون ذلك ممن تشبّه لهم ذلك واختلطت عليهم أو ليس بمقدورهم كبح العواطف والرومانسيات؛ فإنه ولأكثر من عشرين سنة تسبق الجلاء الفرنسي لم يطلق أي سوري رصاصة على الفرنسي، وخروج فرنسا من سوريا عملية من ضمن عمليات العلاقات الدولية واتفاقيات الحرب العالمية الثانية. وأن سوريا أو قيام سوريا الحديثة كانت خطوة أحادية من جانب واحد (تمّ قبوله فيما بعد من قبل الذين وجدوا أنفسهم وفق هوية وخريطة ودستور وهوية لدولة (سوريا)، وفيما بعد حروب مفروضة عليهم)، وأن مسمى الجمهورية السورية كانت أيضاً خطوة أحادية لم يتم عرضها لا على استفتاء أو استطلاع. وأن تحوّلِ الجمهورية السورية إلى العربية السورية كانت أيضاً خطوة أحادية وخطيرة من جانب العروبيين؛ أضرّت أولاً بالعرب قبل غيرهم من سبع مكونات قومية أخرى كانت ولم تزل موجودة في سوريا: الكرد. السريان. الآشوريين. التركمان. الشركس. الأرمن. الشيشان. وأن تحوُّل الإسلام إلى مصدر التشريع في الدستور السوري المعمول على الطريقة الفرنسية (هذا بحد ذاته خلاف معرفي عويص) أيضاً كانت بالخطوة الأحادية في وجه وجود أديان وطوائف أخرى: المسيحية والإيزيدية، الدرزية والعلوية والاسماعيلية وغيرها من التي تم تطويعها مدنياً وسياسياً إلى دين واحد. الانقلاب البعثي؛ بما يسموه بثورة 8 آذار 1963 أمُّ الخطوات الأحادية وحكمه لسوريا لأكثر من نصف قرن. المشاريع الاستثنائية كما حال مشروع تجريد أكثر من 120 ألف من الكرد من الجنسية السورية؛ علاوة على أنه خطوة أحادية من جانب واحد؛ فإنه يمثل بداية المشروع الشوفيني ضد الشعب الكردي تحت مسمى العربية، ومثل ذلك خطوة الحزام العربي في مناطق روج آفا وبعض من شمال سوريا واستقدام العرب الذين غمرت أراضيهم مياه سد الفرات بغية وبمقصد تغيير الديموغرافية في المناطق الكردية/ روج آفا. والتقسيمات الإدارية التي حدثت في ظل ما يسمى بحكومة الحركة التصحيحية ما هي إلّا خطوة أحادية من جانب واحد؛ يعرف بدقة ومفهوم دوافع تقسيمهم لِمثل هذه التقسيمات التي حجزت سوريا إلى أربع عشرة سجون سميّت محافظات.لكن ألا ينطبق ذلك على قانوني التقسيمات الإدارية والانتخابات المقرّتين من قبل المجلس التأسيسي للفيدرالية الديمقراطية لشمال سوريا في 27/28 تموز المنصرم؟من المهم قبل الإجابة بلا؛ التوضيح بداية بأننا أمام حربين في سوريا اليوم. حرب ضد داعش وعموم التنظيمات الإرهابية؛ في الرقة وكما الذي سيحدث في دير الزور وفي إدلب من بعد قرع طبول الحرب عليها. وفور الانتهاء من تحريرهما من المرجح؛ وفي فترة ليست بالبعيدة ستبدأ مرحلة متقدمة من محاسبة الجهات الداعمة للتنظيمات الإرهابية، وستكون تلك خطوة جيدة بطبيعة الحال. إلى جانب هذه الحرب هناك حرب بينية في مناطق معيّنة من سوريا. نُصيب لو قلنا بأن من يقطن الساحل السوري سيحتاج إلى عشرات السنين كي يجد لنفسه مستقراً في حوران؛ حتى لو وضعت الحرب أوزارها وحدثت تسوية سياسية. والعكس بالعكس؛ وينطبق هذا الحجز المجتمعي ونتيجة عدم مستطاع السوري أن ينتقل لمناطق أخرى من سوريا، بخاصة أن هذا الحجز يدخل في مرحلته الثانية؛ المرحلة الأولى البدئية أنتجتها الأنظمة الاستبدادية؛ صاحبة الخطوات الأحادية الجانب والتقسيمات الإدارية التي أدت كي يكون مجتمع سوريا اليوم مجتمعاً مغترباً ومفككاً ومشككاً. أمّا المرحلة الثانية فنشهد تفاصيلها بصخب ودون مواربة.اللا انتماء إلى سوريا يعتبر أدق مُتَحصِّل ووصف للمجتمع السوري؛ الذي ينظر إليه؛ بذات دوره؛ أنه لا ينطبق عليه وصف المجتمع، ويقترب أن يكون واقعة أو ظاهرة اجتماعية في أحسن أحواله. لو لم يكن كذلك فما تفسير هذه الحرب البينية بين أغلب مكونات سوريا في أغلب مناطقها؟ وهذا ينطبق على دواخل جميع الدول في الشرق الأوسط؛ أو أغلبيتها؛ في حال تجرُّعِ كأسِ تفاؤل. أي أن السوريين أمام مهمة ليست بالسهلة وهي تحقيق الانتماء بالكيفية والكميّة والشكلية أو الأشكال التي يرونها بالمناسبة ويتحقق من خلالها الانتماء. دون وصاية ودون استعلاء. أن يقول مواطن سوري من ساحل سوريا – مثالاً- هكذا يجب أن تكون حقوق الكرد في سوريا المستقبل؛ تعتبر بادئ ذي بدء سقطة أخلاقية، ومخالفة قيمية ترتقي كي تكون جريمة تستوجب المحاسبة الناجحة. الكردي في سوريا؛ لوحده؛ من يقرر؛ كيفما يرى في أن يتحقق انتماؤه إلى سوريا. وهذا الأمر المجتمعي يتعلق بإرادة شعب وحق من تقرير مصيره الديمقراطي، ومثل هذا الحق ينطبق على عموم الشعوب في سوريا، وعموم الشعوب في تركيا، وعموم الشعوب في إيران. وفق ديمقراطية القبول ومبدأ التوافق يتم الوصول وتحقيق المجتمع المسالم. أي؛ بالإمكان أن نخلص بأن خطوة إعلان الفيدرالية هي الخطوة الجمعية في زمن الخطوات الفردية والإفرادية؛ الأخيرة التي يطلقها بعض الأشخاص من الذين لا يعلمون بأن حل الأزمة السورية لها الجانبين: محاربة الإرهاب والتغيير الديمقراطي، وهؤلاء لا يملكون سوى الدفتر الذي يكتب عليه والكومبيوتر الذي يضخ من خلاله التشويش وتشويه حقيقة الوعي الجمعي الذي اضرم نيران ثورة 19 تموز 2012. والوعي الجمعي الذي أعلن عن الإدارة الذاتية الديمقراطية في 21 كانون الثاني 2014، والوعي الجمعي الذي أسس النظام الفيدرالي؛ ولاحقاً العقد الاجتماعي، واليوم قانوني التقسيمات الإدارية والانتخابات التي تتحقق على جغرافية الفيدرالية الديمقراطية لشمال سوريا بأقاليمها الثلاثة حتى اللحظة. هي جميعها خطوات جمعية ولأول مرة في تاريخ المنطقة؛ ليست بالمنفردة أو من جانب واحد كما يريد أو يتخيل البعض ذلك. فأية جهة/ جهات استطاعت من خلال حراكها وثورتها أن تختزل اليوم جانبي حل الأزمة السورية (محاربة الإرهاب والتغيير الديمقراطي من خلال المشروع الديمقراطي الذي يحارب الإرهاب والاستبداد من أجله) يحق لهذه الجهات؛ من بعد اكتسابها هذه الشرعية والرمزية الثوريتان؛ أن تطلق جميع التفاصيل التي تضمن النتيجة التي تسعى إلى تحقيقها؛ من بينها قانون التقسيمات الإدارية والانتخابات. والعلم كله أن طريق الشرعيتين الثورية والدستورية واحد؛ الأولى فقط تفضي إلى الثانية، وأما مسائل اكتساب الشخصية الاعتبارية الإقليمية والعالمية فهي تحصيل حاصل ونقطة تَتم من بعد تحقيق الأساسيات منها. وهذا الفهم ينطبق جملة وتفصيلاً على فيدرالية شمال سوريا والخطوات الجمعية التي تتخذها ضد الخطوات الفردية المنفردة والذهنيات النمطية التي تتعكز وبشكل دوغمائي على بعض من تفاصيل منتقاة من قبلهم بدراية أو من دونها. نتيجة تنفيذية: معزوقات سوريّة حتى حصول المعزوفة السوريةلطالما سمعنا ذرائعية ممارسة من قبل صنوف من المعارضة السورية. وإذا ما أصرت عليها؛ سوف يتم النظر إليها بمزيد من التشكيك يصل إلى درجة أنهم غير معارضين؛ ولا يعني بأنهم مع النظام. إنهم الرماديون، بخاصة لو نعلم؛ أن الأزمة السورية أفقدت الكثير منْ على هؤلاء صفة المعارضة. ميشيل كيلو مثالاً لا يمكن النظر إليه بأنه معارض؛ ربما متعارض مع النظام السوري في أحسن الأحوال. هكذا قال الحراك الثوري السوري من بعد سبع سنوات. أهم هذه المعزوقات:• ليس الكرد وحدهم من انقسموا إلى أربعة أجزاء، بل العرب أيضاً وإلى 22 دولة. لنتصالح مع تاريخنا ونسأل أنفسنا، ولنترك هذا التضليل، ولنعترف بأنه لم يكن مرة واحدة كيان سياسي باسم العربية في المنطقة برمتها. أما استحداث 22 دولة فكان يمكن الاستفادة منها، ولكنها أصبحت خصماً وضداً من الشعب العربي الذي يرى نفسه اليوم متخلفاً من اللحاق بالركب الحضاري بسبب سياط جلاديّها من الأنظمة الاستبدادية المركزية. أما إيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية فهي مفتاح دمقرطة الشرق الأوسط، وأكثر المستفيدين من ذلك هو الشعب العربي إلى جانب الشعبين الفارسي والتركي. تركيا أصبح لها وجود دولة وكذلك الفرس من خلال إيران. والعرب أصبح لهم وجود في 22 دولة، لكن الكرد انقسموا فيما بينهم إلى أربع أجزاء مهددين بالإمحاء والإنكار والإبادتين الجسدية والثقافية. فكيف هذه المساواة؟؟؟• جماعة المواطنة هي الحل. قلنا ونقول لهم مرة أخرى: المواطنة الحرة وتحقيق الانتماء يحتاجان إلى مشاريع نهضوية وتنموية تحققانها؛ ومشروعنا في جانب كبير منه من أجل تحقيق الانتماء/ المواطنة من خلال الفيدرالية الديمقراطية (ضد التقسيم وضد النظام المركزي).• جماعة خلونا نخلص وبعدين نلتفت إلى قضيتكم. قلنا لهم ونقول مرة أخرى لن تكون الأخيرة: الجنيفات والآستانات حتى اللحظة ليست من أجل الحل؛ قد تكون لعكسها وقد تكون لأي شيء سوى الحل. وحتى يتم تبيان الهدف السياسي من العملية التفاوضية؛ وبشكل توافقي؛ نكون أمام الحل القويم. الخلاص يكمن في البداية، والمقدمات هي طرق النتائج.• جماعة إذا قرر الشعب السوري إنو تكون الفيدرالية؛ ما عنّا مشكلة. قلنا ونقول لهؤلاء مرة أخرى: قضايا الشعوب غير خاضعة للاستفتاء العام. هناك مسائل عامة تخضع للاستفتاء؛ لكن قضية شعب معين معنيٌّ بذلك الشعب، كما حال القضية الكردية في سوريا والتي تحظى بشبه اجماع كردي وبمختلف تياراته السياسية: أنهم مقتنعون اليوم بأن قضيتهم تحل عن طريق الفيدرالية الديمقراطية وحكمه مع الشعوب المتعايشة معه منذ مئات السنين لنفسه وبنفسه وعبر قوانينه التي ترعي خصوصيته وتؤكد الجزء والكل في الوقت نفسه.• إلخ …. إلخ من مثل هذه الجماعات المتوحّدة النمطية والمغرمة أو المعرضة للتنويم عبر الخطوات الأحادية الجانب.الحل الفيدرالي هو المعزوفة السورية المنتظرة، وهي التي تدخل في آذان جميع السوريين وتستقر في القلوب والعقول. والمرئية أن تكون وأن تجلب معها الحل: فيدرالية سوريا الديمقراطية.مستشار الرئاسة المشتركة لحزب الأتحاد الديمقراطي PYD