بيتر غالبرايت || The New York Review
لا تزال الآثار المترتبة على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في السادس من أكتوبر الماضي، بسحب القوات الأمريكية ومنح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الضوء الأخضر لغزو شمال شرق سوريا، غير واضحة بشكل كامل بعد. ويري السفير الأمريكي بيتر غالبرايت، أن “أردوغان” زعم أنه يريد إنشاء منطقة عازلة تمتد لمسافة تصل إلى 32 كم، كي يتمكن من خلالها من توطين حوالي مليون لاجئ سوري يعيشون في تركيا، ولكن ربما كان لديه طموح لإعطاء شمال شرق سوريا إلى الإسلاميين الذين رعتهم تركيا في غرب سوريا خلال الحرب الأهلية السورية، والذين هُزموا بنسبة كبيرة هناك.
وعلى حسب اعتقاد السفير الأمريكي، فإنه بفضل الدبلوماسية الروسية، كان لهذا الطموح أن يُشعل حربا أهلية سورية في وقت ما كانت تخفت فيه حدتها، ولكن تم إحباطها بشكل كبير، ولكن من الصعب تخيل نتائج أكثر كارثية بالنسبة للولايات المتحدة والأكراد وحلف الناتو، وربما تركيا نفسها.
من غير المحتمل أن تحقق تركيا هدفها المتمثل في القضاء على السيطرة الكردية على المنطقة الحدودية، حيث إن غزوها يهدد بقطع العلاقات مع الدول الغربية، ما يؤدي إلى فرض عقوبات عليها من شأنها أن تزيد من انكماش اقتصاد الدولة التركية، ومن ناحية أخرى، فلا يمكن لتركيا أن تعتمد على الوكلاء السوريين الذين هم ليسوا أهلا للثقة، وإلا سوف تخوض حربًا بأعداد كبيرة ضم خصم ذو مهارة عالية.
قبل شن الهجوم التركي في التاسع من أكتوبر، كانت سوريا مُقسمة على طول نهر الفرات، ومع ذلك، انتصرت الحكومة السورية على مجموعة مختلفة من أعدائها في الناحية الغربية، بما في ذلك الإسلاميين وحلفائهم الأتراك وعدد من الفصائل المعارضة، ولكن كانت إدلب المحافظة الوحيدة التي خرجت عن سيطرة الرئيس السوري بشار الأسد.
ومن ناحية منطقة شرق الفرات، فقد سيطرت قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد على حوالي ثُلث البلاد، ومن خلال الدعم الجوي الأمريكي وحوالي 3 آلاف من القوات الخاصة الأمريكية إلى جانب عملاء وكالة الاستخبارات الأمريكية، انتصرت قوات سوريا الديمقراطية في معركة دامت 5 سنوات ضد تنظيم”داعش” الذي كان في ذروته وسيطر على سوريا أواخر عام 2014. وخلال ذلك الوقت، فقدت قوات سوريا الديمقراطية حوالي 11 ألف مقاتل، في حين أن الولايات المتحدة فقدت 5 فقط من عناصرها.
وفي 13 أكتوبر، بموجب شروط الصفقة التي تم التوصل إليها بوساطة روسية بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية، انتقلت قوات “الأسد” إلى النقاط السكانية الرئيسة في شمال شرق سوريا لدعم الأكراد، كونها خطوة أولية لإعادة تأسيس سلطة الحكومة السورية في المنطقة. وفي الوقت الذي أطلقت المدفعية التركية النار على قاعدة أمريكية، وسارعت الولايات المتحدة بسحب القوات والدبلوماسيين، توالت تصريحات “ترامب” وتغريداته، مُشيرًا إلى أن الكرد “ليسوا ملائكة”، على اعتبار أنهم لم يحاربوا في صف الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية، وهدد بتدمير الأقتصاد التركي إذا لم تتوقف تركيا عن الهجوم على الولايات المتحدة، وعليه شكك وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر، بشكل علني فيما إذا كانت تركيا حليفة لبلاده.
وكان الوضع الأكثر مأساوية بالنسبة للكرد، هو أن مُدنهم الرئيسية في سوريا تقع على الحدود التركية أو بالقرب منها، حيث أدى القصف والغارات الجوية التركية إلى مقتل المئات منهم، بالإضافة إلى نزوح 200 ألف مدني من منازلهم. ومن ناحية أخرى، يزعم “أردوغان” أن الحزب الكردي السوري المهيمن “حزب الاتحاد الديمقراطي”، هو ببساطة فرع آخر لحزب العمال الكردستاني، الذي تأسس عام 1978 والذي خاض تمردا ضد الدولة التركية للاستقلال قبل أن يقلص الحزب من أهدافه للسعي وراء شكل من أشكال الحكم الذاتي والحقوق الكردية في تمرد دام لمدة 35 عاما ضد تركيا.
ويرى “غالبرايت” أن ادعاء تركيا وجود صلة بين حزب العمال الكردستاني والكرد السوريين لا أساس له من الصحة، فلم يكن كبار قادة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني وكذلك كبار قادة قوات سوريا الديمقراطية أعضاءًا في حزب العمال الكردستاني، بل ولم يقاتلوا ضد الدولة التركية داخل الأراضي التركية نفسها، كما أن الكرد في شمال شرق سوريا، لا يشكلون تهديدا لتركيا، ولا يوجد دليل موثوق به لأي هجوم على تركيا من الأراضي التي يسيطر عليها الكرد السوريون.
ويُذكر أن حتى عام 2015، كان يلتقي الدبلوماسيون ومسؤولو الاستخبارات التركيين بانتظام مع زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني صالح مسلم. وقد يكون لتحول “أردوغان” ضد الكرد علاقة بالسياسة التركية أكثر من أي تهديد إرهابي، فقد حصل حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا على نسبة كبيرة من الأصوات الكردية في تركيا حتى عام 2014، وتغير هذا في سبتمبر العام ذاته، عندما شوهدت الدبابات التركية تسلح “داعش” بأسلحة من الولايات المتحدة تم الاستيلاء عليها من الجيش العراقي، للاعتداء على عين العرب (كوباني) التابعة لمحافظة حلب في سوريا.
وفي انتخابات 2015، خسر “أردوغان” الأصوات الكردية، ومعه أغلبيته البرلمانية، ثم أعاد وضع نفسه كقائد وطني، وأنهى مفاوضات السلام مع حزب العمال الكردستاني، وأدان عناصر حزب الاتحاد الديمقراطي، واصفًا إياهم بـ”الإرهابيين”.
وبالنسبة إلى نقاد “ترامب”، فهم يتحدثون بشكل شبه دائم عن الكرد كونهم جنود ساعدوا الولايات المتحدة في حربها ضد “داعش” وخذلتهم “واشنطن”. وبإلقاء النظرة على ما حدث خلال حكم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، فقد أذن في سبتمبر عام 2014، بشن غارات جوية لدعم المدافعين الكرد عن كوباني الذين يخوضون المعركة، وبمجرد ما كسر الكرد حصار كوباني واستعادوا الأرض التي سيطر عليها “داعش”، أصرت الإدارة الأمريكية مواصلة المعركة ضد التنظيم الإرهابي في الأجزاء ذات الغالبية العربية من شمال سوريا، بما في ذلك المدينة التي اتخذها هذا التنظيم عاصمة له؛ الرقة ودير الزور التي تبعد كلا منهما 160 كم جنوبا عن أي منطقة كردية.
لم يكن يرغب الكثير من الكرد، بما في ذلك المجلس الوطني الكردي – وهو عبارة عن مجموعة من الأحزاب الكردية السورية المعارضة لحزب الاتحاد الديمقراطي- في إراقة الدماء الكردية لتحرير الأراضي العربية، حيث تكبدت قوات سوريا الديمقراطية العديد من الخسائر ووصل عدد ضحاياها حوالي 11 ألف شهيد من أجل تحرير الأراضي العربية والكردية على حد سواء.
وإذا نظر صانعو السياسة إلى ما وراء جدوى المنفعة العسكرية للكرد، فإنهم سيشهدون ثورة اجتماعية ملحوظة لها تداعيات محتملة تتجاوز الحدود التركية. والسؤال الحالي المطروح، ماذا سيفعل ترامب إثر محادثات الإدارة الأمريكية مع الكرد؟ لا يزال القادة الكرد حذرين بشأن الدعم الأمريكي، فقد كان المعبوث الأمريكي لسوريا جيمس جيفري، تفاوض مؤخرًا على اتفاق بين تركيا والأكراد، والذي من خلاله سيتم سحب الجنود والأسلحة من “المنطقة الآمنة” الواقعة على الحدود التركية التي ستقوم الولايات المتحدة وتركيا بدوريات مشتركة عليها، وبذلك لن يكون هناك وجود تركي دائم شمال شرق سوريا. وربما اتضح الأمر كما لو أن الكرد بإمكانهم الاعتماد على الوجود الأمريكي المستمر حتى الأنتخابات الأمريكية القادمة على أقل تقدير، وبحسب هذا الأتفاق وافق الكرد على الانسحاب من منطقة طول الحدود التركية.
وأخيرًا ربما قد تساءل قائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم كوباني، عن سبب إصرار تركيا على تدمير قوات سوريا الديقراطية للخنادق، والتي تعد دفاعية بحتة، ولكن “مظلوم” وثق في كلا من “جيفري” والولايات المتحدة، قبل أن تعبر القوات التركية الحدود في الحادي عشر من أكتوبر الماضي.
للاطلاع على المقال الأصلي باللغة الإنجليزية.. اضغط هنا
ترجمة: رنا ياسر