“جهاد ووتش”: تركيا لم تعد حليفا كماليا علمانيا بل دولة لـ”إخوان أردوغان المسلمين”.. فلماذا لا تزال في “ناتو”؟
هيو فيتزجيرالد || موقع “جهاد ووتش” مرصد الحركات الجهادية
هاجم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مرارًا وتكرارًا الكرد في سوريا- مهما كانت هناك تحفظات حولهم– في الوقت الذي كانوا فيه أقرب حلفاء وأكثرهم فاعلية ضد “داعش” وفي الأطار ذاته، قام “أردوغان” بحملة تشهير ضد الولايات المتحدة لرفضها تسليم الداعية والمفكر الإسلامي التركي المعارض فتح الله كولن، إلى “العدالة” بحسب ما يدعي واعتقل عشرات الآلاف من الأشخاص، قضاة ومحامون وأساتذة وموظفون حكوميون وضباط عسكريون الذين اتهمهم بأنهم جزء من الانقلاب الفاشل في يوليو عام 2016. وبالمثل، تستمر تركيا في سجن المزيد من الصحفيين أكثر من أي دولة أخرى على الأرض.
اقترب “أردوغان” من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ودولته، ومضى الرئيس التركي في تعهده بشراء نظام دفاعي صاروخي أرضي روسيS-400 ، ما يجعل مسؤولو الولايات المتحدة وروسيا يقودهم الخوف إلى وجود خروقات أمنية لأنظمة أسلحتهم (أما للروس يُمكنهم أن يختبروا كيفية أداء الصاروخ S-400 ضد صواريخ الناتو التي زودتهم بها تركيا، كما يمكنهم تعديل نظامهم الدفاعي على هذا النهج).
ومن ناحية أخرى، كان قد سجن الرئيس التركي القس الأمريكي أندرو برونسون لمدة عامين عقب إدانة محكمة تركية له عبثا. “برونسون” الذي يُعد راعي كنيسة القيامة في مدينة إزمير بتركيا-والتي تتكون من جماعة صغيرة يصل عددها إلى 25 عضوا- حُكم عليه بالسجن لمدة 20 عامًا بتهم مختلفة ومُلفقة، بما في ذلك تهم بأنه جاسوس لدى وكالة الاستخبارات المركزية “سي آي إيه”، وعضو في الجماعة الإرهابية الكردية وهي حزب العمال الكردستاني، والأسوأ من ذلك كله أن يكون “كولن” عميلاً.
أُفرج عن “برونسون” بطريقة سيئة عقب الضغوط الاقتصادية الأمريكية المذهلة على أنقرة. وكانت خطة “أردوغان” على ما يبدو هي العمل على تبادل السجناء، برونسون في مقابل كولن، ومن ثم لن يكون للأمريكيين شيء.
ومن ناحية الألمان، وصفهم أردوغان “بالنازيين” لرفضهم السماح للأتراك الذين يعيشون هناك بالتصويت، وحينما أغلقت النمسا بعض المساجد التي تمولها تركيا، توقع “أردوغان” حربا قادمة بين “الهلال والصليب”، ما لا يجعل هناك شكًا إلى أي طرف ستنتمي تركيا، وكان الأمر الأكثر إثارة للقلق، هو دعوة “أردوغان” إلى قوة عسكرية ووحدة إسلامية عملاقة يُمكن أن تخوض حربًا ضد إسرائيل وتسعى إلى تدميرها، وأن جميع أعضاء منظمة التعاون الإسلامي – حسب رأي الرئيس التركي- سوف تساهم مع تركيا في تولي الدور الريادي. تلك الخطة كانت قد عُرضت في مقال نشرته صحيفة ناطقة بلسان “أردوغان”، وهي “يني شفق”.
ماذا لو تشكل جيش إسلامي ضد إسرائيل؟
إذا اتحدت الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي وشكلت قوة عسكرية مشتركة، سوف يكون ذلك أكبر جيش في العالم، إذ يبلغ سكان هذه البلدان نحو 1.674.526.931 نسمة، وعدد الجنود في الخدمة الفعلية في هذه البلدان لا يقل عن 5.206.100 جندي، كما أن ميزانية الدفاع العسكري التي تصل في المجمل حوالي 174.728.420.000 تستحق التأكيد عليها.
أما بالنسبة إلى إسرائيل، فهي متدنية بشكل كبير، إذ يبلغ عدد سكانها حوالي 8.049.314 نسمة، وتم ملاحظة أن عدد سكان إسطنبول وحدها يتجاوز 14 مليون. ويبلغ عدد الجنود العاملين في الخدمة الفعلية في قوات الاحتلال الإسرائيلية حوالي 160 ألف، في حين تبلغ ميزانية الدفاع الإسرائيلية حوالي. 15.600.000 دولار.
ويُذكر أنه من بين القرارات التي يُمكن اتخاذها في منظمة المؤتمر الإسلامي، تشكيل مجموعة عمل القدس، وفي هذا الإطار، فإن الخطوات العسكرية من المحتمل أن يتم اتخاذها. ولأن الجيوش المسلمة التي تمتد من أفريقيا إلى آسيا تتجاوز تفوق الجيش الإسرائيلي، لذا سيكون من ناحية تشكيل جيش إسلامي، من المحتمل أن تكون إسرائيل تحت الحصار.
ومن هنا، من خلال عملية عسكرية محتملة، يُتوقع أن تشمل الخطوة الأولى حوالي 250 ألف جندي، إلى جانب إنشاء قواعد برية وجوية وبحرية مشتركة لاستخدامها على المدى القصير، فضلاً عن 5 دبابات وعربات مدرعة و100 طائرة حربية و500 طائرة هليكوبتر هجومية، و50 سفينة حربية، بالإضافة إلى 50 سفينة حربية وغواصات يُمكن تعبئتها.
الكثير من التفاصيل تُظهر التفوق الساحق من 75 دولة مسلمة على إسرائيل وعلى عدد سكانها وجنودها وميزانياتها الدفاعية وأسلحتها المشتركة. بعد نشر هذه الخطة، لم ينتقد الأمريكيون ولا أي عضو في الناتو، الخطة التركية لمحاصرة إسرائيل من كل ناحية- ورغم أنه لم يتم ذكر تدميرها ولكن بلا شك فإنها معنية بذلك – لكن تظل تركيا عضوا في الناتو في وضع جيد ظاهريًا.
ويتساءل الكاتب.. لماذا تبقى تركيا في حلف الناتو؟ فهل العضوية التركية تحمل قيمة إلى الأعضاء الآخرين، أم أن وجودها يمثل تهديدًا لفعالية حلف الناتو؟ على اعتبار أن تلك المنظمة بالضرورة قد حولت انتباهها بعيدًا عن روسيا، إلى أكبر تهديد يواجه الغرب الديمقراطي وهو الخطر الخارجي والمحلي الذي فرضه 1.5 مليار مسلم، مؤكدًا تساؤله: إلا أن مجرد وجود تركيا في الناتو في اجتماعات الناتو يعرقل النقاشات الحرة لما قد يتعين القيام به لمواجهة أي تهديد مسلم؟ يجب أن يكون واضحًا أن تركيا لم تعد الدولة العلمانية والكمالية التي كانت عليها قبل وصول أردوغان إلى السلطة، حيث إن وصوله إلى السلطة وإعادة أسلمة البلاد،لا يضمن ولاءها للغرب بل لإخوانه المسلمين.
وما الفائدة العسكرية المتوقعة من عضوية تركيا، في الناتو، للأعضاء الآخرين؟ ألم تثبت تركيا عدم الإمكانية في الاعتماد عليها حينما منعت الأمريكيين من استخدام قاعدة “إنجرليك” الأمريكية الجوية في جنوب تركيا، لغزو العراق من الشمال في عام 2003؟ وفي أي حرب بين الناتو ودولة إسلامية -كإيران مثلاً – كيف ستكون مدى احتمالية استخدام المجال الجوي التركي أو قواعدها من قبل قوات الناتو، أقل بكثير للمساهمة بقوات في تحالف قوات الناتو العسكرية؟
لقد هدد “أردوغان” وكبار المسؤولين أوروبا مرارًا وتكرارًا بأنه في حالة عدم السماح لتركيا بتقديم عروضها وعدم توقفهم عن انتقاد سياستها (بما في ذلك إرساله قوات إلى المناطق الكردية السورية)، سيفتح الطريق لإرسال 3.6 مليون لاجئ إلى هذا الطريق. وبالنسبة إلى مسألة الموارد الطبيعية في منطقة شرق البحر المتوسط، كان قد هددت أنقرة اولئك الذين يعارضون استغلال احتياطات الغاز الطبيعي الموجودة على الجانب اليوناني من قبرص، وبالتالي خارج المياة الإقليمية لتركيا.
ففي أكتوبر الماضي، حذر وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، تركيا من الدخول في عمليات حفر “غير قانونية” و”غير مقبولة” قبالة قبر، وأوضحت الولايات الأمريكية أن العمليات في المياه الدولية تحكمها مجموعة من القواعد، وأخبرت الأتراك أن التنقيب غير القانوني أمر غير مقبول، وستستمر الولايات المتحدة في اتخاذ الإجراءات الدبلوماسية لضمان حدوث نشاط قانوني.
أما تركيا، فهي لم توقف خطط الحفر في المياه قبالة الجزء اليوناني من قبرص، وأن توقفها مرهون بالتحذير المتكرر بترك السوريين البالغ عددهم 3.6 مليون سوري في القارة الأوروبية في أي وقت. في الوقت ذاته، تهدد تركيا أيضًا بطرد القوات الأمريكية من قاعدتي عسكريتين مهمتين في إنجرليك وملطية، وستكون هذه ضربة كبيرة من حليف مفترض لحلف الناتو، حيث ظلت الرؤوس النووية الأمريكية في إنجرليك تحت تصرف الجيش الأمريكي بموجب معاهدة أمريكية تركية خاصة.
وبيد أن رادارات الإنذار المبكر في ملطية، التي ترتبط بنظام إيجبس الأمريكي المضاد للصواريخ (المتمركز في البحر المتوسط)، توفر درعًا لإسرائيل من أي هجوم جوي أو صاروخي ، ولكن هذا هو السبب وراء ذلك في رغبة إردوغان في إغلاق قاعدة ملطية وإغلاق تلك الرادارات، وعلى اعتبار أنه ليس على وشك مساعدة الولايات المتحدة لمساعدة إسرائيل.
ويُذكر أنه في عام 2010، كان قد زعم أردوغان بأن إسرائيل هي التهديد الرئيسي للسلام في الشرق الأوسط، وليس القاعدة وليس تنظيم “داعش” الإرهابي أو حزب الله أو حماس أو الجهاد الإسلامي وليس أيضًا جماعة الإخوان المسلمين، بل إسرائيل التي تخوض فقط الحروب الدفاعية التي فرضتها عليها الدول العربية والجماعات الإرهابية منذ عام 1948.
وعند الحديث عن مقتل البغدادي، زعيم “داعش”، نرى أن ترامب قد شكر تركيا لمساعدتها، حيث إنها جاءت في المرتبة الثانية في قائمته، بعد روسيا مباشرة، وجاء الأكراد في المرتبة الأخيرة، فتركيا مثل روسيا، لم تفعل شيئًا لمساعدة الأمريكيين، وحسب أحد التقارير فإن مساهمة تركيا ربما كانت تتمثل في السماح للأمريكيين بالطيران فوق المناطق التابعة للأولى.
ولكن بالنظر إلى خطة الطيران للطائرات القادمة من قاعدة بالقرب من إربيل في العراق، فنجد أنها لم تطر في أي وقت في المجال الجوي التركي، وبُيد أن تركيا لم تسهم على الإطلاق في تحديد مكان البغدادي وقتله حيث إن السؤال حول كيفية استطاعه البغدادي في الاختباء على بعد بضعة كيلومترات من الحدود التركية، في منطقة مليئة بالمواقع العسكرية التركية، يعزز من الاعتقاد بأن الأتراك لم يعرفوا مكانه.
والجدير بالإشارة إلى أن الأكراد السوريين، أعداء تركيا، هم الذين تابعوا البغدادي لشهور، ويجب أن يتم شكرهم أولاً وليس أخيرًا من ترامب، ولم تكن تركيا في حاجة إلى شكرها على الإطلاق.
لم تكن تركيا مهتمة أبدًا بمحاربة “داعش”، ولم يكن سرًا أن تركيا سمحت لإرهابي هذا التنظيم بالعبور بحرية إلى سوريا والقدوم من تركيا، هذا يعود إلى تفضيليها لعناصر التنظيم الإرهابي على الأكراد السوريين الذين كانت “داعش” تقاتلهم، في الوقت ذاته الذي سمحت فيه تركيا -لأعضاء هذا التنظيم- الجرحى بالعلاج في المستشفيات التركية، ثم بدلاً من احتجازهم، سمحت لهم بالعودة إلى أماكنهم. وبملاحظة مراسلة الشرق الأوسط، ترودي روبين، فإن العثور على البغدادي، لم يكن في المنطقة التقليدية التي يتمركز فيها “داعش” في شرق تركيا، ولكن بعيدًا في غرب سوريا، بالقرب من الحدود التركية وبؤر المواقع العسكرية التركية، مما يخلُص إلى أن المخابرات العسكرية التركية كانت تعرف موقع البغدادي ولكنها لم تشاركه. وبشكل واضح، فإن الجيش الأمريكي لم يثق في أنقرة، فقد وقع اختيار عملية البحث عن البغدادي على بعد مئات الكيلومترات في العراق بدلاً من بالقرب من جوار تركيا (حليف الناتو)، ولم يتم إخطار تركيا بذلك.
ومن خلال ذلك، لم يكن هناك حاجة لإبراز تركيا نظرًا لمساعدتها غير الموجودة في تحديد موقع البغدادي، قد يفترض البعض أن تركيا كانت تقدم المساعدة “سرًا” بشكل لا يُمكن الكشف عنه، ولكن في الواقع لم يكن هناك مساعدة، حيث ساعد الأكراد في تعقب أردوغان إلى المكان الأخير الذي استقر فيه، على مقربة من الحدود التركية حيث شعر فيه أردوغان بالأمان. وبعدم ثقة البنتاجون في تركيا للدرجة الذي اختار البنتاجون شن غارة ليس من إنجرليك ولكن من إربيل العراق، ولم يعط البنتاجون الأتراك أي تحذير مسبق حيال ذلك، للخوف من تحذير أردوغان للبغدادي، فإن كل ذلك يخبرنا كيف ينظرالجيش الأمريكي إلى تركيا “حليف الناتو”.
وبملاحظة محاولات أردوغان لاحتجاز الراعي الأمريكي كرهينة من أجل تبادله مع فتح الله كولن، إلى جانب سجن أردوغان للعديد من المعارضين السياسيين والصحفيين، وتهديداته بإغلاق قاعدتين أمريكتين في إنجرليك وملطية، فضلاً عن زعمه بأن إسرائيل هي التهديد الرئيسي للسلام في الشرق الأوسط، وخططه التفصيليه لوحدة قوة إسلامية شاملة لتدمير إسرائيل، إلى جانب سخطه المستمر ضد أوروبا، وكما حدث أنه دعا الألمان “بالنازيين” لرفضهم السماح للأتراك الذين يعيشون في ألمانيا بالتصويت، وحينما أغلقت النمسا المساجد التي تمولها تركيا، توقع أردوغان حربًا قادمة بين “الهلال والصليب” دون أن يترك مجالاً للشك في أي جانب سيكون هو معه.
إلى جانب ذلك، أنه عندما يهدد الأوروبيون أردوغان، يهدد الرئيس التركي بأنه يُمكنه السماح لـ “3.6 مليون لاجئ للذهاب إلى أوروبا”، إلى جانب ذلك على قراره برفع الهيدروكربونات من المياه الإقليمية قبالة الجزء اليوناني من قبرص، مُتحديًا بذلك تحذير بومبيو بعدم القيام بذلك. ويُضاف إلى أهمية ذلك، سماح تركيا لأعضاء داعش بالعبور بحرية من تركيا إلى سوريا، كما منحت المساعدة الطبية لأعضاء “داعش”، وكان الغصب الأخير يُثار من مكان اختباء البغدادي، على بُعد بضعة كيلومترات من الحدود التركية، في منطقة تتسم بتواجد القوات التركية والمخابرات العسكرية فيها بكثرة. وكانت الشكوك تُثار من البنتاجون حول معرفة الأتراك بمكان الاختباء العام، على الرغم من عدم معرفة المدينة على وجه التحديد.
كل ذلك يدل على أن هذه الدولة ليست حليفًا – تعد أقل من كونها حليفًا يستحق الحماية – ولكنها تعد عدوًا، لذا فالسؤال الأكثر صعوبة مع مرور كل يوم هو لماذا لا تزال تركيا في حلف الناتو؟
—-
للاطلاع على النص الأصلي باللغة الإنجليزية.. اضغط هنا
ترجمة: رنا ياسر