مركز التقدم الأمريكي: أعلام روسية على القواعد الأمريكية.. نهج “ترامب” يهدد المصالح الأمريكية ويخدم مصالح “موسكو”
براين كاتوليس وجيمس لاموند* | مركز التقدم الأمريكي
أدت التحولات غير المنتظمة التي اتبعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في سوريا هذا الخريف، إلى زرع بذور تهديدات أمنية جديدة للولايات المتحدة وحلفائها، والأمريكيون يلاحظون ذلك جيدا.
فتحت تحركات “ترامب” المتقلبة ونهجه تجاه سوريا -حيث أعلن انسحابًا كاملاً للقوات الأمريكية أسبوعًا ثم إعادة القوات الأمريكية إلى “تأمين النفط” بعد ذلك- الباب أمام تهديدات أمنية جديدة، بما في ذلك إحياء “داعش”، وأزمة إنسانية جديدة، واستمرار التوسع في دور روسيا المدمر في سوريا والشرق الأوسط الكبير. بالإضافة إلى هذه المخاوف العاجلة، هناك آثار طويلة الأجل ستستمر لسنوات قادمة، مثل الشك الذي يخيم على مدى موثوقية أمريكا كشريك أمني، كما أن تلك السياسات التي اتبعها “ترامب” تعد إشارة مقلقة على أن السياسة الخارجية الأمريكية تعطي الأولوية لحماية النفط على حياة الإنسان.
في إشارة مخيبة للآمال حول كيفية ملء هذا الفراغ، رفعت القوات الروسية بالفعل العلم الروسي فوق مطار كوباني (عين العرب) بعد أن سيطروا على قيادة القاعدة الجوية الأمريكية السابقة، وهي صورة استغلتها آلة الدعاية الروسية بشكل جيد جدا. الشعب الأمريكي يدرك جيدًا هذه المخاوف. وفقًا لاستطلاع أجرته مؤسسة “غالوب” بعد تحولات “ترامب” في سوريا، فإن غالبية قوية من الأمريكيين (57%) لا يوافقون على طريقة تعامل “ترامب” مع الوضع في سوريا. على الرغم من أن العديد من الناخبين على الأرجح لا يتتبعون تفاصيل التحولات المربكة التي قام بها “ترامب” في التفاصيل الدقيقة، إلا أن الأبحاث الحديثة التي أجراها مركز التقدم الأمريكي وجدت أن مقاربة “ترامب” للأمن القومي ليست شائعة وليس لها شعبية بين الجمهور الأمريكي.
يُنظر إلى “ترامب” على نحو متزايد على أنه رجل بدون خطة للأمن القومي، ويعزز منهجه تجاه سوريا هذا التصور. من المحتمل جدًا أن ترتبط المخاوف بشأن نهج “ترامب” تجاه سوريا بآراء حول التهديد المتزايد المحتمل للإرهاب. وجدت أبحاث مركز التقدم الأمريكي أن حماية الوطن الأمريكي من هجمات العدو والإرهاب لا يزال هو الشاغل الرئيسي للسياسة الخارجية لأغلبية الناخبين (63%). لا توجد قضية أخرى تتلقى مثل هذه الأولوية، والمخاوف تتجاوز الخطوط الحزبية.
بعد إعلان “ترامب” عن تحوله في السياسة السورية والذي فتح الباب أمام توغل تركي خطير في شمال شرق سوريا، حذرت وكالة الاستخبارات الدفاعية في “البنتاغون” من أن “داعش سيعمل على استغلال الانسحاب لإعادة إحياء نفسه”، مما قد يؤدي إلى تبديد المكاسب العسكرية التي تحققت خلال السنوات الخمس الماضية . إلى جانب التهديد الإرهابي المتزايد، أصبح الآن شركاء الولايات المتحدة في المنطقة -مثل إسرائيل والأردن- أكثر عرضة للخطر بسبب الفوضى في سوريا وعدم وجود نهج استراتيجي عقلاني من جانب الولايات المتحدة.
لنهج “ترامب” الغريب تداعيات أوسع على السياسة الخارجية الأمريكية غير المستقرة. قد لا يفاجئ الكثير من الناس بأن روسيا قد انتهى بها الأمر كواحد من أكبر المستفيدين من هذا المستنقع الاستراتيجي. ومع ذلك، فإن روسيا ليست سوى واحدة من عدة دول استفادت من الولايات المتحدة تحت حكم “ترامب”.
منذ توليه منصبه، قدم الرئيس “ترامب” مرارًا وتكرارًا المصالح الروسية على الساحة العالمية. أدى قرار الرئيس المتهور بسحب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا دون خطة أو تنسيق مع الشركاء على الأرض إلى كارثة إنسانية وخطأ استراتيجي. كما نوقش في جلسة نقاشية موجزة أعدها مركز التقدم الأمريكي، حول القرار والتوغل التركي اللاحق في المناطق التي كان يسيطر عليها الكرد سابقًا:
… أشعلت التحركات الأخيرة لـ”ترامب” المزيد من العنف، ونزحت مئات الآلاف من الناس، وأجبرت قوات سوريا الديمقراطية على عقد اتفاق مع نظام الأسد ومؤيديه الروس. كما أنها حطمت مصداقية الولايات المتحدة وأحدثت اندفاعة جنونية من جميع الأطراف لملء الفراغ الأمني الذي خلفه الانسحاب الأمريكي.
ولكي نكون واضحين، لم يكن هذا نتيجة لا مفر منها لقرار السياسة الخارجية الفوضوي في موقف معقد، بل كان النتيجة المتوقعة لقرار عاجل. بالعودة إلى عام 2015 على الأقل، سعت روسيا الساعية إلى الانبعاث من جديد كقوة عالمية إلى توسيع نفوذها على المسرح العالمي وأولت اهتمامًا خاصًا للشرق الأوسط وسوريا بشكل خاص. لطالما ساندت “موسكو” الرئيس السوري بشار الأسد، ونشرت قوات روسية في نهاية المطاف لدعم النظام ضد مقاتلي المعارضة الذين تدعمهم الولايات المتحدة. وفي هذه العملية، عملت روسيا مع نظام “الأسد” لقتل مئات الآلاف من السوريين، بما في ذلك عن طريق شن غارات جوية شرسة تستهدف المدنيين والمستشفيات. أدت هذه الإجراءات إلى تدهور قواعد الحرب وتغيير أهداف الأهداف فيما يراه العالم مقبولاً من حيث المعايير الإنسانية. وبالتالي فإن أفكار، مثل المسؤولية عن حماية المدنيين، قد تضررت في مواجهة تصرفات روسيا والجماعية في العمل من الغرب.
والأهم من المصالح العسكرية لروسيا في سوريا -البلد المضيف للقاعدة العسكرية الخارجية لـ”موسكو” خارج حدود الاتحاد السوفيتي السابق- هي الأهداف الاستراتيجية للرئيس فلاديمير بوتين. من خلال حماية “الأسد” من المتمردين السوريين والقوى الغربية، يسعى “بوتين” إلى ترسيخ نفسه باعتباره القوة الوحيدة التي يمكن أن تمنع تغيير النظام. إنه يريد إرسال رسالة واضحة مفادها أنه إذا وقفت إلى جانب روسيا، فسوف تفعل روسيا كل شيء لإبقائك في السلطة، حتى لو كنت تستهدف المدنيين عمداً وتستخدم الأسلحة الكيميائية.
لكن نهج “ترامب” الأليف الذي لا يمكن تفسيره تجاه نظرة “موسكو” للعالم يتجاوز سوريا. في هذا الأسبوع فقط، بدا “ترامب” مرة أخرى وكأنه يقوض الناتو بشكل نشط خلال اجتماع قادة الحلف في لندن. كان هذا هو النمط طوال فترة رئاسته بأكملها، حيث يقال إن “ترامب” يدعو إلى انسحاب الولايات المتحدة من الناتو ويهاجم علانية بعض أكثر أعضاء الناتو عرضة للخطر. ينظر “بوتين” إلى حلف الناتو باعتباره الخصم الاستراتيجي الرئيسي لروسيا، مما يجعل هجمات “ترامب” على الحلف فوزًا استراتيجيًا لـ”بوتين”. وفي حين أن خدمة “ترامب” الاستراتيجية تجاه “بوتين” قد تبدأ بحلف الناتو وسوريا، فإن هناك قرارات لا حصر لها اتخذها “ترامب” ساعدت “بوتين” على تحقيق أهدافه.
عندما ينظر المؤرخون فيما بعد إلى عام 2019، سيرون أن الرئيس “ترامب” أضعف قدرة أمريكا على مواجهة التهديدات الأمنية الحقيقية، مثل الإرهاب، وفتح الباب أمام التوسع المستمر لنفوذ روسيا في الشرق الأوسط وما وراءه. بالإضافة إلى تحقيقات المساءلة ودعوات “ترامب” المستمرة إلى القوى الأجنبية للتدخل في الانتخابات الأمريكية، فإن الأمن القومي ليس سمة بارزة في محادثة السياسة الوطنية. ومع ذلك، كما تظهر البيانات، يلاحظ الأمريكيون أن نهج “ترامب” يجعل أمريكا عرضة للخطر مرة أخرى.
—–
*براين كاتوليس: كبير زملاء مركز التقدم الأمريكي. جيمس لاموند: كبير مستشاري السياسة في المركز.
*للاطلاع على النص الأصلي باللغة الإنجليزية.. اضغط هنا