قناة TRT التركية تشوه الوقائع في مدينة عفرين السورية

إبراهيم إبراهيم

دخلت تركيا بقوّة على خط الأزمة السورية بعد فشل الجماعات المسلّحة الإرهابية التي كانت تتحرك بأوامرها في السيطرة على المدن الكردية السورية، وبدا ذلك واضحاً في التحرّك العسكري المباشر لأنقرة والذي انتهى باحتلال مدينة عفرين في مارس 2018 بعد فشل المعارضة السورية المسلّحة والمدعومة من أنقرة في الدخول إلى المدينة وحدها بعد حصارها لسنوات. وتكرر الأمر ذاته في مدينتي تل أبيض وسري كانيه _رأس العين)، حيث فرض الجيش التركي سيطرته على المدينتين بعد أن تمكن الكرد وحلفائهم المحليين من العشائر العربية والمجموعات المسلّحة السريانية والأرمنية في تحالف “قوات سوريا الديمقراطية” من الدفاع عنهما أمام إرهاب تنظيمات مسلّحة مختلفة كداعش والنصرة وما يسمى بـ “الجيش الحرّ”.

من المؤكد حتى الآن أن الحكومة التركية التي يقودها حزب “العدالة والتنمية” ذو الجذور الإسلامية المتشددة، تحاول بشتى الطرق إطالة أمد الحرب السورية، فهي المستفيد الأول منها وتسعى عبرها منذ سنوات إلى إبادة الكرد السوريين كما فعلت مع الأرمن قبل عقدٍ ونيّف. ولتحقيق القضاء الكلي على شعبٍ يعيش على أرضه التاريخية، استخدمت عصابات مسلّحة موالية لها ولجماعة “الإخوان المسلمين”، حيث ارتكبت أبشع المجازر بحق الكرد السوريين، فضلاً على استهدافها المباشر للكرد الإيزيديين والمسيحيين الأرمن والسريان.

واليوم تحاول وسائل إعلامٍ تركية حكومية تشويه الوقائع وتزييفها، فقد بثت قناة TRT World يوم 19 فبراير 2021، تقريراً مصوّراً باللغة الإنكليزية تطرّقت فيه لأوضاع الأكراد الإيزيديين في مدينة عفرين المحتلة، والذين تحوّلوا لأقليّة في المدينة بعد أن فرّت أعداد كبيرة منها في غضون الهجوم التركي على عفرين مطلع عام 2018، وكذلك بعد سيطرة أنقرة على المدينة، نتيجة مضايقاتٍ تعرّضوا لها من قبل الجماعات المسلّحة السورية الإرهابية المتعاونة مع المحتل التركي.

لقد تضمن تقرير القناة التركية الحكومية، الكثير من التضليل والتحريف والتزييف لمداخلة ميرزا ميرزا وهو أحد أبناء قرية “فقيرة” الإيزيدية. فقد كانت مشاركته في التقرير باللغة العربية، لكن منتجيه، عمدوا عبر معالجة فنيّة إلى خفض حجم صوت المواطن الكردي الإيزيدي، بينما كان صوت معلق التقرير باللغة الإنجليزية مرتفعاً، بحيث لا يستطيع المشاهد معرفة أقوال ميرزا ميرزا المترجمة إلى الإنجليزية!

وجاء في التقرير المفبّرك أيضاً أن “الإيزيديين هربوا عام 2013 نتيجة إرهاب حزب العمال الكردستاني”، ونسبت هذه الافتراءات لميرزا ميرزا، لكن هذا الأمر غير صحيح على الإطلاق. وفي هذا الصدد كذّبت مؤسسة “إيزيدينا” الإعلامية المستقلة عبر فريق الرصد الذي يعمل معها محتوى تقرير الفضائية التركية.

وذكرت “إيزيدينا” أن كل ما جاء في التقرير لا يتفق، ويختلف عن أقوال ميرزا ميرزا المتحدث لـ TRT World، إذ يقول إن “الإيزيديين هربوا من مدينة حلب عام 2013 نتيجة معارك النظام السوري”، لكن القناة حرفت شهادته و لم تترجم كلامه بشكل دقيق. ويبدو واضحاً أنها أرادت تشويه سمعة “حزب العمال الكردستاني” من خلال تغيير أقول المتحّدث ضمن تقريرها.

كما نوّهت المؤسسة الإيزيدية إلى أن الإيزيديين نزحوا من بعض الأحياء التي كانوا يسكنون فيها بمدينة حلب مثل الأشرفية والشيخ مقصود، بعد قصفٍ متبادل بين النظام السوري والمجموعات الإرهابية التي كانت تسيطر آنذاك على الأحياء الكردية في حلب في 31 يناير من عام 2013، وهو أمر أدى إلى استشهاد أكثر من 40 مواطنٍ كردي منهم من كانوا يعتنقون الديانة الإيزيدية. وقد تدخّلت حينها وحدات حماية الشعب YPG ووحدات حماية المرأة YPJ، لمساعدة أولئك الكرد في إيصالهم إلى عفرين.

وكانت الأحياء الكردية في مدينة حلب قد استهدفت بشكلٍ مقصود في العام 2013، وهو ما أرغم معظم الكرد على الفرار من حلب باتجاه عفرين وكوباني وغيرها من المدن الكردية السورية.

واتهمت مؤسسة “إيزيدينا” في ردها على تقرير الفضائية التركية، معدّها بتحريف قول المدني الإيزيدي بشكل متعمّد، الأمر الذي يتنافى مع أخلاقيات مهنة الصحافة في نقل الواقع كما هو. علاوة على أن المدني الإيزيدي الذي ظهر في التقرير كان قد تمّ اعتقاله تعسفياً في وقت سابق من قبل العصابات السورية المسلّحة المدعومة من أنقرة والتي تشارك معها السيطرة على مدينة عفرين.

كما أكدت المؤسسة الإيزيدية أن الإعلام التركي الحكومي، نشر في وقت سابق، تقاريرٍ مصورة كان يتم فيها إجبار وإكراه المدنيين الإيزيديين في مدينة عفرين على الإدلاء بشهادات مزورة حول واقعهم في المدينة.

وتمتلك مؤسسة “إيزدينا”، وثائق تؤكد انتهاكات فظيعة ارتكبت بحق الإيزيديين في عفرين مع احتلالها، بالإضافة إلى إرغامهم على اعتناق الدين الاسلامي، وبناء المساجد داخل القرى الإيزيدية، واختطاف النساء وتعذيبهم، وهو ما يتطابق مع ما جاء في تقرير “لجنة التحقيق الدولية المستقلة والتابعة للأمم المتحدة”.

وكذلك طالبت المؤسسة الإيزيدية، المجتمع الدولي وكافة المؤسسات الأجنبية بالابتعاد عن المواد الإعلامية التي تنشرها الحكومة التركية حول واقع المناطق السورية المحتلة، وأكدت أيضاً أن أنقرة تمارس عبر عصاباتها العسكرية التي تُعرف بما يُسمى “الجيش الوطني السوري”، أبشع الانتهاكات بحق المدنيين في مدينة عفرين ورأس العين وتل أبيض.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد