مصطفى العلي – جون هدسون
في الوقت الذي تنسحب الولايات المتحدة من أفغانستان وما نجم من ذلك من انهيار فوضوي لحكومتها المركزية، يراقب حليف أمريكي آخر الوضع بحذر، ويأمل أن لا يكون مصيره أشبه بما حل بأفغانستان. إذ ما تزال الصورة المؤلمة للإنسحاب العسكري الأمريكي حيّة في أذهان قوات سوريا الديمقراطية التي تنتشر في شمال وشرق سوريا.
منذ ما يقارب أكثر من ثلاث سنوات، صدم الرئيس دونالد ترامب جنرالاته، بإعلان سحب ألفي جندي أمريكي (2000) الذين كانوا حلفاء قوات سوريا الديمقراطية في محاربة “تنظيم الدولة الإسلامية”. ورغم عدوله عن قراره بسحب جميع القوات من سوريا، إلاّ إنه قام بسحب أكثر من نصف القوات في العام التالي، ممهداً بذلك الطريق أمام تركيا التي تكن العداء الشديد لـ” قسد”، حيث احتلت شطر من المناطق الحدودية التي كانت تقع تحت نفوذ قوات سوريا الديمقراطية. وتبعاً لذلك، لقي الانسحاب الأمريكي استهجاناً دولياً واسعاً، معتبراً بأنه خيانة للكرد الذين ضحوا بآلاف المقاتلين خلال الحملة ضد تنظيم ما يسمى” داعش”.
وقال الجنرال مظلوم كوباني عبدي، القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية والحليف الوثيق للولايات المتحدة، وذلك في مقابلة نادرة مع واشنطن بوست : ” إن إرهاصات ذاك الانسحاب ستدوم للأبد”.
ومع ذلك، جرى الإبقاء على 900 جندي من القوات الأمريكية موزعين في مناطق شمال شرق سوريا والتي تقع خارج سيطرة الحكومة السورية، وتعتبر هذه القوات جزءا في محاربة الميليشيات الإسلامية المتطرفة والتي تقدر أعدادها ما بين 8000 إلى 16000 في سوريا والعراق حسب الارقام الصادرة من قبل الولايات المتحدة الامريكية التي تقود التحالف الدولي.
في الاشهر المنصرمة، سعت إدارة بايدن طمأنة مظلوم وآخرين من قوات سوريا الديمقراطية من خلال إرسال الجنرال كينيث ماكينزي، الذي يترأس القيادة المركزيّة الأمريكية، إضافة إلى جوي هود، مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى. ووفقًا للمسؤولين الأمريكيين وقوات سوريا الديمقراطية، فإن إدارة بايدن شددت على أهمية الشراكة مع قوات سوريا الديمقراطية، فضلاً على أنّ الولايات المتحدة ليست بصدد الإنسحاب بأي حال من الأحوال.
وفي أثناء حديثه كانت نظرة الجنرال مظلوم، والذي يستخدم اسم حركي، تفاؤلية مشوبة بالقلق حيال وجود القوات الأمريكية بالمنطقة في المستقبل. وفي وصف العلاقة التي تطورت على مدى سبعة أشهر منذ تولي الرئيس بايدن السلطة، أشار بأنه يتوقع استقرارا نسبياً سيسود مناطق شمال شرق سوريا ” في حال وفاء أمريكا بالتزاماتها” .
وفي سياق متصل، أضاف عبدي وهو يرتدي بزته العسكرية أثناء إجراء المقابلة معه في قاعدة عسكرية في وقت سابق من هذا الشهر :” نشعر الآن بدعم سياسي وعسكري أقوى مما كان عليه في ظل الإدارة السابقة. وقد أخبرونا مسؤولون أمريكيون بعد الانسحاب من أفغانستان، إن ذلك لن يؤثر على حضورهم في سوريا”. غالباً ما كان يصف مسؤولون أمريكيون، مظلوم، بأنه رابط الجأش وحليف موثوق به في محاربة “تنظيم الدولة الإسلامية”.
ويواصل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة بتقديم المعلومات الإستخبارية وشن ضربات جوية لدعم جهود قوات سوريا الديمقراطية للقضاء على خلايا التنظيم النائمة واستهداف ما تبقى من قادته، إضافة لتسيير التحالف الدولي دوريات مشتركة مع قوات سوريا الديمقراطية في حقول النفط المحلية.
إن توازن القوى في سوريا يعتمد على الوجود الأمريكي. حيث يرى مسؤولون أمريكيون إنه في حال إنسحاب القوات الأمريكية من سوريا، فإن الجيش السوري والقوات الروسية إضافة لتركيا سيغتنمون الفرصة للتقدم. وفي هذا الصدد أكد المسؤولون إن الإنتشار الأمريكي بالمنطقة يأتي لمنع القوات الإيرانية من إقامة ” جسر بري” الذي من شأنه تمكينهم من نقل الأسلحة بسهولة لـِ حليفهم حزب الله في لبنان. وفي هذا الصدد أوضح مسؤول رفيع المستوى فضل عدم الكشف عن إسمه لأنه غير مخول التحدث إلى وسائل الإعلام :” إن الأمر برمته يتعلق بمسألة توازن القوى”.
لقد أدى الإنسحاب الأمريكي الجزئي من شمال شرق سوريا لإعادة صياغة خارطة المنطقة، حيث تقدمت الميليشيات التابعة لتركيا إلى المناطق التي تم الإنسحاب منها إضافة لتقدم الجيش السوري وحليفته روسيا بمناطق أخرى.
وجاء الإنسحاب الأمريكي بعد أن أعطى ترامب ضوء أخضر للرئيس التركي رجب طيب أردوغان لإرسال جيشه إلى العمق السوري واحتلال المناطق الخاضعة لقوات سوريا الديمقراطية. حيث تعتبر الحكومة التركية القوات التي يقودها الكرد تتبع لحزب العُمّال الكُردستاني. ونتيجة لتوغل هذه القوى إلى مناطق قوات سوريا الديمقراطية بعد الإنسحاب فقد نزح مئتا ألف مدني ( 200.000 ) إلى مناطق أكثر أماناً.
رغم الهدوء الحذر الذي يخيم على الخطوط الأمامية بين قوات سوريا الديمقراطية والقوات المدعومة من قبل تركيا في الوقت الراهن، إلاّ أنّ الهجمات عبر الحدود لازالت مستمرة. ففي وقت سابق من هذا الشهر، قامت تركيا والقوات المحلية التي تتبع لها بإستهداف منزل ببلدة عين عيسى أدى إلى مقتل أربعة أشخاص من عائلة واحدة حسب ما الاطباء وأقارب الضحايا. وكانت ختام هلال إحدى الناجيات من هذا الاستهداف، حيث تعيش لحظات مرعبة من هول الصدمة والواقعة المؤلمة، وذلك في أثناء رقودها في سريرها بالمستشفى الأسبوع الماضي، إذ كانت عيناها مليئتان بالدموع وتحدقان نحو السقف حيث قالت هلال :” لقد قتلوا زوجي، ما الذنب الذي إقترفناه؟”
من جانب آخر، اشتبكت القوات الأمريكية والجماعات المدعومة من قبل إيران مؤخرا حول منشآت عسكرية في شمال شرق سوريا. فقط أمر بايدن بشن ضربات جوية على هذه الميليشيات بأواخر يونيو/حزيران الأمر الذي أدى إلى دوامة جديدة من العنف المتبادل، وبدورها ردت الميليشيات بإطلاق النار على منشأة تضم قوات أمريكية، لترد الأخيرة بقصف مدفعي على مصدر النيران.
تعليقاً على ذلك قال الجنرال مظلوم :” لا نريد أن تتحول منطقتنا إلى ساحة لتصفية الحسابات بين الأطراف، وقد دعونا الأطراف الأخرى عدم القيام بالتصعيد”. كما وحذر من “تنظيم الدولة الإسلامية” الذي لازال يمثل تهديدا في المنطقة. وأعرب أيضا بشكل خاص عن مخاوفه بشأن أمن مراكز الإعتقال التي تعج بالمسلحين الذين تم أسرهم. حيث قال الجنرال وهو يميل للأمام، وكأنه يؤكد على هذه النقطة :” تعج السجون بأكثر من 11.000 مقاتل، والأفراد الذين يقومون بحراسة هؤلاء بحاجة لتدريب أكثر للتعامل معهم”. مستطرداً في الوقت نفسه :” أحيانا تحدث أعمال شغب وبعض المسلحين يتمكنوا من الفرار. نسعى لأن يكون هؤلاء بأيادي أمينة”.
في الوقت الذي دفع التمويل البريطاني من أجل توسيع منشأة في الحسكة، فإن معظم مرافق السجون المؤقتة في جميع أنحاء المنطقة مكتظة والظروف فيها سيئة. حيث أشار مظلوم :” هؤلاء المسلحين تم إيداعهم في المدارس ومبان أخرى وهي مرافق مؤقتة. إنهم ليسوا بأماكن آمنة”.
ويشكل مصير الأطفال الذين تم أسرهم خلال المعارك ضد “تنظيم الدولة الإسلامية” وهم الآن محتجزين بمراكز الاعتقال أولوية قصوى. لقد تعرض العديد منهم لصدمة نفسية فيما البعض أصبح متطرفاً. ولا يوجد إلا مركز تأهيل واحد على مستوى شمال شرق سوريا. وطالب القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية المجتمع الدولي لإنشاء على الأقل 12 مركزاً. مضيفاً :” هناك دعم دولي، لكنه ليس بالمستوى المطلوب، نتمنى أن يكون أكثر من ذلك بكثير، نواجه صعوبات جمة هنا ونحتاج لدعم كبير”.
في سياق متصل، طالبت الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، الدول المعنية باستعادة آلاف من مواطنيها – المقاتلين الأجانب وعوائلهم- الذين تم أسرهم خلال الحرب، والآن هم متواجدين في المعتقلات ومخيمات النزوح في شمال شرق سوريا.
يضم مخيم الهول والذي يعد بؤرة خطرة عشرات الآلاف من أقارب الميليشيات الإسلامية والذي يعد من أكبر التحديات التي تواجه الإدارة الذاتية. ففي داخل المخيم أقدم متشددون على قتل معتقلين آخرين لمحاولتهم النأي بالنفس عن “تنظيم الدولة الإسلامية”. إضافة لقيام بعض النساء بجمع التبرعات عبر الإنترنت من قبل المتعاطفين مع داعش.
تعتقد قلة قليلة بمناطق شمال شرق سوريا بإمكانية بقاء القوات الأمريكية في المنطقة إلى أجل غير مسمى. بعد عشرة أعوام من الحرب والتي راح ضحيتها آلاف المقاتلين، تصر قوات سوريا الديمقراطية والسلطات المحلية بأن الحل للصراع السوري الذي طال أمده ينبغي أن يشمل على تسوية سياسية تعترف بحقوق الكرد في المنطقة. وخلال السنوات الأخيرة ، حصل الكرد على قدر من الحكم الذاتي بعد صراع مرير مع الحكومة السورية.
وفي سؤال الجنرال مظلوم عن المرحلة المقبلة، إبتسم وأجاب عن ذلك بشكل دقيق :” كلي يقين بأن الولايات المتحدة ترغب ببقاء قواتها هنا لمواصلة محاربة المتطرفين، ولكن من ناحية أخرى بقائها في المنطقة مرتبط بإيجاد حل للأزمة السورية. وإن حدث ذلك ستكون المرحلة المقبلة مبشرة بالخير”.
وهل بإعتقاده بأن أمريكا ستفي بوعدها؟
أجاب الجنرال :” أتمنى ذلك “.
المصدر: واشنطن بوست
ترجمة: المركز الكردي للدراسات