المسلحون المدعومون تركياً يخلفون فيضاً من الانتهاكات والجرائم في عفرين السورية

دان ويلكوفسكي- عنبرين زمان- محمد حردان

خلال 17 يوم من أسرها، كانت ليلى محمد أحمد، شاهداً بلا حول ولا قوة، على انتحار 10 شابات بعد تعرضهن للاغتصاب من قبل عناصر في لواء السلطان مراد، وهو فصيل سني معارض يعمل تحت راية الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا. سردت المرأة الكردية البالغة من العمر 63 عاماً من عفرين، المنطقة ذات الأغلبية الكردية في شمال سوريا، والتي تحتلها القوات المدعومة من تركيا منذ كانون الثاني/يناير 2018، في مقابلة هاتفية مع “المونيتور” معاناة زميلاتها المعتقلات قائلة “: بعضهن استخدمن أحزمة لشنق أنفسهن، وأخريات قمن بطعن حلقهن بالأقلام أو أدوات حادة أخرى. كانت هناك فتيات خائرات القوى، خبطن رؤوسهن بالحائط حتى انهاروا “.

قصة أحمد ليست الوحيدة، فقد نشأ في الأراضي التي تحتلها تركيا نمط من العنف والإجرام. يتهم السكان جماعات المعارضة المدعومة من تركيا، والتي تأسست لأهداف سياسية، بأنها عصابات إجرامية تختطف مقابل الفدية وتستغل موارد المواطنين لتحقيق المكاسب المالية.

بصوت مترنح بين الحزن والغضب تروي أحمد عن مركز الاعتقال في بلدة الراعي الشمالية التي يحتلها الجيش الوطني السوري قائلة “: كان هناك حوالي 150 شخصاً (معتقلاً). كنا نحصل على حبة بطاطا مع نصف رغيف خبز مرتين يومياً، ونتعرض للضرب من الساعة الواحدة حتى الثالثة صباحاً في كل ليلة، وكان الرجال يأخذون بعض الفتيات لاغتصابهن تحت حجة أخذهن إلى الطبيب. كان ذلك بمثابة تقليد متكرر”.

اعتقلت أحمد بسبب صلاتها بالإدارة التي كان يقودها الأكراد والتي كانت تحكم عفرين سابقاً، وهي منطقة جبلية خضراء مغطاة ببساتين الزيتون والآثار القديمة، سيطر الجيش التركي وحلفاؤه عليها في حملة عسكرية دامية استمرت لشهرين.

مع نزوح الجزء الأكبر من سكانها الأكراد قسراً وتحوّلهم إلى أقلية، تقف عفرين كشهادة قاتمة على تحول المعارضة السورية المدعومة من تركيا من الحماس الثوري إلى الجشع والإجرام غير المحدود، ومختبراً لتجارب تركيا في الهندسة الديموغرافية والهيمنة الثقافية، مدعّمة بالعزم على منع أكراد سوريا من إقامة حكم ذاتي.

زار وزير الداخلية المتشدد، سليمان صويلو، عفرين بمناسبة عيد الأضحى. أظهرت صور الجولة المنشورة على حسابه على تويتر صويلو في مركز قيادة القوات الخاصة التركية داخل مبنى مزيّن بالأعلام التركية العملاقة وصور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وكمال أتاتورك المعلقة على الجدار.

أثار اجتياح “نبع السلام” التركي للأراضي التي يسيطر عليها الأكراد في شمال شرق سوريا في تشرين الأول/ أكتوبر 2019 بضوء أخضر من قبل إدارة دونالد ترامب غضباً عالمياً. انخرطت الكتائب التابعة للجيش الوطني السوري في سلسلة من الانتهاكات، ولعل أبرزها إعدام السياسية الكردية هفرين خلف. تم إنزالها من سيارتها ورميها بالرصاص لتتعرض للضرب بعد موتها على أيدي أفراد من أحرار الشرقية، كتيبة تعمل تحت راية الجيش الوطني السوري. أتّهم سياسيون من كلا الحزبين الأمريكيين ترامب بخيانة الأكراد حلفاء أمريكا الذين ساهموا ببطولة في هزيمة داعش، ومارسوا ضغوط لإجباره على إلغاء قراره بسحب القوات الأمريكية من سوريا.

لكن اجتياح تركيا لعفرين لم يثر ضجة مماثلة وذلك لأن الإدارة الكردية التي تديرها كانت تحت تأثير حزب العمال الكردستاني (PKK)، الجماعة المسلحة التي تقاتل ضد تركيا. جادلت الولايات المتحدة بأن عفرين كانت خارج سيطرتها، ما جعلها عاجزة عن التحرك. ربما تكون روسيا، التي تسيطر على الشمال الغربي، قد سمحت لتركيا بغزو عفرين لمعاقبة الأكراد بسبب رفضهم قطع العلاقات مع الولايات المتحدة والخضوع لسلطة الرئيس السوري بشار الأسد.

قال بسام الأحمد، وهو ناشط سوري في مجال حقوق الإنسان ومؤسس “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، وهي منظمة بحثية غير ربحية تقوم بتوثيق الانتهاكات التي ترتكبها أطراف الصراع السوري المستمر منذ عقد من الزمن، للمونيتور: “كان كل العالم تقريباً ضد نبع السلام. لكن في حال عفرين ساد صمت كبير. ما يحدث الآن في عفرين هو تطهير عرقي ضخم تستفيد منه تركيا والألوية (المسلّحة) مالياً أيضاً”.

ليلى محمد أحمد محظوظة. أطلق (لواء) السلطان مراد سراحها لكبر سنها وأعيدت إلى عفرين. منزلها في قرية ماتينا يسكنه الآن عربي سوري متزوج من زوجتين و 10 أطفال، حيث تم نقلهم في حافلات من مدينة حمص السورية كجزء من حملة تركيا المزعومة لتطهير عفرين عرقياً من سكانها الأكراد. متاهة من جذوع الأشجار هي كل ما تبقى من 150 شجرة زيتون كانت تملكها عائلتها. تعيش في حلب التي يسيطر عليها النظام منذ عام 2019، بعد أن عبّدت طريقها للخروج من عفرين برشوة 350 دولاراً، وهو مبلغ ضخم في سوريا الفقيرة اليوم.

قالت أحمد “منذ أسبوع تقريباً، أخبرتني صديقة لي عادت بعد احتجازها في الراعي أن عدداً كبيراً من النساء والفتيات ما زلنّ في السجن”.

تتوافق روايتها مع مجموعة الانتهاكات الموثقة في عفرين والأراضي الأخرى التي تحتلها كتائب الجيش الوطني السوري المدعومة من تركيا، بما في ذلك الاغتصاب والخطف والتطهير العرقي وتجنيد الأطفال لصالح غزوات تركيا في ليبيا وأذربيجان.

الانتهاكات التي تمارسها هذه الكتائب من النهب إلى فرض “ضرائب” على السكان الأكراد الأصليين أو الوافدين العرب الجدد إلى المناطق التي تحتلها تركيا مرتبطة بشكل متزايد بدافع مشترك: الربح. يستخدم قادة الألوية الأموال التي يتم جمعها من هذه الأنشطة غير المشروعة للاستثمار في العقارات وغيرها من المشاريع المربحة في كل من تركيا وشمال غرب سوريا الذي يسيطر عليه المتمردون.

قالت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بشأن الجمهورية العربية السورية في تقرير صدر في آذار/مارس: “بعد الاستيلاء على عفرين عام 2018 … نشأ فراغ أمني خلق بيئة تسمح للمقاتلين بالانخراط في عمليات الخطف واحتجاز الرهائن والابتزاز”. وأشار التقرير إلى أن أنماطاً مماثلة، “وإن كانت بدرجة أقل”، قد لوحظت في مدينتي رأس العين وتل أبيض وحولهما بعد عملية نبع السلام، “استهدفت في الغالب على العائدين من أصل كردي، بمن فيهم النساء”.

وقال التقرير “أثناء الاحتجاز، تعرضت النساء الكرديات (وأحيانًا اليزيديات) للاغتصاب ولأشكال أخرى من العنف الجنسي أيضاً، بما في ذلك الأفعال المهينة والمذلة، والتهديد بالاغتصاب، وإجراء “اختبارات العذرية”، أو لنشر صور أو مواد الفيديو التي تظهر تعرضهن لسوء المعاملة”.

تقول ميغان بوديت، وهي باحثة ومؤسسة لـ “مشروع نساء عفرين المفقودات” ومقره واشنطن، إنها وثّقت 135 حالة لنساء ما زلنّ في عداد المفقودين من أصل 228 حالة من إجمالي حالات الاختطاف المبلّغ عنها. وقالت إنه أنه تم الإفراج عن 91 امرأة، بينما قُتلت اثنتان في الحجز. وأوضحت بوديت للمونيتور “من خلال التحدث إلى الناجين مباشرة وقراءة الشهادات الأخرى، أقدّر أن العدد الحقيقي لعمليات الاختطاف والاختفاء أعلى مما نعرفه على الأرجح، بسبب الصعوبات والمخاطر المتعلقة بالإبلاغ عن هذه الانتهاكات ورفض تركيا السماح لوسائل الإعلام المستقلة ومنظمات حقوق الإنسان بالوصول”.

في أحد المرات النادرة التي سمحت فيها تركيا لوسيلة إعلام عالمية بالدخول إلى عفرين، كانت النتيجة “تبييض” محرج. في مقال نشرته في 16 شباط/فبراير، قالت صحيفة نيويورك تايمز ” أصبحت تركيا القوة الدولية الوحيدة على الأرض التي تحمي حوالي خمسة ملايين من النازحين والمدنيين المعرضين للخطر. اليوم، الجنود الأتراك هم كل ما يقف بينهم وبين المذابح المحتملة على يد قوات الرئيس بشار الأسد وحلفائه الروس”.

قالت سينم محمد – ممثلة مجلس سوريا الديمقراطية (مسد) في واشنطن، وهي هيئة سياسية تشرف على الإدارة الكردية المحمية من قبل الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا :” شعرت بالانزعاج الشديد لقيام نيويورك تايمز بإعطاء صورة وردية عن مرتكبي الجرائم في عفرين. كانت أنباء كاذبة تظهر أن كل شيء على ما يرام”.

قالت محمد لـ “المونيتور”: “أعرف ما يجري هناك. يومياً يرتكبون الانتهاكات. اغتصاب الفتيات. تعذيب الرجال حتى الموت. تغيير الديموغرافيا”. تم احلال منزل عائلة محمد في عفرين، وفرّغت مصانع زوجها من آلاتها وتركت مخرّبة. كتبت أنا والعديد من أفراد الجالية الكردية لصحيفة نيويورك تايمز هذه المعلومات حسب ما تقولها سينم محمد.

وتقول الأمم المتحدة وجماعات حقوقية مختلفة إن الانتهاكات التي ارتكبتها الفصائل التابعة للجيش الوطني السوري ترقى إلى جرائم حرب. ومع ذلك، ووفقاً لأكثر من عشرة مصادر تركية وكردية وعربية سورية قابلها “المونيتور”، فإن عمليات السرقة والنهب مستمرة، حيث يزداد عدد أمراء الحرب جنياً للأموال يوماً بعد يوم. يُزعم أن الأفراد الأتراك المرتبطين بحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا يشاركون في الغنائم.

قال بسام أحمد من منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة: ” لولا معرفتهم بأنهم محميون من قبل تركيا لما كانوا ليفعلوا هذه الأشياء. يحمل معظم كبار قادة الألوية الجنسية التركية”.

وتنفي تركيا هذه المزاعم. لكن في خطوة نادرة، حكمت محكمة عسكرية تابعة لما يسمى بالحكومة المؤقتة للمعارضة السورية على عضو في أحرار الشرقية بتهمة قتل هفرين خلف، بحسب الأمم المتحدة.

لا تمييز

ليس الأكراد فقط المستهدفون، العرب السوريون الذين تم جلبهم إلى عفرين من الغوطة الشرقية بعد سيطرة النظام عليها يتعرضون لانتهاكات مشابهة. مواطن وصل إلى عفرين في ربيع 2018 يرسم صورة قاتمة للمدينة التي كانت هادئة في يوم من الأيام قائلاً لـ “المونيتور”: “أستأجرت منزلاً من شخص كردي، لكن اللواء المسيطر على المنطقة طردني أنا وصاحب المنزل، وصادر المنزل بحجة أن صاحب المنزل هو من حزب العمال الكردستاني”. اللواء المقصود هو أحرار الشرقية. وأوضح أن “هذا الأمر حدث لعشرات العائلات المهجّرة من الغوطة الشرقية الذين طردتهم أحرار الشرقية من منازلهم”.

قال باحث تركي على دراية معمّقة بفصائل الجيش الوطني، وزارعفرين عدة مرات، لـ “المونيتور” بشرط عدم ذكر اسمه خوفا من انتقام السلطات التركية: “تم تقسيم عفرين بين الكتائب المختلفة كغنائم حرب وأنشأوا مناطق وحدود متفق عليها فيما بينهم. يقومون بإحلال الممتلكات ثم يبيعونها إلى المالك الأصلي.

وقال أحد سكان عفرين: “لكل حي لواء خاص به. حي المحمودية، على سبيل المثال، يتشكّل من 10 أحياء صغيرة، ولكل حي لواء مسؤول. المدنيين غير المدعومين من لواء معين تنهب ممتلكاتهم”.

وتابع ” إذا أتيت إلى عفرين، فبمجرد أن تتجول ستكون على يقين من أن قوة السلاح فقط هي التي تحكم هذه المنطقة. هناك ظاهرة مروعة، انتشار المتاجر التي تبيع الأسلحة. أينما تمشي، ستجد “محلات لبيع الأسلحة على مد النظر.

وأكد الباحث التركي أن الحكومة التركية تسعى لفرض القانون والنظام في عفرين. ومع ذلك، فإن تأثير مكتب محافظ هاتاي، الذي يدير احتلال عفرين ويؤمن الخدمات الأساسية ويشرف على إعادة الإعمار، كان ضئيلاً. وقال ” يبدو أنهم إما غير راغبين أو غير قادرين على السيطرة على الألوية”. وأضاف أن “تركيز تركيا الرئيسي ينصب على أمنها”.

ويشمل ذلك صد هجمات متفرقة من قبل قوات تحرير عفرين، وهي فرع من حزب العمال الكردستاني، والتي تشن هجمات غير مكثّفة لطرد القوات التركية والمعارضة، دون تأثير يذكر. وتسببت الهجمات المنسوبة إلى هذه الجماعة وأتباعها، ومنها قصف سوق شعبي وسط عفرين، في مقتل مدنيين وجنود (مسلحين)، بيد أن قوات سوريا الديمقراطية نفت هذه المزاعم.

اتركوا بضاعتي

في 21 أيار/مايو، بدا أمن تركيا مهدداً من قبل نفس الفصائل المرتبطة بالجيش الوطني السوري، التي تعتمد على دعمها، عندما اخترق المئات من أفرادها المزعومين فجوة في الجدار الحدودي الاسمنتي الذي يفصل تركيا عن سوريا. تدفقوا من أطمة، وهو مخيم ضخم للنازحين السوريين، وهاجموا نقطة حدودية تركية تديرها قوات الدرك في منطقة الريحانية في هاتاي. ونقلت وكالة أنباء دوفار التركية المستقلة على الإنترنت عن قرويين محليين قولهم إن السوريين أضرموا النار في محاصيلهم من القمح وأشجار الزيتون. قال أحد القرويين: “تعرض مخفر الدرك لوابل من الرصاص. لا أعرف إن كانت زجاجة حارقة أم شيء آخر لكن أحدهم ألقى بالمتفجّرات. لولا الجدار الاسمنتي لقتل كل الجنود هناك”. وبدا أن صور الناس وهم يركضون مع سحب من الدخان وشعلة برتقالية زاهية تتصاعد بالقرب من برج مراقبة الدرك تؤكد صحة هذه المزاعم.

نفى القرويون معرفتهم لسبب الهجوم. بالمقابل، أشار أوميت أوزداغ، النائب المستقل في البرلمان التركي، في تغريدة على تويتر بعد أسبوع إلى أن الأمر مرتبط بمصادرة أكثر من طن من حبوب الكبتاغون، هو عقار منشط، في ميناء إسكندورون في هاتاي في 15 أيار/مايو، بلغت قيمته السوقية 37 مليون دولار. وقالت الشرطة التركية إن الحبوب كانت متجهة إلى الإمارات العربية المتحدة وكانت مخبأة في قوالب من البلوك.

أوزداغ ، وهو مدافع قوي عن طرد للاجئين السوريين الذين يقدر عددهم بنحو 4 ملايين لاجئ في تركيا، كتب على تويتر، “انتفض السوريون في الريحانية. تم اقتحام نقطة حدودية تركية. انسحب الجنود لتجنب المواجهة. سُرقت أسلحة من المركز الحدودي. سبب اندلاع الأحداث كان عملية المخدرات في الإسكندرونة. المافيا السورية تقول “اتركوا مالي. كفى”.

لم يقدم المسؤولون الأتراك أي تفسير

قال شفيق سيركين، السياسي القومي المخضرم من هاتاي وعضو الحزب الجيد المعارض من اليمين الوسط لـ”المونيتور”: “للأسف، أستطيع القول إن هذه القصة صحيحة. مئة بالمئة.” رفض سيركين الخوض في التفاصيل. ولم يرد أوزداغ على طلب المونيتور للتعليق.

تم الإبلاغ عن العديد من عمليات ضبط المخدرات الأخرى هذا العام في هاتاي ، وكان آخرها في تموز/يوليو عندما تم ضبط سفينة شحن تحمل 117 كيلوغراماً (258 رطلاً) من الكوكايين قبالة ساحل الإسكندرونة. رغم تنفيذ الاعتقالات، إلا أنه لم يتم الكشف عن هويات وجنسيات المشتبه بهم. ولم تعلن السلطات التركية عن أي اعتقالات فيما يتعلق بشحنة 15 أيار/مايو المصادرة.

تعد إليزابيث تسوركوف ، طالبة الدكتوراه في جامعة برينستون وزميلة في معهد نيولاينز، وهو مركز أبحاث في واشنطن، من بين الخبراء البارزين في المعارضة السورية. قالت تسوركوف لـ “المونيتور” ، إن “عدة فصائل سورية في المناطق الخاضعة للسيطرة التركية متورطة في تجارة المخدرات”.

لكن تسوركوف أشارت إلى أن أطمة تخضع لسيطرة هيئة تحرير الشام، الجماعة المسلحة التي تحكم إدلب وفي نزاع مع العديد من فصائل الجيش الوطني.

تعرّف على أبو عمشة

محمد جاسم هو قائد لواء السلطان سليمان شاه، ومقره في عفرين، نسبة لاسم أحد مؤسسي الدولة العثمانية الذي دفن رفاته في شمال سوريا. جاسم، أو “أبو عمشة” كما هو معروف، هو مثال ساطع على لعبة المال والربح من حرب شمال غرب سوريا. لواء سليمان شاه، الذي يشار إليه عادة باسم “عمشات” على اسم زعيمهم، متورط في انتهاكات حقوقية في عفرين، بما في ذلك عمليات الخطف والتطهير العرقي وإجبار مزارعي الزيتون على دفع حصة للواء من محصولهم.

تُقرأ تغرديات جاسم على تويتر كتعهد بالولاء لتركيا وسلطانها الأخير أردوغان. هناك تحية لمجموعة متنوعة من القوميين الأتراك المتطرفين، وتعازي لوزير الداخلية التركي لفقدان والدته (التي توفيت عن عمر يناهز 75 عاماً بسبب قصور في القلب في آذار/مارس) ويتعهد بمطاردة “كلاب” قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة (قسد) الذين هم في الأصل حزب العمال الكردستاني”. عملية “غصن الزيتون” التركية ضد عفرين وعملية “نبع السلام” التي تلت ذلك تستند إلى نفس المنطق القائل بأن قوات سوريا الديمقراطية هي “نفسها” حزب العمال الكردستاني.

كان الاستناد على نقاط الخطاب التركي حول حزب العمال الكردستاني – وخطاب أردوغان القومي المشوب بالإسلام – بمثابة غطاء ساهم في توسيع جاسم لإقطاعيته الصغيرة خارج منطقة شيخ حديد في عفرين، والتي سيطر عليها بعد مساعدة تركيا.

وقال عنصر من السلطان سليمان شاه، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، لـ “المونيتور”: “عندما سيطرت فصائل المعارضة على عفرين، سيطرت فرقة السلطان سليمان شاه على منطقة الشيخ حديد وأقامت مركز قيادتها هناك. قائد الفرقة، أبو عمشة، لا يتلقى أوامر من الجيش الوطني السوري أو وزارة الدفاع (الحكومة المؤقتة للمعارضة السورية ومقرها اسطنبول)، بل ينسق بشكل مباشر مع المخابرات التركية”.

وتؤكد جماعات حقوقية أن الفصائل ساعدت الأجهزة الأمنية التركية في نقل مئات السوريين العرب والأكراد المتهمين بالعمل مع حزب العمال الكردستاني بشكل غير قانوني من المناطق التي تحتلها تركيا إلى تركيا. تمارس الفصائل بشكل روتيني عملية ابتزاز تحت تهديد التسليم لكسب مبالغ كبيرة، ويتم تسليم أولئك الذين لا يستطيعون الدفع إلى تركيا، كما ورد في مقال في موقع المونيتور سابقاً.

يأتي غنى جاسم الجديد من مصادر متعددة. أحدها السيطرة على نقاط التفتيش التي تفرض رسوم عبور للمركبات التجارية. وأخرى زيت الزيتون. وأوضح عنصر لواء السلطان سليمان شاه “في البداية عمل فصيل السلطان سليمان شاه في عفرين كغيره من الفصائل في المنطقة بقطع وبيع أشجار الزيتون، لكنه غير استراتيجيته مؤخراً. بدأ عناصر الفصيل بزراعة الزيتون في الأراضي المصادرة من المتهمين بالولاء لقوات سوريا الديمقراطية. ثم فرضوا ضريبة دخل تتراوح بين 25٪ و 50٪ على ملّاك الأراضي “. وتابع العنصر قائلاً: “لكن قطع الأشجار لم يتوقف بعد، حيث يقوم أفراد اللواء بقطع الأشجار وبيعها للاستفادة من سعرها. تسمح قيادة الفصيل للأعضاء بالاستفادة بشكل فردي من هامش ربح صغير من أجل ضمان ولائهم”.

في تركيا، تشتري جمعية الائتمان الزراعي الحكومية زيت الزيتون من الكتائب عبر وسطاء ثم تبيعه إلى المنتجين الأتراك الذين يصدرونه إلى أوروبا والولايات المتحدة.

تم توثيق التجارة غير المشروعة بشكل واسع

وقال مصدّر الزيت التركي علي نديم جوريلي لقناة دويتشه فيله الألمانية الناطقة باللغة التركية “لولا زيتون عفرين لما كنا لنحقق هذا المستوى من الصادرات”. في الماضي، كان هذا المنتج يأتي بشكل غير قانوني من عفرين ويباع للمنتجين. الآن المبيعات تتم من قبل الدولة. الآن تأتي غالبية زيت عفرين المقدر بـ 30 ألف طن سنوياً إلى تركيا. أصبح زيت زيتون عفرين منتجاً تركياً”.

ليس كل المنتجين الأتراك سعداء. وفقاً لسيركين، السياسي القومي، عدم التوزيع العادل لزيت عفرين في السوق المحلية يهدد العملية الزراعية في تركيا. “أخبرت محافظ (هاتاي) أن زيت زيتون عفرين يتم تهريبه وبيعه هنا. قلت له افعل شيئاً. المنتجون يتأذون لكن لم يتم فعل شيء”.

محاولات تركيا لإيجاد مظلة شرعية لتجارة زيت الزيتون من خلال بيعها عبر تعاونيات الإقراض الزراعي لم تقنع فقهاء القانون الدولي. يوفر القانون الدولي الحماية لأولئك الذين يعيشون في الأراضي المحتلة كالذين يعيشون في عفرين التي تحتلها تركيا. قال روجر لو فيليبس، المحامي الدولي والمدير القانوني لمركز العدالة والمحاسبة السوري، وهي منظمة غير ربحية مقرها واشنطن توثق جرائم الحرب في سوريا، “إن ممتلكاتهم الحقيقية والشخصية محمية بموجب اتفاقيات جنيف”.

وأضاف فيليبس: “الأهم من ذلك، أن مصادرة قوة محتلة للمواد الغذائية يتعارض مع القانون الدولي، لا سيما عندما يعاني السكان المدنيون من نقص في الغذاء”.

علاوة على ذلك، يجب على القوة المحتلة، تركيا، ضمان دفع القيمة العادلة مقابل أي سلع يتم طلبها. “إذا كانت تركيا تأخذ أشجار الزيتون وزيت الزيتون من المزارعين المحليين دون تعويض عادل، فإنها تكون قد انتهكت قوانين الاحتلال، حتى لو فعلت ذلك من خلال غطاء الميليشيات المسلحة الخاضعة لسيطرتها”.

استثمر جاسم بعض مكاسبه في أعمال تجارية في تركيا، بحسب مصادر تحدثت لـ “المونيتور”.

ويقال أن هذه الاستثمارات تشمل العديد من المطاعم وتجارة السيارات. اتصل مراسل المونيتور بالسفير أوتو، وهو متجر سيارات يُقال إن جاسم يمتلكه في مدينة ديلوك /عنتاب الحدودية، وسأل: “هل هذه هي وكالة السيارات التي يملكها أبو عمشة؟” أجاب رجل بلغة تركية شديدة اللهجة ، “نعم، إنه كذلك. من أنت؟”

قال أحمد رمضان، رئيس تحرير صحيفة الفرات بوست، وهي منصة سورية معارضة مقره اسطنبول ، إن جاسم “هو رقم واحد من حيث الأعمال التجارية في المنطقة”. قال رمضان ، الذي حقق في الأنشطة التجارية للفصائل، لـ “المونيتور”: “العالم بأسره يعلم أنهم يسرقون، إنهم مستغلون للحرب، ويستفيدون من الأزمة. ما عادوا يخجلون”.

زعمت وكالة StepNews الموالية للمعارضة في مقال نشر في 17 أيار/مايو أن مسؤولين أمنيين أتراك داهموا منازل عدة أفراد من لواء السلطان سليمان شاه، بمن فيهم شقيق جاسم، في عمليات منفصلة في ديلوك /عنتاب والريحانية والعثمانية. وزعمت StepNews أن المداهمات كانت مرتبطة بعملية القبض على مخدرات الكبتاغون في 15 أيار/مايو. كما وأعادت وكالة أنباء آسو، وهي وكالة مستقلة تعمل في شمال شرق سوريا نشر هذا الادعاء.

وقالت تسوركوف إن النتائج التي توصلت إليها تتطابق مع الادعاءات أيضاً. “من خلال بحثي في ​​الأنشطة غير المشروعة للفصائل، يبدو أن العمشات هم الأكثر انخراطاً في تجارة المخدرات.”

وتابعت تسوركوف: “حسب مصادري داخل العمشات، فإن عمليات تجارة المخدرات يقودها سيف جاسم، شقيق أبو عمشة والمقاتلون والقادة في حاشيته الشخصية”.

وأوضحت أن معظم المخدرات يتم تهريبها من مناطق النظام من قبل الفرقة الرابعة في الجيش السوري، وهي جهاز النظام الذي يقود صناعة المخدرات وتهريبها داخل سوريا وعبر الحدود. وقالت تسكوركوف إن المخدرات يتم تهريبها من نبل والزهراء، البلدات الشيعية الخاضعة لسيطرة حزب الله في حلب إلى عفرين بواسطة العمشات.

وأضافت تسوركوف: “فرض أبو عمشة حظراً شاملاً على تهريب المخدرات إلى تركيا”. لكن هذا لا يمنع استخدام الإسكندرونة لأغراض العبور.

وبغض النظر عن تورط جاسم المزعوم في تجارة المخدرات، فإن استياء من سلوكه في الداخل بدأ بالغليان.

في عام 2018، زعمت إسراء خليل، زوجة مقاتل في لواء السلطان مراد التابع للجيش الوطني السوري، في تسجيل فيديو أن جاسم اغتصبها عدة مرات تحت تهديد السلاح. قالت: “اغتصبني أبو عمشة”. “بعد ذلك وقف في المدخل وهو يغادر. أخرجني من الغرفة وقال، ‘إذا قلت إنني أتيت إليك، فسوف أقتل زوجك وصهرك.’ قلت له ، ‘بحق الله ، يا سيد ، لم أفعل اي شيئ تمام؟، فأنا لم أفعل لك أي شيء “. وأضافت خليل ،” ليس أنا فقط بل العديد من النساء تعرضن للاغتصاب. الكثير من النساء تعرضن لفضائح من قبله “. ووصفت خليل عدة حوادث أخرى بالتفصيل.

بعد أسبوع، نشرت خليل مقطع فيديو آخر زعمت فيه أن “شخصاً سيئاً” عرض عليها “أي مبلغ تريده من المال مقابل تسجيل هذا الفيديو عن أبو عمشة”. وقال مصدر معارض موثوق لـ “المونيتور” إن خليل كانت مجبرة على التراجع عن اتهاماتها السابقة تحت قوة السلاح.

أحمد رحال، وهو لواء انشق عن الجيش السوري للانضمام إلى الثورة، وهو من أشد المنتقدين لفساد الفصائل وانتهاكاتها، قال إن نفي خليل اللاحق ” لم يقنعني. عندما تابعت مع أشخاص أثق بهم داخل سوريا، قالوا إن أبو عمشة دفع رشاوى، أربع سيارات، واحدة للقاضي وواحدة لمسؤول الشرطة واثنتان للآخرين، وتم حل المشكلة. وسجلت الفتاة الفيديو الثاني رغما عنها وبالقوة”.

كان لتصريحات رحال ثمنه. في آب/أغسطس 2020، تم تجريده من إقامته التركية وسجنه لمدة 73 يوماً، “دون اتهام رسمي بأي شيء. كان ذلك إهانة كبيرة لي”. ويعتقد أن جاسم ورجاله أدلوا على الأرجح بتصريحات كاذبة ضده للسلطات التركية زاعمين أنه “عميل للإمارات العربية المتحدة أو مخبر للسعودية أو الأكراد”. يقول رحال إنه يتلقى مئات التهديدات كل يوم من أفراد منتسبين إلى الكتائب تستهدفه هو وعائلته، وأن حياته في خطر. وقد ناشد علانية أردوغان وصويلو وقادة الحكومة السورية المؤقتة لمساعدته.

في نيسان/أبريل ، نقلت أورينت، وهي منصة سورية أخرى مؤيدة للمعارضة ، شريط فيديو يظهر اتهامات من مقاتلي الجيش الوطني السوري المدعومين من تركيا بأن جاسم “سرق” الرواتب التي وعدوا بها للقتال في أذربيجان في حربها ضد أرمينيا. قالت تسوركوف: “لقد حصلوا على وعود بقيمة 2000 دولار شهرياً، لكنهم تلقوا أقل بكثير مع تأخيرات”.

مُخبر تركي

سيدات بيكر، رجل مافيا تركي مُدان يعيش في المنفى في دبي، اتّهم مسؤولين أتراكاً حاليين وسابقين تربطهم علاقات وثيقة بحكومة أردوغان بالتورط في جرائم خطيرة، بما في ذلك الاغتصاب وتهريب المخدرات ونقل الأسلحة إلى الجهاديين السوريين. حصلت مقاطع الفيديو خاصته على ملايين المشاهدات عبر YouTube، وبالنسبة للكثيرين، يبدو الأمر أكثر مصداقية لأن بيكير، وباعترافه، شارك في بعض الجرائم. وقال في مقطع فيديو حديث “إذا كنت تريد القيام بأعمال تجارية في سوريا، هل تعرف ما عليك القيام به؟ هناك السيد متين قراتلي، اسمحوا لي أن أخبركم باسم مكتبه: مديرية الشؤون الإدارية للرئاسة (التركية). يجب عليك التوجه إليه ولكن ليس من أجل الصفقات الصغيرة من قبيل شاحنتين. أعني للصفقات الكبيرة”.

قال نائب وزير الخارجية السوري بشار الجعفري في مقابلة حديثة مع دويتشه فيله “أود أن أعبر عن أنني أؤكد على صحة ما قاله السيد سيدات بيكر تماماً”. فيما نفى قراتلي هذه الادعاءات وقدم شكوى جنائية ضد بيكر.

سواء صحّت أقوال بيكر أم لا، يبدو أن التجارة التي وصفها تتوسع بمباركة أنقرة: تم افتتاح معبر حدودي جديد غير رسمي يقع بين رأس العين وتل أبيض في منطقة نبع السلام تسمى “تفاحة”، يربط بين مناطق سيطرة المعارضة المدعومة من تركيا ومناطق قوات سوريا الديمقراطية في شمال الرقة في وقت سابق من هذا العام.

يدير المعبر زعيم أحرار الشرقية أبو حاتم شقرا، وهو من أبرز تجّار الحرب الذي أطلق عليه لقب “الأخطبوط” بسبب نفوذه المالي العميق. هناك لواءان آخران مرتبطان بالجيش الوطني السوري، وهما جيش الشرقية والفرقة 20، يتقاسمان السيطرة على معبر تفاحة. أظهرت معلومات استخباراتية مفتوحة المصدر استخرجها المونيتور وأوردها الباحث المعروف باسمobretix على تويتر، شاحنة صهريج نفط متوقفة عند المعبر في 13 تموز/يوليو.

“المعابر بين مناطق سيطرة الأحزاب المختلفة هي بمثابة كنوز لكتائب الثوار. قال رمضان، رئيس تحرير الصحيفة، إن تفاحة ستكون نقطة عبور اقتصادية كبيرة، وقد يصل الدخل الشهري عليها إلى مليون دولار.

تصر ممثلة مجلس سوريا الديمقراطية سينكم محمد على أن الولايات المتحدة يجب أن تصنف كتائب الجيش الوطني السوري التي ارتكبت جرائم حرب على أنها إرهابية. قالت “إنها خطوة ضرورية”. “وإلا فلن يتوقفوا”.

لكن بسام أحمد من سوريين من أجل الحقيقة والعدالة عبّر عن اعتقداه بعدم واقعية هذا المطلب قائلاً: “أقصى ما يمكن أن نأمله هو أن يتم معاقبة بعض أمراء الحرب هؤلاء بشكل فردي على جرائمهم”.

وأضاف بسام أحمد “حان الوقت لأن تتحرك الولايات المتحدة ضد هذه الجماعات”.

قال متحدث باسم وزارة الخارجية لـ “المونيتور”: “تشعر الإدارة بالقلق إزاء التقارير المستمرة التي تفيد بأن بعض عناصر الجيش الوطني السوري قد انتهكوا قانون النزاع المسلح وحقوق الإنسان في شمال سوريا. نواصل حث تركيا على الضغط على جماعات المعارضة المدعومة من قبلها لوقف انتهاكات حقوق الإنسان، ومحاسبة الجناة، واتخاذ خطوات لمنع أي انتهاكات من هذا القبيل في المستقبل “.

وأضاف المتحدث ” لكل من الولايات المتحدة وتركيا مصلحة في إنهاء الصراع في سوريا بشكل مستدام وسنواصل التشاور مع أنقرة بشأن سياسة سوريا والبحث عن مجالات للتعاون. تشترك الولايات المتحدة وتركيا في مصالح مشتركة في مكافحة الإرهاب وإنهاء الصراع في سوريا وردع النفوذ الخبيث في المنطقة”.

في تموز/يوليو، أضافت الولايات المتحدة تركيا إلى قائمة الدول المتورطة في تجنيد الأطفال على مدار العام الماضي، وهي المرة الأولى التي يتم فيها تصنيف حليف في الناتو على هذا النحو.

أشارت وزارة الخارجية في تقريرها لعام 2021 عن الاتجار بالبشر إلى أن تركيا كانت تقدم “دعماً ملموساً” لفرقة السلطان مراد التي نشرت جنوداً أطفالاً في ليبيا كما فعلت أطراف النزاع الأخرى هناك. كما قامت وزارة الخارجية بتسمية قوات سوريا الديمقراطية إلى جانب جماعات مسلحة أخرى في سوريا تقوم بتجنيد القاصرين للقتال. ما تسبب بغضب أنقرة، وأعلنت وزارة الخارجية التركية “رفضها التام” للادعاء ومؤكدة على أن سجلها نظيف.

المصدر:المونيتور

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد