الانتخابات العراقية.. 3 سيناريوهات لتشكيل الحكومة الجديدة

علي ناجي

مقدمة

مع إعلان النتائج الأولية لانتخابات البرلمان العراقي، أظهر المرشحون الخاسرون بالسباق الانتخابي حالات تزوير والتلاعب بالنتائج، ما أدخل البرلمان العراقي على مسار التشكيك فيه باتخاذه قراراً باعتماد عمليات العد والفرز يدوياً بدلاً من العد الإلكتروني، مما دفع مفوضية الانتخابات إلى الطعن على القرار لدى السلطة القضائية.

الاتهامات بتزوير نتائج الانتخابات أبطأت سير مفاوضات الكتل السياسية، خاصة داخل البيت السياسي الشيعي الذي يخرج منه مرشح لشغل رئاسة مجلس الوزراء لا يخلو من لمسات بأصابع دولتي إيران وأمريكا للاتفاق النهائي على تشكيله، مع المناصب الأخرى مثل رئاستي الجمهورية والنواب والهيئات غير المرتبطة بالوزارات.

اقتراع الداخل والخارج

شارك نحو 10.7 مليون ناخب في التصويت بالانتخابات البرلمانية التي أجريت 12 آيار/مايو الماضي، أي بنسبة شكلت 44.52% من 24 مليون مواطن يحق لهم انتخاب مجلس نواب عراقي جديد (1) يبلغ عدد مقاعده 329، وتنافس عليه 6.904 مرشح ينتمون لـ204 حزب وبعض المستقلين. وقد توزع المتنافسون على التحالفات المشكلة على أساس القومية العربية والكردية والتركمانية والكلدانية الآشورية، والمذهبية شيعية وسنية وأخرى مدنية والبعض إسلامية بمرشحين علمانيين.

وراقب سير عمليات الاقتراع في الداخل والخارج والصناديق الخاص للاقتراع (المنتسبين للأجهزة الأمنية) والصناديق المشروطة (الخاصة بالنازحين ونزلاء السجون والراقدين بالمستشفيات)، نحو 60 ألف مراقب منهم 900 دولي من المنظمات والهيئات الدولية والسفارات، والآخرين محليين عراقيين([1]).

وكلفت هذه الانتخابات، الدولة العراقية 296 مليار دينار عراقي (249 مليون دولار) وتم تدريب 300 ألف موظف على استخدام 59 ألف جهاز إلكتروني يدخلون الخدمة في العراق لأول مرة.

وبانتهاء يوم الاقتراع، بلغت نسبة العزوف الانتخابي أكثر من 55%، وهي أعلى نسبة للعزوف بالانتخابات العراقية التي حصلت بعد تغيير نظام صدام حسين عام 2003.

كانت هذه النسب متوقعة، خاصة مع اقتراب موعد التصويت، لأسباب كثيرة منها فقدان الناخبين الثقة بالوعود الانتخابية للمرشحين وفشل الحكومات المتعاقبة في توفير الخدمات للمواطنين ومخاوف الناخبين من تزوير والتلاعب بالانتخابات، فضلاً عن قيام الكثير من النخب والمثقفين بقيادة المقاطعة التي كانت قيادتها غير منظمة أو تتبع لجهة معينة.

نتائج مفاجئة

شكلت النتائج الأولية للانتخابات، مفاجأة للشعب العراقي والمراقبين للوضع العراقي بحصول قائمة “سائرون” بزعامة رجل الدين “الشيعي” مقتدى الصدر المتحالف مع الحزب الشيوعي على المرتبة الأولى بفوزه بـ54 مقعداً من أصل 329، وجاء الفوز للكبير للقائمة بسبب جماهير “الصدر” المعروفين باسم التيار الصدري وإطاعته على أي قرار يتخذه، كذلك تأكيده على الإصلاح وتغيير الوضع العراقي المتردي وانتقاداته للدول المتدخلة بالشأن العراقي، كما أن حلفائه الشيوعيين كان لهم دور في جلب الأصوات من خلال تظاهراتهم المستمرة بـ”بغداد” وعدد من المحافظات المنددة بتردي الخدمات والمطالبة بمحاسبة الفاسدين وهدر المال العام.

فيما حل بالمرتبة الثانية تحالف “الفتح” الذي يقوده هادي العامري بحصوله على 47 مقعداً موزعة على فصائل الحشد الشعبي التي تُعرف بقربها من إيران وتقليدها الديني لمرشد الثورة الإسلامية الإيرانية علي خامئني. والكثير من هذه الفصائل تشارك لأول مرة بالانتخابات أو تحقق فوزا كبيرا نسبة للمقاعد التي حصلت عليها سابقا.

وجاء ثالثاً ائتلاف النصر برئاسة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بـ42 مقعد، وهو عكس ما كان متوقعا بأن يحصل على أعلى الأصوات والمقاعد، لشغله أهم منصب تنفيذي وخلال فترة حكمه تمكن العراق من دحر تنظيم “داعش” الإرهابي.

فيما حصل  ائتلاف “دولة القانون” بقيادة رئيس الوزراء السابق ونائب رئيس الجمهورية الحالي نوري المالكي على 26 مقعدا، ثم تلاه الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة الرئيس السابق لإقليم كردستان العراق مسعود بارزاني 25 مقعدا، وائتلاف “الوطنية” بزعامة رئيس الوزراء الأسبق ونائب رئيس الجمهورية الحالي إياد علاوي على 21 مقعدا.

فيما كسب “تيار الحكمة” بزعامة عمار الحكيم 19 مقعدا، والاتحاد الوطني الكردستاني 18 مقعدا، وتحالف “القرار العراقي” بزعامة نائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي على 11 مقعدا([2]).

وهناك كتل سياسية متنوعة بين المدنية والقبيلة والحكومية ببغداد والمحافظات السنية فازت بخمسة أو ستة مقاعد إلى مقعدين أو مقعد واحد.

وحصلت الأقليات على 9 مقاعد ضمن نظام الحصص الذي نص عليه قانون الانتخابات البرلمانية، فنال المكون المسيحي خمسة مقاعد ذهب اثنان منهما لحركة “بابليون” المقربة سياسياً من تحالف “الفتح”، ومقعدين آخرين ينتمي مرشحيهما الفائزين للحزب الديمقراطي الكردستاني، ومقعد لحزب مسيحي مستقل.

أما المكونات الأخرى التي تعرف بالأقليات، فحصل كل واحد منهم على مقعداً مثل الشبكي والإيزيدي والصابئي، والكردي الفيلي الذي يتبع حزب الفضيلة الإسلامي المنضوي ضمن ائتلاف النصر.

اعتراضات نيابية

قوبلت نتائج الانتخابات البرلمانية، باعتراضات شديدة من مختلف الكتل السياسية ومن مرشحين خاسرين وفائزين، بسبب  جهاز فرز الأصوات الإلكتروني الذي اتُهمت مفوضية الانتخابات بأن من خلاله تم التلاعب بشفراته المبرمجة، ما حول النتائج من قائمة إلى أخرى وداخل القائمة نفسها من مرشح لآخر.

تركزت الاعتراضات في منطقتي الشمال، كمحافظات إقليم كردستان وكركوك ونينوى، والمنطقة الغربية مثل الأنبار وصلاح الدين. وكذلك هناك اعتراض على نتائج بغداد والمحافظات الجنوبية، لكن بصوت منخفض جداً.

في مساء 12 آيار/مايو الماضي، وبعد إعلان نتائج أولية للانتخابات البرلمانية في بعض مراكز الاقتراع بإقليم كردستان، التي لاقت تشكيكاً من قبل عدد من الأحزاب الكردستانية مثل حركة التغيير والاتحاد الإسلامي والجماعة الإسلامية، تجمهر أنصار الحركة أمام مقرها في “السليمانية”، معترضين على عمليات التزوير، لكن تعرض المحتجين لإطلاق نار اتهم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بأنه وراء إطلاق النار هذا، لأنهم المتهمين بعمليات التزوير لصالحهم في المحافظة، بحسب ادعاءات حركة “التغيير”([3]).

أما في كركوك، فالاتحاد الوطني أيضاً تصدر قائمة الاتهامات بالتزوير من قبل الكيانات الانتخابية العربية والتركمانية، ما جعل مؤيدي العرب والتركمان للاعتصام لأقل من شهر أمام مبنى مفوضية الانتخابات في المحافظة، للمطالبة بالعد والفرز اليدوي بدلاً من الجهاز الإلكتروني([4]).

أما في اقتراع الخارج، فالوضع مختلف حسب ما أظهر مقطع فيديو مسرب لجلسة البرلمان العراقي (24 آيار/مايو 2018)، حيث يظهر اعتراف أحد النواب والمرشح الخاسر بالانتخابات، بالمشاركة في التزوير من خلال قيام مدير المفوضية في الأردن وسوريا ببيع ثلاثة مراكز انتخابية فيها 12 ألف صوت([5])، وهم من ناخبي محافظتي الأنبار وصلاح الدين (الغالبية السنية).

كذلك في هاتين المحافظتين ظهر ابتكار جديد يستخدم لأول مرة لتزوير الانتخابات يسمى “القبان”، وبموجبه يفوز المرشح الخاسر ويخسر المرشح الفائز عن طريق صناديق ومراكز انتخابية كاملة في المحافظات السنية تضم أسماء ناخبين من النازحين في أماكن متفرقة من داخل المحافظة، وبعض هؤلاء رجع لمنطقة سكنه الأصلية، بينما لا يزال البعض الآخر مهجرا خارج المحافظة، وهذه المراكز كانت تدار من مكاتب بعض المرشحين (ذات النفوذ بمحافظاتهم) الذين كانوا يمتلكون قاعدة بيانات الناخبين([6]).

حصلت أيضاً في بغداد والمحافظات الجنوبية عمليات تزوير للانتخابات وتلاعب بنتائج الاقتراع، لكن عبر الطرق الكلاسيكية المعروفة، وهي حث الناخبين عن انتخاب مرشح معين أو الترويج للمرشحين قرب مراكز التصويت.

لكثرة ودلائل الاتهامات للتزوير في المحافظات الغربية “السنية” والشمالية ومنها مناطق الإقليم، لجأت مفوضية الانتخابات إلى اتخاذ قرار بإلغاء أكثر من 1000 محطة انتخابية في مراكز داخل العراق وخارجه، من أصل 54 ألف محطة، كما أنها شكلت لجانا تحقيقية لمحاسبة المقصرين من موظفيها.

وبعد تعقيد المشهد الانتخابي والسياسي بسبب التشكيك بنتائج الانتخابات، أقر مجلس الوزراء العراقي في 5 حزيران/يونيو الجاري، بوجود تلاعب في نتائج الانتخابات واتخذ جملة قرارات منها تواجد مسؤولي مفوضية الانتخابات من درجة معاون مدير عام فما فوق، تقرر وجوب الحصول على موافقة رئيس مجلس الوزراء قبل سفرهم خارج العراق ([7]).

لم يكتفِ البرلمان الذي لم تفز أغلبية أعضائه بالسباق الانتخابي بإجراءات الحكومة، وعقد جلسته الاستثنائية في 6 حزيران/يونيو الجاري، وذهب إلى ما لم يكن متوقعا بإلزام المفوضية المستقلة للانتخابات بإجراء عد وفرز لأصوات الناخبين يدويا في كل العراق، وتشكيل لجنة لتقصي الحقائق بشأن الانتخابات التي أجريت في 12 آيار/مايو الماضي، كما صوت على تعديل قانون الانتخابات الصادر، ومنها إلغاء المادة 38 المتعلقة باعتماد جهاز إلكتروني لعد وفرز أصوات الناخبين وانتداب تسعة قضاة يتولون الإشراف على عمل المفوضية حتى المصادقة على نتائج الانتخابات الأخيرة([8]).

وأصبحت كرة حسم التشكيك بنتائج الانتخابات لدى ملعب القضاء العراقي، من خلال تشكيل لجنة قضائية رفيعة المستوى تضم رئيس جهاز الادعاء العام ورئيس هيئة الإشراف القضائي وأحد القضاة، وانتقل عملها لمبنى مفوضية الانتخابات لتنفيذ المهمة الموكلة للقضاء بموجب قانون التعديل الثالث لقانون الانتخابات الذي أقره البرلمان، واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة للمحافظة على صناديق الاقتراع والاجهزة والأوليات الخاصة بعملية الاقتراع.

كما أمرت السلطة القضائية بتوفيق عمل إحدى هيئاتها المختصة بالنظر في الطعون المقدمة على نتائج العد والفرز الالكتروني لحين حسم إجراءات العد والفرز اليدوي وتقديم الطعون الجديدة بخصوصها([9]).

تشكيل الحكومة

أوضح الدستور العراقي آلية تشكيل الحكومة عبر تكليف مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً من قبل رئيس الجمهورية خلال خمسة عشرَ يوماً من تاريخ انتخاب الأخير، وقد حدث اختلاف سياسي سابقاً بشأن تفسير المفهوم الدستوري للكتلة النيابية الأكثر عدداً، لكن أوضحت المحكمة الاتحادية العليا بأن الكتلة هي التي تتكون من نواب في تجمع معين يعلن عنه في مجلس النواب([10])، أي ما يعني أنها ليست الكتلة الفائزة صاحبة أكثرية المقاعد بالانتخابات.

ووفق الأعراف في العملية السياسية بأن البيت الشيعي (الأكثر عددا بالبرلمان) هو الكتلة التي تختار مرشحهاً لتشكيل الحكومة، فإن هذا الأمر جعل الكتل الأخرى تعقد جولة استطلاعية سطحية لمعرفة أوضاع بعضها البعض للخروج بالمكلف لمنصب رئيس الوزراء.

وقد رسمت النتائج الأولية للانتخابات ثلاث سيناريوهات لتشكيل الكتلة النيابية الأكبر، وبالتأكيد ستكون بتدخل للدول محصور بين إيران وأمريكا، كما يسبقه رضا المرجعية الدينية “الشيعية” في محافظة النجف العراقية:

1- تشكيل تحالف يضم كل الكيانات الشيعية (سائرون، الفتح، النصر، دولة القانون، الحكمة)، مما يشكل أغلبية مريحة لتقديم المكلف بتشكيل الحكومة، بالإضافة إلى تأييد الكتل الأخرى من السنة والكرد لتقسيم بقية المنصب. لكن هذا الأمر يعقد توزيع مناصب مجلس الوزراء بسبب كثرة القوائم التي تضم عدة كتل سياسية داخل كل قائمة.

2- انضمام (سائرون، النصر، دولة القانون، الحكمة) في ائتلاف مع كتل سياسية أخرى، وهذا ما ترغب به الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك دول الخليج العربي، لأن كتلة الفتح المقربة من إيران ستكون معارضة بالبرلمان.

3- انضمام (الفتح، النصر، دولة القانون، الحكمة) إلى ائتلاف مع “سائرون” وربما يكون هذا السيناريو الأضعف، لإصرار الكتل على ضم التيار الصدري “العمود الفقري لـ(سائرون)” إلى الحكومة، لأنه يخشى من جماهيره المليونية المنتشرة في بغداد والمحافظات الأخرى، لاستمرارهم في الخروج بالتظاهرات المنددة بالأعمال الوزارية والبرلمانية.

الخاتمة

يبقى حسم التشكيك بنتائج انتخابات البرلمان العراقي، في يد مجلس القضاء الأعلى من خلال طلب الطعن الذي تقدمت به مفوضية الانتخابات بقرار مجلس النواب باعتماد العد والفرز اليدوي بدلاً من الإلكتروني.

أما تعيين الكتلة الأكبر التي يتم اختيار رئاسة الحكومة منها، وهي التي تعتبر أهم من رئاسة الجمهورية، فيكون عبر المفاوضات بين الكيانات السياسية الشيعية وموافقة الكتل الأخرى من بقية المكونات، وموافقة دولتي أمريكا وإيران، وهو ما ظهر مؤخرا من خلال زيارات مكوكية للمبعوث الرئاسي للتحالف الدولي بريت ماكغورك وقائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني إلى العراق، كما أنه يجب أن يكون رضا ومباركة للمرجعية الدينية على المكلف بتشكيل الحكومة، لتعطي أمل للمواطنين بتوفير الخدمات وتحقيق مطالبهم التي تتجدد المطالبة بها في كل انتخابات.

—- 

*صحفي وكاتب مقيم في باريس.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد