ريان براون | سي.إن.إن
حذر الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في القتال ضد “داعش”، قائد قوات سوريا الديمقراطية الجنرال مظلوم عبدي، من أن التنظيم الإرهابي يسعى إلى إعادة إحياء وجوده في سوريا، ما يتطلب دعمًا أمريكيًا متزايدًا لقواته أثناء سعيها لمنع “داعش” من إعادة تأسيس نفسها. وعندما سُئل عما إذا كان يتفق مع تقرير المفتش العام في “البنتاغون”، الذي قال إن “داعش” يسعى إلى إعادة إحياء نفسه في سوريا، بعد قرار الرئيس دونالد ترامب بسحب حوالي نصف القوات الأمريكية من البلاد، وقال الجنرال مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية، لقناة “سي.إن.إن”: “هذا هو رأينا كذلك”.
وفي حين قال وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر، مؤخرًا، إن التنظيم الإرهابي لن يعود للظهور في سوريا، فإن “مظلوم” أخبر شبكة “سي.إن.إن”، في مقابلة حصرية، أن “داعش استعد لتحويل نشاطه إلى تمرد حتى قبل أن يفقد آخر أراضيه في البلاد”.
متحدثاً من خلال مترجم، قال “مظلوم” إن التمرد الجديد لـ”داعش” قد بدأ بالفعل، لأن التنظيم يتمتع ببعض حرية التنقل في المناطق المتاخمة للمنطقة التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، بما في ذلك عبر الحدود في العراق والأماكن الواقعة غرب نهر الفرات التي يسيطر عليها ظاهريا نظام الرئيس السوري بشار الأسد، الذي ظلت قوات سوريا الديمقراطية مستقلة عنه.
لا يزال الوضع في سوريا معقدًا، ففي حين أن نظام “الأسد” المدعوم من روسيا وإيران على وشك استعادة جزء كبير من غرب البلاد من مختلف الجماعات المتمردة، شرق نهر الفرات، فإن قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد، والتي تعمل بشكل مستقل تماماً عن نظام “الأسد” ومدعومة بتحالف عسكري تقوده الولايات المتحدة ويتألف من معظم الحلفاء الأوروبيين، تحتفظ إلى حد كبير بالسيطرة على منطقة كبيرة في سوريا.
تتكون قوات سوريا الديمقراطية من حوالي 35000 فرد، بمن فيهم المقاتلون الأكراد والعرب. وبدعم من آلاف الغارات الجوية الأمريكية والمستشارين العسكريين، لعبت تلك القوات دورًا رائدًا في طرد “داعش” من المدن والبلدات في جميع أنحاء سوريا، وهي الحملة التي شهدت “داعش” يفقد آخر معاقله الإقليمية في مارس/آذار.
وردا على سؤال حول ما إذا كان قرار “ترامب” بتخفيض عدد القوات الأمريكية في سوريا من ذروة ما يقرب من 3000 إلى أقل من نصف ذلك العدد اليوم، قد أثر على قدرة قواته على محاربة “داعش”، أجاب مظلوم: “بالطبع هذا يؤثر علينا سلبا”. وقال: “نحن والائتلاف والأمريكيون كنا فعالين للغاية”. وأضاف أن بعض القوات الأمريكية المتبقية في سوريا مشغولة في إدارة مراكز المراقبة على طول الحدود السورية التركية، وبالتالي فهي أقل مشاركة في مكافحة فلول “داعش”.
وقال “مظلوم” إن على الولايات المتحدة أن تفي بالتزاماتها تجاه مجموعته وحرب “داعش”. وقال: “إذا لم يُنظر إلى الأمريكيين على أنهم يقومون بالتزاماتهم”، فلن يكون ذلك “ضارًا لنا فحسب، بل سيضر بالأمريكيين أيضًا”.
أحد المجالات التي تثير قلقًا خاصًا لكل من القائد والمسؤولين الأمريكيين هي قدرة قوات سوريا الديمقراطية على مواصلة حراسة عشرات الآلاف من مقاتلي “داعش” المعتقلين وأفراد عوائلهم، بما في ذلك أكثر من 2000 مقاتل إرهابي أجنبي من حوالي 50 دولة في معسكرات مؤقتة ومرافق الاحتجاز. وقال “مظلوم”: “ما زلنا نحتجزهم في ظروف صعبة للغاية” ، مضيفا أن قوات سوريا الديمقراطية لديها “قدرة محدودة للغاية”.
تتمتع قوات سوريا الديمقراطية أيضًا بحضور أمني في مخيم النازحين داخلياً في الهول، والذي تضخم إلى نحو 70 ألف من السكان بعد انهيار خلافة “داعش”. ووصف “مظلوم” مخيم الهول بأنه “قنبلة موقوتة”، قائلاً إنهم تلقوا مساعدة غير كافية من المجتمع الدولي في التعامل مع الوضع وأن بعض الدول قد وافقت على إعادة مواطنيها ولكنهم لم ينفذوا تصريحاتهم.
الجنرال جوزيف دانفورد رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، قال: “إنني أصف ذلك بأن هناك حاضنة للتطرف المستقبلي في هذه المعسكرات وفي مرافق الاحتجاز هذه. إن مخاطبة وتناول قضية هؤلاء الأشخاص، بما في ذلك المحتجزين، هي في رأيي قضية استراتيجية حرجة”.
لطالما سعت إدارة “ترامب” إلى إعادة المواطنين الأجانب الذين ذهبوا إلى سوريا للقتال في صفوف “داعش” إلى بلدانهم ومقاضاتهم هناك، لكن نجاح “واشنطن” كان محدودا، واستمرار احتجازهم في سوريا قد أثار القلق. وقال “إسبر”، هذا الأسبوع أثناء سفره إلى المملكة المتحدة عندما سئل عن قضية المقاتلين الأجانب، إنه “موقف لا يمكن التنصل منه”، مضيفا: “كانت وجهة نظرنا أنه ينبغي إعادتهم إلى الوطن والتعامل معهم، والتعامل معهم بشكل مناسب. هذه هي الرسالة، وإلا فهناك خطر على المنطقة، أليس كذلك؟ أقصد إلى متى يمكننا -نحن- أن نحرس هذه المخيمات، وكنت تتحدث عن عدة آلاف، إجمالي عدة آلاف من المقاتلين، ولكن هناك ما يزيد قليلاً عن 2000 مقاتل أجنبي، كثير منهم جاءوا من أوروبا”.
وقال “مظلوم” إنه إما يريد أن يرى دولاً تعيد مواطنيها أو إنشاء محكمة دولية في شمال شرق سوريا يمكنها مقاضاة المقاتلين. وقد أقر كبار المسؤولين الأمريكيين بأن “داعش” لا يزال يمثل تهديدًا، لكنهم شددوا على أن الجماعة الإرهابية ليست في مكان قريب من القوة التي كانت عليها قبل عدة سنوات، عندما سيطرت على مناطق شاسعة من العراق وسوريا وسعت إلى توجيه عمليات خارجية في جميع أنحاء العالم.
وقال “دانفورد”: “أعتقد أنه من العدل أن نقول إنهم ما زالوا يتمتعون بوجود كبير في العراق وسوريا. من المؤكد أنهم ليسوا في مكان قريب من قوتهم في عامي 2017 و2018، لذا فقد تدهورت بشكل كبير، وما زالوا يحتفظون مرة أخرى بالقدرة على شن التمردات، وعمليات على غرار حرب العصابات وهذا ما نراه اليوم”.
وقال “مظلوم” إنه يود أن يرى الولايات المتحدة تساعد في إيجاد حلول سياسية للمناطق التي تم تحريرها من “داعش”، وكذلك توفير دعم عسكري متزايد لقوات سوريا الديمقراطية، بما في ذلك الدعم المالي والمعدات الإضافية. وقال “دانفورد” أيضًا إن قوات سوريا الديمقراطية ستحتاج إلى دعم مستمر من الولايات المتحدة والتحالف، قائلاً: “أعتقد أنه في البيئة الحالية، ستظل القوات الديمقراطية السورية بحاجة إلى دعم التحالف حتى يكون فعالًا في التعامل مع الوجود المتبقي لـ”داعش”. ولكن، من المهم تدريب القوات المحلية على تأمين تلك المنطقة التي تم تطهيرها من قبل “داعش” من قبل، لذلك لا يزال هناك عمل يتعين القيام به، ونقدر أن حوالي 50-60 ألف من قوات الأمن المحلية في المجموع، سوف تحتاج إلى تدريب للحفاظ على هذه الأرض، و نحن ربما في منتصف الطريق”.
في الأسبوع الماضي، قال التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة إنه خلال الأشهر الأربعة الماضية، قام “شركاء قوات سوريا الديمقراطية”، باحتجاز أكثر من 225 من مقاتلي “داعش” في سوريا. وقد أطلق التحالف على قوات سوريا الديمقراطية اسم “الشركاء القادرون والموثوقون الذين عانوا الآلاف من الضحايا في القتال ضد داعش”، مضيفًا أنهم “يحافظون على الاستقرار ويمنعون داعش من الظهور مجددًا” في شمال شرق سوريا.
لكن يبدو أن أكبر ما يثير قلق “مظلوم” هو احتمال قيام تركيا بشن هجوم عسكري على شمال شرق سوريا، وهو أمر هدد به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مرارًا وأثار قلقًا بين المسؤولين الأمريكيين. وقال “دانفورد”: “هل هناك احتمال – سمعت الخطاب السياسي- بأن تركيا يمكن أن تنتقل إلى شمال شرق سوريا؟ هناك هذه الإمكانية بالفعل. لا أعتقد أن ذلك سيكون مفيدًا لمصالحنا المشتركة، وأعتقد أن هذا هو السبب في أننا ركزنا بشكل كبير على إيجاد طريقة مقبولة لمعالجة مخاوف تركيا وفي الوقت نفسه الحفاظ على استمرارية الحملة ضد داعش في شمال شرق سوريا”.
تعمل الولايات المتحدة وتركيا على مبادرة تصفها الولايات المتحدة بـ”آلية أمنية”، وتصفها تركيا بأنها منطقة آمنة على طول الحدود التركية في شمال شرق سوريا، والتي تقول تركيا إنها ضرورية لمنع إرهابيي حزب العمال الكردستاني في سوريا من مهاجمة تركيا. وكجزء من المبادرة، أنشأت القوات الأمريكية والجيش التركي مركزًا مشتركًا للعمليات وأجرت سلسلة من الرحلات الجوية الاستطلاعية بطائرات الهليكوبتر فوق المنطقة، ومن المتوقع أن تبدأ الدوريات المشتركة في وقت قريب.
تعتبر الحكومة التركية أن حزب العمال الكردستاني مرتبط بشكل جوهري بالعناصر الكردية في قوات سوريا الديمقراطية، وهو ما ينكره “مظلوم” بشدة ، قائلاً إنه “لا توجد صلة بين قوات سوريا الديمقراطية وحزب العمال الكردستاني”، وأن قوات سوريا الديمقراطية ليست جزءًا من القتال مع تركيا. كما ترى الولايات المتحدة أن قوات سوريا الديمقراطية منفصلة عن حزب العمال الكردستاني، لكنها تعترف بمخاوف تركيا الأمنية في شمال شرق سوريا، وتعتبر حزب العمال الكردستاني جماعة إرهابية.
يقول “مظلوم” إن التهديدات التركية بالتوغل ساعدت خلايا نائمة من “داعش” في شمال شرق سوريا، والتي يقول إنها ستحاول استغلال أي هجوم على قوات سوريا الديمقراطية، لكنه يقول إنه يثق في الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق مع تركيا لتجنب مثل هذا الصراع، قائلا إنه فيما يتعلق بالمنطقة الآمنة “حتى الآن تسير على ما يرام”.
وقال “مظلوم” إن قواته وافقت على إنشاء منطقة آمنة على طول الحدود التركية بعمق 5 كيلومترات، مع امتداد بعض الأجزاء إلى 12 كيلومتراً. وقال: “لقد أظهرنا قدرا كبيرا من المرونة من جانبنا”، مضيفا أنه “واثق من أن الأمريكيين سوف يستجيبون لهذه المرونة”، بينما يقول إن تركيا كانت تصدر “بيانات استفزازية كل يوم. وهذا يجعل الوضع صعبا”.
أصدرت القيادة المركزية الأمريكية، التي تشرف على القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، صوراً لما تقول إنه وحدات قوات سوريا الديمقراطية تزيل التحصينات من المناطق الواقعة داخل المنطقة الآمنة. لكن إذا انهارت الترتيبات مع تركيا وتركت الولايات المتحدة سوريا، فقد أوضح “مظلوم” أن قوات سوريا الديمقراطية تفضل عقد صفقة مع نظام “الأسد” وروسيا، بدلاً من العيش تحت الاحتلال التركي. ووصف مثل هذه الصفقة مع النظام و”موسكو” بأنها “حل سيء”، لكنه قال إنه “الحل الأقل سوءًا”. ولدى سؤاله عما إذا كان بإمكانه إرسال رسالة إلى “ترامب” أو قادة الكونغرس، قال “مظلوم” إنه سيطلب منهم دعم “الحقوق الكردية داخل سوريا”، والاعتراف بدورهم في الحرب ضد “داعش”.