“آسيا تايمز”: روسيا ليست مستعدة لتولي المسؤولية في شمال سوريا

نيل هاير | صحيفة آسيا تايمز

إذا استمعت إلى رسائل “موسكو” الرسمية حول سوريا، فستعتقد أن دور روسيا الوحيد في هذا الصراع المستمر منذ ثماني سنوات كان صناعة السلام. لكن الحقيقة هي أنه ما بين قصف المستشفيات والمخابز، يصرح “الكرملين” بأنه لم يستجب إلا لطلب “حكومة شرعية” في سوريا للمساعدة في “هزيمة الإرهاب”، وقد برزت مصطلحات مثل “مناطق التصعيد” و”أنظمة وقف إطلاق النار” بشدة في عناوين الصحف باللغة الروسية وكذلك مؤتمرات القمة الدولية المختلفة التي نظمتها “موسكو” حول سوريا، في سوتشي وأستانا وأماكن أخرى.

في خضم المذابح التي تجري على ساحة المعركة والقصف المستمر للمناطق المدنية التي يسيطر عليها المتمردون، بذلت روسيا جهداً حقيقياً في إنفاذ وقف إطلاق النار والحفاظ عليه في مناطق محددة أخرى، معظمها على طول الخطوط الأمامية بين المتمردين وقوات الحكومة السورية. في عامي 2017 و2018، تم نشر الشرطة العسكرية الروسية في المناطق المتنازع عليها. وكان القتال في تلك المناطق متجمداً في جوهره -ومن ثم تم “خفض التصعيد”- حتى يتسنى لـ”موسكو” و”دمشق” لاستئنافها. ولكن خلال فترة التوقف، كسب الجيش الروسي نوايا حسنة من السكان المحليين لإبقاء الغطاء على أي اشتباكات اندلعت.

اختارت “موسكو” الآن، بفضل هذا النجاح، سمكة أكبر بكثير لافتراسها: الدخول إلى شمال سوريا الذي يسيطر عليه الكرد في مواجهة القوات التركية التي غزت المنطقة، لكن هذا سيكون أصعب بكثير من المهام السابقة، والأهداف من المحتمل أن تكون بالكامل خارج قدرات روسيا.

بعد أسبوعين تقريبًا من بدء عملية “نبع السلام”، توسطت روسيا لوقف العملية العسكرية التركية للسيطرة على الأراضي على الحدود السورية، وتوسطت موسكو في اتفاق مع أنقرة يحدد مستقبل المنطقة. وكان من أهم بنود ذلك الاتفاق أن القوات الروسية والتركية تقوم بدوريات مشتركة في منطقة عمقها 10 كيلومترات من الحدود. ربما كانت “موسكو” تأمل في أن يؤدي هذا إلى زيادة نفوذ روسيا المباشر على المنطقة وكذلك منع الانحدار إلى الفوضى أو التمرد، كما أظهر الأسبوعان الأولان من العملية التركية.

بدأت الدوريات في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني وواجهت على الفور صعوبات. توقعت “موسكو” هذا إلى حد ما، بنشر مركبات مدرعة إضافية وكتيبة جديدة بالكامل من الشرطة العسكرية من الشيشان للقيام بهذه المهمة. ولكن في غضون أسبوع، تعرضت الدوريات الروسية والتركية للرشق بالحجارة التي ألقاها المدنيون الكرد الساخطون. بحلول منتصف نوفمبر، بدأت زجاجات المولوتوف في الظهور، وفي ذلك الوقت بدأت روسيا بالفعل في نشر طائرات هليكوبتر للقيام بدورياتهم الخاصة. وفي حالة واحدة على الأقل، ردت القوات التركية بفتح النار على المتظاهرين.

لم يزداد العنف سوءًا، لكن الإشارات الحالية ليست جيدة. يجب أن لا يكون ذلك مفاجأً، فعندما تم نشر الشرطة العسكرية في عامي 2017 و2018 في وسط وغرب سوريا، كانت البيئة مختلفة جذريًا. لقد خضع العدو بالفعل للهزائم الهائلة، مثل سقوط حلب في ديسمبر/كانون الأول 2016. لكن هذه المرة، تدخل القوات الروسية في منطقة قتال نشطة حيث بدأ الصراع فيها للتو.

لا تقدم سابقة “عفرين”، حيث احتلت القوات التركية الجيب الذي كانت تسيطر عليه وحدات حماية الشعب سابقًا بسهولة نسبية في أوائل عام 2018، أي مخطط شبيه بالوضع في المناطق التي غزتها تركيا مؤخرا، ومن المعقول توقع أن تثبت أنها مهمة أكثر صعوبة.

الأدوات الموجودة تحت تصرف “موسكو” ليست مناسبة تمامًا للتعامل مع ذلك الوضع، فعلى الرغم من أن الشرطة العسكرية كانت فعالة في الماضي، إلا أن مجرد وجودها هو الذي منع الجانبين من إعادة فتح الصراع؛ في حين لم يتم القيام بمكافحة التمرد الحقيقي أو أي عمل مشابه.

وحتى مع وجود الكتيبة الشيشانية الإضافية، فإن وجود الشرطة العسكرية الروسية في سوريا يظل أكثر بقليل من 1000 جندي (على افتراض 300 رجل لكل كتيبة وربما أربع كتائب داخل البلاد). هذه ببساطة ليست أرقامًا كافية لإجراء أي شيء أكثر من دوريات استعراض القوة، وأقل من أن يوفر أي نوع من حفظ السلام الفعال. ويتضاعف نشر “موسكو” لطائرات الهليكوبتر لمساعدة الدوريات البرية فقط على بعض الجبهات: وما لم تكن الخطة تهدف إلى تسوية المباني في قتال مدني كثيف، فإن الدعم الجوي لا يحقق الكثير في هذا المجال.

هذا يشكل معضلة بالنسبة لـ”موسكو”: ماذا يحدث إذا وعندما تندلع المواجهات بين رماة الحجارة المحليين ومجموعات الدوريات التركية/الروسية، وتتحول من مولوتوف إلى إطلاق النار؟

إن الانخراط في حملة دامية لمكافحة التمرد هو بالضبط الأمر الذي تأمل “موسكو” في تجنبه خلال تدخلها في سوريا؛ علاوة على ذلك، فإن هذا من شأنه أن ينسف بقوة العلاقات مع الكرد السوريين، الذين يأمل الكرملين بالتحالف معهم بعد توتر العلاقات مع “واشنطن”.

إن مجرد التنحي أو الانسحاب من شأنه أن يشكل خسارة كبيرة للهيبة الروسية، وهو ما يعني الاعتراف بأن موسكو ببساطة لا تملك القدرة على التحكم في الأحداث في هذا المسرح الجديد الكبير. وعلى الرغم من أن هذا ربما يكون المسار الأكثر حكمة (أو الوحيدة) القادرة على العمل، فإن تصوير روسيا كلاعب حاسم في العالم وعلى مسرح الشرق الأوسط الإقليمي كان من أبرز الأحداث.

التأثيرات التي يقودها فلاديمير بوتين وراء تدخله بالكامل، ولكن التنحي جانبا مع اندلاع الصراع سيكون تراجعا محرجا للغاية. إذا، يبدو كما لو أن “موسكو” قد استوعبت الكأس المسمومة في شمال سوريا: الآن هي متورطة على أرض الواقع، ويبدو أن لديها خيارات قليلة جيدة في التعامل مع ما سيأتي بعد ذلك. ربما سيقدم الكرد، وستكون بعض دوريات الأحياء الروتينية في الأسبوع كل ما هو مطلوب من الشرطة العسكرية الروسية. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فإن الأمور لا بد أن تكون في طريقها إلى الكثير من الفوضى.

—–

للاطلاع على النص الأصلي باللغة الإنجليزية.. اضغط هنا

ترجمة: أمنية زهران

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد