هل يشكل “قانون قيصر” والعقوبات الأمريكية الجديدة تهديداً حقيقياً على الاستراتيجية الروسية في سوريا ولبنان

في أعقاب دخول “قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا”، حيز التنفيذ، مطلع الشهر الجاري، والذي يفرض عقوبات مختلفة ومتعددة على كل طرف يتعاون مع نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، انخفضت العملة الوطنية السورية، فيما أعلن عدد قليل من المستثمرين الأجانب العاملين في البلاد تجميد أو إلغاء استثماراتهم فيها.

يشكل انهيار الاقتصاد السوري الذي تأثر بالفوضى وحالة التيه العارمة في الجارة، لبنان، تحدياً كبيراً على روسيا، التي ترعى نظام الرئيس بشار الأسد. وجاء “قانون قيصر” الذي تم تمريره في الكونجرس الأمريكي العام الماضي ليزيد من الضغوط الأخرى على النظام السوري وحلفاؤه – روسيا وإيران. كما يهدف القانون الأمريكي إلى ردع المستثمرين المحتملين – من أبو ظبي إلى بكين – من الساحة السورية.

 “قانون قيصر” يحتوي على عدد من الآثار المحتملة على سوريا ولبنان، وكذلك على سوريا وإيران

من المفترض أن يؤثر “قانون قيصر”، وبشكل مباشر، على القطاع المصرفي في لبنان، وبالنظر إلى الأزمة الاقتصادية الخانقة والانكماش الاقتصادي الذي يسود البلاد، أسرعت البنوك اللبنانية في التخلص من عملائها السوريين بإغلاق حساباتهم الشخصية، تخوفا من أن يطالها العقوبات الأمريكية. ونتيجة لذلك، فإن الكثير من المستثمرين السوريين سيغادرون لبنان، ويعودون إلى سوريا. 

بعودة هذه الاستثمارات إلى دمشق، فإن الأزمة الاقتصادية في لبنان ستزداد اختناقا، في حين أن عودة رأس المال من لبنان إلى سوريا لن يحسن بالضرورة وضع الأخيرة الاقتصادي، وتضر الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في لبنان بالمصالح الروسية، حيث تسعى موسكو لتوسيع أنشطتها البحرية والاقتصادية في لبنان أيضا، حيث تعمل في ميناء طرابلس حاليا، وتعتزم الاستثمار في تطوير حقول الغاز اللبنانية.

يفترض ألا تؤثر العقوبات الأخرى على الشركات والبنوك الروسية بالضرورة، لأن العديد منها يخضع، فعليا، لعقوبات أمريكية، حاليا، وهي العقوبات التي دخلت حيز التنفيذ بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم.

وفي سياق ذي صلة، تخشى الشركات الأجنبية التي تعمل في مجالات الطاقة والبناء والبنوك، مثل الشركات الإماراتية والبحرينية والأوروبية والصينية، من دخول الساحة السورية، بسبب انعدام الاستقرار والخوف من العقوبات الأمريكية الأخيرة.

من المهم بشكل خاص أن نلاحظ هنا أن الصين، قد وعدت، غير مرة، في العامين الماضيين، 2018 – 2019، بأنها ستساعد سوريا ولبنان على إعادة بناء وإصلاح اقتصادهما، فضلا عن التأكيد على تضمين الموانئ السورية واللبنانية في مشروع “الحزام والطريق” الصيني.

ربما لم تتخل الصين عن هذا الحلم بالنسبة لها، ولكن في الوقت الحالي سيتعين على بكين الانتظار لاختبار فعالية العقوبات الأمريكية الجديدة، وعندها ستقرر ما إذا كانت ستقفز في المياه السورية الساخنة أم لا.

  أما عن الشركات الروسية، فهي ليست في عجلة من أمرها للاستثمار في الاقتصاد السوري المنهار، وبحسب عدة تقارير، فإنها تسحب أموالا من سوريا.

وإذا كانت روسيا قد بنت سياستها على المكاسب الاقتصادية الممثلة في استعادة سوريا، فمن الواضح أن سوريا بالنسبة للروس، في هذه المرحلة، عبارة عن بئر لا نهاية له، وبأنه للحيلولة دون انهيار الاقتصاد السوري، وبدوره انهيار النظام السوري، فقد يتعين على روسيا إعادة تشكيل سياستها من جديد في المنطقة.

وفي هذا الإطار، فإنه وحتى الآن، كان الإنفاق على التدخل العسكري الروسي في سوريا متواضعا إلى حد بعيد، ولهذا السبب قام الجيش الروسي بتحويل الساحة السورية إلى ساحة لتجربة الأسلحة الروسية المتقدمة. والاستثمار المالي الكبير في الساحة السورية يتعارض مع السياسة الروسية الحالية في سوريا، ولتحقيق الفوز أو النصر العسكري وللسماح للمستثمرين الأجانب بإعادة تأهيل سوريا، فإنه على روسيا تعزيز وتوسيع نفوذها على الأرض السورية.

بعد أن نجحت روسيا في تمكين الرئيس بشار الأسد من السيطرة على معظم الأراضي السورية، وسحق المعارضة المسلحة بالكامل، فقد أنهت موسكو فعليا الفصل العسكري في الحرب الأهلية السورية، التي اندلعت، في العام 2011.

ومع ذلك، فإنه من الواضح أن الحرب في سوريا لم تنته بعد، وطالما أن حلفاء سوريا ليسوا قادرين على النهوض بالدولة وإعادة تأهيل وبناء ما تم تدميره، فإنه يمكن النفخ في الرماد الموجود تحت النار نفسها. وقد شوهدت أولى علامات هذه النار أثناء الهجوم الأخير في جنوب سوريا، في مدينتي السويداء ودرعا، حيث شارك المئات من المتظاهرين الدروز السوريين ضد الأسد وضد التدخلات الأجنبية في بلادهم من قبل كل من روسيا وإيران.

واحتج المتظاهرون الدروز بسبب عدم كفاءة الحكومة السورية في التعامل مع أزمة فيروس كورونا المستجد “كوفيد 19″، والانهيار الاقتصادي الذي أعقب فرض العقوبات الجديدة. وفي الوقت الراهن، فإن هذه الاحتجاجات أو المظاهرات الاحتجاجية لا تهدد النظام السوري. ولكن إذا استمرت أسعار الخبز والوقود كما هي في الارتفاع، والعملة السورية في الهبوط، فقد يمتد الاحتجاج إلى مدن سورية أخرى، ما يمكن القول معه، إن الحرب لم تنته بعد.

 إعادة تأهيل

كما هو معروف، من المفترض أن تبلغ تكلفة إعادة التأهيل السورية حوالي 300-400 مليار دولار. وروسيا ليست قادرة على إعادة بناء سوريا بمفردها، وليس لديها الوسائل المالية للقيام بهذه المهمة الصعبة، وكان ضعفها الاقتصادي دائما بمثابة “كعب أخيل”. فماذا ستفعل موسكو، اليوم، في الوقت الذي تبدو فيه، فعليا، وكأنها تتوسل إلى الغرب، بهدف إلغاء العقوبات التي ستضر بالتأكيد بالسوريين العاديين، وذلك بحسب كبار مسئوليها.

وقبل هذا الأمر، قد تلتزم روسيا بسياساتها الحالية تجاه سوريا؛ فالرئيس السوري، بشار الأسد، هو الرئيس “المنتخب” الذي دعا روسيا للبقاء على أرضه وهو الذي يضفي الشرعية على الوجود الروسي في سوريا، وروسيا ليست سعيدة بشأن عدم الاستقرار في سوريا، خاصة إذا تضررت مصالحها فيها. ومن ناحية أخرى، فإن روسيا تعمل في ليبيا المدمرة وليست في عجلة من أمر إعادة بنائها أو الاستثمار فيها، في الوقت الذي تنخفض فيه العملة المحلية، بالتوازي مع ارتفاع البطالة والأزمة الاقتصادية الحادة، قد تستمر روسيا في توسيع عملياتها العسكرية في سوريا، وترسيخ وجودها في مياه البحر الأبيض المتوسط.

خيار آخر أقل احتمالا الآن، وهو تغيير مهم ومؤثر في سياسة روسيا الحالية، وهي الإشارة إلى تغييرات استراتيجية في الطبقة العليا من النظام السوري واستبدال بشار الأسد بشكل آخر. وهذا الإجراء في حد ذاته لن يلغي العقوبات المنصوص عليها في “قانون قيصر”، حيث يتطلب القانون الأمريكي “الإفراج عن جميع السجناء السياسيين وحرية وصول المحققين الدوليين إلى السجون السورية، وحظر قصف المستشفيات، ومعاقبة مجرمي الحرب، وعودة اللاجئين وتعويضهم عن فقدان أقاربهم”.

إذا تم استبدال الأسد بشخصية علوية أخرى، فإن هذه الخطوة وحدها لن ترضي الحكومة الأمريكية. ولكن إذا تم استبدال الرئيس بشار الأسد بشخصية سنية، فإن السياسة الخارجية ربما لن تسمح لروسيا بالوجود المكثف والحر كما هو الحال، اليوم.

 خاتمة

إن روسيا اليوم في مفترق طرق مهم، كما هو الحال مع الأساطير الشعبية الروسية، حيث تؤدي جميع الطرق تقريبا إلى تشابك أكبر. وسيكون للسياسة الروسية تجاه سوريا تأثير كبير على لبنان أيضا، وستكون الآثار المترتبة على ذلك جيدة في منطقة الشرق الأوسط بأسرها، بما في ذلك إسرائيل. فهناك من يحلم باتفاق تقوم من خلاله روسيا بطرد إيران من سوريا، وفي المقابل تحصل سوريا على حريتها، ويحفظ من خلاله على نظام الرئيس بشار الأسد، وإعادة تأهيل سوريا من خلال المستثمرين الأجانب، فيما يبدو الواقع على الجانب الآخر من الحدود السورية، اليوم، أكثر سواداً.

–المصدر: مركز هرتسليا الإسرائيلي متعدد الاتجاهات

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد