احتلال تركيا لمدينة عفرين الكردية يستهدف النساء والأقليات

ظهرت للعلن مشاهد مُروعة في الأسبوع الماضي ، في منطقة عفرين الكردية في سوريا، مشابهة لتلك الجرائم التي كان يقوم بها تنظيم داعش ضد النساء. حيث يُصور مقطع فيديو لحظة تحرير النساء بعد احتجازهن  في سجن سري في عفرين من قبل فصيل سوري يدعمه تركيا. و قد احتلت تركيا المنطقة منذ غزو أنقرة في آذار عام 2018  .

و قد ارتكبت الفصائل السورية المتطرفة و المدعومة من قبل تركيا  انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان ، بما في ذلك التطهير العرقي ، والهجمات على الأقلية الإيزيدية، والآن تقوم بإختطاف النساء والأطفال.

اتُهمت تركيا ، وهي الدولة العضو في الناتو ، بارتكاب انتهاكات منهجية لحقوق الإنسان في كل المناطق التي تديرها في شمال سوريا . وقد دعمت فصائل ” غير منضبطة ” و “مرتزقة جهاديين” بحسب وصف مسؤول أمريكي ، و هذه الفصائل ارتكبت عمليات تطهيرً عرقيً في عفرين وكذلك بالقرب من تل أبيض ، التي غزتها تركيا في أكتوبر من عام 2019.

وقد تم تهجير أكثر من 300 ألف شخص ، معظمهم من الكُرد ، في عمليات تطهير عرقي يذكرنا بالنزاعات التي حدثت في منطقة البلقان في تسعينات القرن الماضي. قامت تركيا بشكل منهجي بإعادة توطين اللاجئين معظمهم من العرب في منازل الكرد ، رغبة منها في تأجيج التوترات بين الكرد و العرب . و في نفس الوقت كانت تشجع الفصائل المقاتلة التي تدعمها على تبني الفكر الديني المُتطرف الذي يصف الكرد بـ “الملحدين” و “الكفار”.

هذا نفس اللغة و المنهج اللذان قام تنظيم داعش باستخدامهما في حملته في عام 2014. قدم عشرات الآلاف من المنتمين لتنظيم داعش إلى سوريا عبر تركيا ثم فر المئات منهم إلى تركيا عندما هزم التحالف بقيادة الولايات المتحدة و القوات المتحالفة معه التنظيم في عام 2019. عثرت الولايات المتحدة على زعيم الجماعة الجهادية مختبئا على بعد بضعة كيلومترات من تركيا في إدلب التي تسيطر عليها أنقرة.

تفيد تقارير بأنه يتم استهداف مواطنين كرد و نساء أيزيديات في عفرين من قبل الفصائل المدعومة من  قبل تركيا ، و ذلك يجعلنا نسترجع صورا وقعت في الأمس القريب عن فكر تنظيم داعش المتمثل في اختطاف نساء الأقليات واستعبادهن. حيث قام التنظيم باستعباد الآلاف من النساء الإيزيديات  في عام 2014 في سنجار و قام ببيعهن بشكل منهجي ليتم اغتصابهن ، مما تسبب بخلق تجارة عبيد جديدة، حيث لا يزال حوالي ثلاثة آلاف منهم مفقودات ، اختطفهم تنظيم داعش في سنجار و تم تهريب بعضهم إلى تركيا وحتى إلى إدلب.

و قد دعت الإدارة الذاتية الكردية في شمال و شرق سوريا إلى إجراء تحقيق دولي في مسألة اختطاف النساء في عفرين ، وفقًا لمقال كتبه الصحفي فلاديمير فان ويلجنبرغ  في قناة كردستان 24.  و تم العثور على ما لا يقل عن ثماني نساء في عفرين في مقرات فصيل مسلح مدعوم من قبل تركيا الأسبوع الماضي.

و كان هذا الفصيل المسلح قد استولى على المكتب الأمني ​​السابق للقوات الكردية التي كانت تدير المدينة في شمال سوريا قبل عام 2018. وهذا أمر رمزي لأنه يظهر أن هذه الجماعات لديها ترخيص من الدولة و دعم الحكومة لإدارة المنطقة نيابة عنها خلال الاحتلال.

وبحسب التقارير فإن المجموعة التي قامت باحتجاز النساء بشكل غير قانوني في سجنها السري تسمى فرقة حماس. و قد طالب الكرد الأمم المتحدة والمجتمع الدولي التحقيق في الجرائم. و يشير المقال إلى أن ” النساء وقعن ضحية لمختلف انتهاكات حقوق الإنسان ، بما فيها الاغتصاب والزواج القسري”. و تؤكد تقارير أخرى أن  نسبة عدد السكان الكرد في عفرين كانت 90٪ ، حيث انخفضت إلى حوالي 30٪. و بحسب التقارير تم اختطاف مئات النساء ، فيما تبدو كحملة منهجية لخطف واخفاء النساء الكرديات و نساء الأقليات.

يقارن حاليا دور تركيا في شمال شرق سوريا بما يشبه بإنشاء غزة جديدة. ومن المفارقات أن تركيا تدين معاملة إسرائيل للفلسطينيين بينما هي ترتكب جرائم أسوأ بحق الكرد في شمال سوريا. تناقش الدول الأوروبية حاليًا كيفية النظر إلى دور تركيا: فيما إن كانت ستدعم احتلالها أو تنتقدها. و كانت تركيا قد هددت أوروبا باستخدام اللاجئين السوريين كسلاح ضدها إذا لم يبقوا هادئين.

تم الكشف عن الانتهاكات التي ارتكبها فصيل الحمزات في عفرين فقط بسبب اشتباكه مع مجموعات أخرى و من ضمنها جيش الإسلام وأحرار الشام . و قامت الجماعات التي تتلقى دعما من تركيا بمناصرة مستوطنين من أجزاء أخرى من سوريا ليستولوا على منازل الكرد ، و هذا جزء من خطة أنقرة لتوطين الجماعات الدينية الأكثر تطرفاً و من الموالين لها ، والتي قامت بتسلحيهم، و طرد الأقليات من سوريا.

لم توثق حتى الآن الأمم المتحدة والجماعات الأخرى المدافعة عن حقوق الإنسان الاتهامات الأخيرة بشان الاختطاف المنهجي للنساء واستخدام السجون السرية لاحتجازهن ، أو حتى الجرائم التي ربما تكون قد ارتُكبت بحقهن. تظهر إحدى القوائم العديد من الفتيات من الفئة العمرية ما بين 13-16 عامًا ، تم اختطاف حوالي 20 منهن منذ شهر يناير. تشمل هذه القائمة نساء من المناطق المجاورة  لسوريا ، و منهن بعض المخطوفات في إدلب ، و التي تقع تحت سيطرة تركيا أيضًا. فعلى سبيل المثال ، ورد أن الفتاة منار المهباش ، و التي تبلغ من العمر 14 عامًا ، تم اختطافها في 10 مايو على أيدي مسلحين مدعومين من تركيا.

الغاية النهائية لخطف النساء هي لإيجاد دولة إسلامية تكون يمينية متطرفة مشابهة لما كان عليه الحال في ظل تنظيم داعش حيث لم يكن بإمكان النساء المشي بمفردهن أو مغادرة منازلهن ، دون الخشية من الاعتداء والاختطاف. بالإضافة إلى ذلك ، فإن التطهير العرقي الذي يحدث بصورة بطيئة للأقليات المتبقية ، من خلال المضايقات ،الاعتداءات والاختطاف ، هي صورة مصغرة من نموذج أكبر في الشرق الأوسط حيث استهدفت الأقليات على يد الجماعات الإسلامية اليمينية المتطرفة عن طريق القصف والترهيب.

تفاصيل واقعة النساء اللواتي تم إنقاذهن الأسبوع الماضي تشمل امرأة من الطائفة الإيزيدية ورد اسمها و تدعى أرين حسن ، و التي قام فصيل الحمزات بإختطافها من قرية كيمار واحتُجزت في “الموقع الأسود ” أو السجن السري. تحدثت الناشطة الإيزيدية نادية مراد ، التي فازت بجائزة نوبل للسلام لعام 2019 لعملها في مجال مكافحة استخدام العنف الجنسي كسلاح في الحرب ، عن الجرائم في عفرين. و هي التي تم اختطافها واحتجازها من قبل تنظيم داعش قبل أن تصبح ناشطة، حيث كتبت في 29 من شهر مايو: “الميليشيات المدعومة من تركيا تقوم بهدوء بحملة تطهير عرقي ضد الإيزيديين في عفرين”.

إن ما يظهر في مقطع الفيديو المروع للنساء اللواتي يتم إنقاذهن من السجن السري في عفرين هي فقط مثال صغير للدمار الذي لحق بالمنطقة و التي كانت تعيش بسلام في السابق في سوريا. هناك منافسة بين الجماعات المدعومة من تركيا وحلفاء النظام السوري ، مثل حزب الله ، على تدمير الدولة التي مزقتها الحرب في السنوات الأخيرة ، في حين سعت الفصائل الكردية لحماية مجتمعاتها في عفرين و شرق سوريا. حصل الكرد على دعم من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة حتى أكتوبر من العام الماضي عندما تم تسليم مناطقهم إلى روسيا و النظام السوري مع انسحاب الولايات المتحدة و اضطرت قوات سوريا الديمقراطية على أثرها للقبول بصفقة.

يبدو بأن التطهير العرقي في عفرين سيستمر حتى يتبقى عدد قليل من الأقليات. كما تم تدمير وتدنيس مزارات الإيزيدية ، بطريقة مشابهة لما فعله تنظيم داعش في العراق . سيستمر استهداف النساء أيضًا ، لأنه لا توجد مجموعات قوية تمنع حدوث ذلك ​​أو أي سلطات تفرض حماية حقوق المرأة في المناطق التي تقع تحت سيطرة تركيا. سعت الاحتجاجات في عفرين في 29 مايو إلى مطالبة السلطات التركية بكبح جماح الميليشيات التي تدعمها ، لكن أنقرة لا ترغب في الدخول في عداوة مع حلفائها على الأرض.

إن التحرش والاعتداء الجنسي على النساء كسلاح حرب يعتبر من الانتهاكات الأساسية لحقوق الإنسان ، و التي سعت جائزة نوبل إلى تسليط الضوء عليها في عام 2018. لكن بعد مرور عامين ، لم يتم فعل الكثير لتعزيز هذه الرسالة ، حيث لا تزال النساء في عفرين يتم اخفائهن في السجون السرية و “المواقع السوداء “.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد