أحلام اردوغان المنهارة بأن تكون تركيا قوة عظمى تجعلها أكثر خطورة

في الأسبوع الماضي هدد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان المثير للقلاقل والفتن، باستدعاء سفيره في الإمارات وقطع العلاقات الدبلوماسية بسبب هذه “الخيانة” للفلسطينيين بعد أن علم أن إسرائيل والإمارات تعملان على تطبيع العلاقات.

لدى اردوغان أسباب وجيهة للانزعاج من الاتفاق الإسرائيلي- الإماراتي الناشئ، لكن ليس للأمر علاقة باهتمامه بحقوق الفلسطينيين بل له علاقة بطموحات تركيا المُنهارة للهيمنة الإقليمية.

يعتقد الرئيس اردوغان وأتباعه أن المكانة اللائقة لتركيا هي أن تكون قوة عالمية. فقد قال الكثير في عام 2018 عندما أخبر مؤيديه المبتهجين أنه سيركز جهوده على جعل تركيا قوة عظمى.

اعلن اردوغان هذا العام، في خطاب حول الأزمة العالمية بسبب فيروس كورونا، أن ازدهار الغرب “كان على أساس دماء ودموع وألم واستغلال بقية العالم” وهو يقترب من نهايته. وبالمثل، قال وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو والذي عينه اردوغان، في الشهر الماضي إن تركيا ستصبح قريبًا مركز الجذب في العالم.

مثل هذه الأقوال تقابلها أفعال. ففي عام 2017، دعا اردوغان إلى مراجعة معاهدة لوزان الموقعة في عام 1923، التي حددت حدود بلاده ، مشيرًا إلى أنه يرغب في رؤية تعديلات حدودية مع اليونان. في عام 2019، قال وزير الداخلية التركي صويلو إن شمال سوريا هو في الواقع جزء من الوطن التركي وفقًا للميثاق الوطني لعام 1920، وهي المنطقة التي طالبت بها القوات القومية التركية أثناء خوضها حرب الاستقلال قبل قرن.

بعد عدة تدخلات عسكرية سيطرت تركيا، مع وكلائها من الجيش الوطني السوري على مناطق مهمة من شمال سوريا حيث يشرف المسؤولون الأتراك على إدارة المنطقة، مثل المستعمرة، بتوفير البضائع التركية وخدمات الرعاية الصحية والتعليم وحتى تستخدم الليرة التركية في المعاملات التجارية.

وبالمثل، تمارس تركيا نفوذًا كبيرا على إقليم كردستان العراق، وتواصل تركيا نشرعشرات الآلاف من القوات في شمال قبرص بينما تسعى لإفشال جهود جمهورية قبرص لاستخراج الهيدروكربونات من شواطئها. أيضًا في البحر الأبيض المتوسط، تركيا دخلت في نزاع مع اليونان على المناطق الاقتصادية الخاصة باليونان، وذهبت في وقت سابق من هذا الشهر إلى حد إرسال سفينة بحرية لمرافقة سفن الأبحاث التي تستكشف المياه  والتي تطالب اليونان بملكيتها.

وقعت أنقرة اتفاقية ترسيم للحدود أحادية الجانب تطالب بالمناطق الاقتصادية الخاصة باليونان مع حكومة طرابلس المحاصرة في ليبيا، والتي تستمر بالتواجد بفضل المساعدة العسكرية التركية والمقاتلين السوريين الذي تدعهم تركيا، وبعضها قدم من المجموعات المسلحة الجهادية.

وأنشأت تركيا قواعد عسكرية في قطر والصومال، وواحدة في جزيرة سواكن السودانية على البحر الأحمر والقرن الأفريقي، حيث تنافس تركيا وقطر كل من الإمارات والسعودية لمد النفوذ.

لكن أنقرة الآن في موقف التراجع بسبب التطورات السياسية والاقتصادية التي زعزعت خططها للهيمنة الإقليمية وتوحد الدول لوقف العدوانية التركية.

بينما تمرُ السودان بمرحلة الإصلاح السياسي، فإن خطط تركيا لإنشاء قاعدة عسكرية في سواكن لم تعد مطروحة على الطاولة، وقد تحذو الخرطوم حذو الإمارات في تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

و في وقت سابق من هذا الشهر دفع التنقيب التركي في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​ بفرنسا إلى إرسال قوات حراسة بحرية تضامناً مع اليونان وقبرص، وأعرب جميع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي البالغ عددهم 27 عن تضامنهم الكامل مع الدولتين العضوين في الاتحاد الأوروبي. في وقت سابق من شهر فبراير، وبسبب أنشطتها قبالة قبرص فرضت بروكسل عقوبات على تركيا وتجميد أموال قبل الانضمام تبلغ قيمتها ملايين من اليورو. في يناير من عام 2020 ، شكلت إيطاليا وإسرائيل ومصر وقبرص واليونان منتدى إيست ميد للغاز، وفي الشهر الماضي وقعت اليونان ومصر اتفاقية بحرية خاصة بهما.

في نفس الوقت تقريبًا الذي تم فيه الكشف عن الصفقة الإسرائيلية الإماراتية ، التقى وزير الخارجية اليوناني بنظيره الإسرائيلي غابي أشكنازي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وقبل ذلك بقليل، أعلنت اسرائيل تضامنها مع اليونان. ثم أعلنت الإمارات أنها أرسلت أربع طائرات مقاتلة من طراز ف 16 للمشاركة في مناورة عسكرية مع اليونان قبالة جزيرة كريت و المقررة في 25 أغسطس.

في شرق البحر الأبيض المتوسط، يتشكل تحالف مناهض لتركيا يدعمه الاتحاد الأوروبي ودول الخليج.

على الرغم من كونها قوة كبيرة وتتمتع بجيش قوي، إلا أن تركيا ليس لديها مكان تلجأ إليه للحصول على الدعم. أثارت أنقرة غضب الغرب من خلال السعي إلى توثيق العلاقات مع موسكو، حتى أنها خاطرت بفرض عقوبات أمريكية لشراء نظام الدفاع الصاروخي الروسي س 400. ومع ذلك، في سوريا، تدعم موسكو خصم تركيا ، نظام الأسد، وفي ليبيا تقف تركيا وروسيا على جبهتين مختلفتين من الحرب الأهلية.

علاوة على ذلك، في مواجهة الضغوط المستمرة بسبب أزمة فيروس كورونا، من المتوقع أن يكون الاقتصاد التركي، الذي يعاني بالفعل من انخفاض الليرة، وعجز ميزان المدفوعات، وارتفاع معدلات البطالة، وتراجع النمو، بأن يكون الأكثر تضررًا بين مجموعة  دول العشرين الاقتصادية، مما يحد من موارد تركيا الاقتصادية لتحقيق طموحاتها الدولية.

حتى اكتشافات الغاز في منطقة البحر الأسود في تركيا و التي تم الإعلان عنها كثيرًا لا يمكنها أن تنقذ المؤشرات المقلقة للاقتصاد التركي، خاصة وأن الأمر سيستغرق سنوات واستثمارات كبيرة قبل أن يستفاد من الغاز تجاريا.

الحليف الحقيقي الوحيد لتركيا هي قطر. لكن حتى الدوحة التزمت الصمت إلى حد كبير بشأن التطورات في البحر المتوسط ​​، خاصة وأن شركة قطر للبترول المملوكة للدولة هي في اتفاق شراكة تجارية مع شركة إكسون موبيل لاستكشاف الهيدروكربون قبالة قبرص وتخطط للاستثمار في مشروع مصفاة الغاز في مصر.

لكن تركيا المحاصرة هي خطيرة، وكما يظهر من احتلالها لشمال قبرص الذي دام 46 عامًا ، فإن أنقرة مستعدة لتكبد خسائر اقتصادية كبيرة وخسائر دبلوماسية، وحتى في الأرواح، “التضحية بوجودها” على حد تعبير اردوغان في الشهر الماضي، لتصبح قوة إقليمية عظمى.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد