من السهل النظر إلى الضجة التركية الأخيرة حول فيديو جو بايدن باعتباره موقفا سياسيًا. فالفيديو المأخوذ من محادثة بين المرشح الديمقراطي للرئاسة وهيئة تحرير صحيفة النيويورك تايمز ، و الذي كان قبل ثمانية أشهر و فيه يصف بايدن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنه “مستبد” ويقترح على الولايات المتحدة أن “تشجع” خصومه على هزيمته في الانتخابات.
لكن عرض الفيديو القديم بقي حتى نهاية الأسبوع و بطريقة ما اصبح يتصدر عناوين الصحف التركية ، مما دفع إبراهيم كالين ، مدير الاتصالات في مكتب الرئيس ، للتنديد بتصريحات بايدن على تويتر باعتبارها “قائمة على الجهل المطلق والغطرسة والنفاق “.
ومما يفوق التصور و يثير الدهشة بأن الساسة و وسائل الإعلام التركية قد غفلوا لفترة طويلة عن هذا الفيديو. لكن من الممكن النظر إلى هذا الأمر على أن له علاقة باستطلاعات الرأي الأمريكية الأخيرة التي تظهر أن بايدن يتفوق بشكل كبير على الرئيس دونالد ترامب قبل مؤتمر الحزب الديمقراطي الافتراضي هذا الأسبوع في ميلووكي. برز التحدي التركي من خلال تصريحات إبراهيم كالين التي قال فيها: “ستدفعون الثمن” و التي كانت مثيرة للجدل.
مع أن غضب أنقرة مُعد و مخطط له ، لكن قلقها الأساسي في محله. لدى تركيا سبب للقلق بشأن احتمالات فوز بايدن في الثالث من شهر نوفمبر. لن يقتصر الأمر على إنهاء العلاقة الوثيقة التي أقامها أردوغان مع ترامب – حيث يقال أن مكالماته الهاتفية إلى البيت الأبيض يتم إجراؤها مباشرة إلى الرئيس الأمريكي – لكن الأمر سيتطلب من الرئيس التركي التعامل مع شخص يختلف معه في آرائه.
وفي مثل هذه الظروف ، كان العديد من قادة العالم يقللون من شأن أي اختلافات في الرأي ويركزون بدلاً من ذلك على القضايا التي يشاركونها مع المرشح الرئاسي الرئيسي. لكن هذا ليس أسلوب أردوغان. فقبل شهر من المؤتمر الجمهوري لعام 2016 ، دعا إلى إعادة تسمية أبراج ترامب في اسطنبول بسبب الإسلاموفوبيا لدى المرشح الرئاسي.
تخطى الزعيمان عدم الثقة المتبادل بينهما ، ويرجع ذلك أساسًا إلى أن مواقف ترامب بشأن القضايا التي يهتم بها أردوغان – انطلاقا من منظمة حلف شمال الأطلسي إلى سوريا وليبيا –فهي إما تحمل المدح أو قابلة للتأثير عليه بسهولة. حتى أن ترامب يعتبر نفسه الشخص الذي يحرص أردوغان على البوح له ، في حين تشير جميع الأدلة إلى عكس ذلك ، التوافق مع أنقرة على ما يرام. لكن بايدن يتبنى وجهات نظر حول تركيا وجوارها وسيكون من الصعب إقناعه.
كانت رغبة بايدن للتعبير عن رأيه بشأن تركيا مصدر إزعاج احيانا في علاقات أردوغان مع الرئيس باراك أوباما، ففي عام 2014 ، اضطر نائب الرئيس إلى إصدار اعتذار عن الإشارة إلى أن أردوغان قد اعترف بخطأ حكومته في السماح للإرهابيين بالمرور عبر تركيا في طريقهم إلى سوريا والعراق.
لكن التعاطف القديم للمرشح الديمقراطي مع الكرد في العراق وسوريا ، هو ما سيثير قلق أنقرة الأكبر ، في حال أصبح رئيساً.
كما قلت ، لدى بايدن العديد من الأفكار المُشوشة والمتهورة بشأن الشرق الأوسط ، و تجلى ذلك في اقتراحه عام 2006 بتقسيم العراق على أسس طائفية وعرقية. في الواقع ، كان هذا من شأنه أن يخلق دولة كردية على الحدود الجنوبية الشرقية لتركيا – والأمر يمثل انتهاك لحرمة لأنقرة ، التي لديها علاقات عدائية مع سكانها الكرد. (إن وجود رئيس أمريكي متعاطف مع القومية الكردية ستشكل مشكلة خطيرة ليس فقط لتركيا ، ولكن لجميع البلدان التي يتواجد فيها أقليات كردية ، مثل العراق وسوريا وإيران )
فيما يتعلق بسوريا ، ندد بايدن بخيانة ترامب للقوات الكردية التي ساعدت الولايات المتحدة في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية. و بحسب أردوغان فإن تلك القوات في سوريا هم حلفاء للإرهابيين الكرد والانفصاليين داخل تركيا وهو مصمم على القضاء عليهم. لم يرغب ترامب الوقوف في طريقه.
لكن في حديثه مع صحفي النيويورك تايمز ، أكد بايدن أنه كان سيتخذ موقف أكثر صرامة مع الزعيم التركي بشأن هذه القضية: “آخر شيء كنت سأفعله هو التنازل له فيما يتعلق بالكرد. آخر شيء على الإطلاق”.
قال بايدن الكثير في ذلك اللقاء و كان من شأنه أن يسبب انزعاج أنقرة. و انتقد توجهات تركيا العدوانية في شرق البحر المتوسط وشرائها أنظمة دفاع صاروخي روسية ، وأعرب عن قلقه بشأن الأسلحة النووية الأمريكية في قواعد الناتو الجوية التركية.
كان من الواضح تمامًا ،حتى قبل وقت طويل من نهاية الأسبوع الماضي ، أن بايدن عندما يصل للبيت الأبيض فإن أردوغان لن يحظى بتلك المعاملة التي يتوقعها و اعتاد عليها عند اجراء المكالمات الهاتفية .
تنويه: الصورة من موقع مجلة بلومبرج الأمريكية.