النزاعات العرقية وحق تقرير المصير: كردستان العراق نموذجاً..

* حسين سينو

لايخفى على أحد أن أغلب دول العالم تتكون من مجموعات أثنية ودينية مختلفة، يمكن إطلاق اسم الأقليات عليها. فلا يخلو أي مجتمع من وجود أقليات فيه. وقلما يكون الجميع على دين واحد أو قومية واحدة، أو تكون اللغة واحدة. وتترجح أوضاع هذه الأقليات حسب الأنظمة الموجودة فيها، فإذا كانت هذه الأنظمة تؤمن بالديمقراطية ومبادئها، سوف تنعم الأقليات في تلك البلاد بالحرية والمساواة، وإذا كانت استبدادية وديكتاتورية، كحال الأنظمة مع الأقليات في معظم دول الشرق وبالأخص العربية منها، فانها ستتعرض إلى الكثير من المظالم، وعدم المساواة من قبل السلطات الحاكمة. وعليه فان عدم المساواة والاجحاف بحق ابناء الأقليات يكون السبب الأساسي الذي يكمن وراء الخلل وعدم الاستقرار في المجتمع.

لاتتعرض هذه الأقليات فقط إلى الاضطهاد والظلم من قبل الأنظمة الحاكمة، بل وفي الكثير من الأحيان تتعرض إلى ظلم من المجتمع أيضاً. أن المجتمع يتعرض بأكمله إلى الظلم والقمع من قبل السلطة الحاكمة، ولكن حصة الأقليات تكون حصة الأسد من هذا الظلم. ونتيجة هذا الظلم والاضطهاد والتمييز العنصري أو المذهبي أو الديني الذي تتعرض له الأقلية في المجتمع، تشعر هذه الأقلية بأن لها وضع أقل من وضع الجماعة المسيطرة، وليس لها تلك الحقوق التي تتمتع بها الجماعة الحاكمة. وهذا مايدفعها إلى التضامن والتفاعل فيما بينها من أجل المطالبة بحقوقها في المجتمع الذي تتواجد فيه، والمطالبة بالحكم الذاتي الذي يضمن لها الحقوق والحريات ويحفظ كرامة أبنائها.

وسوف نتطرق في هذا البحث إلى احدى مشاكل الأقليات في دولة من دول الشرق الأوسط، وهي العراق. إنها مشكلة الشعب الكردي الموجود ضمن حدود الدولة العراقية الحالية، آخذين بالاعتبار تاريخ الكرد طويل، وفيه شيء من التعقيد. أن ما سنذكره لا يعدو كونه سوى لمحة سريعة عن الكرد والمشاكل التي تعرضوا لها في الجزء العراقي من الجغرافية التي قسموا فيها.

ليس بخاف على أحد بأن المشكلة الكردية موجودة، ويعاني الشعب الكردي منذ القدم، حيث أن الكرد هم من القوميات الكبيرة التي لاتمتلك دولة خاصة بها، وليس للكرد كيان سياسي مستقل معترف به من قبل المجتمع الدولي. ان المشكلة الكردية قديمة، وتعود بجذورها إلى ماقبل الإسلام بقرون. فبعد سقوط الامبراطورية الميدية على يد الفرس، تعرض الكرد إلى الاستبداد من قبل الآخرين، حتى مجيء العثمانيين، وحتى الوقت الراهن، حيث مايزالون يعاون من الاضطهاد والقمع ومصادرة الحقوق والحريات ونفي الهوية القومية والادارة الذاتية لمناطقهم.

أولاً: الكرد وتعريف الأقلية:

ان تعريف مصطلح (الأقلية) تعني مجموعة بشرية تتميز عن المجموعات التي تعيش معها، وتختلف عنها تاريخياً أو دينياً أو ثقافياً. وكحال الكثير من المصطلحات فانه لايوجد اتفاق بين الباحثين والكتّاب حول تعريف موحد للأقلية، فسعد الدين إبراهيم يذكر البعض من التعريفات للأقلية في كتابه (تأملات في مسألة الأقليات) ومن ضمنها التعريف المأخوذ من الموسوعة الدولية للعلوم الاجتماعية، والذي يقول: بأن الأقلية هي ” جماعة من الأفراد يتميزون عن بقية أفراد المجتمع عرقياً أو دينياً أو لغوياً، وهم يعانون من نقص نسبي في القوة، ومن ثم يخضعون لبعض أنواع الأستبداد والإضظهاد والمعاملة التمييزية” ().

في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي أعتمد بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المرقم 2200 والمؤرخ في 16 ديسمبر 1966 م، وفي المادة 27 منه جاء : ” لايجوز في الدول التي توجد فيها أقليات أثنية أو دينية أو لغوية أن يحرم الأشخاص المنتسبون إلى الأقليات من حق التمتع بثقافتهم الخاصة أو المجاهرة بدينهم، وإقامة شعائرهم أو استخدام لغتهم بالاشتراك مع الأعضاء الآخرين في جماعتهم، ولكن الكثير من الدول تنكر على هذه الجماعات حقوقها الدينية وممارسة حرياتها التي نصت عليها العهد الدولي”.

وتعرّف الموسوعة الأمريكية الأقلية بانها: ” جماعات لها وضع اجتماعي داخل المجتمع أقل من وضع الجماعات المسيطرة في المجتمع نفسه، وتمتلك قدراً أقل من القوة والنفوذ، وتمارس عدداً أقل من الحقوق مقارنة بالجماعات المسيطرة في المجتمع، وغالباً مايحرم أفراد الأقليات من الاستمتاع الكافي بامتيازات مواطني الدرجة الأولى”. ().

اما اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة فتعرّف الأقليات بانها ” جماعات متوطنة في المجتمع تتمتع بتقاليد خاصة وخصائص إثنية أو دينية أو لغوية معينة تختلف بشكل واضح عن تلك الموجودة لدى بقية السكان في مجتمع ما وترغب في دوام المحافظة عليها.

ومن مظاهر التمييز التي تتعرض لها الأقليات:

1-عدم احترام السلطة الحاكمة لمعتقداتها ومقدساتها.

2-عدم اعتراف السلطات بثقافتها ولغتها الخاصة، والعبث بتراثها والاعتداء على مقر عباداتها.

3-حرمانها من أهم حقوق المواطنة، وهي المشاركة الحقيقية في إدارة الشؤون السياسية للبلاد، وحرمانها من شغل المناصب العليا في الدولة أو الترشح لرئاستها بالإضافة إلى الكثير من أساليب التهميش الأخرى وطمس الهوية وتجاهل الذاتية ” ().

والرئيس الليبي السابق معمر القذافي كان من القادة القلائل الذين طالبوا بان يكون للكرد دولة مستقلة تشمل كل أجزاء كردستان، في العراق وتركيا وإيران وسوريا. ففي 20.3.1985 م وفي مقابلة مع جريدة (السفير) اللبنانية قال القذافي: ” الأكراد يجب أن يكونوا أمة كردستانية في تلك المنطقة، وتكون هذه الأمة شقيقة للأمة العربية وللأمة التركية وللأمة الفارسية، وتاخذ مكانها على قدم المساواة مع هذه الأمم ” ().

والكرد شعب جار عليه الزمان والإنسان معاً، فتعرض للظلم والإضطهاد من قبل الآخرين في جميع الأماكن التي يقطنونها. هذا الشعب الذي يتجاوز عدد أفراده ال 40 مليون نسمة، والذي يجمعه العوامل التي تؤهله أن يكون له دولته المستقلة، ويمارس حقوقه وحرياته على أرضه التاريخية، إلا أن الدول التي تحتل أرضه لاتعترف بهذا الحق، وتحارب الكرد وتزج بهم في السجون، وتمارس هذه الدول ضد هذا الشعب كل الوسائل القمعية واللإنسانية ليس لشيء، وإنما لأنه يطالب أن يعيش وينعم بحريته في ظل الدولة الخاصة به على أرضه التاريخية التي تم تقسيمها بين عدة دول.

أن مصطلح (كردستان) يطلق على المنطقة التي يسكن فيها الشعب الكردي، حيث يقصد بها بلاد الكرد. هذه المنطقة، ومن سوء حظها، تقع في منطقة الشرق الأوسط، التي تمتاز بالانتهاكات في مجال حقوق الإنسان وكرامته،. وتبلغ مساحة كردستان حوالي 500000 كم مربع ويبلغ عدد سكانها حوالي 40 مليون نسمة. لقد تم تقسيم كردستان من خلال اتفاقية (سايكس وبيكو) التي تمت بين فرنسا وبريطانيا بعد حرب العالمية الأولى، فوقعت كردستان تحت سيطرة كل من سوريا وتركيا زإيران والعراق نتيجة تلك الإتفاقية المشؤومة.

وعن أصل الكرد هناك بعض الفرضيات التي تفسر أصل الكرد: حيث تطرق الكثير من الباحثين إلى هذا الموضوع، فمنهم من قال بأن ” الكرد يعودون بأصولهم إلى الكردوخيين الذين سكنوا منطقة كردستان، ويعتقد بأنهم أجداد الأكراد” (). وهناك من يقول بأن ” الأكراد يعودون بأصلهم إلى أكراد ميديا، الذين سكنوا المنطقة منذ الألف الثاني قبل الميلاد، حيث كانت لهم امبراطورية من 665-633 قبل الميلاد، ويذكر مازن بلال في مؤلفه ( المسالة الكردية، الوهم والحقيقة)، في الصفحة 47 أن كردستان هو الموطن للسلالة البشرية الثانية، وموضع انتشارها إلى الجهات الأخرى، كان يسكنها في فجر التاريخ شعوب جبال زاغروس، وتتألف من شعوب لولو وكوتي وخالدي وهوري ” ().

ومن النظريات التي تتحدث عن أصل الكرد، نظرية الدكتور سافراستيان الذي يربط الكرد بشعب كوتو الذي عاش في مملكة (كوتيام) الواقعة على الضفة الشرقية من نهر دجلة بين نهر الزاب الصغير ونهر ديالي. ونظرية أخرى تربط الكرد بالاكريتي، وهم قوم كانوا يعيشون في المنطقة الجبلية غربي بحيرة وآن، وتفرقوا بصورة واسعة في البلاد مابين إيران وميديا. ويعتقد أن كلمة كيرتي تطورت إلى كورتو أو كوردو ().

في الحين يرى البعض من المؤرخين العرب مثل المسعودي بان الكرد ” من أصل عربي انفصلوا مع الغساسنة عن العرب في حادثة إنهيار سد مأرب لخلاف حدث فيما بينهم، وأعتصموا بالجبال والوهاد. ويقول بأنهم يرجعون إلى ربيعة بن نزار بن بكر بن وائل أو مضر بن نزار بن معاد، وهي قبيلة كانت تقطن ديار ربيعة من منطقة الموصل أو ديار مضر منطقة الرقة، وأفرادها من أبناء كرد بن مرد بن صعصعة بن هوزان” ().

ويذكر الكاتب نبيل زكي في مؤلفه (الأكراد الأساطير والثورات والحروب) في الصفحة 23 منه بأنه ” هناك أتفاق بين الكثير من الباحثين على أن الكرد هم السكان الأصليون لجبال آسيا الصغرى، وأن عاداتهم تؤكد ذلك، ويتابع والأرجح أنهم ينتمون إلى المجموعة الآرية، وأنهم نتجوا من التزاوج بين سكان جبال زاغروس الأصليين والموجات الأولى التي أكتسحت منطقتهم. ويتابع الكاتب بأن غالبية الباحثين يرون بأن أصول الشعب الكردي الحالي ترجع إلى آلاف من السنين، وربما تكون بداية الهجرات التي شكلت الجماعات البشرية في كردستان قد حدثت قبل الميلاد بعشرين قرن. ويقول الباحث الروسي البروفسور فلاديمير مينورسكي في كتابه (الأكراد ملاحظات وإنطباعات)، الذي تم نشره سنة 1915م : بأنه من المحتمل أن يكون الشعب الكردي قد هاجر في الأصل من الشرق: شرق إيران إلى الغرب كردستان الحالية وأستوطن بها منذ فجر التاريخ. وهذا لايمنع أنه كان قبل قدوم هذا الشعب المهاجر هناك في كردستان الوسطى وجود أقوام أو قوم يعيش تحت أي أسم مشابه لأسم الوافد مثل قوم كاردو، فأختلط الشعب الوافد بهؤلاء القوم، وأندمجوا مع البعض وصاروا أمة واحدة على مر الأيام ().

ويمتاز الإنسان الكردي بالكثير من المميزات: فهو بطبعه وفي ومخلص لبني قومه، ومحب للطبيعة بما تحتويه من أنهار وجبال ووديان، وهومحب للغناء والأناشيد. وفي الجانب الإنساني: نراه أب حنون يعطف على الصغير، ويحترم الكبير، ويتميز بالاخلاص لزوجته وأولاده.

ويتحدث أبناء الشعب الكردي اللغة الكردية، وهي لغة ذات جذور آرية وتنسب إلى فصيلة اللغات الهندو أوروبية. وتستخدم الحروف العربية في الكتابة في القسم الموجود في العراق، بينما تستخدم الحروف اللاتينية في القسم الموجود في سوريا وتركيا. ويقال بأنه وقبل الغزو الإسلامي أو مايسمى في العرف الإسلامي ب”الفتوحات الإسلامية”، كان جميع الكرد يكتبون من اليسار إلى اليمين، وبعد ذلك أدخلت الحروف العربية التي تكتب من اليمين إلى اليسار. واللغة الكردية مثلها مثل بقية اللغات لها لهجات محلية مثل:

1- اللهجة الكورمانجية الشمالية: ويتحدث بها الكرد في كل من تركيا وسوريا وجورجيا وشيخان وسنجار.

2- اللهجة الزازاكية: ويتكلمها الكرد في كل من ديرسم وبالو وبيران وبيجار ومعدن وسيويرك وكنج.

3- اللهجة السورانية: ويتحدث بها الكرد في السليمانية وأربيل وكركوك والمناطق التي تقع في القسم الشرقي من كردستان (ايران).

4- اللهجة الكورانية والهورامانية.

والقضية الكردية بدأت تظهر بشكل واضح عندما قامت الحرب بين العثمانيين والصفويين في معركة جالديران سنة 1514م ، فقد قامت هذه الحرب بسبب تقسيم كردستان بين تلك الدولتين. في ذلك الوقت كانت هناك إمارات كردية مستقلة في كردستان. فقد قام العلامة إدريس البدليسي، والذي كان له دور كبير في استمالة الكرد إلى جانب الدولة العثمانية، بعقد عقد إتفاقية مع أمراء الكرد، حيث اعترفت الدولة العثمانية بسيادة هذه الامارات على كردستان. وأثناء الاحتلال العثماني للمنطقة قامت ثورات كردية في مواجهة السلطنة، ومع الأسف لم تصل هذه الثورات الى الأهداف التي قامت من أجلها، فالشعب لم يكن مستعدا في ذلك الوقت ومنظما بالشكل المطلوب، وكان التخلف الاقتصادي والثقافي سائدا آنذاك، والمدارك السياسية لتلك القيادات التي كانت تقود الشعب لم تكن على الدراية بالعوامل والظروف التي تحيط بها.

ثانيا: الكرد في العراق:

يتميز العراق بوجود الكثير من الأطياف الدينية والقومية والمذهبية، حيث سكنت هذه الأقوام المنطقة منذ آلاف السنين، وكانت تتعايش مع بعضها البعض على الرغم من اختلافها في الكثير من العقائد والعادات، فلم تكن هذه الاختلافات عقبة في وجه التعايش جنباً إلى جنب.

العراق حاله كحال الدول العربية الأخرى تم احتلاله من قبل الدولة العثمانية، وبذلك احتل العثمانيون المناطق الكردية أيضاً. والكرد تصدوا لهم وقاموا بالعديد من الثورات ومنها في عامي 1837م و1880م. وبعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى أرّاد زعماء الكرد في ذلك الوقت الاستفادة من الوضع، والمطالبة بالحكم الذاتي لهم، وقد تلقوا الوعود بذلك إلا أن هذه الوعود ذهبت أدراج الرياح، فالوعد الذي أعطته السلطات البريطانية لهم بمنحهم الحكم الذاتي في ظل دولة العراق سنة 1922 م، حيث عينت الشيخ محمود الحفيد حاكماً للسليمانية من جديد بعدما تم عزله سنة 1919 م من قبلهم ().

ومنذ ذلك الوقت بدأت القضية الكردية تأخذ منحاها، ففي سنة 1926م أقرت الحكومة العراقية بأن الموظفين الكبار في المنطقة الكردية سوف يكونون من الكرد، وأن اللغتين العربية والكردية سوف تكونان اللغتان الرسميتان في تلك المنطقة، إلا أن هذه الوعود مثلها مثل الوعود الأخرى، ظلت حبرا على ورق.

عندما عقدت الاتفاقية الانكلو ـ العراقية سنة 1930م من أجل إنهاء الإنتداب البريطاني على العراق، خاب ظن الكرد مرة أخرى، فلم تنص هذه الاتفاقية على حقوق الكرد، لذلك قامت المظاهرات في العديد من المناطق الكردية، وخصوصاً في السليمانية. ونتيجة ذلك تم نفي الشيخ محمود الحفيد إلى جنوب العراق. وفي هذه المعمعة ظهر الملا مصطفى برزاني، وهوشقيق القائد العشائري لعشيرة البرزاني الشيخ أحمد البرزاني، و ” يعتبر الشيخ أحمد البرزاني أول رائد لحركة التحرر الكردية في العراق في مقتبل القرن العشرين، وكان الشيخ أحمد يتمتع بمركز ديني واجتماعي كبير بين أبناء الشعب الكردي، أهله لكي يقود الحركة الكردية في البداية، فقد قام الشيخ سنة 1907م بتقديم عدة مطالب للحكومة العثمانية، ولكنها رفضت هذه المطالب وأعتقلت الشيخ وأرسلته إلى السجن في بدليس بكردستان الشمالية، حيث بقي في السجن حتى وفاته ().

وبعد وفاة الشيخ أحمد تولى الشيخ عبد السلام أكبر ابنائه راية النضال من أجل تحقيق مطالب الشعب الكردي في العراق. بادر الشيخ عبد السلام إلى إقامة شبكة من العلاقات مع العديد من المنظمات والشخصيات الكردية البارزة لتكثيف الجهود من أجل تحقيق آمال الكرد، وكان من بين المنظمات التي جرى الإتصال بها ( جمعية تعالي وترقي الكرد، جمعية هيفي، وجمعية استيقاظ الكورد) ومن بين الشخصيات الكردية البارزة كان كل من ( الشيخ محمود الحفيد البرزنجي، الشيخ عبدالقادر النهري واسماعيل أغا سمكو)، كما بادر بتقديم مذكرة للحكومة العثمانية بمطالب تتعلق بالحقوق القومية للشعب الكردي، تضمن البنود التالية:

1- جعل اللغة الكردية اللغة الرسمية في كردستان.

2- جعل التعليم باللغة الكردية وضرورة فتح المدارس الكافية.

3- تعيين رجال الإدارة في المنطقة الكردية من المواطنين الكرد.

لكن الرد من جانب الحكومة العثمانية على تحركات الشيخ عبد السلام ومذكرته المتعلقة بتلك المطالب جاء سريعاً بتجهيز حملة عسكرية نحو منطقة بارزان، عمل فيها الجيش العثماني قتلاً وتخريباً وتدميراً وحرقاً، وتم اعتقال الشيخ عبد السلام في سجن الموصل. كما تم اعتقال زوجته وطفله البالغ 3 سنوات مصطفى البرزاني الذي أصبح قائد للحركة الكردية في العراق فيما بعد، ثم قامت الحكومة العثمانية باعدام الشيخ عبد السلام سنة 1915 م. و” على أثر أعتقال وإعدام الشيخ عبدالسلام تولى أخوه الأكبر أحمد البرزاني الزعامة وقيادة حركة التحرر الكردية، وشارك الشيخ أحمد في الثورة الكردية التي قادها الشيخ محمود الحفيد ضد الانكليز عام 1919م، وكان له الدور الكبير في تاريخ الحركة الكردية، حيث قاد الثورة بعد أن عجزت عن تلبية المطالب الكردية المتعلقة بالحقوق المدنية ().

واستمر الكرد في القيام بالمظاهرات ضد الحكومة، فقامت الحكومة بمحاربتهم بضراوة وأجبر قادة الكرد على الإقامة الجبرية في السليمانية سنة 1936 م، وأثناء ذلك كان هناك احتكاك بين البرزاني والكتَاب الكرد، حيث كانوا يشكلون الحزب السري ( الأمل) 1939م، ثم شكلت منظمات شيوعية في البعض من المدن الكردية من أجل المطالبة بحقوق الكرد.

بعد هروب البرزاني من السليمانية والعودة إلى منطقته، بدأ نشاطه القومي من هناك فقام بالثورة، وكذلك كان له إتصال مع السفير البريطاني في بغداد أثناء فترة الاحتلال البريطاني للعراق من أجل كسب الدعم الانكليزي في إقامة الحكم الذاتي للكرد في منطقتهم. على هذا الأساس طلب السفير الانكليزي من نوري السعيد الاتصال بالزعامات الكردية من أجل حل هذه المسألة، إلا أن السعيد رفض ذلك. ثم قامت الحكومة العراقية بمحاربة الكرد، فلجأ قادة الكرد مع مقاتليهم إلى جمهورية مهاباد في كردستان إيران، وبدأ الكرد نشاطهم من هناك، حيث أنضم لهم قاضي محمد فأسسوا سنة 1945م الحزب الكردي الديمقراطي، وبعد انضمام البرزاني وقواته للقاضي محمد، تم اعلان قيام جمهورية مهاباد في كردستان إيران بتاريخ 22 كانون الثاني سنة 1946م، ولكن هذه الجمهورية لم تدم طويلاً، حيث شن الجيش الإيراني عليها الحرب. وفي 13 أذار 1947 أعدم القاضي محمد مع أثنين من أتباعه. و أضطر البرزاني مع مقاتليه إلى الهجرة إلى الاتحاد السوفياتي السابق، وبقوا هناك حتى قيام ثورة تموز 1958م.

بعد قيام الثورة في تموز 1958م من قبل الضباط الأحرار في العراق، رحب الكرد بذلك ظناً منهم بأنهم سوف يمنحونهم الحقوق التي يطالبون بها. فقد كان للكرد علاقة مع الضباط، وأعلن الدستور المؤقت الذي نص على أن الكرد والعرب شركاء في الوطن العراقي، ولهم حقوق مضمونة في هذا الوطن. ثم طُلب من البرزاني العودة إلى العراق، فارسل إبراهيم أحمد مع جوازات سفر لكل من الملا وثلاثة من رفاقه وعادوا من المنفى. ثم أصبحت العلاقات بين الجانبين الكردي والعراقي بين مد وجذر، حتى بين زعماء الكرد أنفسهم، فمنهم من كان يستمد قوته من العشائر، ومنهم من كان يستمدها من المدن الأكثر حضارة من الريف. وفي عام 1959 م أصدرت أول جريدة كردية يومية بعنوان ( خه بات)، إلا أن الخلافات دبت بين الأطراف الكردية وبين عبد الكريم قاسم ومؤيديه الذين اتهموه بأن لهم مواقفا “مرنة” تجاه الكرد.

بعد سقوط قاسم واستلام عبد الرحمن عارف الحكم سنة 1966 م، ظن الكرد بانه يمكن أن يمنحوا الحكم الذاتي من جماعة عارف، ولكن حكومة عارف كانت منشغلة من أجل تثبيت أقدامها في السلطة، وكذلك مؤيدي هذه السلطة كانوا يؤمنون بالوحدة العربية القائمة على أساس القومية العربية، فالمشروع الكردي في نظرهم كان ينافي مشروعهم القومي، وكانوا يظنون بأن منح الكرد حقوقهم والاعتراف بهم سوف يؤدي إلى الانقسام والتجزئة، فذهبت آمال الكرد مرة أخرى أدراج الرياح، وبعد فشل المفاوضات مع الحكومة العراقية ( كان من جانب الكرد كل من جلال الطالباني وصالح اليوسف) هدد البرزاني بمواصلة القتال، فتواصلت المفاوضات بين الكرد والحكومة العراقية بشكل متقطع، إلى أن اندلعت الحرب بينهما في حزيران سنة 1963م.

كذلك ظهرت الانقسامات بين صفوف الكرد، حيث أتصل عارف بالبرزاني من أجل وقف القتال، مما حدا بكل من إبراهيم أحمد وجلال الطالباني إلى إدانة هذا الاتفاق، وأعتبروه خيانة من جانب البرزاني بحق القضية الكردية، إلا أن الاتفاقية التي أبرمها عارف مع الكرد لم تكن سوى مناورة لكسب الوقت لتنظيم الجيش وجمعه، فاندلعت الحرب بينهما من جديد، ونتيجة ذلك ترك الكرد خلافاتهم جانباً وحاربوا معاً. ففي أيار 1966 م حققت القوات الكردية نصرا على القوات العراقية، وبعد ذلك صرح رئيس الوزراء العراقي عبد الرحمن البزاز بانه مستعد للإعتراف بالقومية الكردية وبحقوق الشعب الكردي القومية.

وخلال استلام حزب “البعث” الحكم في العراق كانت دائماً هناك وعود تعطى للكرد من قبل القادة في العراق، ومنها عندما وعد سعدون غيدان ( مجلس قيادة الثورة بين 1969-1971 م) في خطبة له في أربيل بمنح الكرد الحكم الذاتي في مناطقهم. وفي عام 1969 م قام الجيش بمذبحة في قريتي (داكان) و(سورا). وفي البداية كان للبعث علاقات مع جناج جلال الطالباني، ولكن القادة في “البعث” رأوا بأن الوصول إلى الحل يكون بالاتفاق مع جناح البرزاني وليس مع غيره ().

وفي عام 1970م جرت مباحثات بين الحكومة العراقية والكرد، ومثلّ الجانب الكردي محمود عثمان، ومن طرف الحكومة كان صدام حسين الذي ترك التفاصيل فيما بعد لغيره. ونتيجة ذلك أصدر بيان أقر فيه بشرعية وجود القومية الكردية وحقها في المشاركة في الحكم، والالتزام بالحقوق الثقافية، بالإضافة إلى بنود أخرى تم الاتفاق عليها. وكانت هناك لقاءات مستمرة على مستوى القيادات بين الطرفين، وطبعت كتب المدارس في المناطق الكردية باللغة الكردية. وفي تموز 1970 م، أصدر الدستور المؤقت الذي أقرّ بأن اللغة الكردية هي اللغة الرسمية في المناطق الكردية، وأية منطقة يكون غالبية سكانها من الكرد سيمنحون الحكم الذاتي، ولكن بدأت الخلافات تظهر من جديد، فالبرزاني كان يريد أن تكون كركوك مركز الحكومة الكردية، في حين كانت الحكومة المركزية ترغب أن تكون أربيل كذلك. ثم رفض “البعث” في أيلول 1970 م تعيين مرشح الحزب الديمقراطي الكردي حبيب كريم لمنصب نائب رئيس الجمهورية، وبعد هذا الرفض جرت محاولة اغتيال أبن ادريس البرزاني، ونتيجة الكثير من الأحداث وعدم الوفاء بالوعود التي كانت تقرها الحكومة أيقن الكرد بأن الحكومة المركزية لاتود تحقيق ماتقوله وتوعد به، وأنما تبتغي كسب الوقت من أجل اضعاف الحركة الكردية. كما أن الحكومة العراقية قامت بنقل العرب إلى كركوك، وازدادت الشكوك اتجاه النظام بعد طرد العديد من العوائل الكردية إلى إيران. وبعد ذلك استأنف البرزاني العلاقة مع إيران التي قطعها بعد بيان آذار 1970 م، كما أجبر الكثير من الإيزيديين في سنجار على ترك منازلهم وتم توطين العرب بدلاً عنهم.

منذ عام 1973-1974 م كانت تجري مباحثات بين الكرد وقياديي “البعث” إلا أن الحزب الحاكم لم يكن يعير أي إهتمام للمقترحات المقدمة من الحزب الديمقراطي الكردي. وقامت الحرب بين الجيش العراقي والكرد، وكانت نهاية القتال في آذار 1975 م، بعد سقوط الكثير من الضحايا من الجانبين. طبق النظام العراقي في آذار عام 1974 م الحكم الذاتي، وأستثنى منه جبال سنجار وكركوك ومنطقة كفري والمنطقة الواقعة بين عقرة والموصل. الحكومة كانت تقوم بالتهجير القسري للسكان وتجمعهم في مجمعات.

دمرت حوالي 1400 قرية كردية ونقل أكثر من 600 ألف من مناطقهم، وتم نقلهم إلى مخيمات وعيّن ابن عم صدام علي حسن المجيد الملقب بالكيماوي في شمال العراق والذي أرتكب الكثير من المجازر بحق الكرد.

وجاءت (حملات الأنفال) وهي أبشع العمليات والمجازر التي أرتكبت بحق الإنسان في تاريخ البشرية، وأسفرت عن مقتل أكثر من 180 ألف مدني كردي. لقد أرتكبت هذه بحق الكرد في كردستان العراق، وكان هدفها هو سلخ الإنسان الكردي عن أرضه وتاريخه وقوميته. كما أن الحكومة العراقية استخدمت الأسلحة الكيمياوية ضد الكرد في مدينة حلبجة وذلك عام 1988 م، فقد ذهب ضحية ذلك حوالي 8000 كردي، وكذلك قامت الحكومة العراقية بجمع الكرد في مجمعات قسرية، وأجبرت الحكومة العراقية سكان مناطق سنجار وكركوك على ترك قراهم وأسكنت مواطنين عرب عوضاً عنهم.

بعد الإنتفاضة التي قام بها الكرد ضد النظام العراقي سنة 1991 م طلب النظام من الكرد الساكنين في المناطق التي تقع تحت سيطرته أما الهجرة إلى جنوب العراق، وبذلك يسمح لهم بأخذ أموالهم وممتلكاتهم معهم أو الرحيل إلى المناطق الكردية، وفي هذه الحالة لايسمح لهم بنقل ممتلكاتهم وأموالهم. كما أجبر النظام العراقي الكثير من الكرد على تغيير قوميتهم إلى العربية.

بعد حرب الخليج الثانية 1991 م، أي حرب تحرير الكويت وهزيمة النظام العراقي، عادت الحزبان الكرديان الكبيران ( الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني) إلى النشاط، وبدءا بتشكيل إدارة ذاتية بعد انسحاب القوات العراقية من أجزاء واسعة من اقليم كردستان. لقد عاش الشعب الكردي في أقليم كردستان العراق عصره الذهبي في فترة التسعينات عندما كانت هناك منطقة حظر الطيران، فكان الحكم الذاتي للكرد دون خانقين وكركوك ومندلي، لذلك توجه كل من مسعود البرزاني وجلال الطالباني إلى بغداد من أجل المطالبة بضم المناطق المذكورة لكردستان العراق، إلا أن المفاوضات لم تنجح. وتضامن الحزبان الكرديان، وشكلا قيادة واحدة فيما بينهما في أيار 1992 م، إلا أن المحسوبية والخطوات الأحادية الجانب التي كان يقوم بها كل حزب من جانبه إدت إلى ظهور الخلافات بينهما لتنتهي بالحرب بينهما. وفي صيف 1996 م لجأ مسعود البرزاني إلى حكومة بغداد لطلب التدخل العسكري ضد غريمه، في الحين الذي طلب فيه الطالباني المساعدة من إيران. وهكذا لجأ كل واحد من الحزبين الكرديين إلى الخصم من أجل محاربة شقيقه. وقتل الآلاف في الحرب الداخلية الكردية.

وبعدها كان الإتفاق بينهما من أجل تقسيم السلطة ، كل منهما في منطقته. ودامت الحال إلى عام 1998 م.

بالإضافة إلى القتل والتشريد قامت الحكومة العراقية بالكثير من المجازر بحق الكرد ومنها:

– مجزرة سنة 1996 م في صوريا.

– مجزرة قلعة دزة في 1974 م.

– مجزرة مخيم زبوة للاجئين الكرد في إيران في 9 حزيران 1985م.

– في 15 أبريل 1987 م تم إلقاء الاسلحة الكيماوية على عدة قرى( هه لان، به ركه لو، كانيو، جنارا، ئاوازه، سه روانوتوليكه، شيخ وسان، زه ني، خاتي، قيزله ر، توتمه، بالإضافة إلى قرى أخرى.

– مجزرة حلبجة في 1988 م، وكان ضحيتها حوالي 5000 كردي.

– قصف قرى منطقة (جمه ريزان وقه لاشيره وكه كه رجينان) في 1989 م.

وفي 12.6.2006 انتخب مسعود البرزاني من قبل المجلس الوطني لكردستان العراق بالاجماع كأول رئيس منتخب لأقليم كردستان. قبل سقوط بغداد كانت هناك حكومتان كرديتان واحدة في السليمانية بقيادة الاتحاد الوطني الكردستاني، وكان لها علاقات مع إيران، والثانية كانت تتمركز في أربيل بقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني، وتتمتع بعلاقات جيدة مع تركيا ومع الحكومة المركزية. وتميزت العلاقات بين الحزبين الكبيرين بالتوتر وعدم الثقة، وهو الأمر الذي أدى إلى اندلاع مواجهات واستخدام القوة ضد بعضهما البعض، و الاستعانة بالقوى الخارجية، حيث نشبت معارك بينهما في (1994، 1996 وفي 2000).

قبل سقوط بغداد تخلى الحزبان عن خلافاتهما وشكلا قيادة مشتركة. وبعد السقوط اًصبح مسعود البرزاني وجلال الطالباني مع 3 آخرين ضمن تشكيلة (مجلس الحكم العراقي الانتقالي). هذه كانت الفرصة الأولى التي سنحت للكرد في اثبات وجودهم في العراق من خلال المجلس الانتقالي، ومن خلال الدستور العراقي الدائم 2005 م. هذا الدستور الذي أقرّ بأن العراق دولة فيدرالية، وبأنه للكرد الحق في الحكم الذاتي، والإعتراف باللغة الكردية كلغة رسمية ثانية في العراق بعد العربية، والاعتراف بالوضع السياسي الذي عاشه الاقليم، وكذلك حصل الكرد على الوزارات المهمة في الحكومة المركزية، بالإضافة إلى رئاسة العراق ممثلا بجلال الطالباني، الذي تم اختياره في شهر نيسان 2005 م كرئيس للعراق في الحكومة الانتقالية. وتم ذلك في الانتخابات التي جرت في كانون الثاني من عام 2005 ورشح مرة ثانية لأربع سنوات في 22 أبريل 2006 م. ويٌعتبر الطالباني أول رئيس كردي يستلم السلطة في العراق، واستلم القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني هوشيار زيباري وزارة الخارجية في الحكومة المؤقتة عام 2004 م، وفي الحكومة الانتقالية في 3 أيار 2005، وأصبح برهم صالح نائب رئيس الوزراء العراقي عام 2004 م، ورشح لنفس المنصب سنة 2006 م، وصولا إلى رئاسة الجمهورية عام 2018 م خلفا للقيادي فؤاد معصوم الذي خلف الطالباني بدوره.

وفي 25 سبتمبر عام 2017 م أعلن البرازني استفتاء على استقلال كردستان، ولكن مانعت ووقفت ضد هذه الخطوة معظم الدول وعلى رأسها الحكومة المركزية في بغداد والولايات المتحدة الأميركية وتركيا وإيران والدول العربية. وفي 20 نوفمبر 2017 م أصدرت المحكمة الاتحادية العليا العراقية قراراً بعدم دستورية استفتاء انفصال أقليم كردستان. وفي 25 أكتوبر 2017 أصدرت حكومة كردستان بياناً اقترحت فيه تجميد نتائج الاستفتاء، من أجل نزع فتيل الازمة بين بغداد وأربيل وبسبب التوتر العسكري بين القوات الكردية والقوات العراقية على حدود اقليم كردستان.

وقد دخلت القوات الحكومية العراقية محافظة كركوك ومناطق أخرى كانت ضمن خارطة اقليم كردستان الادارية. وبهذا خسر الاقليم مناطق كبيرة جراء خطوة الاستفتاء التي بدت غير مدروسة ومحسوبة العواقب، وظهر إنها كانت فقط للاستهلاك المحلي وكسب عواطف الشعب الكردي، دون أي حساب للتداعيات الخطيرة على سلامة وأمن الاقليم وشعبه. كما عمقت النتائج السلبية التي افرزتها الاستفتاء الخلافات وحالة عدم الثقة بين الاطراف الكردية.

رابعا: الكرد وآفاق الفيدراالية في العراق:

الدولة الفيدرالية هي نوع من أنواع الدول الموجودة في العالم مثل الدولة الموحدة أو البسيطة والدولة المركبة، وهي بدورها تتألف من:

– الاتحاد الشخصي.

– الاتحاد الحقيقي.

– الاتحاد الكونفدرالي.

– الاتحاد الفيدرالي أو مايسمى بالاتحاد المركزي.

الفيدرالية تعني الاستقلال الداخلي ضمن الدولة، حيث تكون هناك سلطة مركزية واقاليم تتكون منها هذه الدولة. وحسب هذا الاتحاد تفقد الولايات استقلالها الخارجي، ولايكون لها الشخصية القانونية الدولية، لأن الدولة المركزية هي التي تتمتع بهذه الشخصية القانونية على المستوى الدولي. ويكون لكل دولة في هذا الاتحاد دستورها وحكومتها التي تتكون من السلطات الثلاث ( التشريعية والتنفيذية والقضائية).

ويمكن تقديم عدة تعريفات للفيدرالية، ومنها: ” الدولة الفيدرالية هي دولة واحدة تتضمن كيانات دستورية متعددة لكل منها نظامها الخاص واستقلالها الذاتي، وتخضع في مجموعها للدستور الفيدرالي، بأعتباره المنشأ لها والمنظم القانوني والسياسي. وهي عبارة عن نظام دستوري وسياسي مركب”.

والدولة العراقية تتكون من عدة قوميات ومذاهب واطياف، لذلك فإن قيام الدولة الفيدرالية فيها هو ضمان لحقوق جميع مكونات الشعب العراقي، وعدم حرمانها من ممارسة حقوقها على أرضه. هذه الحقوق التي منع منها لسنوات عديدة من قبل الأنظمة الاستبدادية المتعاقبة على سدة الحكم، والتي أرتكبت أبشع الجرائم بحق مكونات الشعب وبمختلف مذاهبه وأديانه وقومياته، فالفيدرالية تقوم على احترام التعددية الدينية والمذهبية والقومية. كذلك الدولة الفيدرالية تسمح للمؤسسات الدولة الدستورية في أن تقوم بدورها في بناء المجتمع، وذلك حسب الدستور والقانون، وهي تضمن توزيع الخيرات والثروات البلد بالتساوي بين أبناء هذه الدولة وتحيل دون انفراد القلة بهذه الثروة وحرمان البقية منها.

الفيدرالية تهدف إلى إدارة الأقاليم التي تتكون منها الدولة الواحدة بشكل متوازي مع السلطة المركزية وتفسح المجال للمشاركة العادلة والديمقراطية، وذلك لغاية التطوير والتقدم، وكذلك إقامة حكم الإفراد وليس الفرد الواحد الاستبدادي. فهي تحيل دون إقامة الديكتاتوريات من خلال العمليات الانتخابية التي تقوم على الأسس الديمقراطية ومبادئها. إذاً فالفيدرالية تؤدي إلى بناء الدولة ومؤسساتها الدستورية، حيث ترسخ ممارسة الديمقراطية، وتمنع وتكافح حالات الفساد والمحسوبية من خلال المؤسسات الرقابية التي تنشأ في هذا الاتحاد، وهي ليست انفصال وتقسيم الدولة الواحدة كما يروج البعض، ويكون لدولة بكل اقاليمها العملة الواحدة ولها المؤسسة العسكرية والتي تكون بيد السلطة الاتحادية، بالإضافة إلى علم كل أقليم هناك علم الدولة الاتحادي، والتمثيل الخارجي يكون بيد الدولة الاتحادية. وعليه فأن الفيدرالية سوف تؤمن التعايش السلمي لكل أطياف الشعب العراقي، وتضمن الحقوق والحريات لهذا الشعب بغض النظر عن الدين أو القومية التي يكون عليها الفرد.

الفيدرالية هي خطوة متقدمة في مجال إحترام حقوق الإنسان والحد من الصراعات العرقية الموجودة الآن على الساحة، فمنطقة كردستان العراق تتمتع بالحكم الذاتي، وكذلك ظهرت أصوات بعد سقوط بغداد إلى أنشاء أقاليم أخرى تشمل محافظات الوسط والجنوب، حيث تجري المناقشات داخل البرلمان العراقي من أجل ذلك، فهناك من يوافق على الفيدرالية وآخرون يرفضونها جملة وتفصيلا، وحجة الذين يرفضونها يقولون بانها سوف تؤدي إلى تقسيم وتمزيق الدولة العراقية، بينما الذين يدعون لها يقولون بأنها سوف تؤدي إلى الضبط الإداري، وكذلك يكون من نتائجها السيطرة على الثروة لصالح الشعب، وهي تؤدي حسب الموافقين عليها إلى خلق حالة من التنافس الشريف بين الأقاليم من أجل البناء والتطوير. وقد نص الدستور العراقي، وفي مادته 113 بأن النظام الإتحادي في جمهورية العراق مكون من عاصمة وأقاليم، ومحافظات لامركزية وإدارات محلية.

النظام الفيدرالي يضمن، كذلك، تطبيق الأسس الديمقراطية القائمة على أساس الحرية وكرامة الإنسان، كما يهدف إلى بناء المجتمع، ويشمل كل الإتجاهات القومية والدينية، وتتمتع هذه الاتجاهات بحقوقها وحرياتها ضمن الدولة.

أن قضية الشعوب المضطهدة هي من أصعب المشكلات الموجودة في الشرق الأوسط، حيث أن الكثير من الدول لاتريد الخوض في هذه المسائل، وهذه تعد من المحرمات لديها، وفي الكثير من الأحيان إذا طالبت الأقلية بحقوقها المشروعة تنعت الحكومة هذه المطالب بالعمل على تقسيم الوطن إلى درجة أن بعضهم يطلقون عليهم صفة “الخيانة” و”التعامل مع الأعداء ضد الوطن”. هذه الحكومات تلجأ إلى هذه الأساليب ليس أنطلاقاً من مصالح المجتمع، وانما اجحافاً وظلماً بحق الأقليات، فالأحرى بهذه الحكومات العمل من أجل الوصول إلى حلول لمسألة الأقليات، والابتعاد عن الوسائل الملتوية والغير إنسانية في التعامل مع الأقليات.

الشعب الكردي في العراق هو من الشعوب التي تلقى الويل والعذاب وتعرض للقتل والتشريد على يد الحكومة العراقية بقيادة صدام حسين من خلال عمليات الأنفال وضرب بالأسلحة الكيماوية. وعليه فان السبب الأساسي في الكثير من المشاكل التي تحدث في الدول النامية هو الظلم الذي تقوم بها الحكومات بحق الشعوب، وكذلك الظلم وعدم الأنصاف الذي يقوم به أبناء المجتمع إتجاه بعضه البعض، حيث أن الأنظمة القابعة على النفوس تستخدم كل الوسائل الديكتاتورية بحق كل الشعب.

وبغية إحلال الأمان والسلام في المجتمع يجب حل قضايا الأقليات في هذه الدول، في إطار ديمقراطي حر بيعد عن العنصرية والتحيّز إلى جهة دون أخرى، وعلى الحكومات في هذه المناطق أن تكف عن الممارسات اللاديمقراطية بحق الأقليات، و أن تكف عن هدرها لحقوق أبناء المجتمع والتوقف عن المراهنة على القمع والسلاح والعنف كإجراء لاخضاع الاقليات والسيطرة عليها.

المصـــــــــــــــــــــادر:

1ــ صلاح عبد العاطي: الاقليات وحقوق الإنسان في المجتمع العربي. موقع (الحوار المتمدن) تاريخ 23.06.2006.

2ــ الأمازيغ ومفهوم الأقلية: موقع “الجزيرة معرفة” 27.11.2005.

3ــ قدري الأطرش: محاضرة عن الاقليات في العالم. نقلا عن كتاب ( محاضرات في حقوق الإنسان) الصادر عن جامعة عبد الرحمن ميرة ـ بجاية. الجزائر، 2015 م.

4ــ درية عوني: عرب وأكراد: خصام أم وئام؟. دار الهلال. القاهرة، مصر. بدون تاريخ نشر.

5ــ باسيلي نيكتين: الكرد وأصلهم. قدم لها وحققها: صلاح برواري. مطبعة مجلة (آسو) لعام 1993 م.

6ــ مازن بلال: المسألة الكردية: الوهم والحقيقة. بيسان للنشر والتوزيع والإعلام. بيروت، لبنان. الطبعة الأولى 1993 م.

7ــ نبيل زكي: الأكراد: الأساطير والثورات والحروب. مطبوعات (كتاب اليوم). الطبعة الأولى 1991 م. القاهرة، مصر.

8ــ ماريون فاروق وبيتر سلوغت: من الثورة إلى الديكتاتورية: العراق منذ 1958 م. دار الجمل. كولن، ألمانيا. الطبعة الأولى 2003 م.

9ــ حامد شريف الحمداني: لمحة من تاريخ حركة التحرر الكوردية في العراق. إصدار خاص. دون مكان وتاريخ النشر.

 

باحث في العلوم السياسية ـ برلين

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد