“أوراسيا ريفيو”: الشرق الأوسط “لوح شطرنج” يشهد لعبة حامية

تتميز رقعة الشطرنج في الشرق الأوسط في عام 2019 بتنافس قوي على القوة بين القوى الإقليمية وإعادة ترتيب قطعتي الشطرنج من قبل القوتين الرئيسيتين -الولايات المتحدة وروسيا- الخصمان التقليديان المتنافسان على النفوذ في هذه المنطقة المضطربة من العالم التي كانت في حالة من الصراع منذ نهاية الحرب العالمية الأولى 1919، عندما تم اقتطاع دول جديدة من الإمبراطورية العثمانية القديمة.

في الشرق الأوسط، لا تدور لعبة الشطرنج في عام 2019 بين الولايات المتحدة وروسيا فقط، بل أيضا بين القوى الإقليمية التي تتصارع من أجل الهيمنة، مثل تركيا وإيران والمملكة العربية السعودية، وهي دول شهدت في السنوات التالية لنهاية الحرب الباردة، اكتساب قدرات عسكرية كبيرة وإمكانات أسلحة نووية.

كان نموذج الحرب الباردة في الشرق الأوسط، من حيث مجالات نفوذ الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق محددًا بشكل جيد، حيث كانت الأنظمة العسكرية الاشتراكية العربية تقف خلف الاتحاد السوفيتي، بينما الأنظمة الملكية العربية في منطقة الخليج وإسرائيل في المدار الاستراتيجي للولايات المتحدة.

شهد تفكك الاتحاد السوفيتي في عام 1991 والكسوف المؤقت لروسيا كدولة قوية تراجعت في حجمها، دفع الولايات المتحدة إلى بسط سيطرتها بلا منازع على الشرق الأوسط بأكمله حتى عام 2005. وخلال هذه الفترة، تدخلت الولايات المتحدة عسكريا في شكل حربين، دون أي عائق كبير أو تحركات مضادة من جانب روسيا.

ومن حيث القوى الإقليمية في الشرق الأوسط التي تقف خلف الولايات المتحدة وروسيا على مر السنين، شهدت المملكة العربية السعودية وتركيا وإسرائيل موقفًا قويًا وراء الولايات المتحدة، وكانت إيران وسوريا وحدهما في وضع الخصم ضد الولايات المتحدة وتتمتعان بعلاقات مباشرة مع روسيا.

ومع ذلك، بدأت تركيا تظهر علامات الابتعاد عن الولايات المتحدة على الرغم من استمرارها كعضو في الناتو. خلال حرب الخليج الثانية، لم تسمح تركيا بنشر سلاح الجو الأمريكي في القواعد التركية كجزء من عمليات انتشار الناتو لشن ضربات ضد العراق. وبالمثل، تصرفت المملكة العربية السعودية أيضًا، في الإشارات السياسية، ومن ثم تم نقل الأصول الرئيسية للقيادة المركزية الأمريكية إلى قطر. كانت المملكة العربية السعودية أول من نشر صواريخ CSS-2 طويلة المدى من الصين في أراضيها في بداية الثمانينيات. كانت المملكة العربية السعودية أول موطئ قدم مهم للصين في الشرق الأوسط.

وقفت إيران تحت وطأة العقوبات الشديدة المفروضة من الأمم المتحدة والولايات المتحدة بمفردها، وعلى الرغم مما تقدم، عملت خلال هذا العقد بمساعدة روسيا في البداية لبناء قوتها وقدراتها في القوات المسلحة بما في ذلك البنية التحتية لإنتاج الأنظمة الدفاعية.

ومن حيث الخصائص الطبيعية التي تتمتع بالقدرة الوطنية من حيث الحجم الجغرافي والموقع الجغرافي الاستراتيجي والموارد السكانية الضخمة فقط، تبرز تركيا وإيران كقوى إقليمية. تتمتع كل من هاتين الدولتين أيضًا بتواصل جغرافي مع بعضهما البعض وتتمتعان بشكل كبير بتواصل جغرافي مع روسيا.

لم تعد لعبة الشطرنج التي تمت إعادة ترتيبها في الشرق الأوسط في عام 2019 فيما يتعلق بلعب القوة ومناطق نفوذ الولايات المتحدة وروسيا، متوقعة كما كان الحال في فترة الحرب الباردة. من بين القوى الإقليمية الكبرى في الشرق الأوسط، النموذج الوحيد الذي يمكن التنبؤ به هو إيران التي تعتبر تحت وطأة العقوبات الأمريكية واتهامات “الشيطنة”، والتي تعتبر قوة إقليمية رئيسية “قائمة بذاتها”. تظهر المملكة العربية السعودية وتركيا معالم متغيرة في علاقاتهما مع الولايات المتحدة على الرغم من كونهما حليفين قويين للولايات المتحدة منذ عقود. وكل من هاتين الدولتين تربطهما علاقات جيدة مع روسيا باعتبارها “خطة ب”.

لقد أحبطت تركيا، في ظل الحكم السياسي الحالي، لعدم منحها عضوية في الاتحاد الأوروبي، ما أدى لانتهاجها اتجاه سياسات الشرق الأوسط ذات الصبغة الإسلامية القوية بدلاً من أخلاقياتها الوطنية العلمانية السابقة التي روج لها مؤسس تركيا الحديثة كمال أتاتورك. لا تزال تركيا عضوًا في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، لكنها بذلت مدخلات سياسية كبيرة لروسيا، حيث كان أحدثها اقتناء تركيا أنظمة صواريخ الدفاع الجوي من طراز S-400 من روسيا، وهو ما دفع علاقات تركيا مع الولايات المتحدة إلى أدنى مستوياتها.

ضمن الوضع الإقليمي للشرق الأوسط، أظهرت علاقات تركيا العديد من الأشكال المتغيرة. في وقت واحد، حافظت على علاقات قوية مع إسرائيل وحتى إيران. لا يمكن أن يقال نفس الشيء في عام 2019، ففي بعض الأحيان، يبدو أن تركيا تحت الحكم السياسي الحالي، استخدمت العلاقات بين إسرائيل وإيران لإرسال رسائل سياسية إلى الولايات المتحدة.

حتى الثورة الإيرانية، كانت المملكة العربية السعودية وإيران تعتبران “الركائز الأساسية” للهندسة الأمنية الأمريكية في الشرق الأوسط. ولكن في عام 2019، دخلت المملكة العربية السعودية وإيران في صراع مرير على السلطة من أجل الهيمنة الإقليمية.

صراع القوة بين المملكة العربية السعودية وإيران من أجل الهيمنة الإقليمية في عام 2019، هو السمة المميزة البارزة في رقعة الشطرنج التي يجري اللعب عليها في الشرق الأوسط. وإلى جانب المواقف العدوانية المباشرة ضد بعضها البعض، فإن المملكة العربية السعودية وإيران تشارك في حروب بالوكالة الإقليمية تمتد من اليمن في الجنوب إلى سوريا في الشمال. وهذا ما يساهم في زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط وراء الكواليس، حيث من الواضح أن التأثيرات الخارجية للولايات المتحدة وروسيا تلعب دورًا في تغذية مجالات النفوذ.

هناك أيضا ورقة اللعب الطائفية الإسلامية في المملكة العربية السعودية وإيران، باعتبار أن المملكة العربية السعودية هي زعيم العالم الإسلامي السني، في حين أن إيران هي الزعيم بلا منازع في العالم الشيعي الإسلامي.

ينقسم الشرق الأوسط بهذا الشكل إلى قسمين إسلاميين، أولهما هو “الهلال الشيعي” في الجزء الشمالي من الشرق الأوسط الذي يضم سوريا والعراق وإيران، وثانيهما هو الجنوبي الذي يضم عدد أكبر بكثير من الملكيات الخليجية الصغيرة بقيادة المملكة العربية السعودية. وعلى الرغم من أن الدول العربية الملكية في هذا القطاع يحكمها ملوك سُنة، إلا أن لديهم عددًا كبيرًا من الشيعة في وسطهم، ولديهم ولاء روحي إن لم يكن سياسي لإيران.

وفيما يتعلق بنفوذ الولايات المتحدة وروسيا في الشرق الأوسط، يمكن التأكيد على نطاق واسع على أن “الهلال الشيعي” في الجزء الشمالي متحالف بشكل أكبر مع روسيا على الرغم من خضوع العراق للاحتلال العسكري الأمريكي لفترة طويلة. تمارس الولايات المتحدة في عام 2019 نفوذًا كبيرًا على المملكة العربية السعودية والممالك الخليجية المرتبطة بها، على الرغم من قيام المملكة العربية السعودية ببعض التحركات نحو روسيا، بما في ذلك شراء الأسلحة.

وبالنظر إلى مستقبل الشرق الأوسط من حيث القوة والاستقرار الإقليميين، فإن وجهات النظر ليست واعدة. في الجزء الشمالي، توجد مواجهات وصراعات في العراق وسوريا ولبنان، بينما تركيا تتدخل عسكريا على أراضي شمال سوريا لإنشاء “منطقة عازلة” لتأمين نفسها، بحسب ما تدعي.

في الجزء الجنوبي من الشرق الأوسط، تستمر الحرب بالوكالة في اليمن بين المملكة العربية السعودية وإيران ولا تظهر أي علامات على التراجع. وفي تصاعد ملحوظ، استهدف المتمردون الحوثيون اليمنيون مجمعات البتروكيماويات الرئيسية في “آرامكو” في الأشهر الأخيرة. وفي داخل الخليج، توجد بؤر صراع بحرية بين إيران والولايات المتحدة يمكن أن تشعل المناوشات غير المقصودة إلى حرب شاملة.

في خضم كل تلك الأحداث، يجب إضافة مواجهات مناطق الصراع الإقليمية بين إسرائيل وحزب الله في لبنان ونظرائهم في غزة. لم يكن التهديد الذي فرضه “داعش”، الذي تم إخماده مؤخراً بتكلفة باهظة من قبل الولايات المتحدة، ممكنًا إلا من خلال قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الكرد، والتي تخوض نزاعًا مع تركيا، حيث تعتبر تركيا تلك المجموعة تهديدًا إرهابيًا.

يتصدر كل هذا في الشرق الأوسط الخطر الدائم المتمثل في وجود نقاط اشتعال نووية تركز على إيران، وهي نقاط تتقارب فيها الولايات المتحدة وإسرائيل بشكل استراتيجي فيما يتعلق بإزالة الأسلحة النووية عن إيران. إن مخاطر انتشار القوى النووية في الشرق الأوسط، في ظل سعي المملكة العربية السعودية وتركيا إلى الحصول على أسلحة نووية عبر باكستان، هي عامل آخر مزعزع للاستقرار وتحدي للولايات المتحدة.

أخيرًا، يجب التأكيد أن الشرق الأوسط كان من الممكن أن يكون أكثر استقرارًا نسبيًا مع عدم وجود بؤر صراع متصاعدة من التصعيد، لو أن الولايات المتحدة أعادت ضبط علاقاتها مع روسيا، حيث كانت مناطق النفوذ داخل الشرق الأوسط أكثر قابلية للتنبؤ عما كان عليه الوضع خلال عصر الحرب الباردة.

ختاما، تشير مؤشرات الأوضاع في عام 2019 إلى أن الشرق الأوسط سيستمر لأوقات طويلة في المستقبل متقلبًا ومتضاربًا. وقد ينشأ هذا ليس فقط نتيجة صراعات القوى داخل المنطقة بين القوى المتنافسة التي تطمح إلى الهيمنة الإقليمية، وهي تركيا وإيران والمملكة العربية السعودية، ولكن أيضًا القوة العالمية الشاملة التي تتصارع، أي بين الولايات المتحدة وروسيا ضد الصين كطرف جديد صاعد.

—–

للاطلاع على النص الأصلي باللغة الإنجليزية.. اضغط هنا

ترجمة: أمنية زهران

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد