“فورين بوليسي”: لدى “واشنطن” ما يمكنها أن تمنحه لشعبي العراق ولبنان ولا تمتلكه إيران

تجتاح الاحتجاجات والاضطرابات أنحاء العراق ولبنان، بينما غضب المتظاهرين في الشوارع موجه بالأساس ضد الطبقات السياسية الخاصة بهم والحكومة الإيرانية. المواطنون في لبنان والعراق لم يسأموا فقط من سوء الإدارة الاقتصادية والحكم غير الفعال والفساد الراسخ للنخب السياسية في الداخل، ولكنهم يربطون مباشرة وضعهم المتردي بنفوذ “طهران” الفاسد واستغلال الحرس الثوري الإيراني لبلدانهم لتمويل وتسليح ميليشيات غير مسؤولة أمام بلادهم.

إلى جانب أعمال الشغب الواسعة في إيران، يرى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن هذه التطورات دليل على أن سياسة الضغط القصوى التي تتبعها إدارته للضغط على الاقتصاد الإيراني تؤتي ثمارها، وليس من المستغرب أن الإدارة الأمريكية مصممة الآن على مضاعفة سياسة العقوبات، وهي على قناعة بأن ذلك سيجبر “طهران” على الاستسلام والسعي إلى مفاوضات مع استعداد جديد للتنازل عن البرنامج النووي للنظام وسلوك إيران الإقليمي.

يشك منتقدو الإدارة في أن هذه السياسة ستنجح، معتقدين أنها ستدفع الحكومة الإيرانية ببساطة إلى الزاوية، مما يدفعها إلى تصعيد الصراع في المنطقة بدلاً من الاستسلام. وللأسف، لم تضع الإدارة ولا منتقدوها اقتراحات مقنعة على الطاولة حول كيفية الاستجابة للتطورات في العراق ولبنان. بالنسبة للإدارة، فإن تقديم الدعم الخطابي للجماهير العراقية واللبنانية ودعوة أجهزتهم الأمنية لوقف الانتهاكات يعكس حدود ما تعتقد أنه يمكن القيام به. وقد يكون منتقدوها أكثر سلبية، خوفًا من أن تؤدي المشاركة الأمريكية المتزايدة إلى الانتقاص من التركيز المناهض لإيران، أو الأسوأ من ذلك، تفاقم الوضع في أي من البلدين بالنظر إلى سجل إدارة “ترامب” في اتباع سياسات خرقاء.

المفارقة هي أنه لا يبدو أن الإدارة ولا منتقديها يعتقدون أنه من الممكن تحقيق تغيير حقيقي ودائم في العراق ولبنان، رغم أن هذا هو بالضبط ما يطالب به المحتجون. وإلى حد كبير، لا معنى لاستقالة رئيسي الوزراء العراقي واللبناني عادل عبدالمهدي وسعد الحريري.

تركز النخب السياسية في كلتا العاصمتين على المناصب التجارية في الحكومات الجديدة، بدلاً من تقديم مقترحات سياسية واقتصادية جريئة للاستجابة للاحتجاجات. ومن المرجح أن تحافظ التشكيلات التالية للحكومات في بيروت وبغداد على نظام النخبة الذي يدعم نفسه من خلال اقتناص السلطة على أسس طائفية. ويعترف المحتجون في كلا البلدين بتركيز قادتهم الضيق على الحفاظ على الذات؛ حيث لم يتم استرضائهم ويبدو أنهم متحمسون لمواصلة الخروج إلى الشوارع في الاعتراض.

لا شك أن تردد إدارة “ترامب” ونقادها على حد سواء وشكهما، ناجم عن تجارب الولايات المتحدة الفاشلة في محاولة تحفيز التغيير في الشرق الأوسط. وفي حين أن الإدارات الجمهورية والديموقراطية فشلت في تشجيع الإصلاح النظامي في الشرق الأوسط، فإن إيران على النقيض من ذلك كانت على حالها في السنوات الأخيرة، حيث استفادت “طهران” من العثرات الأمريكية وفراغات السلطة في المنطقة لتوسيع نطاق النفوذ إلى أبعد من حدود إيران.

الآن، يشير علي خامنئي المرشد الأعلى لإيران إلى سوريا ولبنان بوصفهما “خطا دفاعًا أماميًا لإيران”. وقد نفذت إيران استراتيجيتها باستخدام القوة الصلبة والناعمة على حد سواء، من خلال نقل الأسلحة الموجهة بدقة إلى مناطق لا تحتكر فيها الحكومات استخدام القوة في كل من سوريا والعراق؛ تدريب ونشر الميليشيات الشيعية في سوريا والعراق ولبنان واليمن بأقل تكلفة ممكنة بالنسبة لـ”طهران”؛ واستكمال هذه الأدوات العسكرية بحوافز القوة الناعمة المصممة وفقًا للسياقات المحلية، مثل التلاعب الطائفي والمشتريات العقارية والمكافآت القبلية والعقود التجارية وتوفير الخدمات، وكلها مصممة للتغلب على الحكومات الضعيفة والقادة المستضعفين والسكان المحتاجين.

والنتيجة الأخيرة الآن: يبدو أن إيران أحكمت قبضتها على الزعماء والحكومات في العراق وسوريا ولبنان، وأدركت هدفها المتمثل في إملاء السياسات ودمج الوكلاء (حزب الله، منظمة بدر، عصائب أهل الحق) داخل المؤسسات الحكومية لفترة طويلة المدى. وعند تقييم هذه الصورة الاستراتيجية، تحدث صناع السياسة في الولايات المتحدة بجرأة عن ضرورة انسحاب إيران لكنهم لم يقترحوا مطلقًا استراتيجية فعالة وممولة تمويلًا حقيقيا لتحقيق هذا الهدف.

لكن رد الفعل الأخير واسع النطاق ضد الحكومات الفاسدة والضعيفة وقوات الأمن المسيئة التي لا تخضع للمساءلة من جانب المواطنين اللبنانيين والعراقيين، يشير إلى أن المكاسب الإيرانية قد لا تكون دائمة وقد تؤدي إلى تأثير معدي في إيران نفسها.

في الواقع، رد الفعل الصارم للنظام الإيراني على الاضطرابات في ما لا يقل عن 20 مدينة -استجابة أدت إلى مقتل أكثر من 300 شخص واعتقال أكثر من 7000- يشير إلى أن النظام يشعر بالضعف والضغط لاستباق انتشار الاحتجاجات. وإذا كان الأمر كذلك، يجب على الولايات المتحدة ألا تفترض أن موقف إيران الإقليمي قوي ومترسخ، بحيث لا يوجد ما تستطيع “واشنطن” فعله للتراجع.

إن حقيقة أن الدوائر الشيعية المهمة في كل من العراق ولبنان تشكل جزءًا كبيرًا من المظاهرات ضد الحكم الطائفي واليد الإيرانية المسيطرة، يشير بقوة إلى نقاط ضعف إيران وصعوبة الحفاظ على موقعها الإقليمي. علاوة على ذلك، يبدو أن استراتيجية القوة الناعمة الإيرانية، المتمثلة الاستفادة من العلاقات الطائفية الشيعية في المناطق ذات الأغلبية العربية لكسب النفوذ عبر المشاريع الثقافية والدينية والإعلامية والاقتصادية، قد تبددت وأصبحت علامتها التجارية مرتبطة الآن بالفساد والزعماء غير المسؤولين والحكم غير التمثيلي وسوء الإدارة الاقتصادية وقوات الأمن الفاشلة والفاسدة وردود الفعل العنيفة على المحتجين. لقد تجاوزت إيران قدراتها وتجاوزت حدودها، ولم يقدم قادة إيران للمواطنين اللبنانيين أو العراقيين أي شيء ذي معنى، كما أن قمعهم الداخلي الوحشي على المحتجين الإيرانيين يقلل من جاذبيتهم.

لدى إيران أدوات أو موارد قليلة تحت تصرفها في الوقت الحالي، لا سيما مع تعرض اقتصادها للضغط وسوء الإدارة، لذلك يجب أن تكون الولايات المتحدة قادرة على المنافسة بشكل أكثر فعالية. بالتأكيد، لقد حان الوقت لتجاوز أداة السياسة الخارجية المفضلة لإدارة “ترامب” المتمثلة في استخدام العقوبات لمعالجة كل نشاط إيراني خبيث، سواء كانت تلك أنشطة نووية غير مشروعة أو دعم للإرهاب أو انتهاكات لحقوق الإنسان. في الوقت نفسه، لا تعد العقوبات الأداة الأكثر فاعلية المتاحة لواضعي السياسات في الولايات المتحدة ردًا على الاحتجاجات الداعية إلى وضع حد للفساد والاقتصادات المنهارة والزعماء غير المسؤولين.

يجب أن تركز سياسة الولايات المتحدة الآن على التمييز بين ما يمكن أن تقدمه “واشنطن” للمنطقة وتمييز العلامة التجارية للولايات المتحدة عن رؤية إيران المفلسة والمليئة بالعنف. وإذا كانت الإدارة غير راغبة أو غير قادرة على حشد الدعم من الحزبين المحليين لمثل هذا التحول في السياسة، فقد حان الوقت لـ”الكونغرس” لكي يصعد إلى الصدارة، فمن المؤكد أن الأعضاء لا يزالون ملتزمين بإقامة منطقة مستقرة والضغط على إيران ودعم إصلاح سياسي واقتصادي وأمني ذي معنى.

يتمثل أحد الخيارات في تقديم شراكات استراتيجية مع الشعبين اللبناني والعراقي من خلال العمل التشريعي: شراكة محدثة بين الولايات المتحدة والعراق تعمق الالتزامات التي تم التعهد بها بالفعل في اتفاقية الإطار الاستراتيجي لعام 2008 واتفاق جديد بين الولايات المتحدة ولبنان يضع خريطة طريق للمشاركة الثنائية ما وراء تركيز “واشنطن” الذي لا معنى له على القوات المسلحة اللبنانية. يعتبر إجراء “الكونغرس” ضروريًا لأنه يعزز أفقًا زمنيًا غير مرتبط بالجداول الزمنية للانتخابات الرئاسية ويرسل إشارة موثوقة إلى منطقة حذرة من التقلبات الحادة والرسائل المختلطة للإدارات الأمريكية.

ويجب أن يكون عرض “الكونغرس” لبناء هذه الشراكات مشروطًا بالقادة والحكومات في كل من العراق ولبنان بما يتجاوز الدعم الخطابي والتعهدات باتخاذ إجراءات ملموسة تستجيب لمطالب المتظاهرين بشكل هادف. ما يمكن أن يقدمه “الكونغرس” ليس مجرد تمويل أو دعم شفهي، بل إطار شراكة يستجيب لنداءات المحتجين. ويجب أن يتضمن التشريع متطلبات الإبلاغ العام حول معايير الإصلاح بالإضافة إلى تقييم تنفيذها الفعلي، ويجب أن يكون التمويل والمساعدة متاحان على الطاولة، خاصة لدعم الإصلاح في الوزارات المدنية.

الخبر السار هو أن الولايات المتحدة لديها بالفعل الخبرة التقنية والعلاقات الدولية، وخاصة العمل مع الحلفاء والمنظمات غير الحكومية ذات المصداقية، للمساعدة في التصدي للفساد وتعزيز سيادة القانون واستعادة الخدمات وتقديم التدريب وتطوير البنية التحتية وتحفيز نمو الاقتصاد بشكل جماعي، حيث توفر شراكة الولايات المتحدة إمكانية التبادلات العلمية والتعليمية والتجارية والتكنولوجية ذات المعنى الحقيقي. وهذا ما يريده المحتجون، وهذا ما يمكن أن تقدمه “واشنطن” بشكل مفيد، بينما لا تقدم إيران أي شيء من هذه الأشياء.

لدى الولايات المتحدة الآن فرصة سانحة لتقديم ما لا تستطيع إيران تقديمه: إحساس بالإمكانية أمام الشعبين العراقي واللبناني المتعطشين للتغيير الحقيقي، واللذان من غير المرجح أن يرتاحا حتى يحصلوا عليه.

—–

للاطلاع على النص الأصلي باللغة الإنجليزية.. اضغط هنا

ترجمة: أمنية زهران

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد