“ذا إنترسبت”: العقوبات الأمريكية تدفع إيران إلى تشديد قبضتها على العراق

لقد أدت الاحتجاجات الضخمة والمستمرة في بغداد وطهران، والتي قوبلت بردود عنيفة من قوات الأمن طوال الخريف والشتاء، إلى تغيير الديناميكيات السياسية في كل من العراق وإيران بسرعة، لكن لا يزال من غير المؤكد ما إذا كان الغضب الشعبي الذي اندلع سيؤدي إلى تغيير كبير في أي من البلدين، أو ما إذا كانت الولايات المتحدة ستلعب دورًا في تشكيل النتيجة.

في العراق، اهتزت المؤسسة السياسية منذ بدء الاحتجاجات في بغداد والمدن الأخرى في أكتوبر/تشرين الأول، عندما خرج العراقيون إلى الشوارع غاضبين من الفساد النظامي، ونقص الخدمات الأساسية، والهيمنة الإيرانية على الحكومة العراقية. قامت قوات الأمن العراقية بقمع المتظاهرين بعنف، وفي أواخر نوفمبر/تشرين الثاني، قام المتظاهرون بإسقاط العلم الإيراني ووضعوا العلم الوطني العراقي على القنصلية الإيرانية في النجف قبل إشعال النار في المبنى.

في البداية، رفض زعماء العراق مطالب المحتجين بالإصلاح، لكن مع استمرار المظاهرات، قدم رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي استقالته في 30 نوفمبر. كان “عبدالمهدي” قد شعر بالأزمة وأعلن نيته الاستقالة قبل شهر تقريبًا، ولكن في أواخر أكتوبر، تدخل الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، والذي يعمل بحرية ويفلت من أي عقاب في جميع أنحاء العراق، وأصر على إبقاء “عبدالمهدي” في السلطة.

جاء تدخل “سليماني” قبل فترة وجيزة من تقرير “نيويورك تايمز وإنترسبت” عن البرقيات الاستخباراتية الإيرانية التي تم تسريبها والتي وثقت بشكل علني وجهة نظر إيران حول تأثيرها العميق في العراق لأول مرة. كشفت البرقيات المسربة، التي أرسلتها وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية بين عامي 2013 و2015، أن العديد من كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين والأمنيين في العراق لديهم علاقات وثيقة مع “طهران” لسنوات. وقد حددت إحدى الوثائق المسربة من عام 2014 اسم “عبدالمهدي” ضمن تلك الأسماء حيث كان يشغل منصب وزير النفط العراقي، على أنه يتمتع بـ”علاقة خاصة مع جمهورية إيران الإسلامية”.

بحلول نهاية نوفمبر، كان الضغط على “عبدالمهدي” شديدًا لدرجة أن إيران لم تعد قادرة على حمايته، ما دفع البرلمان العراقي سريعا إلى قبول استقالته دون أن يكون هناك خلف واضح له في الأفق. كانت “واشنطن” سعيدة برؤية رحيل “عبدالمهدي”، بعد أن كانت تنظر إليه في البداية كمرشح حل وسط مقبول عندما تم تعيينه رئيسًا للوزراء في عام 2018، لكن يقول كبار المسؤولين الأمريكيين إنهم أدركوا بسرعة أنه غير قادر على الوقوف ضد إيران.

وقال مسؤول أمريكي رفيع المستوى: “كان علينا توخي الحذر الشديد بشأن تقاسم المعلومات والتكنولوجيا مع العراق، لأنه قد ينتهي بها الحال إلى إيران”.

كذلك، كان هناك نوع من عدم الاهتمام من جانب “عبدالمهدي” في التعامل مع دونالد ترامب أو البيت الأبيض. وقال أحد كبار المسؤولين الأمريكيين إن “عبدالمهدي” رفض دعوة للقاء “ترامب” عندما زار الرئيس الأمريكي العراق في عيد الميلاد الماضي، واختار إجراء مكالمة هاتفية بدلاً من ذلك. وأضاف المسؤول أن “عبدالمهدي” رفض أيضًا مقابلة نائب الرئيس مايك بنس عندما سافر إلى العراق في نوفمبر. وعلى النقيض من ذلك، قال المسؤول الكبير، إن “عبدالمهدي” سافر بانتظام إلى “طهران” للقاء مسؤولين إيرانيين كرئيس للوزراء.

لكن في الوقت الذي تراجع فيه تأثير إدارة “ترامب” في “بغداد”، تواجه إيران الآن مشاكل خطيرة في الداخل يمكن أن تتداخل مع سياستها تجاه العراق. بداية من نوفمبر بعد ارتفاع كبير في أسعار الغاز، اندلعت احتجاجات واسعة النطاق في “طهران” وغيرها من المدن الإيرانية. تخطى المحتجون بسرعة مطالب الإغاثة الاقتصادية للدعوة إلى الإطاحة بالحكومة الإيرانية. وقوبلت المظاهرات بنيران قاتلة من قبل قوات الأمن الإيرانية. الأرقام الدقيقة غير متوفرة، لكن مسؤولاً بوزارة الخارجية قال في مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي إن 1000 متظاهر أو أكثر قُتلوا، بينما قُبض على 7000 على الأقل.

وفي العراق، في الوقت نفسه، قُتل ما لا يقل عن 350 شخصًا في المظاهرات حتى الآن، العديد منهم من المتظاهرين الذين قتلوا برصاص قوات الأمن. يبدو أن الجهود العنيفة التي بذلتها الحكومة العراقية لقمع المظاهرات ساعدتها وحدات الميليشيا الموالية لإيران، وفقًا لبعض التقارير. في الأسبوع الماضي، تعرض المتظاهرون للطعن في ميدان التحرير ببغداد، مركز المظاهرات المناهضة للحكومة، بعد وصول مجموعات كبيرة من الرجال إلى الميدان وهم يرفعون شارة ميليشيا تدعمها إيران. كان المتظاهرون يشكون في مسؤولية الجماعة الموالية لإيران، لكن لا يمكن التحديد بشكل قاطع ما إذا كان هؤلاء المليشيا مسؤولون عن عمليات الطعن أم لا.

قد لا يفهم الكثير من الأمريكيين موقف إيران المهيمن في العراق ونفوذها على القيادة السياسية للبلاد، لكن هذه هي النتيجة المباشرة للغزو الأمريكي للعراق عام 2003 الذي أطاح بصدام حسين، بعد أن بررت إدارة جورج دبليو بوش الغزو على أساس مزاعم خادعة بوجود صلات بين “صدام” وتنظيم القاعدة، والوجود المفترض لأسلحة الدمار الشامل العراقية.

كان هناك ادعاء كاذب تاريخياً آخر قدمه إيديولوجيو المحافظين الجدد الذين يدعمون غزو العراق أيضاً، وهو أن الإطاحة بصدام لن يفيد إيران. في الواقع، جادل المحافظون الجدد أن أحد فوائد غزو العراق سيكون الحد من نفوذ إيران في الشرق الأوسط. وقد تبين أن هذا أحد أعظم الأخطاء في تاريخ السياسة الخارجية الأمريكية. بدلاً من ذلك، كانت إيران المستفيد الأكبر من الغزو الأمريكي، الذي قضى على أكبر خصم إقليمي لإيران من خلال التخلص من “صدام” ونظامه البعثي الذي يهيمن عليه السنة، حيث خلق ذلك الفرصة للأغلبية الشيعية في العراق للحصول على السلطة في “بغداد”.

وفجأة، كان لإيران، التي لطالما كانت القوة الشيعية الرئيسية الوحيدة في المنطقة، جارة يسيطر عليها الشيعة. والأكثر من ذلك، أن العديد من الزعماء الشيعة الذين وصلوا إلى السلطة في العراق بعد الغزو الأمريكي قضوا سنوات من المنفى في إيران. ويقول جون ماغواير، الذي كان يتولى منصب نائب رئيس مجموعة عمليات العراق التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية في وقت غزو العراق عام 2003، إن قرار إدارة بوش بحل الجيش العراقي إلى جانب التطهير الوحشي لأعضاء حزب البعث من الخدمة الحكومية العراقية، أثار الفوضى وفي النهاية أعطى الإيرانيين فرصة. ويقول “ماغواير”: “لقد أدى الغضب والاستياء والعنف اللاحقان إلى فتح الباب أمام إيران بقيادة الجنرال (سليماني) وفيلق (القدس)، لاستغلال الوضع والركض حول الأمريكيين”.

في مواجهة تمرد دموي بعد الغزو والسعي لإصلاح قصير الأجل لتحقيق الاستقرار في العراق، توسطت إدارة “بوش” في نظام انتخابي جديد للعراق تضمن أن يكون التمثيل السياسي على أسس طائفية. وقد ضمنت بهذا الشكل حالة دائمة من التوتر بين السنة والشيعة؛ ساعد اضطهاد الأقلية السنية من قبل الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة في “بغداد” على ظهور “داعش” في العراق.

وفي الوقت نفسه، فإن الجهود التي بذلتها إدارة “ترامب” للضغط على إيران بفرض مزيد من العقوبات الاقتصادية كان لها نتيجة غير مقصودة، فقد أدت العقوبات إلى قيام إيران بمحاولة تشديد قبضتها على العراق. ويعتقد كينيث بولاك، وهو محلل سابق في وكالة الاستخبارات الأمريكية يعمل الآن في معهد “أمريكان إنتربرايز”، أن الإيرانيين تفاعلوا بقوة مع الاحتجاجات في “بغداد”، لأن العراق هو منفذ اقتصادي قيم يساعد إيران على تجنب العقوبات. وقال “بولاك”: “اقتصاد العراق أمر حاسم لإيران بالنسبة لأشياء مثل التلاعب بالعملة وتهريبها والتعامل مع العقوبات”.

ويتفق مسؤولو إدارة “ترامب” مع هذا التقييم، حيث قال مسؤول أمريكي كبير: “أصبحت إيران تعتمد بشكل متزايد على العراق ولبنان كصمامات تحرير اقتصادي”، لكن يبدو أن الإدارة تعتقد أن هذا أمر جيد، بل وعلامة على أن العقوبات لها تأثير على إيران. وفي الواقع، حقيقة أن سياسة العقوبات الأمريكية دفعت إيران إلى تكثيف جهودها للحفاظ على نفوذها في بغداد، لا يبدو أنها تستحق الكثير من النقاش في “واشنطن”.

—–

للاطلاع على النص الأصلي باللغة الإنجليزية.. اضغط هنا

ترجمة: أمنية زهران

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد