فوز ترامب خسارة للشرق الأوسط

مجلة بوليتيكو الأمريكية ، أنيل شلين

أعلنت إدارة ترامب عن اتفاق هذا الأسبوع بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة ، حيث أشاد به وزير الخارجية مايك بومبيو على الفور باعتباره “يوم تاريخي للسلام في الشرق الأوسط”، مجموعة من التحليلات المماثلة وصفت الصفقة على أنها “فوز كبير لترامب” و “زلزال جيوسياسي”.

ولكن كان ذلك بالضبط هو الهدف من هذه الصفقة : الكثير من الشهرة لصانعي الصفقات ، ولكن ليس الكثير فيما يتعلق بمحتوى الصفقة، في الواقع هذا “الاختراق” هو ​​في الغالب زيادة شعبية للقادة الثلاثة المعنيين: الرئيس دونالد ترامب ، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، ومحمد بن زايد ، ولي عهد أبو ظبي. في غضون ذلك ، سيتحمل الفلسطينيون التكاليف و هم الطرف الوحيد الغير مشارك في الاتفاق .

تصريحات القادة حول الصفقة تكشف ذلك. ففي تغريدة  أعلن الرئيس ترامب أن إسرائيل والإمارات “اتفقتا على التطبيع الكامل للعلاقات”. وشدد البيان المشترك بشكل خاص على دور ترامب في تأمين موافقة إسرائيل على “تعليق إعلان السيادة على المناطق المحددة في رؤية الرئيس للسلام”.

كان بن زايد ، الحاكم الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة والمعروف أيضًا باسم محمد بن زايد ، أكثر دقة. و وصف ذلك باللغتين الإنجليزية والعربية على تويتر “وضع خارطة طريق نحو إقامة علاقة ثنائية” وأكد أن إسرائيل “ستنهي ضم” الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية”.

في هذه الأثناء، أكد نتنياهو أنه لم يقم “بأي تغيير في خططي للضم” ، حيث كان السعي وراء تحقيقها يمثل وعدًا رئيسيًا في الحملة الانتخابية لأنصاره.

بهذه الكيفية يفيد الإعلان القادة. حيث يُظهر ترامب لمؤيديه أنه قادر على عقد الصفقات ، و هو المجال الذي يبالغ فيه باستمرار في الوعود ويقلل من الأداء ، كما يتضح من الإخفاق في تحقيق نتائج أكثر إيجابية فيما يتعلق بالعلاقات مع كوريا الشمالية وإيران والصين.

أكدت التغطية الإعلامية مرارًا وتكرارًا على أهمية الصفقة ، حيث أشارت وسائل الإعلام مثل صحيفة نيويورك تايمز إلى “اتفاقية دبلوماسية كبيرة” ووصفت صحيفة واشنطن بوست “إنجازً ضخم” لترامب ، و هو يقدم لحملة إعادة انتخابه شيئًا يصرف الانتباه عن الوضع الاقتصادي البائس في ظل ادارة ترامب و الأرقام المتعلقة بفيروس كورونا.

في غضون ذلك ، يتراجع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن التزامه المعلن بالضم ، وهي خطة أضرت بمسألة الدعم لإسرائيل بين صفوف الديمقراطيين في امريكا. يسمح له هذا الإعلان بالتحضير لنتيجة الانتخابات الأمريكية في نوفمبر أيا كانت : تمهيد العلاقات مع إدارة بايدن المحتملة و التي ربما ستعارض الضم ، مع الاحتفاظ بالحق في متابعته إذا فاز ترامب، و في نفس الوقت إبطاء الزخم الذي تشكل في الأسابيع بعد تاريخ الأول من شهر تموز ، عندما كان من المقرر بشكل اولي أن يتم الضم.

يحصل محمد بن زايد على مزيد من تلميع انجازات الإمارات باعتبارها المعقل الأول لما يسمى بـ “الإسلام المعتدل” ، بناءً على مبادرات رفيعة المستوى سابقة مثل إنشاء وزارة التسامح في عام 2016 ، واستضافة البابا فرانسيس في عام 2019 ، والترحيب بالجماعات الدينية مثل كنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة في أبريل.

أعلن اتباع طائفة المورمونية أنهم سيفتتحون أول معبد لهم في الإمارات هذا العام. يقوم النظام بكل هذا ، بينما يستمر في الانخراط في انتهاكات حقوق الإنسان ضد مواطنيه وكذلك ضد مواطني البلدان الأخرى.

لكن، بخلاف كونها حركة دعائية ، لا تمثل الصفقة تحولًا كبيرًا في العلاقات الجيوسياسية. كانت إسرائيل والإمارات تتعاونان بالفعل بهدوء في المسائل الأمنية ردًا على التهديد المحسوس به من قبل إيران ، عدوهما المشترك.

التأثير الحقيقي سيكون على الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني المستمر. بخلاف رواية النصر السائدة ، فإن حلها في الواقع أقل احتمالًا الآن كون التطبيع لم يعد يستند على الاعتراف بحقوق الفلسطينيين.

قبل إعلان اليوم ، كانت الدول الوحيدة التي قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل ، على التوالي ،هي مصر عام 1979 والأردن في عام 1994. مدى ردة الفعل على إعلان هذا الأسبوع مستمد من تفسيره على أنه يمكن مقارنته بصفقات السلام التي تم عقدها في بيئة إقليمية عندما كان تطبيع العلاقات أقرب إلى الانتحار. اغتيل أنور السادات عام 1981 على يد إسلامي متشدد بدافع الإحباط من توقيع السادات على اتفاق السلام. اغتيل اسحق رابين بعد توقيع اتفاق السلام مع الأردن ، فيما كشفت وكالة الاستخبارات المركزية عن مؤامرة من قبل الرئيس السوري حافظ الأسد لاغتيال العاهل الأردني الملك حسين وشقيقه ولي العهد الأمير حسن انتقاما على توقيع الصفقة.

في المقابل ، من غير المرجح أن يواجه  كل من محمد بن زايد و رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أي شيء من هذا القبيل ردًا على تطبيع العلاقات ، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن الاتفاق لا علاقة له بالفلسطينيين ، وبدلاً من ذلك ، فقد أعلن عن علاقة ثنائية كانت موجودة بالفعل خلف الكواليس.

لحد الآن ، كان الاتفاق بين الدول العربية الأخرى هو أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل لا يمكن أن يحدث إلا إذا منحت إسرائيل الفلسطينيين دولة لهم ذات سيادة. من المرجح أن يتم عن كثب مراقبة الخطوة التي قامت بها الإمارات العربية المتحدة يوم الخميس ، حيث بدأ المعلقون بالفعل في التكهن بشأن أي دولة خليجية قد تحذو حذوها ، مع احتمال أن تكون البحرين مرشحًا متشوقا للحصول على استحسان الولايات المتحدة.

لا تزال مسألة دعم قيام دولة فلسطينية امرا قوياً في جميع أنحاء الشرق الأوسط ، على الرغم من الجهود التي يبذلها البعض لوصف القضية بأنها لم تعد بارزة. في دول الخليج شديدة الاستبداد ، بقي التعبير عن الدعم لقضية لفلسطين أحد الوسائل القليلة للتعبير عن عدم الرضا السياسي ، بسبب الوعي بالتطبيع التدريجي مع إسرائيل. على الرغم من أن مواطني الخليج كانوا يدركون بأنهم معرضون لخطر الاعتقال أو ما هو أسوأ إذا أعربوا عن معارضتهم لحكومتهم ، فإن انتقاد إسرائيل أو التعبير عن التضامن مع فلسطين كان أحد أشكال المعارضة المعتدلة التي تم التسامح معها حتى الآن.

ظهر الاستياء من الإعلان عبر الإنترنت من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في جميع أنحاء الشرق الأوسط.  حيث ظهر هاشتاغ باللغة العربية “التطبيع_الخيانة” تم تداوله على موقع تويتر. نشر العديد من المستخدمين السعوديين صوراً للملك فيصل (الذي حكم من عام 1964 حتى اغتياله عام 1975): اشتُهر فيصل بموقفه المؤيد لفلسطين ومعارضة الصهيونية. يعد استخدام صور الملوك السعوديين السابقين إحدى الطرق التي يعبّر بها السعوديون عن عدم رضاهم عن سياسات معينة دون توجيه انتقادات صريحة: يصعب على السلطات السعودية اضطهاد مستخدم تويتر لنشره صورة ملك سعودي. نشر المستخدمون من خارج الخليج صوراً لما يسمى “حادثة محمد الدرة” ، وهما صورتان مشهورتان لطفل يبلغ من العمر 12 عاماً ووالده في تبادل لإطلاق النار في وقت مبكر من الانتفاضة الفلسطينية الثانية في عام 2000 ؛ في الصورة الأولى ، الأب يحمي ابنه ، وفي الصورة الثانية أصيب كلاهما برصاص القوات الإسرائيلية. يُعد انتشار الصورة بمثابة تذكير إضافي بأن فلسطين تبقى قضية رئيسية بالنسبة لغالبية العرب ، على الرغم من أن البعض لم يعد بإمكانهم التعبير عن موقفهم علنًا.

فسر الإعلان من قبل بعض داعمي الموقف الأمريكي الأكثر انضباطا تجاه الشرق الأوسط على أنه مثال مفيد لدبلوماسية أكبر بين شركاء الولايات المتحدة ، مما يشير إلى احتمال تقليص الوجود العسكري في المستقبل. ومع ذلك ، فإن مثل هذه الرؤية تستند إلى التفسير الأكثر توافقا للإعلان ، وهو الذي قدمته إدارة ترامب ، بأن الصفقة في الواقع لها أهمية تاريخية مثل الجهود السابقة التي قادتها الولايات المتحدة لتحقيق قدر أكبر من الأمن لإسرائيل في المنطقة.

لكن كما تشير تصريحات الموقعين على الاتفاق ، فكل من إسرائيل والإمارات العربية المتحدة لا تصفان الصفقة بنفس المصطلحات الواضحة : يقول محمد بن زايد إن العملية “بدأت” ، بينما أوضح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه يؤجل الضم فقط. إذا مضى قدمًا في الضم كما وعد ، فقد تتراجع الإمارات عن عملية التطبيع. يحرص محمد بن زايد ، الذي يحافظ على صورته كشخص معتدل ، على تجنب مشاهد القمع العلني للمواطنين الإماراتيين ، الذين من المرجح أن يثوروا رداً على قرار الضم. لذلك  إذا تراجع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن الاتفاقية ، فمن المحتمل أن يقوم محمد بن زايد بذلك أيضًا.

لذلك ، تفهم الصفقة بين إسرائيل والإمارات على أنها فوز لهؤلاء الرجال الثلاثة ، لكنها خسارة  للديمقراطية ، لاتفاقية سلام فعلية ، وخاصة للشعب الفلسطيني.

أنيل شلين هي زميلة أبحاث لمنطقة الشرق الأوسط في معهد كوينسي لفن ادارة شؤون الحكم المسؤول.

تنويه: الصورة من موقع مجلة بوليتيكو الأمريكية.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد