القلقون والخاسرون والرابحون من سقوط النظام السوري

محمد سيد رصاص
في 20 من الشهر الجاري، أطلق رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني تصريحاً قال فيه إن «وضع سوريا الآن يشبه العراق بعد سقوط صدام حسين». يمكن لهذا التصريح، الصادر عن  الواجهة الحكومية لمنظومة عراقية حاكمة كانت حليفة لبشار الأسد، أن يكون تحذيراً تهديدياً لحكام دمشق الجدد بأنهم يقفون على أرض قابلة للتفجر كما كان حال العراق الذي أنجب قاعدة أبومصعب الزرقاوي وداعش أبوبكر البغدادي. ولكن الأرجح أن الهدف منه هو التعبير عن قلق حكام بغداد من تداعيات التغيير السوري من حيث أن قوة السنة العرب السوريين المستجدة في دمشق ستترجم عراقياً ضد الأحزاب الشيعية العراقية الحليفة لطهران والحاكمة منذ سقوط صدام حسين.
لا يقتصر هذا القلق من التغيير السوري على العراق، بل يشاركه الذين تصدروا حرباً إقليمية ضد الأصولية الإسلامية الإخوانية في الرياض وأبوظبي والقاهرة، خاصة عندما يأتي وصول الإسلاميين للسلطة في دمشق تحت رعاية أميركية، والعواصم الثلاث من الحلفاء لواشنطن، وبمشاركة تركيا التي لا تريد السعودية منافستها على زعامة المسلمين السنة من قبل رجب طيب أردوغان، الذي لم ينسَ الفريق عبدالفتاح السيسي له مساندته الإسلاميين المصريين في يوم  إطاحته بحكمهم عام 2013. كما أن أبوظبي، التي كانت من أشد المساندين للواء خليفة حفتر ضد الإسلاميين الليبيين المدعومون من أردوغان والرئيس التونسي قيس سعيّد الباطش بالإسلاميين، لا يشعر بالارتياح مما جرى مؤخراً في دمشق وهو الذي تقارب كثيراً مع بشار الأسد بالسنوات الأخيرة، مع إضافة الملك الأردني إلى هذه القائمة للقلقين، حيث من المؤكد أنه ستكون هناك قوة متنامية للإسلاميين الأردنيين في ترجمة لهذا التغيير السوري.
لا يخفف من هذا القلق شعور بالارتياح من أن التغيير الدمشقي قد وجه ضربة كبرى للامتداد الإيراني في الإقليم عند ملك الأردن الذي كان أول من تلمسه عام 2004 عندما حذّر من أن هناك «هلالاً شيعياً يتشكل»، ولا عند السعودية التي ستشعر بالراحة لضعف ايران المستجد، ولكنها ستشعر بخطر أكبر من استبدال نفوذ خامنئي بدمشق بذاك الذي حصل عليه أردوغان في عاصمة الأمويين.
هنا، إذا عدّدنا قائمة الخاسرين فسنجد أولاً ايران التي تلقت ضربة كبرى، والأرجح قاضية، لامتدادها الإقليمي بعد أن ضُرب طريق طهران – بغداد- دمشق – بيروت- غزة في جسره السوري، ثم روسيا التي ضرب امتدادها في المياه الدافئة، ثم أذرع ايران كحزب الله في لبنان وحركتي حماس والجهاد في فلسطين.
أما قائمة الرابحين، فأولاً تأتي الولايات المتحدة، حيث أن فوزها بدمشق في يوم 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 يجعلها بلا منافس في عموم الشرق الأوسط بعد أن كانت موسكو تنافسها منذ عام 1955 على المنطقة، وكذلك إيران  التي امتدت في الإقليم بفعل غزة 2007 وبيروت 2008 وبغداد 2010 وصنعاء 2014 وشاركت موسكو النفوذ داخل سلطة بشار الأسد في فترة 2015-2024. أما ثاني الرابحين، فتأتي تركيا حيث أصبح لها امتدادات قوية في داخل السلطة السورية الجديدة تشبه ما حصلت عليه طهران في بغداد ما بعد صدام.
يمكن في الداخل السوري أن نجد سوريين يشعرون أنهم رابحون، على الأرجح من منظر إزاحة وسقوط نظام ديكتاتوري اضطهد غالبية السوريين وأفقرهم، وهو ما يشمل غالبية مجتمعية سورية. ولكن شريحة واسعة من السوريين، تضم القوى الليبرالية واليسارية والعلمانية والكردية، تشعر بالقلق من أن يستفرد الإسلاميون بدفة السلطة بدمشق وأن لا يسمحوا بإقامة نظام ديمقراطي تعددي وإنما يذهبوا نحو ديكتاتورية أيديولوجية إسلامية تقصي التيارات السياسية الأخرى وتقيم حكماً طائفياً للسنة العرب يقود إلى تهميش طوائف العلويين والمسيحيين والدروز والاسماعيليون، أو وضعهم في وضع شبيه بنظام الملل العثماني يقود إلى اضطهاد قومي للكرد. بالمقابل، نجد خاسرين من سقوط النظام السوري تتمثل في قاعدته الاجتماعية المتمثلة في تحالف مؤسسة عسكرية- أمنية يمسك بمفاصلها ضباط علويون مع طبقة رأسمالية من التجار والصناعيين أغلبهم من سنة المدن الكبرى، فيما ثالث هذا الثالوث التحالفي رجال الدين السنة في مؤسسة الأوقاف وفئات دينية نجدها عند الطريقة الصوفية النقشبندية الممزوجة بالأشعرية التي أسسها ورعاها الشيخان كفتارو والبوطي منذ السبعينيات برعاية وتوجيه حافظ الأسد. في زمرة الرابحين السوريين، يمكن تعداد الاتجاه الإسلامي بعمومه والاتجاه السلفي، الجهادي خصوصاً، وهو في مفرداته العقائدية غير الاتجاه الإسلامي الأصولي الإخواني السوري الذي كان له تعبيرات تقليدية معتدلة ممثلة في مصطفى السباعي وغير اتجاهات مزجت بين حسن البنا وسيد قطب مثل مروان حديد. ولكن من الصعب لهؤلاء الرابحين أن يترجموا فائض القوة الذي استحصلوه في دمشق داخل مجتمع له تعددية دينية- طائفية- قومية، وفيه من السنة العرب ممن يحملون اتجاهات عروبية وليبرالية ويسارية قوية ويعيشون حياة اجتماعية فيها الكثير من اللاتقليدية والتأثر بالأوربة، وفي ظل محيط إقليمي غير راضٍ أو قلق أو معاد لحكم الإسلاميين في دمشق، وفي ظل أميركي يرضى بتوجيه ضربتين دمشقيتين لطهران وموسكو ولكنه لن يكون راضياً بحكم إسلامي يزعزع منظومة إقليمية  جديدة سعت واشنطن لبنائها حتى الآن، عمادها تل أبيب والرياض وليس أنقرة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد