في الرابع من يونيو/ حزيران 2024، صدر كتاب بعنوان «حرب على المحاربين» لمذيع في قناة «فوكس نيوز» خدم سابقاً في الجيش. روّجت المحطة التلفزيونية، وهي وسيلة إعلامية كبرى داعمة للسياسات المحافظة وتوجهات الرئيس المنتخب دونالد ترامب، للكتاب في عدة تقارير قبل الصدور. وتحدث المؤلف نفسه عن المحتوى. والمؤلف هو بيت هيغسيث، الذي رشحه ترامب وزيراً للدفاع.
روى هيغسيث في كتابه قصة كانت وراء الحكاية كلها وهي طرده من حفل تنصيب جو بايدن مطلع 2021 بسبب وشم الشعار الصليبي على يده اليمنى. ووفق صياغة احترافية للقصة من «فوكس نيوز»، انضم هيغسيث إلى الجيش الأميركي لمحاربة المتطرفين. ولكن مع التحول السياسي الذي اتخذته العديد من المؤسسات في ظل إدارة بايدن، أصبح يُنظر إليه على أنه متطرف.
ويقول: «كنت في الحرس الوطني أثناء تنصيب جو بايدن. خدمت في عهد بوش الابن، وخدمت في عهد أوباما، وخدمت في عهد ترامب. والآن سأحرس حفل التنصيب لأنني كنت في حرس العاصمة واشنطن. في النهاية، اعتبر أعضاء وحدتي القيادية أنني متطرف أو قومي أبيض بسبب الوشم الذي لدي، وهو وشم ديني. إنه صليب القدس. يمكن لأي شخص البحث عنه، لكنه استُخدم كذريعة لإلغاء أوامري في حراسة حفل التنصيب».
لدى الاطلاع على صور لهيغسيث، فإن ما يظهر على ذراعه وشم صليب لكن ليس مطابقاً لصليب القدس المعروف.
علقت محطة «سي إن إن» في تقرير لها على نفي هيغسيث أن يكون رمز صليب القدس عنصرياً بملاحظة قالت فيها إنه «في حين أن الرمز لا يزال يحمل أهمية دينية وتاريخية – الشعار الصليبي مدرج على علم دولة جورجيا – بات رمزاً لجماعات اليمين المتطرف التي استخدمته لتمثيل أيديولوجيا معادية للمسلمين، وفقاً لرابطة مكافحة التشهير ومركز قانون الفقر الجنوبي، وهما منظمتان تراقبان الجماعات التي تروج للكراهية».
يتكون صليب القدس من خمسة صلبان. واستُخدم، منذ القرن الثالث عشر، كشعار لمملكة بيت المقدس خلال الحروب الصليبية. لا يوجد معنى واحد متفق عليه للصلبان الخمسة. ولكن نظريات مختلفة أشارت إلى أنها يمكن أن تمثل المسيح والأناجيل الأربعة أو ترمز إلى خمسة جروح عانى منها المسيح، أو إلى الجهات الأربع للبوصلة.
ومن المحتمل أن يكون الرمز الأصلي سابقاً على تأسيس مملكة بيت المقدس. وكان يستخدم في الدول الإقطاعية التي تُعرف الآن باسم جمهورية جورجيا التي وضعت الصلبان الخمسة، منذ عام 2004، على علمها الوطني.
يناقش الكتاب هذه القصة، ويركز على خطر ظاهرة «الصحوة» في الجيش، وهو مصطلح يستخدم للإشارة إلى الوعي بالقضايا الاجتماعية مثل العنصرية والتمييز الجنسي يستخدمه بعض النقاد بشكل ساخر أو سلبي للإشارة إلى سياسات يعتبرونها مبالغاً فيها أو غير مناسبة في سياقات معينة.
كانت سياسات «الصحوة» في القوات المسلحة الأميركية خاضعة للمراقبة من جانب اليمين في السنوات الأخيرة، حيث زعم البعض أن التوجهات الصارمة حول العرق والجنس وفرض الميول المنحازة سياسياً هي المسؤولة عن أزمة التجنيد الحالية.
حتى ترامب نفسه أصر في مقابلة مؤخراً مع «فوكس نيوز» على أن الولايات المتحدة «لا يمكن أن يكون لديها جيش يسيطر عليها دعاة الصحوة».
قال لهيغسيث في المقابلة خلال تقديمه كتابه في يونيو/حزيران الماضي: «أنت بحاجة إلى أشخاص يريدون الفوز. يريدون الفوز في الحروب، وليس أن يكونوا من دعاة الصحوة». وقال هيغسيث إنه يعتقد أن تصريحات ترامب كانت صحيحة، وشرع في انتقاد وزارة الدفاع لتحولها خطابياً نحو اليسار، موضحاً: «يقول البنتاغون إن تنوعنا هو قوتنا. يا له من هراء. في الجيش، قوتنا في وحدتنا وليس تنوعنا. ونحن بحاجة إلى قائد أعلى يفهم ذلك. دونالد ترامب يفهم ذلك بالتأكيد».
يناقش وزير الدفاع الجديد في كتابه «كيف سمح الجيش لتيار الصحوة بالتلاعب به؟»، على حد تعبيره.
يهدف كتاب «الحرب على المحاربين»، بحسب تقرير «فوكس نيوز»، إلى الكشف عن الجذور العميقة للخلل في الجيش. يشعر هيغسيث أن مبادرات التنوع والمساواة والإدماج والحصص الاجتماعية والمعايير الأخرى التي يفرضها اليسار على الجيش تقضي على معايير الاستحقاق.
ويقول هيغسيث: «لقد فرض المدنيون الأمر على جنرالاتنا، والجنرالات ينفذون الأوامر لأنهم يعرفون أنه إذا أرادوا الحصول على ترقية عليهم اتباع امتيازات الهندسة الاجتماعية للبيت الأبيض. وإلا، فلن يحصلوا على ترقية وسيتم فصلهم، ولن يحصلوا على الوظائف المجزية في قطاع الدفاع بعد تقاعدهم».
يضم غلاف الكتاب علماً أميركياً مقلوباً، إذ يشعر وزير الدفاع الحالي أن لوحة الغلاف ستوضح أن «الأمور ليست على ما يرام» في الجيش.
ويشي تعيين ترامب لهذه الشخصية على رأس وزارة الدفاع إلى قرب إطلاق حملة لتطهير صفوف الجيش من مروجي أيديولوجيات اليسار بشأن التنوع الجنسي والتحول الجنسي داخل الجيش. وكان ترامب حذر في مقابلة على «فوكس نيوز» استضافه فيها هيغسيث نفسه، من «جيش الصحوة الأميركي»، وتعهد بطرد القادة العسكريين من أقصى اليسار.
وأفادت شبكة «سي إن إن» الأسبوع الماضي أن مسؤولي «البنتاغون» استعرضوا سيناريوهات مختلفة في ظل استعدادهم لإصلاح وزارة الدفاع تحت قيادة ترامب. ألمح الرئيس المنتخب أنه سيكون منفتحاً على استخدام القوات لإنفاذ القانون المحلي والترحيل الجماعي. كما أشار إلى أنه يريد ملء شواغر الحكومة الفيدرالية بالموالين و«طرد الفاسدين» في مؤسسات الأمن القومي الأميركية.
ويقول هيغسيث: «يتم خفض المعايير وتآكلها ببطء لتتوافق مع الإيديولوجيات الماركسية التي روج لها الساسة الديمقراطيون داخل البنتاغون. لسوء الحظ، كانت الحوافز المقدمة للجنرالات في ظل إدارة بايدن وإدارة أوباما هي التوافق مع أيديولوجيات السياسيين اليساريين الذين كانوا يضغطون على البنتاغون بأمور لا علاقة لها بالفوز في الحروب».
تفاجأ العديد من الأشخاص في دائرة ترامب بقرار تعيين هيغسيث. يعد اختيار ترامب له مختلفاً عن اختياراته لمنصب وزير الدفاع في ولايته الأولى، عندما اختار الجنرال ذي الأربع نجوم جيمس ماتيس ووزير الجيش مارك إسبر لقيادة وزارة الدفاع. لكن في نهاية المطاف، كره ترامب هذين الوزيرين وانتقدهما بشدة بعد استقالة ماتيس وطرد إسبر.
وقال مسؤول في الوزارة لشبكة «سي إن إن»: «الجميع مصدومون ببساطة». وقال مسؤول سابق في إدارة ترامب أيضاً إنهم «صُدموا» بالاختيار، ويتوقعون أن تكون هناك جهود «لإسقاطه».
وفي بيان تحدث فيه عن هيغسيث، أشاد ترامب بسجله العسكري بالإضافة إلى فترة عمله كمضيف في «فوكس نيوز» وكتابه الأكثر مبيعاً.
وقال ترامب في بيان: «لقد أمضى حياته كلها كمحارب من أجل القوات والبلاد. بيت قوي وذكي ومؤمن بأميركا أولاً. مع وجوده على رأس القيادة، فإن أعداء أميركا سيكونون تحت الأنظار- سيكون جيشنا عظيماً مرة أخرى، ولن تتراجع أميركا أبداً».
في عام 2019، ذكرت «سي إن إن» أن هيغسيث، وأثناء عمله في «فوكس نيوز»، شجّع ترامب على العفو عن بعض العسكريين الأميركيين المتهمين بارتكاب جرائم حرب. وهو حصل على ماجستير في السياسة العامة من جامعة هارفارد وخدم في العراق وأفغانستان وخليج غوانتانامو. كما حصل على نجمتين برونزيتين على أدائه في ساحة المعركة. بدأ العمل مع «فوكس نيوز» كمساهم في عام 2014 وتم تعيينه كمضيف مشارك لبرنامج «Fox & Friends Weekend» في عام 2017. كما عمل خريج جامعة برينستون وهارفارد كرئيس تنفيذي لمنظمة «الدفاع عن المحاربين القدامى».