المركز الكردي للدراسات يناقش آفاق السلام في شمال كردستان وتركيا

المركزي الكردي للدراسات
قدم المركز الكردي للدراسات، مساء الرابع من شهر نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، برنامجاً حوارياً باللغة العربية لمناقشة وتحليل التطورات الأخيرة في كل من شمال كردستان وتركيا. واستضاف البرنامج، الذي أعده وقدمه الزميل الكاتب شورش درويش، الصحافي سركيس قصارجيان المختص بالشؤون التركية، إلى جانب كل من مدير المركز الكردي للدراسات نواف خليل والزميل الكاتب طارق حمو.
وفي رده على سؤال حول التصريحات الأخيرة الصادرة عن بعض مسؤولي الدولة التركية حول القضية الكردية، قال الصحافي سركيس قصارجيان إنه حتى الآن لا توجد سوى بعض التصريحات حول السلام في تركيا دون أن تلوح أية خطوات أو مبادرات واضحة المعالم يمكن أن نقول عنها إنها مشروع حل وتسوية للقضية الكردية. وأوضح أن الأجواء التي خلقها دولت بهجلي، رئيس حزب الحركة القومية المتطرف، لم تؤثر بشكل إيجابي في تعامل الدولة ولا على المعارضة التركية، وإنه وبعد أسبوعين من التصريحات كان ينبغي اتخاذ بعض الخطوات العملية التي تترجم نوايا الحل والرغبة في السلام والتسوية. وأشار إلى أنه بدلاً من ذلك، قامت تركيا بشنّ هجمات على البنية التحتية في إقليم شمال وشرق سوريا، كما لجأت الحكومة التركية إلى تعيين «أوصياء» على ثلاث بلديات تابعة لحزب المساواة والديمقراطية للشعوب، وبالتالي وضعت اليد عليها، فضلاً عن عزل رئيس بلدية مهمة في إسطنبول تتبع لحزب الشعب الجمهوري وتعيين وصي مكانه.
وأشار قصارجيان إلى أن هناك هجمات استباقية وإجراءات تضييق ممنهجة تقوم بها الحكومة لمنع حدوث أي تغيير في السياسة الداخلية في تركيا وعدم السماح لكل من حزب المساواة والديمقراطية للشعوب وحزب الشعب الجمهوري بالتحالف ضد دستور جديد يريد الحزب الحاكم تمريره، أو محاولة الدفع في إجراء انتخابات مبكرة، موضحاً أنه ومن خلال خطوات التصعيد هذه بحق كل من حزب الشعب الجمهوري وحزب المساواة والديمقراطية للشعوب، فإن الحكومة التركية تهدف إلى التضييق على منصور يافاش، رئيس بلدية أنقرة التابعة لحزب الشعب الجمهوري، ودفعه إلى مغادرة صفوف المعارضة.
وأوضح قصارجيان أن هناك محاولة لإعادة ترتيب وتشكيل السياسة الداخلية في تركيا لكي تتناغم مع خطط وسياسات التحالف الحاكم، لذلك باتوا يتحدثون عن السلام ويذكرون القائد الكردي عبد الله أوجلا، ويوجهون له دعوات بالتخلي عن الكفاح المسلح، كما لو كانوا يدعونه إلى الاستسلام، من دون ذكر أي تغيير دستوري أو إجراء إصلاحات قانونية وتثبيت للحقوق الكردية. ونوه إلى أن السلطات التركية تعلم جيداً أن أوجلان لن يقبل بمثل هذه الدعوات، وأن معالم الحل الديمقراطي لديه تختلف تماماً عن ما يريده التحالف الحاكم.
وفي معرض حديثه، أشار الكاتب والصحافي المختص بالشؤون التركية إلى أنه كان لتاريخ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 تأثير كبير على تركيا، حيث ظهرت تطورات أسفرت عن توازنات إقليمية جديدة. وأضاف أن القوى الدولية بدأت تعيد تقييم علاقاتها مع القوى المحلية والإقليمية، موضحاً أن إسرائيل لا ترى وجود أي مشكلة مع الدولة التركية، لكنها تعتبر أردوغان عنصر إزعاج وعقبة أمام سياساتها. وأضاف أنه فيما يخص شأن التطبيع التركي مع النظام السوري، ذكر وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في كلمة في لندن أن الرئيس السوري بشار الأسد غير مستعد للتطبيع مع المعارضة، علماً أن تركيا أرسلت رسالة إلى روسيا تطلب منها التوسط مع دمشق لإعادة العلاقات بين البلدين. وذكر أنه من الواضح أن هناك توتراً بين روسيا وتركيا، وتركيا تسابق الزمن لتعيد تموضعها بعد الانتخابات الأميركية على أمل أن تصبح جزءاً من الرؤية الجديدة للولايات المتحدة وإسرائيل للمنطقة، لذلك هناك حديث في أنقرة عن القضية الكردية وإمكانية رفعها من أجندة الدولة. ونوه إلى أن أنقرة تفكر في كيفية العودة إلى دورها الذي كان في عام 2010، ولذلك تدلي بتصريحات حول «السلام» و«الإخوة بين الكرد والترك».
بدوره، قال نواف خليل، مدير المركز الكردي للدراسات، إن النقاشات الجارية بشأن السلام في تركيا ليست جديدة، حيث تم عقد أكثر من عشرة لقاءات في أوسلو سابقاً تلاها جولات حوار في إيمرالي استمرت لسنوات، والتي وصلت بعضها إلى مستوى متقدم أوقفتها الدولة التركية. وأضاف أن الكرد حذرون إزاء مثل هذه التصريحات، لأنهم تعرضوا للغدر من قبل أردوغان الذي عرقل مفاوضات السلام وأعلن أنه ليس لديه أي علم بها.
وأشار نواف خليل إلى أن كل دعوة للسلام والحل لها صدى إيجابي وتنشر جواً من الارتياح والأمل، لكن الجميع مدرك لاحتمالية أن يكون هذا فخ جديد. وأوضح أنه نتيجة الخبرة الطويلة لحزب العمال الكردستاني وتجربة الأحزاب السياسية الممثلة للكرد في البرلمان التركي، من الطبيعي أن يبدو الكرد حذرين وغير مندفعين، مضيفاً أنه لدى العودة إلى خطابات بهجلي، نرى حقيقة أن بهجلي وبعد أكثر من 40 عاماً من النضال الكردي لا يدعو إلى الحل السياسي العادل بل إلى الاستسلام. وقال خليل إن الدولة التركية حاولت مراراً خلق صراعات داخلية بين قيادات حزب العمال الكردستاني وحزب المساواة والديمقراطية للشعوب، وقبله حزب الشعوب الديمقراطي، لكنها لم تنجح في تحقيق أي شيء لأن قيادات حزب العمال الكردستاني وحزب المساواة والديمقراطية يؤكدون بأن أوجلان هو عنوان الحل وهو من يمثلهم. وأضاف أن أوجلان بطبيعة الحال لا يتجاهل أدوارهم في أية عملية سلام، مشيراً إلى أن هناك موقفاً موحداً وثابتاً بين كل من حزب العمال الكردستاني وحزب المساواة والديمقراطية وأوجلان، الذي هو صاحب المشروع و الرؤية في الحل وتوطيد سلام حقيقي عادل ودائم.
وأوضح خليل أنه منذ اتفاقية لوزان وحتى عام 1991، كانت الدولة التركية تنكر وجود الكرد كشعب وأمة، ولكن بعد ذلك أُجبرت على الاعتراف بالوجود الكردي وبالقضية الكردية، لذلك ينبغي البحث عن حلول جديدة والخروج عن سياق السياسات التقليدية السابقة في الإنكار والرهان على الحرب والحسم العسكري. وأضاف أن دعوات أردوغان وبهجلي التي لا تخرج عن الإطار العام لسياسات الإنكار لن تنجح ولن تمر على الكرد وحركتهم.
ومن جهته، قال طارق حمو إن قضية كبيرة بحجم القضية الكردية لا تحل بمثل هذه التصريحات التي لا تنم عن أي مشروع للحل الديمقراطي العادل، وإن الحرب المستمرة التي تشنها الدولة التركية على أكثر من صعيد وبأكثر من أسلوب وطريقة لا يمكن وقفها وإزالة تبعاتها بمثل هذا الكلام، لأن القضية تحتاج إلى حوار حقيقي وشامل بين الدولة وممثلي الشعب الكردي من أجل التوصل إلى حل سياسي.
وأشار حمو إلى جولات الحوار السابقة بين حزب العدالة والتنمية والحركة الكردية، منوهاً بالرغبة الصادقة لدى الجانب الكردي في الحل الديمقراطي والخطوات التي قام بها بغية إنجاح كل محاولة حوار وتسوية. وأضاف حمو أنه عندما تحدث أردوغان عن القضية الكردية في آمد/ديار بكر في 2005 وصرّح بأنه يعتبر القضية الكردية قضيته، عمّد حزب العمال الكردستاني إلى إعلان وقف إطلاق النار في نفس اليوم وجرت لقاءات بين حزب العمال الكردستاني والدولة التركية واستمرت جولات الحوار من عام 2005 إلى عام 2009، ولكن في الوقت نفسه استمرت الدولة التركية بتكثيف حملات الاعتقالات والتضييق في شمال كردستان وتركيا واعتقلت آلاف السياسيين والكوادر الحزبية والصحافيين والناشطين الكرد. وأضاف أنه تم عقد لقاء بين أوجلان وهاكان فيدان عام 2012 للخوض في خطوات الحل، وتقدم الحوار في وقت لاحق، حيث زار وفد من حزب الشعوب الديمقراطي أوجلان في 2013، وأردف حمو أنه تزامناً مع ذلك اللقاء، بقيت الدولة التركية مراهنة على إضعاف الحركة الكردية من خلال العمليات العسكرية وأعمال التصفية، حيث عمدت إلى اغتيال السياسية الكردية سكينة جانسيز واثنين من الناشطات الكرديات في باريس، ولكن على الرغم من ذلك تمسك حزب العمال الكردستاني بالحوار على أمل إنجاح هذه الفرصة التاريخية والوصول إلى حل عادل ودائم للقضية الكردية.
وأضاف حمو أنه في عيد نوروز 2013، أعلن أوجلان عن مبادرة السلام واستعداد الجانب الكردي وقف الكفاح المسلح في حال توفر برنامج حل واضح للقضية الكردية مضمون دستورياً وبرلمانياً. ونوه إلى أن الفترة بين عامي 2014 و2015 كانت مرحلة مهمة جداً شهدت تطورات كبيرة مثل هزيمة تنظيم داعش في كوباني وتأسيس الإدارة الذاتية ومقاطعات روج آفا، بالإضافة إلى صعود حزب الشعوب الديمقراطي. وذكر حمو أنه جراء كل ذلك وبعد فشلها في إضعاف الحركة الكردية وفرض تصورها للتسوية، قلبت الدولة التركية طاولة الحوار وأوقفت مباحثات السلام التي كانت ذروتها لقاء النواب الكرد مع نائب رئيس الوزراء في قصر دولمه باغجه في فبراير/ شباط 2015، حينما نقلوا للحكومة نقاط أوجلان العشر لحل القضية الكردية. وأضاف أن مراهنة جديدة على المزيد من القمع والتضييق وحملات الحرب والقتل بدأت من هذه النقطة، فيما كان لانتصار حزب الشعوب الديمقراطي في انتخابات يونيو/حزيران 2015 وفوزه بـ80 مقعداً برلمانياً وفقدان حزب العدالة والتنمية الأغلبية التي تؤهله لتشكيل الحكومة بمفرده، أبلغ الأثر في قرار أردوغان وقف الحوار والعودة إلى الحرب وممارسة المزيد من العنف المفرط. وقال حمو إن أردوغان رفض الاعتراف بنتائج الانتخابات وعمد إلى إجراء انتخابات أخرى في شهر نوفمبر/تشرين الثاني حينها، سبقتها أعمال ترهيب وعنف وتفجيرات طالت مقرات ومظاهرات حزب الشعوب الديمقراطي، ما أشاع جواً من الرعب أسفر عن فوز حزب العدالة والتنمية وتشكيله الحكومة متحالفاً مع حزب الحركة القومية.
واختتم حمو حديثه بالقول إن سياسة الدولة التركية تقوم على إضعاف الكرد وشن المزيد من العمليات العسكرية وحملات الاعتقالات والتضييق ضدهم، مشيراً إلى أن الأحكام الجائرة بحق قيادات حزب الشعوب الديمقراطي، صلاح الدين دمرتاش وفيغان يوكسكداغ ورفاقهم، والعمليات في إقليم كردستان العراق وتدمير البنية التحتية في إقليم شمال وشرق سوريا وشنكال وتشديد العزلة على أوجلان ووضع اليد على البلديات التي انتخب المواطنون رؤساءها، جزء من سياسة وعقلية الإبادة والصهير القومي ومواصلة المراهنة على العنف في سحق الكرد، عوض الحوار معهم وترجيح السلام والحل الديمقراطي.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد