حزب الدعوة.. ظل أردوغان في ألمانيا

المركز الكردي للدراسات

بثت محطة «ZDF» الألمانية منتصف شهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري تقريراً عن حزب الدعوة (اختصار للتسمية الرسمية: التحالف الديمقراطي من أجل التنوع والنهضة) الذي أسسه مقربون من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه حزب العدالة والتنمية في يناير/كانون الثاني 2024، سلطت فيه المحطة الضوء على خفايا العلاقة بين الحزب الجديد والرئيس التركي شخصياً ومسؤولين في الحكومة التركية، مستعينة بخبراء من دائرة حماية الدستور( الاستخبارات الداخلية) ومختصين من أصل تركي في قضايا الإٍسلام السياسي وفي الدراسات الاجتماعية وأحوال الجالية التركية في ألمانيا.

أصابع اللوبي التركي

استعرض التقرير سير حياة مرشحي حزب الدعوة لانتخابات البرلمان الأوروبي التي جرت في 9 يونيو/حزيران 2024 وشارك فيها الحزب محققاً نسبة 0,4% على صعيد ألمانيا، ولكنه لم يفز بأي مقعد في البرلمان الأوروبي. وتحدث التقرير عن أول أسم على لائحة الحزب وهو فاتح سينغال، المتحدث السابق بإسم «الإتحاد الديمقراطي الدولي» التركي، وهو مظلة تشرف عليها الحكومة التركية وتضم عدداً كبيراً من الجمعيات والمنظمات التركية في عموم القارة الأوروبية، وكان قبل عام 2018 يسمى «اتحاد الديمقراطيين الأتراك الأوروبيين». ويخضع هذا الإتحاد منذ عام 2017 لمراقبة دائرة حماية الدستور، والتي تقول بأن أنشطة الإتحاد وفعالياته في ألمانيا لا تتوافق مع النظام الديمقراطي الحر لأنه عبارة عن تجمع يخضع لتوجيه من الحكومة التركية وعمله الرئيسي الترويج لأردوغان وحزبه وحشد الأصوات لهما في الانتخابات التركية الرئاسية والبرلمانية في صفوف الجاليات التركية.
وكشف تقرير التلفزيون الألماني عن اتصالات بين رئيس حزب الدعوة توفيق أوزجان وكنعان أصلان رئيس «الإتحاد الديمقراطي الدولي» التركي، الإطار العالم للمنظمات والجمعيات التركية التي تخضع مباشرة لرعاية أردوغان وحزب العدالة والتنمية، وتلقي أوزجان تعليمات من أصلان حول كيفية العمل التنظيمي والدعاية داخل مناطق كثافة الجاليات التركية. كما يستمع منه إلى الشكاوى حول عدم التفاعل المطلوب من المواطنين من أصل تركي مع حملة الحزب الدعائية والمهرجانات الخطابية التي ينظمها استعداداً لانتخابات البرلمان الأوروبي. وفي اجتماع عقد في مدينة هانوفر، طلب أحد المسؤولين في الإتحاد من الحضور العمل بين أوساط الجالية التركية في مقاطعة ساكسونيا السفلى للتصويت لحزب الدعوة، مشيراً إلى أنه يحمل سلاماً من أردوغان لهم، وأنه وعد بلقاء قريب بمرشحي الحزب للبرلمان الأوروبي. كذلك، يكشف التقرير عن أحد مستشاري أردوغان، وهو النائب الحالي في البرلمان التركي ظفر سيراكايا، المولود في مدينة هيرني الألمانية)، بأنه الشخص الذي يربط بين أردوغان وحزب الدعوة والمكلف بالإشراف على أنشطة وتوجه الحزب من خلف الكواليس. كما يشرف على تمويل الحزب عبر قنوات تمر من «الإتحاد الديمقراطي الدولي» التركي.
وأوضح التقرير أن كل المؤشرات تدل على إشراف الحكومة التركية على سير عمل حزب الدعوة، وأن قادة ومسؤولي الحزب مختارين بعناية من حزب العدالة والتنمية وبعد موافقة أردوغان شخصياً. وبهذا، فإن حزب الدعوة سيكون أحد الأفرع الرئيسية لشبكة أردوغان وحزب العدالة والتنمية العاملة في ألمانيا، والتي تضم كذلك «الإتحاد الديمقراطي الدولي» التركي (UID)، والإتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية (DITIB)، وتجمع «الذئاب الرمادية» (Ülkücü).

العلاقة مع «الذئاب الرمادية»

يشير التقرير الألماني إلى العلاقة العضوية التي تربط حزب الدعوة بتجمع «الذئاب الرمادية» أو الجمعيات والمنظمات القومية العنصرية في ألمانيا من تلك التي تتبع حزب الحركة القومية المتطرف وتشكل ذراعها الخارجي. ويذكر التقرير هنا اسم إحسان كليج، العضو المؤسس لحزب الدعوة، وهو في نفس الوقت مسؤول نشط في «الذئاب الرمادية». ويظهر التقرير اعتراف كليج بعمله ضمن حزب الدعوة والمساهمة في ضمان أصوات كتلة القوميين الأتراك للحزب الجديد، فضلاً عن اشارته إلى عمله المستمر ضمن «الذئاب الرمادية» وإسهامه في تنظيم التظاهرات التركية المعادية للأرمن والكرد بشكل خاص.

ويحاول حزب الدعوة التنصل من علاقاته مع تجمع «الذئاب الرمادية» ومجموعة مسماة «عثمانيو جرمانيا»، وهي مجموعة تضم آلاف الأشخاص وتصنف من قبل دائرة حماية الدستور بأنها مجموعة تركية متطرفة لا تعترف بالقوانين الألمانية وتهدف للنيل من النظام الديمقراطي الحر. كذلك، تورط أعضائها في جرائم جنائية مثل محاولات القتل والتهديد والبلطجة والإجبار على الدعارة والاعتداء على مواطنين كرد وأرمن وتهديد مصالحهم في العديد من المدن الألمانية. وتشير المصادر الألمانية إلى علاقة واضحة بين «عثمانيو جرمانيا» التي تأسست عام 2015 وحزب الدعوة، وعن الشبكة المتداخلة بينهما وبين الطرف الثالث وهو «الإتحاد الديمقراطي الدولي» التركي، والذي يتبع بشكل واضح وشبه رسمي لحزب العدالة والتنمية ويتمتع برعاية شخصية مباشرة من أردوغان. وشنت الشرطة الألمانية في مارس/آذار 2018 حملة واسعة في العديد من الولايات الألمانية طالت عشرات الشقق والمقار التابعة لهذه المجموعة، في حين اعتقلت العشرات من أعضائها وصادرت ممتلكات ووثائق وأجهزة كمبيوتر في إطار تحقيق موسع حول الجرائم التي ارتكبتها المجموعة في العديد من المدن والمناطق في ألمانيا. وانتهت الحملة والتحقيقات التي أعقبتها بحظر المجموعة.

أصوات الأتراك والمسلمين

كانت انتخابات البرلمان الأوروبي في يناير/كانون الثاني 2024 أول مشاركة لحزب الدعوة. وحقق نتائج لافتة في أوساط الجالية التركية (انظر: انتخابات البرلمان الأوروبي في ألمانيا: رفض أدلجة الخضر والإشتراكيين ومنح الثقة لدعاة الوطنية والانكفاء. المركز الكردي للدراسات 16 يونيو/حزيران 2024). وبحسب المصادر الرسمية الألمانية، فإن حزب الدعوة حديث التأسيس حصل على 0,4%، أي على 149 ألف صوت على صعيد كل ألمانيا. وبذلك، لم يتمكن من الفوز بأي مقعد في بروكسل. وحقق الحزب في مدينة ديسبورغ أفضل نتائجه، وهي نسبة 2,5%، بينما لم يتمكن من الحصول إلا على نسبة 0,7% في ولاية شمال الرين، حيث الكثافة التركية والمسلمة. وبالمقارنة مع الأصوات التي حصل عليها سلف الحزب، وهو «التحالف من أجل الابتكار والعدالة» في انتخابات البرلمان الأوروبي عام 2019، وكانت 68 ألف صوت، من الواضح بأن الخلف، أي حزب الدعوة، ضاعف من أصواته مرتين ونصف. وتشير الأرقام الرسمية التي توضح نتائج تصويت المواطنين المسلمين في ولايات غرب ألمانيا إلى أن 36% منهم صوتوا لأحزاب غير الأحزاب التقليدية المعروفة، وهذا يعني في الاحتمال الأكثر ترجيحاً أنهم صوتوا لحزب الدعوة.
وكان فاتح سينغال، المرشح الأول على لائحة حزب الدعوة لانتخابات البرلمان الأوروبي، نشر على صفحته على «فيسبوك» النتائج التي حققها الحزب في المنطقة الانتخابية التي تحمل الرقم 1001 في مدينة ديسبورغ في ولاية شمال الراين، وهي منطقة ذات كثافة سكانية تركية كبيرة، حيث فاز فيها حزب الدعوة بـ41,10% من الأصوات، وهي نتيجة كبيرة، كما ذهب سينغال متفاخراً.
لا يستفيد حزب الدعوة، عبر التحشيد والدعاية لخطابه، مما يسميه «التمييز والتضييق» على المسلمين في ألمانيا فحسب، بل يستثمر في الصراع والتطورات في غزة بين إسرائيل وحركة حماس بغية التسويق لنفسه والتمدد بين أوساط الجاليات المسلمة، خاصة العربية. ومن هنا، لاحظت دائرة حماية الدستور وباحثين في الإسلام السياسي وشؤون التطرف استخدام الحزب الرموز الفلسطينية، مثل الكوفية والعلم الوطني، ونشر البيانات المؤيدة لحركة حماس والمنددة بعمليات الجيش الإسرائيلي في غزة ونشر اقتباسات من خطب أردوغان المؤيدة للحركة والمنددة بالهجمات الإسرائيلية.
ومن الواضح أن الحزب لا يهدف فقط حصد أصوات الجاليات التركية، بل يريد تعزيز حضوره في الانتخابات القادمة بالاستحواذ على أغلبية أصوات 2,5 مليون مواطن مسلم، حصل قسم كبير منهم على الجنسية الألمانية في عهد حكومة الائتلاف الحالي بعد الإصلاحات والتسهيلات التي قدمتها. والعدد الأكبر من هؤلاء قدموا من سوريا والعراق وأفغانستان وتركيا. ومن هنا، يعمل حزب الدعوة على صبغ خطابه بالطابع الإسلامي العام ويبتعد عن التركيز على الخصوصية التركية، مقتبساً القضايا والتطورات التي تتفاعل خارج ألمانيا، وعلى رأسها الأوضاع في الشرق الأوسط والأراضي الفلسطينية والحرب الدائرة بين كل من إسرائيل من جهة وحركة حماس وحزب الله وإيران من جهة أخرى، مع اتضاح مرجعيته وهي مواقف وخطب وتصريحات أردوغان وسياسة حزب العدالة والتنمية التركي.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد