الجذور الوهابية لـ “الإخوان المسلمين”.. قراءة في الأسس الفكرية والتنظيمية للجماعة في مصر

د. طارق حمو

ينقسم هذا البحث إلى ثلاثة محاور وهي: الجذور الفكرية لجماعة الإخوان المسلمين، والسمات العقائدية لجماعة الإخوان المسلمين، والأسس التنظيمية لجماعة الإخوان المسلمين. ونتعرض أولاً إلى الأسس الفكرية والعقائدية للجماعة، وأهم الأفكار والبنى المستمدة من الشريعة الإسلامية والفقه والتاريخ الإسلاميين، من تلك التي اعتمد عليها المؤسس والمرشد الأول حسن البنا في تشكيل الجماعة وتحديد ملامحها الفكرية واطرها النظرية. كذلك نتعرف على الأسس التنظيمية وهيكلية الجماعة، من خلال عرض الأساس والتأصيل الفكري لها لدى البنا، والاطلاع على رؤاه فيما يخص التنظيم والهيكلة وتأسيس الأفرع والأطر والأسر التنظيمية للجماعة في كل مناطق الدولة المصرية. كذلك نستعرض المراحل التاريخية التي مرت بها الهيكلية التنظيمية للجماعة، وما شهدته كل مرحلة من صدامات ومواجهات وعنف متبادل بين الجماعة الأصولية والسلطات الحاكمة في مصر.

أولاً: الجذور الفكرية لجماعة الإخوان المسلمين:

شهدت مصر، وعموم المجتمعات الإسلامية في نهاية الحرب العالمية الأولى، بروز اتجاهين فكرييّن أثنين مختلفين تماماً، يستند كل منهما إلى مصادر معرفية أولية تشكّل رؤاهما وأهدافهما، وهما: الاتجاه الأول: الذي يستمد نمط التفكير الغربي والعقلية الليبرالية الحداثوية الأوروبية. والإتجاه الثاني: وهو ذاك الذي يدور في فلك العقلية الإسلامية والتاريخ الإسلامي، ويرنو إلى بناء حاضر على أمجاد الماضي الإسلامي الغابر، وجعل الشريعة وقيم الإسلام هي المصدر الأساس للقوانين والسلطات. وحول هذين الإتجاهين الفكرييّن، دارت الصراعات الفكرية والسياسية والاجتماعية والتنظيمية في عموم المشهد المصري في ذلك الوقت، “على سبيل المثال كانت المعركة بين أنصار “الطربوش”وأنصار “القبعة”خلال العشرينيات تعبر في جوهرها عن اشتعال المعركة الحقيقية ليس في جبهة أغطية الرؤوس بل فيما هو داخل الرؤوس ذاتها، حيث توجد عقليتان مختلفتان تتنازعان ليس مصر وحدها ولكن أقطار وبلدان الشرق الإسلامي كلها: عقلية تتمثل حضارة الغرب وتبشر بها، وعقلية تتشبث بالإسلام وحضارته وتدافع عنها وتسعى لإحياء مجدها “([1]).

1ـ الإسلام دين ودنيا:

استقى حسن البنا ورفاقه أفكارهم من تفسيرات ورؤى الدين الإسلامي. وهذه التفسيرات تذهب كلها في أن الإسلام هو دين ودولة، وهو نظام شامل ومتكامل للحياة، وقادر على إدارة الدولة والمجتمع، وبناء الاقتصاد والاشراف على مؤسسات الدولة ومرافقها. فبالاضافة إلى واقع التردي والفقر والوقوع تحت نير الاحتلال الأجنبي، وانهيار السلطنة العثمانية، التي كانت تقدم نفسها كدولة خلافة لعموم المسلمين، وظهور حملات التبشير وأفكار التغريب والتحديث، فإن هناك منطلقات فكرية أخرى، ترجع إلى الأصول والشريعة، ولا علاقة مباشرة لها بالواقع، وهي التي شكلت فكر جماعة الإخوان المسلمين، واستند إليها حسن البنا في بناء الجماعة، وجعل منها الأساس والقاعدة لتسويغ النواحي النظرية والفكرية والشرعية لوجود وعمل ونشاط الجماعة.

ويمكن القول، بشكل عام وعبر عرض خطوط رئيسية، بأن جماعة الإخوان المسلمين قد تأسست على المبادئ والدعائم الفكرية والتربوية التالية”:

1ـ الربط بين الإسلام والسياسة.

2ـ إيقاظ الوعي بوجوب تحرير الوطن الإسلامي.

3ـ إيقاظ الوعي بوجوب إقامة الحكم الإسلامي.

4ـ إيقاظ الوعي بوجوب إقامة الأمة المسلمة.

5ـ إيقاظ الوعي بوجوب الوحدة الإسلامية.

6ـ الترحيب بالنظام الدستوري.

7ـ التنديد بالأحزاب والحزبية.

8ـ حماية الأقليات والأجانب”([2]).

هذه هي الرؤى الفكرية المستمدة من الشريعة التي اعتمد عليها البنا في تأسيس وتوطيد أركان الجماعة، وهي كلها مدعمة بالآيات والأحاديث وسير السلف الصالح. وقد فصّل فيها البنا في رسائله، وكذلك فعل من جاء بعده من مفكري الجماعة وعقولها ومنظريها. والكل اتفق على إن مبادئ ودعائم ومعالم المرجعية الفكرية لجماعة الإخوان المسلمين هي مستمدة من الإسلام بوصفه دينا ودنيا، وباعتباره يمزج السياسة بالدين، ويرنو إلى تحقيق الدولة الإسلامية، التي يتم تطبيق الشريعة فيها، وتٌستمد القوانين من النص القرآني، ومن السنّة، ومن اجتهادات الفقهاء وسيرة السلف من خلفاء راشدين، ومن تبعهم من خلفاء أمويين وعباسيين وعثمانيين. والتفسير الإسلامي الذي أنطلق منه البنا، لم يكن تفسيرا صوفيّا أو روحيّاً محضّا للإسلام، ولكنه كان تفسيراً أصوليا وسلفيا واضحا، يدخل الإسلام في كل مناحي الحياة، ويجعل منه المرجعية والمحكّم في حياة الناس، ومن هنا “يرى الإخوان المسلمون أن فكرهم مستمد من الفكر الإسلامي، والذي يهدف إلى محاولة إصلاح المجتمع في كل المجالات الثقافية والسياسية والاقتصادية والمجتمعية عن طريق ضبط هذه المجالات بالمعيار الشرعي الذي يحدده البناء الفكري الإسلامي، وذلك على مستوى الفرد والمجموع، والانطلاق نحو تعميم هذا الإصلاح على كل مكونات الأمة العربية لتعاد إليها السيادة والاستقلالية ثم باقي بقاع الأرض”([3]).

وكان البنا ينظر إلى السياسة بوصفها جزءاً من حياة المسلمين ولا مناص من العمل بها والدخول في دهاليزها إذما قرر المسلمون الاهتمام بشؤون دينهم ودنياهم وفق منهج الإخوان المسلمين. وكان البنا يركز دائماً على أن منهج الإخوان هو منهج القرآن والسنّة وسيرة السلف الصالح، وأن هذا المنهج، وهذه الطريقة، لا بد وأن تؤدي إلى السياسة. ولكن السياسة هنا هي، بمعنى آخر يضعه البنا نفسه، وليس هي السياسة بالمفهوم الذي تلجأ إليه الأحزاب السياسية التقليدية وفق مبادئ اللعبة الديمقراطية من انتخابات وبرلمان وأقلية وأغلبية. فالعمل لمصلحة المسلمين والإشراف على شؤون دنياهم، وجعل الدين والشريعة غاية حياتهم، هو بالضرورة أمر يفضي إلى السياسة وإلى ممارسة الفعل السياسي، بغية تحقيق كل تلك الغايات والوصول إلى دولة الشريعة والخلافة، “يا قومنا، إننا نناديكم والقرآن في يميننا، والسنة في شمالنا، وعمل السلف الصالح من أبناء هذه الأمة الصالحة قدوتنا، وندعوكم إلى الإسلام وتعاليم الإسلام وأحكام الإسلام وهدي الإسلام، فإن كان هذا من السياسة عندكم فهذه سياستنا، وإن كان من يدعوكم إلى هذه المبادئ سياسياً، فنحن أعرق الناس ــ والحمد لله ــ في السياسة، وإن شئتم أن تسموا ذلك سياسة (وهو ليس بها) فقولوا ما شئتم، فلن تضرنا الأسماء متى وضحت المسميات وانكشفت الغايات”([4]).

ومن الواضح أن البنا كان يحمل مفهومه الخاص بالسياسة، وكان ينطلق من القرآن والسنّة في تعريف السياسة وتعريف أصول اللعبة السياسية، حيث المبتغى في التغيير الذي ينشده في النهاية، هو تطويع المفاهيم حسب الرؤية الإسلامية، وليس اقتباس ما هو موجود من مفاهيم وآليات وقواعد، هي غربية المنشأ، ولا علاقة للإسلام بها من قريب او بعيد، “لقد كان على البنا أن يخوض معركة حامية الوطيس، لمطاردة المفاهيم الخاطئة عن العلاقة بين الدين والسياسة. تلك المفاهيم التي غرسها الجهل والهوى، وتعهدها الاستعمار الثقافي بالسعي والرعاية حتى تغلغلت جذورها وامتدت فروعها. وكان لابد من حرب الفكرة الخاطئة بالفكرة الصحيحة وهي شمول الإسلام لكل جوانب الحياة…ومنها السياسية، كما دل على ذلك القرآن والحديث، وهٌدى الرسول وسيرة الصحابة، وعمل الأمة كلها طيلة ثلاثة عشر قرنا أو تزيد. وللإمام الشهيد في ذلك كلمات تكاد تكون محفوظة لدى جمهور الإخوان، ومن ذلك قوله في إحدى رسائله”إذا قيل لكم: إلا ما تدعون؟ فقولوا: نحن ندعو إلى الإسلام الذي جاء به محمد(ص) والحكومة جزء منه، والحرية فريضة من فرائضه. فإن قيل لكم هذه سياسة فقولوا: هذا هو الإسلام، ونحن لا نعرف هذه الأقسام”([5]).

2ـ الحكومة الإسلامية:

حسن البنا كان يدعو إلى الحكومة الإسلامية، ويرنو إلى الحكم وقيادة أمور المسلمين وفق تصور إسلامي يستند إلى الأصول والمرجعيات النظرية (قرآن، سنة، شورى)، وأخرى عملية (سيرة السلف والخلافة الراشدة). ولم يخف البنا رأيه في ضرورة المشاركة في الحكم يوماً، بل كان يرجع دائماً إلى القرآن والسنة، فيشير إليهما، ويشير إلى جماعة الإخوان بوصفها هي من تتمسك بتنفيذ ما جاء فيهما، وهو الإشراف على كافة شؤون ومناحي حياة المسلمين، وكل أمور الدين والدنيا، من صغيرها إلى كبيرها، “الإخوان المسلمون يسيرون في جميع خطواتهم وآمالهم وأعمالهم على هدي الإسلام الحنيف كما فهموه، وكما أبانوا عن فهمهم هذا في أول هذه الكلمة. وهذا الإسلام الذي يؤمن به الإخوان المسلمون يجعل الحكومة ركناً من أركانه، ويعتمد على التنفيذ كما يعتمد على الإرشاد “([6]).

أما مفهوم الدولة لدى البنا، وبالتالي لدى جماعة الإخوان المسلمين، فهو مفهوم خاضع لفهمهما الأصولي للإسلام. فالدولة هي مؤسسة حكم ويجب أن تكون إسلامية وخاضعة بكل آلياتها وقوانينها ودوائرها ورؤاها للإسلام وشريعته. يجب أن تكون هي الإطار القادر على حفظ وحماية المسلمين، وتقديم كل سبل العيش وفق الشريعة وأصول الدين، ومن هنا فقد “كانت رؤية البنا إلى الدولة تتمثل في عدة محاور، تبدأ من الرجل المسلم ثم البيت المسلم فالحكومة المسلمة التي تقود الشعب، فالدولة الإسلامية التي هي السور الواقي، والشعب المسلم هو الذي تتحصن به الأمة. إن الدولة الإسلامية من وجهة نظر البنا هي قاعدة أساسية من قواعد النظام الاجتماعي الإسلامي في العصر الحديث، وإنها ركن من أركان الإسلام ذاته، وهي أصل من أصوله. ويرفض البنا فكرة فصل الدين عن الدولة أو السياسة لأن الإسلام شريعة ربانية في رأيه”([7]).

ومن هنا فإن الدولة، بحسب مفهوم البنا وجماعة الإخوان المسلمين، هي وسيلة، وهي أداة مهمتها القيام بمهام تنظيم حياة وشؤون المسلمين، والخضوع لقوانين الشريعة، والتحرك بكل مؤسساتها وقوانينها وآلياتها في إطار ما تحدده الشريعة من أحكام، ليس أكثر. وهنا “يمكن صياغة هذا المفهوم في القول بأن الدولة وسيلة، أو أداة، وليست غاية في ذاتها، إنها ـ بعبارة أخرى ـ وسيلة في صورة كيان (تنظيم اجتماعي)، ولكنها وسيلة لازمة وأداة لا غنى عنها لتحقيق مثالية الإسلام عامة والسياسية خاصة في الحياة الدنيا. والدولة طبقاً لهذا التصور لها وظيفة يحددها الإسلام وتنفذ في إطارها أحكامه، وتبلغ دعوته وتٌراعى شرائعه، وما لم تلتزم الدولة بتحقيق تلك المهمة تصبح ـ حسب ما عبر عنه البنا صراحة ـ دولة غير إسلامية “([8]).

البنا يريد الدولة إسلامية، ولا يريدها دولة على غرار الدولة في الغرب، بعيدة عن قيم الدين، تستند إلى قوانين وضعية وقيم بشرية علمانية. لذلك فهو، وبالاضافة إلى التمسك بالجوهر الإسلامي للدولة المنشودة، والحديث عن الشريعة ودولة الخلافة والأمة الإسلامية، ينتقد الدولة في الغرب ويحط من شانها، ويرى في المدنية الغربية، والتي هي عنده عكس الخلافة الإسلامية الرشيدة، مصدراً للإفلاس والانهيار، وإن مجدها إلى أفول، وأن الوقت حان لكي يتسلم الشرق، عبر مدنية الإسلام، زمام القيادة من الغرب القائم على القوانين الوضعية والعلمانية، “ان المدنية الغربية التي تتباهى بعلومها، والتي استطاعت ان تسيطر على العالم، تعاني الآن من الإفلاس والانهيار، ذلك ان أسسها السياسية قد انهارت تحت وطأة الديكتاتورية، وأنظمتها الاقتصادية تتداعى بفعل الأزمة، وكيانها الاجتماعي يتآكل، والناس هناك يسيطر عليهم الطمع والقهر. لقد بدأت قيادة العالم شرقية، ثم أصبحت غربية، ولقد حان الحين لينهض الشرق من جديد”([9]).

3ـ الإسلام سلفي أصولي:

لابد من الحديث عن تأثير الفكر الوهابي في تشكيل فكر حسن البنا وجماعة الإخوان المسلمين. فبالإضافة إلى دعوة البنا إلى تحكيم الشريعة والدين، ورفض التغريب والتبشير والليبرالية، والمناداة بعودة الخلافة وطرد الاحتلال البريطاني، وجعل الإسلام ديناً ودولة، يحكم ويشرّع، لا مجرد طقوس وعبادات، فإن هناك تأثيراً وحضوراً فكرياً كبيراً، ومنذ البدايات، للوهابية في طريقة تفكير وعمل وتنظيم حسن البنا ورفاقه في جماعة الإخوان المسلمين. وفي هذا الشأن لا يمكن إغفال الدور الكبير الذي قام به رشيد رضا في نقل الأفكار الوهابية إلى مصر، وإدخالها إلى منهاج وعمل جماعة الإخوان المسلمين الوليدة. ومن هنا و”بالعودة قليلاً إلى تاريخ وفلسفة الحركة الوهابية في المملكة العربية السعودية نلحظ كيف استطاع رشيد رضا تلميذ الشيخ محمد عبده إبان حكم الملك عبد العزيز بن آل سعود من تجنيد حسن البنا بغية نشر الفكر الوهابي في مصر وباقي الدول العربية إذ سعى بن سعود إلى استغلال البنا وجماعته في تغيير مصر من التدين السنيّ الصوفي المعتدل آنذاك إلى التدين السنيّ الوهابي المتطرف، لكي تصبح مصر عمقاً استراتيجياً للأيديولوجيا الوهابية، ومن ثم تستطيع السعودية من خلالها السيطرة على العالم الإسلامي”([10]).

الشيخ رشيد رضا وسط عدد من الأصدقاء والأتباع في القاهرة | ويكيبيديا

وركزت الدولة السعودية بقيادة الملك عبد العزيز آل سعود على الدور المحوري لمصر، ووجدت في مصر منافساً قويّا لها، لذلك رغبت في إضعاف الدور المصري، والتغلغل في المجتمع والسياسة فيها، وبث الأيديولوجية الوهابية في ربوع البلاد المصرية، لتحل محل التفسير المصري للإسلام، وتكوّن، مع مرور الوقت، نوّاة لتيار عقائدي مؤيد للسعودية. ومن هنا فقد تميّزت العلاقات بين الجانبين بالتوتر والتنافس والعداء المتبادل، وذلك لفترة طويلة، ولعدة أسباب، “شهدت العلاقات المصرية السعودية فيما بين 1925/1936 فترة من الصراع الحاد، فقد رفضت مصر أن تسلم للسعودية بحق السيطرة على الأماكن المقدسة في الحجاز كما رفضت الاعتراف بالدولة السعودية. ودار الصراع حاداً بين الملك فؤاد في القاهرة والملك عبد العزيز في الرياض على منصب خليفة المسلمين، كما احتد الصراع الديني بين الإسلام السعودي القائم على التعصب والإسلام المصري القائم على السماحة “([11]) .

لقد ساهم رشيد رضا في إدخال الفكر الوهابي إلى مصر، ولم يكن ذلك اعتباطاً أو مبادرة فردية منه، ولكنه كان وفق خطة ورغبة سعودية بالتدخل في الشأن المصري الداخلي، إضافة إلى الترويج الشعبي لانتصارات عبد العزيز آل سعود على خصومه في داخل الجزيرة العربية، وتوالي أخبار توسع قواته وتمكنه من توحيد أطراف شاسعة تحت حكمه هو وأسرته، “كانت الأنباء تأتي إلى مصر بانتصارات الشاب ابن سعود ونجاحه في ضم الإحساء والمنطقة الشرقية، ثم نجح بعدها في ضم عسير، وحاصر الشريف حسين في الحجاز، ثم انتزع منه الحجاز سنة 1926 ليحتل ابن سعود بعدها موقعاً متميزاً جفف به دموع الملايين الذين حزنوا على إلغاء الخلافة العثمانية”([12]).

بدا رشيد رضا متحمساً للترويج للمذهب الوهابي في مصر، ووجد فيه التفسير الأصولي الصافي المحارب للبدع والمظاهر التي اعتبرها منحرفة، وتأثر بانتصارات حملة لواء المذهب في شبه الجزيرة العربية، فدعى الجميع للأخذ به، “حث رضا على الاجتهاد من منطلق قناعته أن الإسلام ملائم لكل عصر. ولا شك في أن المدارس الإصلاحية السلفية أعجبت بالحراك الاجتماعي الشعبي تحت راية الإسلام الذي حاولت الوهابية أن تمثله، وبالإحياء الإسلامي الذي أثارته في الوجدان بنفي هذه السلفية النجدية للبدع ونشرها الإسلام في بيئة بدوية قبلية صحراوية تعاني هشاشة الدين وقلة التدين”([13]).

وبموازاة الإعجاب بالمذهب الوهابي الذي حمل شعلة الإسلام الأول، ونبذ البدع وحقق انتصارات عسكرية كبيرة في شبه الجزيرة العربية، والتي تمخضت عنها دولة مترامية الأطراف هي المملكة العربية السعودية، كان الواقع في مصر مختلفا تماما. كان هناك ملك لا يطبق الإسلام وشريعته، بل يعيش على النمط الغربي، وكانت المظاهر والبدع منتشرة في كل مكان، وهو الأمر الذي وجد فيه رشيد رضا مناسبة للتهجم على مصر وسياسة حكومتها، وإجراء مقارنة بين الدولة المصرية والدولة السعودية القائمة على الشريعة الإسلامية من خلال حكم آل سعود ومذهب ابن عبد الوهاب،” لقد بدأ رشيد رضا الدفاع عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب سنة 1903، ففي تلك السنة أقيمت بمصر احتفالات بمناسبة مرور مائة عام على مٌلك أسرة محمد علي على مصر، وزٌينت المساجد والجوامع بالأنوار، فهاجم رشيد ذلك العمل، وقال: “إن المساجد بيوت الله، ولا يصح أن تٌزين للاحتفال بذكرى الملوك والأمراء المستبدين”، ثم تطرق إلى مساوئ سياسة محمد علي، ومنها قتاله للوهابيين وقضائه عليهم، وهم الذين نهضوا بالإصلاح الديني في جزيرة العرب مهد الإسلام ومعقله”([14]).

وانطلق رشيد رضا يكتب لصالح الدعوة الوهابية والملك عبد العزيز آل سعود الذي حمل لواء تطبيقها في مهد الإسلام، وتحرك رضا نشطاً للترويج لأفكار محمد بن عبد الوهاب، مستغلا كل المنابر في داخل مصر، للتأثير على الشعب ودعوته إلى تبني الوهابية، “أعلموا أنه لا توجد حكومة إسلامية غير حكومة نجد تقدر الآن على حفظ الأمن في الحجاز ومنع التعدي على الحجاج، ثم على إصلاح حال قبائل الأعراب فيه ومنعهم من الغزو لمجرد التعدي أو الكسب أو النهب، فيجب أن يعضدهم جميع العالم الإسلامي”([15]).

ومن بين المنابر التي كان رشيد رضا يستخدمها في الترويج للدعوة الوهابية وسلطة الملك عبد العزيز آل سعود، مجلة (المنار)، والتي أصدرها بداية القرن العشرين، واستمرت في الصدور حتى تاريخ 1935. وكانت التهم تلاحق رشيد رضا حول تلقيه أموال من السعودية، مقابل الترويج والدفاع الدائم عن فكر السلفية الوهابية في مصر وبقية العالم الإسلامي، وهو ما لم يكن ينفيها، بل كان يجعل منها مدعاة للفخر،”لم يغفل رشيد عن رد التهم الموجهة إليه في أن تـأييده للوهابيين لأجل منفعة شخصية وأنه يأخذ من ابن سعود أجراً عن ذلك. وقد رد رشيد على ذلك بأن تأييد المنار للوهابيين لأنهما يتفقان في اتجاههما السلفي لا غير ويقول: “لو صح ما أشاعه هؤلاء ـ وما هو بصحيح ـ لما صح أن يجعل حجة على أن المنار أنشئ لجمع المال، وإنما يعده مساعدة على خطة دينية قديمة في خدمة الإسلام ونشر العلم “([16]).

وكان حسن البنا نفسه قريباً من السعودية، ومتابعاً لما يجري فيها من عملية أسلمة للحياة والسياسة، ونشر للمذهب الوهابي في عموم مناحي الحياة، وكان يعتبر ذلك مثالاً ينبغي الاحتذاء به في مصر، “المتتبع لتاريخ العلاقة بين المملكة والإخوان يلاحظ أنها بدأت مع بداية تأسيس جماعة الإخوان نفسها، حيث كانت المملكة الناشئة حديثاً والصاعدة بقوة تحت قيادة مؤسسها الملك عبد العزيز آل سعود، الوجهة الأولى التي كان ينوي الإمام الشهيد حسن البنا الرحيل إليها والاستقرار بها حين كان يبحث في بداية دعوته عن بيئة أكثر ملاءمة للدعوة من مصر”([17]).

وعندما نعلم بأن حسن البنا كان يضمر ترك مصر والتوجه للسعودية، في حال اشتداد الأمور عليه، وعدم استجابة الشارع المصري له، وهو الشارع الواقع تحت الاحتلال البريطاني واستبداد القصر، فهذا يؤكد مدى العلاقة بين البنا والسعوديين، ومدى تقبله لهم وتقبلهم له. وقد قدمت السعودية المأوى والملجأ لجماعة الإخوان المسلمين طيلة سنوات كثيرة، وكان رموز الإخوان يلجؤون للسعودية هاربين من بلادهم، وكان ثمة عقد غير مكتوب بين هؤلاء وبين الحكومة السعودية، حول تعهدهم بعدم ممارسة العمل السياسي والتنظيمي انطلاقاً من السعودية أو داخل المجتمع السعودي نفسه، “هاجر الإخوان إلى السعودية في وقت كانت الجماعة فيه تواجه ظروفاً عسيرة في العراق وسورية ومصر، وأفترض أن أكبر همٍّ للمهاجرين هو ضمان أمنهم الشخصي، من ناحية ثانية، فإن الشخصيات البارزة بين مهاجري الإخوان كانت من رجال الدين الذين نادراً ما يمارسون عملاً تنظيمياً أو ينشئون خلايا”([18]).

ودامت العلاقة بين كل من السعودية وجماعة الإخوان المسلمين في مصر بعد وفاة الشيخ رشيد رضا، وكان ثمة تعاطف من السعودية مع الإخوان المسلمين، الذين بدورهم ثمَّنوا هذا التعاطف واحتفظوا بعلاقة مميزة مع الحكومة السعودية، وهو ما جرّ عليهم الاتهام بأنهم صاروا أتباعاً للسعودية، يؤدون ما تطلبه منهم من مهام، ومن هنا فقد “وجه البعض الاتهام في السابق إلى الإخوان بأنهم  تحولوا إلى أداة لتنفيذ المخططات الإقليمية السعودية. ومن جهتها، توسطت الحكومة السعودية عدة مرات بين جماعة الإخوان المسلمين في مصر وكل من الرئيسين عبد الناصر والسادات بهدف السماح للجماعة بحرية العمل السياسي في مصر، كما أن أعضاء الجماعة الذين عادوا من منفاهم بالمملكة العربية السعودية ـ بمن فيهم المرشد العام عمر التلمساني الذي تولى أمر الجماعة بين عامي 1973 و1985، قد قاموا بدور مهم في إعادة بناء الجماعة في مصر خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات”([19]).

وواصل الإخوان التعاون مع السعودية في نشر الأصولية والاتجاه السلفي في داخل وخارج مصر والعالم العربي، وكانت النخب والكوادر الإخوانية من أهم مرتكزات وأدوات تنفيذ التدخل السعودي الوهابي في العالم الإسلامي، حيث كان هؤلاء يديرون المؤسسات السلفية في العالم الإسلامي وأوروبا وأميركا أيضا، “هذه العلاقة لم تقف عند حدود الساحة الداخلية، بل فاضت إلى السياسة الخارجية، إذ أسهمت السعودية في نشر الفكر السلفي في أنحاء متعددة من العالم، كما ساعدت الثورة النفطية في توفير دعم مالي كبير للأنشطة والمؤلفات والمؤسسات السلفية التي توزعت في دول العالم العربي والإسلامي، وحتى في الدول الغربية، لدى الأقليات المسلمة هناك”([20]).

وعليه نرى بأن الإخوان المسلمين وجدوا منذ البداية أن السياسة والدولة والحكم هي من صميم العمل الإسلامي، وان الإسلام الذي هو دين ودولة، يدفع باتجاه إدارة الدولة وفق الشريعة، وبناء دولة دينية قائمة على تعاليمه، ومن ثم الانطلاق إلى الخلافة المنشودة التي تطوي ضمنها كل أمصار الأمة الإسلامية. وهذه الرؤى الفكرية كانت حاضرة مع البنا، وكان يرنو إلى نموذج إسلامي اتحد فيه الحكم مع الشرع، أو السيف مع المصحف، كما في النموذج الوهابي/ السعودي. فعبر دور الشيخ رشيد رضا حضرت الدعوة الوهابية في مصر، وفي فكر الإخوان المسلمين تحديداً. وكانت دعوات رضا وما ينشر في مجلة (المنار) تطالب صراحة بأخذ المثال السعودي كمشروع لتطبيقه في مصر وعموم البلاد الإسلامية. فالوهابية السلفية، وعلى يد رشيد رضا، تحولت لأساس فكري من الأسس التي قامت عليها جماعة الإخوان المسلمين المصرية.

ثانياً: السمات العقائدية لجماعة الإخوان المسلمين:

بنٌيت جماعة الإخوان المسلمين على أسس عقائدية واضحة جعلت من خطابها ومواقفها إزاء العديد من القضايا السياسية والفكرية صريحة ومميزة. وقد وضع حسن البنا، في خطبه ورسائله، الأسس العقائدية للجماعة الناشئة، وأوضح الموقف من العديد من القضايا والمواضيع في داخل وخارج البلاد المصرية، بل كذلك تلك القضايا والمواضيع ذات البعد الدولي، أي الموقف من القضايا الدولية بشكل عام، وليس فقط تلك التي تخص المسلمين والعالم الإسلامي. وسوف نتوقف في هذا الجزء على السمات العقائدية التي طبعت موقف وسياسة وتوجهات جماعة الإخوان المسلمين منذ الانطلاقة الأولى، أي أثناء وجود حسن البنا على المسرح السياسي في مصر، وبعد غيابه واندلاع الصراع مع الدولة. فالدور الذي لعبه المؤسس والمرشد الأول لجماعة الإخوان المسلمين في رسم معالم وسمات وتوجهات الجماعة، من خلال الخطب والرسائل التي تركها، لا يمكن القفز فوقه، فرغم مرور كل هذه السنوات على غياب البنا، وحدوث تطورات هائلة في مصر والعالم، وعلى كافة المستويات والمجالات، وظهور حركات إسلامية وأفكار وفتاوي واجتهادات ومراجعات، إلا أن أفكار حسن البنا ورؤاه فيما يخص الأسس العقائدية والمنطلقات النظرية لجماعة الإخوان المسلمين، كانت ولا تزال هي المرجع الأكبر والأهم لدى القائمين على الجماعة.

وبشكل عام، وعند الحديث عن السمات العقائدية لجماعة الإخوان المسلمين، وهي جماعة مهمة من جماعات(الإسلام السياسي)، فإنه من اللازم التعرف على الخصائص التي تشكل أسس ورؤية الفكر الأصولي للدولة والمجتمع، حيث إن نظرة جماعات (الإسلام السياسي)، أو جماعات الظاهرة الدينية الإسلامية إلى الدولة والمجتمع والتفاعلات والعلاقات السياسية والاجتماعية بداخلهما، تتقارب بشكل كبير، بل تكاد تتطابق. ومن هنا فإن المشتركات العقائدية والنظرة الأيديولوجية لهذه الجماعات تتقاطع في إنها تقوم على المرتكزات العقائدية التالية، والتي يمكن وصفها بأنها “شعار مشترك لعموم الجماعات وهي:

أـ دين ودولة: أي وحدة الرؤية في الفكر والممارسة كما كانت دولة الإسلام الأولى.

ب ـ قرآن وسنة: مصدرين أساسيين للتشريع.

ج ـ الصراط المستقيم: أي لا شرقية ولا غربية في المعتقدات والتعاملات.

د ـ الركن السادس: أي الجهاد.

هـ ـ الأمة العالمية: أي الأمة الإسلامية الواحدة رغم تباعد وتعدد أقطارها وقومياتها.

وـ العدالة الاجتماعية: كإطار لتنظيم المجتمع والعلاقة بين الطبقات.

زـ السلطة الشرعية: أي الإمام الممثل للجماعة المؤمنة.

ح ـ المجتمع النقي: نقيض المجتمع الجاهلي.

ط ـ وحدة النظرية والتطبيق: شعاره الله غايتنا والرسول زعيمنا والقرآن دستورنا والجهاد سبيلنا”([21]).

إن الجانب العقائدي في فكر جماعة الإخوان المسلمين يقوم على التمسك بالقرآن والحديث المتواتر عن النبي محمد. وقد رفض حسن البنا الالتفات إلى أي مصدر آخر من مصادر التشريع خارج هذين المصدرين والإطارين، الذين اكتفى بهما كمصدرين رئيسيين ووحيدين للعقيدة الإسلامية، يستقي منهما الجانب العقائدي، ولا يقبل الركون لاجتهادات وتفسيرات وآراء وفتاوي خارجة عن هذين المصدرين، و”بذلك يقول البنا: يعتقد الإخوان أن التعاليم الإسلامية ومعينها هو كتاب الله وسنة رسوله، الذين إن تمسكت بهما الأمة، فلن تضل أبداً، وأن كثيراً من الآراء والعلوم التي اتصلت بالإسلام وتلونت بلونه تحمل لون العصور التي أوجدتها والشعوب التي عاصرتها. ولذا يجب أن نستقي النظم الإسلامية التي تحمل عليها الأمة من هذا المعين الصافي، وأن نفهم الإسلام كما يفهمه الصحابة والتابعون من السلف الصالح، وأن نقف عند هذه الحدود الربانية النبوية لا نقيّد انفسنا بغير ما يقيّدنا الله به، ولا نلزم عصرنا لون عصر لا يتفق معه، والإسلام دين البشرية جمعاء… والواقع أن الإخوان أرادوا هذه العودة حتى أن البنا سمى إسلامهم “إسلام الإخوان المسلمين”، للدلالة على تحررهم مما التزمه غيرهم في كثير من العصور من نعوت وأوصاف وحدود ورسوم من عند أنفسهم “([22]).

ويركز البنا على الجانب العقائدي في تمسك الفرد/ العضو بجماعة الإخوان المسلمين، ويعتبره أهم من الجانب المادي أو الجوانب الأخرى، مشيراً بأن الفرد المؤمن قادر بإيمانه وتمسكه بعقيدة وفكر الجماعة من الانتصار لها وتقويتها، رغم الموارد القليلة والظروف الصعبة التي يعيشها، “الدعوات الدينية عمادها الإيمان قبل المال، والعقيدة قبل الأعراض الزائلة، وإذا وجد المؤمن الصحيح وجدت معه وسائل النجاح جميعاً “([23]).

وجماعة الإخوان المسلمين انطلقت، في الأساس، من أجل تثبيت العقيدة الإسلامية في حياة المسلمين، وتوطيدها في الدولة والمجتمع، وجعل الدين دنيا وسياسة وأسلوب حياة. وكانت العقيدة ومظاهرها في نصب عين القائمين على جماعة الإخوان، حيث الاعتقاد والممارسة العملية لجوهر ومظاهر العقيدة، وفق الفهم الإخواني لهما. ومنذ حسن البنا ركَّزت الجماعة على ممارسة جوهر ومظاهر العقيدة الإسلامية، وإبراز الجوانب العقائدية في فكر جماعة الإخوان، ونشر المظاهر والدلائل التي توضح مدى تمسك الجماعة وأنصارها بالأمور العقائدية المنبثقة من صلب الدين الإسلامي. ولم تكن هذه الممارسات نظرية فقط، بل عملية منهجية يجدها المتابع للجماعة وتاريخها ومراحل تشكلهّا. ومن هنا، وبالإشارة إلى الجوانب العملية، يمكن القول بأنه “من مظاهر الاهتمام بالعقيدة، أنه لم يقتصر على الجانب النظري بل تعدّاه إلى البرنامج التطبيقي في إعداد الكوادر وتأهيل المنتسبين:

 أ ـ فها هو عقب تأسيس الجماعة يضع مع إخوانه أول منهاج للتربية كان أحد أهم أركانه تصحيح العقائد.

ب ـ ذات الشيء فعله عند وضع أول لائحة للأخوات المسلمات، كان أحد أهم أركانها التأكيد على سلامة الاعتقاد وبيان أضرار الخرافات الشائعة بين المسلمات.

ج ـ كانت العقيدة الصحيحة حاضرة في المؤتمرات والقرارات الناتجة عنها، إذ تعد رمز المنهاج المعتمد كما نصت المادة الأولى من البند الخامس من قرارات المؤتمر الثالث للإخوان.

د ـ هذا ناهيك عن ترسيخ العقيدة لدى منتسبي الجماعة من خلال بعض المظاهر التنظيمية كوسام الجماعة، وشعارها المرسوم، وهتافها المنطوق”([24]).

وبغية جمع أكبر عدد ممكن من أطياف التيار الإسلامي وأنصار الجمعيات الإسلامية، وطلاب جامعة الأزهر، والمتدينين، والمحافظين من أبناء الشعب المصري، فضلا عن أصحاب الآراء والاجتهادات المختلفة داخل صفوف جماعة الإخوان نفسها، سعى حسن البنا في وسم الجماعة الناشئة بعدة أوصاف إسلامية، فقال بأنها صوفية وسلفية، بغية استقطاب أنصار هذين التيارين الكبيرين في مصر. كان البنا يهدف إلى توحيد صفوف الإسلاميين والعامة ممن يؤمنون بكل من الطرق الصوفية والاتجاه السلفي الذي نما وتطور بعد سيطرة عبد العزيز بن سعود على الجزيرة العربية وتأسيسه للمملكة العربية السعودية بالتعاون مع رموز الدعوة الوهابية، والحضور السلفي الوهابي الذي عملّ على ترسيخه رشيد رضا في مصر نفسها. ومن هنا”حاول حسن البنا أن يجمع بين مختلف التيارات الفكرية الإسلامية في جماعته كي يوحد صفوف المسلمين في مواجهة التحديات الخطيرة التي تواجههم فأعلن “نحن دعوة سلفية وحقيقة صوفية”. ولكن حسن البنا شدد على أن الصوفية وسيلة وليست غاية وأنها منهج تربوي وليست دروشة، لكن هذا لم ينجح في لم الشمل إلا بقدر محدود، فلا السلفيون تركوا جماعاتهم والتحقوا بالإخوان ولا الصوفية تركوا طرقهم وانضموا إلى الإخوان، لكن الذي حدث أن أصبح في الإخوان تيارات سلفية وأخرى صوفية وهكذا”([25]).

وسوف نخوض في الجوانب العقائدية في جماعة الإخوان المسلمين من حيث الإيمان والتوجه والتطبيق، وذلك بالإشارة إلى عدة توجهات طبعت نشأة ومسيرة الجماعة منذ تاريخ التأسيس إلى الوقت المعاصر. وهذه التوجهات أو السمات العقائدية في مسيرة وعمل وحراك جماعة الإخوان المسلمين، هي: مبدأ (الإسلام هو الحل)، وخطة (أسلمة الدولة والمجتمع)، وفكرة (شمولية الإسلام) وصلاحه لكل زمان ومكان، وعقيدة (تكفير الآخر)، واعتبار داره دار دعوة وحرب، و(الرهان على القوة) والإعداد عبر سياسة التمكين وبناء التنظيم والفرد من النواحي الرياضية والعسكرية.

1ـ الإسلام هو الحل:

ذلك الشعار الأيديولوجي الذي طرحته جماعة الإخوان المسلمين في مصر منذ البداية والانطلاقة الأولى، وسعت إلى تحقيقه وتطبيقه على أرض الواقع. فالجماعة قدمت تفسيرها للدين الإسلامي على إنه هو برنامج الحياة والسياسة، وهو من يجب أن يحدد علاقة الفرد المسلم مع المجتمع، ابتداء بالأسرة وانتهاء بالدولة كمؤسسة وسلطة. الإسلام، وفق فهم الإخوان المسلمين له، هو رؤية متكاملة للحياة، قادرة على ان تحل محل كل الأفكار والأحزاب والأيديولوجيات الوضعية المعمول بها في العالم. ويقدم حسن البنا هذه الرؤية بشكل واضح وصريح، معتبراً الإسلام اسلوب حياة شامل فيه كل الحلول لكل المشاكل، “وأنت إذا أمعنت النظر في تعاليم الإسلام وجدته قد وضع أصح القواعد وأنسب النظم وأدق القوانين لحياة الفرد رجلاً وامرأة، وحياة الأسرة في تكوينها وانحلالها، وحياة الأمة في نشوئها وقوتها وضعفها، وحلل الفكر الذي وقف أمامه المصلحون وقادة الأمم. فالعالمية، والقومية، والاشتراكية، والرأسمالية، والبلشفية، والحرب والسلام، وتوزيع الثروة، والصلة بين المنتج والمستهلك، وما يمت بصلة قريبة أو بعيدة إلى هذه البحوث التي تشغل بال ساسة الأمم وفلاسفة الاجتماع، كل هذه نعتقد أن الإسلام خاض في لبها، ووضع للعالم النظم التي تكفل له الانتفاع بما فيها من محاسن، وتجنب ما تستتبعه من خطر وويلات”([26]).

الإسلام ـ حسب مفهوم جماعة الإخوان المسلمين ونظرتها له ـ هو منهاج كوني لكل البشرية، والانسان نفسه لا يحتفظ بقيمه كإنسان إلا إذا تقبل الدين الإسلامي وعمل وفق ما يطرحه من تصور وتفسير وعبادات. والبشرية التي دخلت الحروب والصراعات في الماضي، واعتنقت الأيديولوجيات الوضعية المختلفة والمتضاربة، لن تتخلص من حالة التصارع والمواجهة إلا من خلال الحل الإسلامي، “وحين نتلفت من حولنا في الماضي والحاضر، وفي المستقبل كذلك، لا نجد الحل المقترح لتجنيب البشرية الدمار. وللخروج من هذه الأزمة الحادة، وللاحتفاظ بالإنسان عن طريق الاحتفاظ بخصائصه الإنسانية ـ احتفاظاً نامياً متجدداً ـ إلا في التصور الإسلامي، والمنهج الإسلامي، والحياة الإسلامية، والمجتمع الإسلامي. ومن ثم نعتقد أن قيام المجتمع الإسلامي ضرورة إنسانية، وحتمية فطرية. وأنه إذا لم يقم اليوم فسيقوم غداً، وإذا لم يقم هنا فسيقوم هناك، ليعصم البشرية من تدمير الإنسان عن طريق تدمير خصائصه الإنسانية”([27]).

وعليه فإن جماعة الإخوان المسلمين، ومن خلال الرؤية الأولية والأساسية التي وضعها المؤسس والمرشد الأول حسن البنا، حملت مهمة جعل الإسلام أسلوب حياة لكل الناس. لقد قدمت الجماعة الإسلام بوصفه منهاجاً وطريقة حياة وعمل وسياسة. فالرؤية الإسلامية التي عملت عليها جماعة الإخوان المسلمين ووظفتها، بغية الوصول إلى السلطة والحكم، لا تعترف بحصر الإسلام وحجزه في المسجد، واختصاره في الجوانب الطقوسية والروحية، بل جعله هو الحكم والفصل في تحديد علاقة الفرد بكل مناحي الحياة.لقد عمل حسن البنا، ومن جاء بعده من منظري الجماعة، على تشكيل إطار شعبي جماهيري يستقطب العامة ويتحول إلى حزب كبير، يشرف على حياة الناس، ويشاركهم صوغ وتحديد معالم هذه الحياة. ومن هنا كان التغيير الأكبر الذي أحدثته جماعة الإخوان المسلمين، عقائدياً، بالمقارنة مع الجماعات والحركات والطرق الإسلامية التي كانت قائمة قبلها.

لقد نجح البنا في النزول بالدعوة إلى الشارع حيث العامة والبسطاء، وسعى إلى إشراك الشعب في كل صغيرة وكبيرة، سواء في النواحي الروحية وأمور العبادة، أو في النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ويمكن التأكيد هنا إنه، وعبر تأسيس جماعة الإخوان المسلمين، “تجاوزت الدعوة إطار الصفوة والنخبة والعلماء والقادة إلى حيث استدعت الصفوة، الأمة من خلال التنظيمات الإسلامية الجماهيرية، لتبنى الدعوة إلى الإسلام منهاجاً شاملاً لكل ميادين النهضة والتقدم والتجديد والتغيير، إن في نظام الحكم، أو في سبيل التقدم، أو في الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، أو تحرير المرأة، أو في بناء الانتماء الإسلامي، الجامع لمختلف درجات ودوائر الانتماء، أو في العلاقات الدولية، أو في علاج مشكلات وثغرات الأقليات الدينية والقومية..الخ. وأيضا في سبيل الجهاد الإسلامي، لوضع هذه الحلول الإسلامية في الممارسة والتطبيق”([28]).

ركَّز البنا، وركزت جماعة الإخوان المسلمين من بعده، على شعار”الإسلام هو الحل”، واعتقدت بأن حل جميع المشاكل القائمة في مصر والعالم الإسلامي، بل وفي كل العالم، يكمن في تطبيق الشريعة الإسلامية وإخضاع الشرائع والقوانين الوضعية للتفسير الإسلامي القائم على الشريعة وفق فهم جماعة الإخوان المسلمين لها، ولكن تطبيقات هذا المبدأ الإخواني على أرض الواقع لم تكن موفقة ولا مشجعة، لم يكن التطبيق العملي يشبه وعود الحلول السحرية والجذرية التي ستغير حياة الناس نحو الأفضل، وستخلصهم من المشاكل الاجتماعية والمعيشية، والانسداد السياسي، التطبيق العملي كان شيئاً آخرغير هذه الوعود الكبيرة، حيث ” يلاحظ أن دعوى تطبيق الشريعة ـ مع أنها بدأت في مصر منذ أكثر من خمسين عاما ـ لم تقدم برنامجاً واضحاً محدداً، وإنما اعتمدت على الشعارات والأقوال(…)، وتقديم وقائع من حياة الرعيل الأول من المسلمين، وتهييج الجماهير بإثارة الأحلام بعالم فاضل غير واقعي ولم يتحقق في تاريخ الإسلام الطويل إلا في عهد النبي وعهد عمر بن الخطاب وعهد عمر بن عبد العزيز، أي في حوالي اثني وعشرين عاماً فقط من تاريخ طوله أربعة عشر قرنا ” ([29]).

سيد قطب يشرب كوب ماء خلف القضبان في سجن بالقاهرة عام 1966 | أ.ف.ب

وهكذا نجد بأن شعار/ مبدأ “الإسلام هو الحل” يأخذ مكاناً في صلب عقيدة جماعة الإخوان المسلمين، مبدأ تحدث عنه البنا وقطب وغيرهما من منظري ومفكري الجماعة، إنه مبدأ وشعار يعكس إيمان الجماعة وعملها من أجل إثبات مكان رئيسي للدين والشريعة في حياة المسلمين، بل وكل البشرية، والسعي بكل قوة، قولاً وفعلاً، لتطبيق هذا الكلام. إنه، كذلك، مبدأ ينم عن شعور بالاقتدار والتفوق على كل النظريات والأيديولوجيات والقوانين الوضعية، وعدم رؤية الحل في تطبيقاتها، بل على العكس من ذلك، فهي التي جلبت الصراع والخراب للبشر، ولا يمكن إزالة تبعاتها المدمرة، والقضاء على شرورها إلا باعتماد مبدأ الحل الإسلامي الجذري والشامل، أي مبدأ جماعة الإخوان المسلمين في “الإسلام هو الحل”، والإيمان به والتمسك به، وفرضه على الجميع فرضاً.

2ـ شمولية الإسلام:

وهناك مبدأ “شمولية الإسلام”، بمعنى أنه صالح لكل زمان ومكان، وهذا المبدأ أقرّته جماعة الإخوان المسلمين، وضمّنها حسن البنا في رسائله وكتاباته وتصريحاته، وأوضح بأن الهدف الذي تنشده الجماعة هو أن يعم الإسلام في كل أصقاع الأرض، وأن تنتشر الدعوة في كل الدنيا، لأن الإسلام دين شامل ومعتنقيه مطالبون بالسعي لنشره في كل مكان، ليكون هو الحاكم والمرجعية الوحيدة التي يحتكم إليها البشر، بدل القوانين الوضعية والشرائع التي أقروها وصاروا يعملون بها، فالإسلام موطنه كل شبر من الأرض، وكل البشر إذما اعتنقوه صاروا إخوة في وطن واحد هو كل العالم، “الإسلام لا يعترف بالحدود الجغرافية، ولا يعتبر الفوارق الجنسية الدموية، ويعتبر المسلمين جميعاً أمة واحدة، ويعتبر الوطن الإسلامي وطناً واحداً مهما تباعدت أقطاره وتناءت حدوده. وكذلك الإخوان المسلمون يقدسون هذه الوحدة، ويؤمنون بهذه الجامعة، ويعملون لجمع كلمة المسلمين، وإعزاز أخوة الإسلام، وينادون بأن وطنهم هو كل شبر أرض فيه مسلم يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله”([30]).

ومقصود الدعوة لدى جماعة الإخوان المسلمين، ليس فقط مصر والوطن العربي، بل كل البلاد الإسلامية، شرقاً وغرباً. فالإسلام ـ في نظر الجماعة ـ نظام حياة شامل، والجماعة مطالبة بالنهوض بالأمة الإسلامية، إذ إن الدعوة شاملة، ولا يمكن تأطيرها بزمان ومكان محددين، “ليعلم هؤلاء المتسائلون أن الإخوان المسلمين إنما يعملون للنهوض بالأمة الإسلامية، وتجديد حياتها المريرة في هذه الظروف العصيبة على أساس إصلاح النفوس، وتطهير الأرواح، وقد أوضحوا مبادئهم في عقيدتهم، ونادوا بغايتهم في جريدتهم، وبابهم مفتوح على مصراعيه لمن أراد أن يتثبت من غايتهم، ويستطلع خفي شئونهم، وما يوم حليمة بسر”([31]).

والإسلام، في عرف جماعة الإخوان المسلمين، هو وطن المسلم، بمعنى أنه نظام حياة شامل، يصح في كل جغرافية وكل بيئة، هو نظام متكامل وكلي يجعل من المسلم مواطناً عالمياً، له الحق في العيش والإقامة في كل بلاد الإسلام، طالما يهتدي بتعاليمه وبشرائعه ويضعها فوق شرائع البشر، “إن فكرة الإسلام تقوم مقام فكرة الوطن في معناها الطيب، الذي لا ينشأ عنه حب استغلال رقعة من الأرض لحساب رقعة أخرى، ولا فكرة استغلال طائفة من البشر لحساب طائفة أخرى، وكل ما ينشأ عنها هو الشعور بأن كل أرض يُظللها الإسلام هي وطن للجميع، وكل مسلم على ظهر الأرض هو مواطن للمسلمين جميعا”([32]).

وبغية تحقيق هذا الهدف، أي جعل كل الأرض وطناً ومحل إقامة وعيش للمسلم، ينبغي إقامة الدولة الإسلامية الكبرى الواحدة، التي تستظل بظل الإسلام وشريعته. إن إزالة الحدود والحواجز بين الدول في العالم، وفرض الإسلام ديناً عليها، وحل قوانينها الوضعية، مشروع كوني كبير، وهو مشروع موضوع أمام كل المسلمين في العالم. هم المناطون بنشر الإسلام وفرضه على البشرية، من خلال العمل والوصاية على كل بني الإنسان، “إن الإسلام ينوط بالأمة المسلمة مهمة هائلة، مهمة الوصاية على البشرية، وكفاح الظلم في الأرض، ووسيلة الأمة المسلمة لأداء هذا الواجب الضخم أن تكون كتلة واحدة تدين لعقيدة واحدة وتحكم بشريعة واحدة وتقيم نظاماً اجتماعياً واحداً”([33]) .

لقد نذرت جماعة الإخوان المسلمين نفسها لمهمة نشر الإسلام وجعله الحاكم والسيد في الأرض كلها، ورأت بأن الإسلام نظام شامل وعالمي، ولا يجب أن يتوقف في حدود جغرافيا الدول الإسلامية الحالية، بل هناك أمر إلهي بنشره في كل مكان وزمان، وتخصيص كل الطاقات والإمكانات بغية إنجاز وتحقيق هذا الهدف، “ارتبطت جمعية الإخوان المسلمين منذ نشأتها بالإسلام وعالميته، فلم تقتصر يوماً من الأيام على مصر والمصريين، أو العروبة والعرب، بل كانت إسلامية جامعة، نص على ذلك قانون نظامها الأساسي حيث قال:”الإخوان المسلمون هيئة إسلامية جامعة، تعمل لتحقيق الأغراض التي جاء من أجلها الإسلام”، وشهد به تطبيقهم الفعلي، حيث استهدفوا بدعوتهم المصريين، ثم توسعوا فشملت الأقطار العربية الشقيقة، ثم تعددت دعوتهم حدود العرب إلى كل مكان في العالم ينتمي إلى الإسلام أو يستشرف إليه ويبحث عنه”([34]).

لقد رفض حسن البنا، ومن بعده القائمون على جماعة الإخوان المسلمين، فكرة محلية الجماعة، أي تأطيرها بالساحة السياسية والإطار الجغرافي الذي تتواجد فيه، البنا والجماعة لديهما رفض لمبدأ الوطنية، مثلما يفهمه المثقفون والمفكرون الليبراليون، وكذلك مثلما تطالب به الأحزاب السياسية، التي تضع برامج عملها وفق إطار وطني واضح ومحدد. وعليه فحسن البنا، والجماعة بالتالي، وعندما تدخل أي نقاش، أو تدلي برأيها في أي مناسبة، فانها تركز على البعد الشامل للإسلام، بوصفه دين ودينا، وترفض الالتزام بالإطارالوطني/الجغرافي، الذي تراه ضيقاً ومحدوداً، يحبس الإسلام ويحد من شموليته، “حسن البنا لا يرى إلا صورة الإسلام الشامل الذي يحكم الحياة كلها، فهو يرد على الدكتور طه حسين عندما نشر كتابه “مستقبل الثقافة في مصر”، فيقول: الذي نخالف فيه الدكتور طه حسين، وغير الدكتور طه حسين ممن يؤمن بفكرته هذه، ادعاء أن هذا التفريق بين الدين والسياسة وبين الدين والقومية وبين الدين والعلم، نافع لنا متفق مع تعاليم ديننا، هذه دعوى ينقصها الدليل النظري والدليل التاريخي، وتتنافى مع مصلحتنا ومقوّمات نهضتنا، والذي يريد أن يجرد الإسلام من معناه القومي ومن معناه الثقافي يريد بمعنى آخر ألا يكون هناك شيء اسمه الإسلام تؤمن به هذه الأمة وتدين به”([35]).

ورغم أن حسن البنا ركز على الجانب الأممي الشامل في دعوة الإخوان المسلمين، معتبراً الجماعة هي القائمة على نشر الإسلام وتعريف البشرية به، إلا إنه لم ينس، في الوقت نفسه، البعد الوطني والقومي في دعوة الإخوان المسلمين، رافضاً الأصوات التي تتعالى مطالبة بالاعتماد على النظريات والأيديولوجيات الوضعية، وجعلها تحل محل الإسلام، بحجة  أن الإسلام لا يملك حلولاً للمشاكل الوطنية ولا لمشاكل الثقافة والسياسة والقومية، “إن الذين يظنون الإسلام يهدم الوطنيات مخطئون، لأنه يفترض على أبنائه حماية أرضهم، وإن الذين يظنون أن الإسلام عصبة خطيرة على العالم مخطئون، لأنه أخوة توحد بينهم وتسوي ضفوفهم، وإن الذين أدركوا الإسلام حق الإدراك علموا أنه ـ بحق ـ صيانة للوطن ورحمة للعالمين. وهي كلمة حكيمة سمعتها من سياسي كبير تشربت روحه بفضائل الإسلام لا تزال ترن في أذني، وستظل كذلك لما فيها من روعة وعذوبة، إنه قال في إيمان عقيدة: لو عرف الناس الإسلام حق معرفته لعلموا أنه دين وجنسية”([36]).

ومن هنا فممارسة السياسة هي من الدين، ولكن ممارسة السياسة التي يقصدها البنا، وتقصدها جماعة الإخوان المسلمين، هي ممارسة السياسة في بعدها الشمولي العام، وليس السياسة في مفهوم الأحزاب السياسية، حيث العملية الديمقراطية والانتخابات مؤطرة ضمن حدود بلد ما، وموجهة لشعب ما من الشعوب الإسلامية. ومن هنا فإن دعوة الإخوان المسلمين هي دعوة سياسية ودينية شاملة وعامة، وموجهة لكل البشر ولكل الجغرافيات والأمصار. لا اعتراف بحدود أو بسلطات أو بأنظمة وشرائع وقوانين وضعية. فمن حق الإخوان التدخل في كل مكان، وفي كل وطن لنشر الدين والدعوة، “الحقيقة أن دعوة الإخوان منذ بدأت لم تفرق بين الدين والسياسة، وهي دعت منذ البداية إلى الإسلام بمفهومه الشامل، مع التركيز على جوانب الإصلاح الاجتماعي وتأخير دخول المعترك السياسي طبقاً لخطة مرسومة ومقررة، وليس لغياب البعد السياسي عن دعوة الإخوان المسلمين، ونقرر هنا أن السياسة التي أجلها الإخوان إلى حين الدخول في مواجهات مع الأحزاب القائمة”([37]).

وبغية تحقيق هدف فرض الشريعة على البشر وتخطي الحدود والسلطات والقوانين الوضعية، أي تحقيق الشمولية في التطبيق والحكم، ينبغي لجماعة الإخوان المسلمين أن تنجح في إعلان دولة الخلافة الإسلامية، أي جعل كل العالم الإسلامي تحت راية دولة/خلافة واحدة، تحتكم لقانون الشريعة وأحكام الإسلام، بدل القوانين البشرية الحالية. الخلافة التي سيتم إعلانها وإخضاع البلاد الإسلامية لها، هي القادرة على نشر الإسلام في كل ربوع الأرض، “الأحاديث التي وردت في وجوب نصب الإمام، وبيان أحكام الإمام وتفصيل ما يتعلق بها، لا تدع مجالاً للشك في أن من واجب المسلمين أن يهتموا بالتفكير في أمر خلافتهم منذ حورت عن منهاجها، ثم ألغيت بتاتاً إلى الآن. والإخوان المسلمون لهذا يجعلون فكرة الخلافة والعمل لإعادتها في رأس منهاجهم، وهم مع هذا يعتقدون أن ذلك يحتاج إلى كثير من التمهيدات التي لا بد منها، وأن الخطوة المباشرة لإعادة الخلافة لا بد أن تسبقها خطوات: لا بد من تعاون تام ثقافي واجتماعي واقتصادي بين الشعوب الإسلامية كلها، يلي تكوين الأحلاف والمعاهدات وعقد المجامع والمؤتمرات بين هذه البلاد”([38]) .

والفصل الذي تعمد إليه الحكومات في البلاد المسلمة بين الديني والدنيوي، بحجة إن نصوص الدين جاءت لزمان آخر، وان الظروف تغيرت، مرفوض في عرف البنا وجماعة الإخوان المسلمين، وهو في الحقيقة تقليد للغرب ولنظمه القائمة على الشرائع الأرضية والأفكار والرؤى العلمانية الحداثوية. فالإسلام، في مفهوم جماعة الإخوان، هو الإسلام نفسه، وهو صالح لكل زمان ومكان، ولا يجب إبعاده عن الحياة بحجة الزمنية أو تغير أحوال البشر، “أصبح الفصل بين السلطتين الدينية والزمنية من مظاهر التحضر عند كثير من خواص المسلمين ـ في بداية الأمر ـ ثم تعمقت المأساة حتى أصبح الفصل هو الأساس، والربط بين الدين والدولة استثناء، ولذلك استغرب الناس أمر حسن البنا وجماعته، فأضطر للتأكيد على مسألة العلاقة الوطيدة بين الدين والدولة، منطلقاً من مفهوم شمول الإسلام لكل جوانب الحياة، وشمول حكمه التأريخي لكثير من الحقب والقرون، في كثير من الأمصار والأوطان”([39]).

ومما سبق يتضح لنا مركزية مبدأ أو شعار “شمولية الإسلام”وعالميته لدى جماعة الإخوان المسلمين، فالجماعة تؤمن بهذا المبدأ إيماناً كبيرا ومطلقاً، وهي تشير إليه في كل مناسبة، وتجعل من تطبيقه والوصول إليه هدفاً كبيراً من أهدافها، ولكنه هدف نهائي وليس هدفاً مرحلياً، مثل الأهداف الأخرى التي تتعلق بعمل الجماعة في الحقل السياسي والاجتماعي والثقافي في مصر وغيرها من بلاد المسلمين. وكذلك لا بد قبل الوصول إلى هذا الهدف، ونشر العقيدة في كل أصقاع الأرض، ودعوة كل الشعوب إلى الإسلام، لا بد من توحيد الأمم المسلمة تحت راية دولة الخلافة الإسلامية. الجماعة ترى في نشر الشريعة الإسلامية في كل الأرض، واجتياز الجغرافية والدولة الوطنية والقوانين الوضعية وإحلال الإسلام محلها، غاية كبرى. إنها ترى الأولوية في نشر الشريعة في البلاد الإسلامية وإقامة دولة الخلافة، التي سيكون من مهامها الأولى والعاجلة نشر العقيدة الإسلامية في كل ربوع العالم. الإسلام هو نظام حكم شامل جاء لكل البشرية، ومسألة نشره في الأرض والاحتكام إليه من كل البشر، هي مسألة واجبة ومفروضة على كل المسلمين، وجماعة الإخوان المسلمين ترى نفسها هي الطليعة التي ستحمل لواء هذه المهمة، فهي المنوط بها تحقيق الشريعة وإقامة دولة الخلافة التي توحد مسلمي الأرض، ثم الانطلاق من تلك الدولة إلى رحاب أوسع، هو الأرض كلها، حيث نشر الإسلام إقامة النظام الإسلامي الكوني الشامل.

3ـ أسلمة الدولة والمجتمع:

ومن المبادئ العقائدية المهمة، لدى جماعة الإخوان المسلمين، فكراً وممارسة، مبدأ “أسلمة الدولة والمجتمع”، بمعنى نشر التفسير الأصولي للجماعة في كل مناحي ومؤسسات الدولة والمجتمع. الهدف والمبتغى هو خلق مجتمع إسلامي يحتكم إلى الشريعة ويطالب بها، بدل القوانين الوضعية الحالية التي تعمل بها الدولة، “الإخوان المسلمون يسيرون في جميع خطواتهم وآمالهم وأعمالهم على هدي الإسلام الحنيف كما فهموه، وكما أبانوا عن فهمهم هذا في أول هذه الكلمة. وهذا الإسلام الذي يؤمن به الإخوان المسلمون يجعل الحكومة ركناً من أركانه، ويعتمد التنفيذ كما يعتمد على الإرشاد”([40]).

وجماعة الإخوان المسلمين التي تنطلق من فهم الإسلام كنظام حياة، أي دنيا ودين، وأنه هو الحل، وأنه شامل لكل البشر، تطالب، سراً وعلانية، بتطبيق الشريعة وإحلالها محل القوانين المعمول بها لدى الدولة. لم تتوقف جماعة الإخوان المسلمين، منذ زمن المؤسس حسن البنا، وإلى الوقت الحاضر، عن المطالبة بتطبيق الشريعة وإشراف الدولة نفسها على ذلك، بغية فرض نظام أسلمة شامل وكامل على كل مناحي الحياة، وعلى كل جوانب المجتمع، وفي كل مؤسسات الدولة وأنظمتها، “إن الأمة التي تقول في أول مادة من مواد دستورها: إن دينها الرسمي الإسلام، يجب أن تضع بقية المواد على أساس هذه القاعدة، وكل مادة لا يسيغها الإسلام ولا يجيزها أحكام القرآن يجب أن تستبدل بما يتفق وهذه الأحكام، حتى لا يظهر التناقض في القانون الأساسي للدولة”([41]) .

ويعرض حسن البنا لائحة بمطالب جماعة الإخوان المسلمين من الحكومة المصرية، أو أي حكومة عربية وإسلامية، تتضمن بنوداً يجب على هذه الحكومة تحقيقها والعمل بها، وهذه البنود كلها تصب في صالح هدف الجماعة الرئيسي في أسلمة الحياة والمجتمع وخلق الأرضية المناسبة لإقامة النظام الإسلامي ومجتمع ودولة الشريعة والخلافة، “نحن نطلب من أية حكومة مصرية أولاً وعربية أو إسلامية بعد ذلك، أن تعود في نظام حياتها الإسلامية والمدنية إلى الإسلام، ويكون من المظاهر العملية لذلك:

أـ أن تعلن أنها حكومة إسلامية تمثل فكرة الإسلام دولياً تمثيلاً رسمياً.

ب ـ أن تحترم فرائضه وشعائره، وأن تلزم بأدائها كل موظفيها وعمالها، وأن يكون الكبار في ذلك قدوة لغيرهم.

ج ـ أن تحرّم الموبقات التي حرمّها الإسلام من الخمر وما يلحق بها، والزنا وما يمهد له، والربا وما يتصل به من أنواع القمار والكسب الحرام، وأن تكون الحكومات قدوة في ذلك فلا تبيح شيئاَ من هذا، ولا تعمل على حمايته بسلطة القانون، ولا تتعامل مع شعوبها على أساسه.

د ـ أن تجدد مناهج التعليم بحيث تقوم على التربية الإسلامية والوطنية، ويعني بها باللغة العربية والتاريخ القومي عناية فائقة، وتؤدي إلى طبع نفوس المتعلمين بتعاليم الإسلام، وتثقيف عقولهم في أحكامه وحكمه.

هـ ـ أن تكون الشريعة الإسلامية المصدر الأول للقانون.

وـ أن تصدر الحكومات عن هذا التوجيه الإسلامي في كل التصرفات”([42]).

إن عدم تطبيق الحكومة لمطالب حسن البنا وجماعة الإخوان المسلمين، وإصرارها على التمسك بالنظام الوطني وقوانين البشر، والشرائع الوضعية، وبنى الدولة الحديثة حيث الانتخابات والديمقراطية والبرلمان والحكومة، والعلاقات المتعارفة مع بقية الدول في إطار المجتمع الدولي والأعراف والقوانين الدولية المعروفة، يجعل من هذه الأنظمة، في عرف الإخوان، أنظمة ضالة غارقة في الجاهلية وخارجة عن الدين الإسلامي، “ثم هم اليوم يقصون حاكمية الله، بجملتها، من حياتهم ويقيمون لأنفسهم أنظمة يسمونها (الرأسمالية) و(الاشتراكية) وما إليها، ويقيمون لأنفسهم أوضاعا للحكم يسمونها (الديمقراطية) و(الديكتاتورية) وما إليها، ويخرجون بذلك عن قاعدة دين الله كله، إلى مثل جاهلية الإغريق والرومان وغيرهم، في اصطناع أنظمة وأوضاع للحياة من عند أنفسهم “([43]).

ودولة الخلافة، دولة الإسلام فكراً وممارسة، ستكون الحمى لكل المسلمين في العالم. وهي، في مراحلها الأولى، ستفتح بابها لكل مسلم يريد الهجرة إليها، بغض النظر عن قوميته أو جنسيته أو الدولة التي ينحدر منها. فدولة الإسلام هي دولة لا تعترف بالحدود والجنسيات والسيادات الوطنية، بل تعتبر دين المرء هويته. وعليه فإن المسلم المتمسك بدينه هو مواطن في دولة الإسلام، وله الحق أن يقيم فيها، هارباً من دار الكفر التي يرفض الانصياع والانقياد إلى قوانينها وشرائعها إلى دار الإسلام، “إن أول ما تحتاج إليه الدعوة الإسلامية في هذا العصر، أن تقوم “دار الإسلام”أو “دولة الإسلام” بتبني رسالة الإسلام عقيدة ونظاما، وعبادة وأخلاقا، وحياة وحضارة، وتقيم حياتها كلها: المادية والأدبية، على أساس من هذه الرسالة الشاملة، وتفتح بابها لكل مؤمن يريد الهجرة إليها من ديار الكفر والظلم والانحراف”([44]) .

وقد تعرضت المبادئ العقائدية لجماعة الإخوان المسلمين في إقامة دولة الخلافة، وبناء مؤسسات الدولة والمجتمع، أو إعادة صياغتها، على أساس إسلامي مستمد من الشريعة الإسلامية، إلى الانتقادات من جانب العلمانيين والحداثيين، الذين رأوا في هذه المفاهيم العقائدية لجماعة الإخوان المسلمين، إقصاءً متعمدا لكل من لا يؤمن بهذه المبادئ، ويرفض خلط الدين بالسياسة والتخلي عن الدولة المدنية لصالح دولة الشريعة، “أن نعطي للدولة هوية دينية هو بالضرورة أن نجرد الذين لا يدينون بدين الدولة من الذين يدخلون في معدوديتها من الكثير من حقوق المواطنة التي يتمتع بها الآخرون. يحرّم على غير المسلم، مثلا، في دولة ذات هوية إسلامية من شغل مناصب ومراكز معينة لها ارتباط مباشر بالهوية الدينية للدولة، بل يحرم هذا حتى على المسلم العلماني، إذ هو، في رفضه أن تكون للدولة أي هوية دينية، يشارك غير المسلم في رفضه لأن تكون للدولة هوية إسلامية”([45]) .

ومبادئ جماعة الإخوان المسلمين في أسلمة الدولة والمجتمع يعني أن كل المواطنين سيصبحون تحت رحمة التفسير الأصولي، وعليهم أن يقبلوا بالشريعة وهي التي تحكم وتتحكم في مفاصل الدولة والمجتمع. وعليه فلن يكون لهم رأي أمام قوة وسطوة النص الديني والادعاء بالحاكمية الإلهية وحكم الشرع، فصيغة المبادئ العقائدية لجماعة الإخوان المسلمين وفحواها واضحة لا لبس فيها، فلا حق لأي شخص في الاعتراض على الأحكام والقوانين التي تراها الجماعة مقدسة ومستنبطة من الشرع الإسلامي، “قامت شعارات السياسة الدينية على عدة صيغ: أن الحاكمية لله وحده ولا حاكمية لبشر، وأنه لابد من حكومة دينية لإقامة النظام الإسلامي، وأن الجهاد فريضة غائبة يتعين اعادتها لمواجهة أعداء التيار من حكام أو مفكرين، ولضم دار الحرب إلى دار السلام (أو دار الإسلام)، وانه لابد من تطبيق الشريعة الإسلامية وإلا تعين حرب المجتمع، وأنه لابد من فرض جزية على غير المسلمين وإلا كان المجتمع جاهليا كافرا بالله، وأنه لا يوجد إلا الحل الإسلامي لمواجهة كل مشاكل المجتمع الوطني والدولي، وأن الاسلام دين ودولة، وانه لا ينبغي أن تكون للمسلم أية جنسية إلا الإسلام، ويتعين ألا يكون له ولاء لوطنه بل لجماعة المسلمين”([46]).

وعليه نجد بأن مبدأ “أسلمة الدولة والمجتمع” كان حاضراً دوماً في فكر وعقيدة جماعة الإخوان المسلمين، وقد تحدث حسن البنا وسيد قطب وبقية مفكري الجماعة عنه، بوصفه من الأولويات ولا بد للجماعة أن تنجح في بناء الدولة الإسلامية والمجتمع الإسلامي المنشود. وبالاطلاع على سياسة وتاريخ جماعة الإخوان المسلمين، وخاصة منذ البدايات والمراحل الأولى لعملها ونشاطها، يجد الباحث والمتابع بأن هدف “أسلمة الدولة والمجتمع” كان دائماً حاضراً ويحتل الصدارة والأولوية في أجندة جماعة الإخوان المسلمين. وكان هذا الهدف يعتبر كذلك اولياً، بمعنى إن له الأفضلية في التحقيق والتنفيذ، بغية الانتقال إلى غيره من الأهداف الأخرى الكبرى، وعلى رأسها إعلان دولة الخلافة/دولة الإسلام/دار الإسلام، من ثم الانتقال إلى توحيد الأمة الإسلامية كلها تحت سلطة هذه الخلافة، والانطلاق إلى فرض شمولية الإسلام على كل العالم، عبر الدعوة والجهاد والأسلمة لكل الأوطان والشعوب. لكن تبقى النواة الأولى في الدعوة وهي عقيدة تحقيق (الدولة الإسلامية والمجتمع الإسلامي)، أي فرض الأسلمة الكاملة، والوصول بالمجتمع والدولة إلى ممارسة الحياة والسياسة وفق التصور والنموذج الإسلامي الذي دعى إليه حسن البنا، وتمسكت به جماعة الإخوان المسلمين من بعده.

4ـ تكفير الآخر:

كذلك من المهم الحديث عن عقيدة “تكفير الآخر”،التي توليها جماعة الإخوان المسلمين أهمية كبيرة، فالآخر غير المسلم هو كافر، ودياره هي ديار حرب إلى أن يقبل سلطة الإسلام وحكمه، ويتخلى عن القانون الوضعي الذي يعيش في ظله، ويترك الدين الذي وجد نفسه عليه. والتكفير يطال في المقام الأول الغرب (أوروبا وأميركا)، أي الحضارة الغربية التي نجحت في إقامة نموذج بديل عن الحكم الإسلامي وخلقت قوانين وضعية، وصلت، فكراً وتطبيقاً، إلى بلاد المسلمين نفسها، وبشكل خاص بعد سقوط السلطنة العثمانية وإنهاء خلافة العثمانيين، “ها هو الغرب يظلم ويجور ويطغى ويحار ويتخبط، فلم يبق إلا أن تمتد يد شرقية قوية، يظللها لواء الله، وتخفق على رأسها راية القرآن، ويمدها جند الإيمان القوي المتين، فإذا بالدنيا مسلمة هانئة، وإذا بالعوالم كلها هاتفة: (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) {الأعراف 43}”([47]) .

من الواضح بأن “الآخر”هنا هو الغرب في عرف الإخوان المسلمين. الغرب كافر وغارق في الظلم ويطغى ويتجبر، ولا بد من الشرق المسلم أن يقوم في وجهه، وأن يفرض عليه الإسلام فرضاً، فتصبح كل الدينا مسلمة. وفي عقيدة جماعة الإخوان المسلمين، ورغم التبسيط الواضح والسطحية الملفتة، فإن كل المشاكل والقضايا تُحل وتتلاشى وتصبح الدنيا “مسلمة هانئة” إذما أسلم الغرب وأسلمت شعوبه ورضيت بالإسلام شريعة وطريقة حياة. وهذا التفسير الذي تقدم به حسن البنا في رسائله، وتبنته جماعة الإخوان المسلمين فكراً وعقيدة وممارسة، رغم كل التجارب والأحداث التي مرت بها، يؤكد مركزية عقيدة “تكفير الآخر”في عرف ومفهوم الجماعة. هناك دائماً ازدراء وتحقير للآخر، وتبخيس لدوره ولحضارته ولإنجازاته، وتركيز واضح على مثالبه والجوانب السلبية التي يعيشها.

خطاب جماعة الإخوان المسلمين يركز على أخطاء الحضارة الغربية، وعلى الجوانب المظلمة والسلبية فيها، ويعمد إلى تضخيم هذه الجوانب، وصرف النظر عن الجوانب الإيجابية المشرقة، لكي تكون الأرضية النفسية والفكرية لدى الفرد المسلم ممهدة لتقديم البديل الإسلامي، حيث تعزيز مكانة العقيدة الإسلامية المطلقة الخيرّة في مواجهة الغرب الكافر، الغارق في الملذات والموبقات والطغيان، رغم كل الإنجازات والتقدم الحضاري الحاصل، “إن البشرية بجملتها اليوم أبعد عن الله، إن الركام الذي يُرى على الفطرة أثقل وأظلم، فالجاهليات القديمة كانت جاهليات جهل وسذاجة وفتوة، أما الجاهلية الحاضرة فجاهلية علم! وتعقيد واستهتار!”([48]).

وقد وصفت أدبيات جماعة الإخوان المسلمين مجتمعات الغرب بالمجتمعات الكافرة والجاهلية. فالتصور المتشدد للإخوان المسلمين ينحو إلى فرز البشرية إلى مجتمعات مسلمة، تطبق الشريعة وتحتكم إلى الإسلام ـ وفق تفسير جماعة الإخوان المسلمين له ـ ومجتمعات جاهلية لا تقبل بالشريعة، بل تمارس الحياة والسياسة وفق قوانين وضعية وشرائع بشرية، وتحتكم إلى الأنظمة الحديثة حيث الديمقراطية والانتخابات والبرلمان ومؤسسات السلطات الثلاث المعروفة. وضمن هذه المجتمعات الجاهلية، هناك مسلمون أيضا، ممن يرفضون تفسير وعقيدة الإخوان في فرض الشريعة والأسلمة على الناس. هؤلاء المسلمون، ورغم انتمائهم إلى الإسلام، حضارة وديناً، إلا أن جهاز الفرز الإخواني يأبى إلا أن يصنفهم ضمن فئة “الجاهلية الكافرة”. ومن هنا فإن”الإسلام لا يعرف إلا نوعين اثنين من المجتمعات:مجتمع إسلامي، ومجتمع جاهلي. “المجتمع الإسلامي”هو المجتمع الذي يطبق فيه الإسلام، عقيدة وعبادة، وشريعة ونظاما، وخلقا وسلوكا. و”المجتمع الجاهلي”هو المجتمع الذي لا يطبق فيه الإسلام، ولا تحكمه عقيدته وتصوراته، وقيمه وموازينه ونظامه وشرائعه، وخلقه وسلوكه”([49]) .

5ـ الرهان على القوة:

 لقد كان حسن البنا وجماعة الإخوان المسلمين يركزّان دائماً على الجانب الآخر من الدعوة، أي جانب القوة والإعداد العسكري والمنعة والسطوة القادرة على حماية ما يتحقق من السياسة، أو المساهمة في نشر الدعوة وترسيخ خطاب وسلطة الجماعة. ومنذ البدايات كان حسن البنا يشير إلى ضرورة وجود يد عسكرية ضاربة للجماعة، لتكون الأداة والسلاح لترجمة الأهداف والمشاريع مستقبلاً بغية مهاجمة الخصوم داخل وخارج البلاد، ونشر الإسلام في البلاد الأخرى، “وفي الوقت الذي يكون فيه منكم ــ معشر الإخوان المسلمين ــ ثلاثمائة كتيبة قد جهزت كل منها نفسها روحيّاً بالإيمان والعقيدة، وفكريّاً بالعلم والثقافة، وجسميّاً بالتدريب والرياضة، في هذا الوقت طالبوني بأن أخوض بكم لجج البحار، وأقتحم بكم عنان السماء. وأغزو بكم كل عنيد جبار، فإني فاعل إن شاء الله “([50]).

ويرى سيد قطب، وهو المفكر الإخواني الأكثر حضوراً بعد المؤسس البنا، بإن الدعوة يجب ألا تتوقف وتهادن الآخر الكافر، حتى يقبل بالإسلام ديناً ويعيش تحت سطوة الإسلام وسلطته، والجهاد فقط هو الطريقة المثلى لتوطيد سلطة وشمول الإسلام وتوسيع رقعة أرضه وجماهيره، “الإسلام في جهاد دائم لا ينقطع أبدا لتحقيق كلمة الله في الأرض، أي لتحقيق النظام الصالح الذي يقوم على مبادئه العليا في عالم الفرد وعالم الجماعة وعالم البشرية، وهو مكلف ألا يهادن قوة من قوى الطاغوت على وجه هذه الأرض، سواء تمثلت هذه القوة في صورة فرد يتأله على الأفراد والجماعات أو في صورة طبقة تستغل الطبقات، أو في صورة دولة تستغل الطبقات، أو في صورة دولة تستغل الدول والشعوب”([51]) .

وبناء على ما سبق فإن الآخر غير المسلم، مطالب بالانصياع للدعوة وقبول ما تعرضه عليه جماعة الإخوان المسلمين، الآخذة بأسباب القوة والاقتدار العسكري، وأن يدخل الإسلام، وإلا فإن الحرب هي الرد، وستعلن الجماعة ـ ودائماً في الخيال الجمعي لها، بعد أن تحكم وتدير الأمة الإسلاميةـ ديارها ديار حرب، ضمن حملة الحرب على الآخر الكافر، ونشر العقيدة والدين، “حروب الإسلام لم تكن لإكراه الناس على الدين، ولا للاستعمار والاستغلال والإذلال، إنما كانت إعلاء لكلمة الله في الأرض بجعل السلطة العليا فيها للذين يفردون لله بالألوهية، وإيصال الخير الذي جاء به الإسلام للناس كافة عن طريق الرضا والإقناع، وبتحقيق العدالة والأمن والسلام في ظل سلطان الله المتفرد بالسلطان. وفي ظل هذا السلطان الذي يقرر للناس منهج حياة، الناس فيه أحرار، يختار كل فرد عقيدته بلا ضغط ولا إكراه”([52]).

وسيد قطب لا يعتبر هذه الحروب عدواناً على الغير أو احتلالا لأرضه، ولكنه يعتبرها فرضاً واجباً من الله، وعلى كل المسلمين، وقيادتهم الطليعية: جماعة الإخوان المسلمين، خوضها ضد الأمم غير المسلمة، حتى ترضخ وتقبل بالإسلام وشريعته وتنصاع لدولة الخلافة والشريعة، “يرفض سيد قطب حصر الجهاد في الإسلام فيما يسمى بالحرب الدفاعية، ويرى أن الجهاد في الإسلام أمر آخر لا علاقة له بحروب الناس اليوم، ولا بواعثها، ولا تكييفها، وان بواعث الجهاد في الإسلام ينبغي تلمسها في طبيعة الإسلام ذاته ودوره في هذه الأرض، وأهدافه العليا التي قررها الله”([53]) .

لم تسقط جماعة الإخوان المسلمين الخيار الحربي من حساباتها يوماً، وراهنت على القوة والاقتدار العسكري في مواجهة الآخر المختلف، سواء كان هذا الآخر في الداخل خصماً سياسياً، أو في الخارج مواطناً في دولة غير مسلمة. وكل من لا يقبل بنظرة وتفسير الإخوان المسلمين للدين، ولا بأيديولوجيا الجماعة وأفكارها في نشر العقيدة والإشراف على شؤون الدولة والمجتمع، يعتبر خصماً وهدفاً للجماعة وآلتها السياسية والعسكرية، وهذا الادعاء مبرهن عليه في كتابات وأحاديث ورسائل حسن البنا، والكثير من قادة ومفكري ومنظري الجماعة، “منذ أن جاء حسن البنا وسمي مذكراته بالدعوة والداعية وأن دعوته هي الدعوة إلى الإسلام ويتحدث عن عقيدة الإخوان المسلمين وإسلام الإخوان المسلمين وتحكيم القرآن، وقد اختمر في ضمير المريد أن دعوته وجماعته هي دعوة الإسلام، وبالتبعية من يقف حائلاً دونها فهو يقف ضد الإسلام ذاته، ولذلك فالإمام يتحدث عن الجهاد وأن معهم الحجة والبرهان ومن يتمرد عليهم فبالسيف والسنان”([54]).

نستنتج مما سبق أن عقيدة الإخوان المسلمين تقوم على تطبيق الشريعة الإسلامية في الداخل، وخلق المجتمع المسلم الذي لا يعرف نظام حياة سوى الشريعة وأحكامها، ومن ثم الانطلاق من المجتمع المحلي الذي يعيش الشريعة وأحكامها، إلى عموم العالم الإسلامي، بغية توحيد هذا العالم وصهره ضمن الدولة الإسلامية المنشودة، أي دولة الخلافة. وبعد أن يتم كل ذلك وتظهر دولة الخلافة ويظهر دار الإسلام، يتم التمكين والاستعداد لحين التجهيز وخلق القوة العسكرية اللازمة، لإعلان الجهاد العالمي، والعمل بالانتقال بالدعوة إلى بقية أنحاء العالم، حيث عرض الإسلام على بقية الشعوب بشكل سلمي دبلوماسي أولاً، ثم فرضه بالقوة فرضاً، في حال صدها للدعوة وإصرارها على التمسك بمعتقداتها الدينية وقوانينها الوضعية.

ثالثاً: الأسس التنظيمية لجماعة الإخوان المسلمين:

أولت جماعة الإخوان المسلمين قضايا التنظيم وطرق وأساليب حشد جموع المسلمين داخل أطر وصفوف الجماعة أهمية كبيرة. وعملت الجماعة، منذ البدايات، على التفنن في الاستقطاب والجذب، ورص الصفوف، وتأطيرها ضمن مجموعات منظمة تتلقى أفكار وتوجيهات الجماعة أولاً بأول، وتخضع للمرشد ولمجلس شورى الجماعة بالطاعة والولاء التام. لقد اهتم حسن البنا بقضية التنظيم ووسائل التأطير داخل مختلف طبقات وفئات المجتمع، فالحصول على أكبر عدد ممكن من الأعضاء وتنظيمهم وترتيبهم ضمن مجموعات وأطر موجهة، وربط هذه الأطر بقيادة الجماعة، كان هو الأساس الذي استند عليه البنا، والرعيل الأول في الجماعة، في التمدد داخل صفوف المجتمع والجماهير، وكسب الأعضاء المتشبعين عقائديا بفكر الجماعة، ومن ثم العمل على تشكيل شخصية هؤلاء الأعضاء، وصقلها وتطويعها وتوجيهها وفق ما تقتضيه المصلحة والفائدة، بما في ذلك اختيار نخبة منتقاة تكون نواة “النظام الخاص”/ التنظيم السري، تخضع للمرشد وتنفذ أوامره دون نقاش أو اعتراض. وسنوضح في هذا المبحث الأسس التنظيمية في جماعة الإخوان المسلمين، ونتوقف عند دور المرشد المؤسس حسن البنا في توطيد الأساس الفكري والنظري للتنظيم والهيكلة.

1ـ التنظيم في فكر حسن البنا:

ركّز حسن البنا، بوصفه المؤسس والمرشد الأول، على قضية بناء التنظيم وتوسيع شبكات الجماعة وتوطيد أسسها في كافة مناحي وطبقات المجتمع المصري. وبالنظر والتمعن في شخصية حسن البنا ومتابعة تاريخه منذ الدراسة الابتدائية إلى حين التخرج من دار المعلمين، نجد بأن البنا كان يمتلك شخصية تنظيمية صارمة، تؤمن بالعمل المنظم الجاد المخطط والمتصل الحلقات، والذي يتفاعل كل فرد ضمنه ويقوم بواجب ومسؤولية محددة مسبقاً ومعروفة المقاصد والأهداف، وحسن التنظيم لدى البنا كان ظاهراً منذ الصبا، حينما كان هو نفسه عضواً في عدة جمعيات إسلامية غرضها الدعوة والتهذيب، وهو ما أكسب شخصيته سمات الجديّة والصرامة والمتابعة في أساليب وفنون جذب الأعضاء وتجنيد الأتباع والأنصار، وبناء شبكات التنظيم داخل كل مناحي وأوساط المجتمع، وعليه فإن البنا “نحا نحواً جديداً في تأليف جماعته، وإقامة أسسها، وتنظيمها، وتوجيهها، حتى أضحت جماعة ذات طابع خاص لا مثيل له في الحركات الإسلامية السابقة، فأثر البنا إذن واضح جليّ في هذه الحركة منذ نشأتها إلى أطوارها الأخيرة، وفهم شخصية البنا ضروري لفهم طبيعة الدعوة”([55]).

ومن خلال متابعة سيرة حياة البنا، وكذلك الاطلاع على آرائه ورسائله في مسألة التنظيم والتأطير، وسبر فكره ورصد نظرته التي تخص قضايا بناء التنظيم وتوسيع شعبه وفروعه، وتنظيم صفوف الجماهير ومتابعة خطط ومناهج التأطير، نجد بأن المؤسس والمرشد الأول لجماعة الإخوان المسلمين قد أولى أهمية كبيرة لكل هذه المسائل، ورصد لها حيّزاً كبيراً من وقته وفكره وجهده، حيث تجلى ذلك في آرائه وخطبه ورسائله. وقد وضع البنا مجموعة من الضوابط والشروط الواجب توفرها في الأعضاء والمنظمين في صفوف وأطر جماعة الإخوان المسلمين، معتبراً هذه الضوابط صفات وواجبات شخصية على كل عضو التقيّد بها وتطبيقها على نفسه، وفي كل مناحي الحياة. وهذه الضوابط أو الصفات هي: “

أـ إخلاص النية لله، وتجديد التوبة مع رد المظالم إلى أهلها ما أمكن.

ب ـ المواظبة على الورد القرآني والأدعية المأثورة بقدر الإمكان.

جـ ـ تجديد البيعة على السمع والطاعة والصبر والثبات في سبيل الفكرة.

د ـ تقدير حق إخوانه، وتقديمهم في كل المعاملات، وعدم التأخر عن اجتماعاتهم إلا بعذر قاهر لا يمكن دفعه.

هـ ـ المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها.

و ـ أداء زكاة المال متى كان الأخ مالكاً للنصاب، مع استشارة الأسرة في طريق التصرف فيها.

ز ـ الحج لمن لم يؤد الفريضة، وكان قادراً على ذلك.

ح ـ صوم رمضان صياماً صحيحاً.

ط ـ التطهير من الربا والمقامرة والكسب الحرام في كل المعاملات.

 ي ـ اجتناب الزنا وما يتصل به، والخمر وما هو في حكمها، ومقاطعة دور اللهو العابث.

ك ـ أن يعتبر الأخ نفسه جندياً للدعوة، ويشعر بأن لها حقاً في نفسه ووقته وماله، وأن يقوم بأداء اشتراكه لصندوق التعاون مهما تكن ظروفه، متى تعهد بذلك ولم تعفه أسرته منه.

ل ـ أن يشعر أهله بهذا التطهر الجديد في حياته، وأن يجتهد في أن يطبع بيته بالطابع الإسلامي، وأن ينتهز الفرصة المناسبة، ويعاهد زوجته على العمل للدعوة معه، وأن يلزم أولاده بخدمة آداب الإسلام.

م ـ فإذا فهم الإخوان هذه الواجبات وقبلوها وتعهدوا بالمحافظة عليها،والقيام بها قياماً صحيحاً، بايعهم نقيب الأسرة على ذلك نيابة عن المرشد العام مباشرة “([56]).

إن دور حسن البنا هو دور محوري في البناء الروحي والإعداد العقائدي للفرد، وكذلك في قضية بناء التنظيم وشبكاته، والإشراف على جذب واستقطاب الأعضاء، والتفنن في تجنيدهم للمسؤوليات والمهام الدعويّة والسياسية، وتوزيعهم ضمن الاختصاصات المناسبة. وبغية تحقيق كل هذه الأهداف في اختيار الأعضاء والأنصار، وإقناعهم بفكر الجماعة، ومن ثم تأهيلهم والرفع من سويتهم الفكرية والتنظيمية، كان لا بد من شخصية قوية ومدربة ومحنكة، تعي ما هو التنظيم، وتمتلك آليات الفهم والمتابعة، وتضطلع على أساليب وشروط التجنيد. لقد كان البنا يتميز بالقدرة على التأثير في الناس، وكسب الأفراد لإدراجهم وتنجنيدهم داخل صفوف الجماعة، وكان يشرف بنفسه على متابعة بناء الجماعة وتمددها في كل أنحاء مصر. ومن هنا “كان الإمام الشهيد منظماً قديراً نابهاً. وقد استطاع خلال عشرين عاماً، وتحت مظلة من النٌكر والخفاء، ان يضع بيده بذرة خمسمائة شعبة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، وكان يعرف الناس ويتذكر الوجوه والأسماء بعد عشرات الأعوام ويخاطب ويعامل كل واحد بما يتفق مع نفسيته”([57]).

وركز البنا في خطبه ورسائله على شخصية الفرد ضمن جماعة الإخوان المسلمين. فهذا الفرد يُراد له أن يكون مطيعاً، طيّعاً، مضحياً، يفضل مصلحة الجماعة على مصلحته الشخصية وأهوائه الفردية، ويبذل كل الجهد في سبيل تحقيق أهداف الجماعة. مفكراً ومتدبراً في الجانب المالي، كيف وبأي طريقة، يمكنه إفادة الجماعة وتقويتها، لكي تصبح قادرة على الاعتماد على نفسها وقدراتها الذاتية، بحيث لا تحتاج إلى أطراف خارجية تقدم لها المال بشروط ومطالب ربما تكون معارضة لجوهر ورسالة الجماعة، “الإخوان المسلمون ليسوا إلا أبناء دعوة آمنوا بها وأخلصوا لها وتربوا في أحضانها، فهان عليهم أن يبذلوا من قوت أولادهم ومن ضروريات حياتهم في سبيل دعوتهم وميادين جهادهم. ولقد وضع القائمون بها نصب أعينهم من أول الأمر حقيقتين ثابتتين التزموهما فاستفادوا من تطبيقهما كل الاستفادة: الأولى: عدم النظر أو التفكير أو الاعتماد على الإعانات الحكومية. والثانية: اليأس التام مما في أيدي الأغنياء ومحترفي السياسة وتلامذة المستعمرين وكافة الشركات الأجنبية، إذ كان في حساب الدعوة من أول يوم أن هؤلاء جميعاً سيكونون من أول المناوئين لها إذ هي في طريق وهم في طريق آخر”([58]).

حسن البنا
حسن البنا

ومؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا كان يعي، وهو في غمرة بناء التنظيم ومتابعة تجارب الداخل والخارج، أهمية وخطورة الجانب التعليمي، وكيفية التغلغل بشكل ممنهج وموجه داخل الأطر والمؤسسات التعليمية في الدولة المصرية، بغية السيطرة على فكر النشء وكسب الشباب اليافع الرافض للواقع السياسي والاجتماعي والمندفع إلى التغيير والإصلاح، ومن هنا فقد “غلبت الحركيّة على البنا، الذي اهتم بجمع الشباب المصري وإعادة تشكيله من القاعدة إلى القمة، وصولاً إلى أسلمة الحداثة. وعليه، كان البنا مقتنعاً بأن المدارس والمعاهد العلمية والثقافية التي أنشأها الأوروبيون في وسط العالم الإسلامي، أكثر ضرراً بالمجتمع الإسلامي على المدى الطويل من أي قوة عسكرية أو سياسية قد يستخدمها الغرب للسيطرة عليه. ومن هنا أعطت جماعة الإخوان المسلمين الأولوية للعمل في المؤسسات التي تتعامل مع التكييف الأيديولوجي والثقافي للأطفال والشباب. فحسن البنا كان مدرساً، وأدرك جيداً المفهوم القائل ان كل من يلتقط الشباب يلتقط الأمة “([59]).

والبنا نفسه كان يحاول أن يكون القدوة لكل للأعضاء فيما يخص الالتزام والولاء والطاعة للجماعة، وبذل الجهد والمال على حساب نكران الذات، في سبيل تقوية الجماعة وتوسيع شبكات التجنيد وكسب الأعضاء فيها. وكان البنا يركز على العمل والابتعاد عن التواكل والكسل، وينبذ عقلية تأجيل المهام وإهمال الواجبات. وبدا هذا واضحاً من خلال سيرة البنا كموظف لدى الدولة، فقد “كان البنا مثالاً للموظف الملتزم الذي يقوم بواجباته الوظيفية على أفضل وجه: فهو لم يأخذ إجازة اعتيادية أو مرضية خلال خدمته الطويلة في التعليم إلا لماماً، وكان يزور القرى قرية قرية خلال إجازة الصيف، ينتقل بالقطار والسيارة والدابة، وفي القوارب وعلى الأقدام، يستخلص من كل قرية واحداً أو اثنين يتوسم فيهما صلاحية الداعين ويوكل إليهما تكوين شعبة للإخوان، وهكذا زار على مدار خمسة عشر عاماً أكثر من ألفي قرية، وزار كل قرية بضع مرات، وأسس ونظم 1500 شعبة على الأقل، قبل أن تنتبه السلطات المصرية إلى وجود {دولة داخل الدولة}، وهيئة ذات نفوذ وسلطان “([60]).

والتنظيم، من وجهة نظر البنا وفي فكره وعقله، هو عبارة عن عمل مستمر ضمن خطة عريضة وعميقة أشمل وأكبر، هي خطة الجماعة في أسلمة الدولة والسيطرة على مؤسساتها والتمدد في كل مناحي المجتمع وطبقاته، بغية بناء وترسيخ النظام الإسلامي وفرض الشريعة، والتحول لدولة الخلافة، التي ستكون بدورها النواة الأولى لتوحيد الأمة الإسلامية وبناء الخلافة الكبرى التي ستضم كل الأقطار والأمصار المسلمة، وفي كل مراحل العمل، بغية الوصول إلى هذا الهدف النهائي، يكون الفرد هو العامل الأهم والأكثر حسماً في تنفيذ الخطة، فالفرد الملتزم المؤمن، المطيع، والذي يقدم الولاء الكامل دون قيد أو شرط، هو الذي يؤدي ويشرف على مراحل العمل، وحسن البنا يرى أن العضو المؤمن الملتزم هو ذلك الذي ينجز العمل الدؤوب دون كلل أو ملل، ويستوعب دروس وتربية الجماعة، ويعمل على ترجمتها على أرض الواقع “أما التدرج والاعتماد على التربية ووضوح الخطوات في طريق الإخوان المسلمين، فذلك أنهم اعتقدوا أن كل دعوة لابد لها من مراحل ثلاث: مرحلة الدعاية والتعريف والتبشير بالفكرة، وإيصالها إلى الجماهير من طبقات الشعب، ثم مرحلة التكوين وتخير الأنصار، وإعداد الجنود، وتعبئة الصفوف من بين هؤلاء المدعوين، ثم بعد ذلك كله مرحلة التنفيذ والعمل والإنتاج، وكثيراً ما تسير هذه المراحل الثلاث جنباً إلى جنب نظراً لوحدة الدعوة وقوة الارتباط بينها جميعاً، فالداعي يدعو، وهو في الوقت نفسه يتخير ويربي، وهو في الوقت عينه يعمل وينفذ كذلك. ولكن لا شك في أن الغاية الأخيرة أو النتيجة الكاملة لا تظهر إلا بعد عموم الدعاية، وكثرة الأنصار، ومتانة التكوين “([61]).

إن أولى مراحل العمل في الدعوة من وجهة نظر البنا، هي مرحلة الدعاية والتعريف بفكر جماعة الإخوان والترويج له، ومرحلة اختيار وتجنيد الأنصار، أو من يسميهم البنا “الجنود”، وبعد ذلك مرحلة التحرك لتنفيذ خطط وأهداف الجماعة، والتي هي المرحلة النهائية من مراحل السيطرة على الحكم واستلام مقاليد السلطة، بعد أن تكون المراحل الثلاثة السابقة قد مهدت الدرب لترسيخ أقدام الجماعة وتمكينها من مفاصل الدولة والمجتمع. ودائماً يكون الفرد/ العضو المؤمن الملتزم، هو الأساس والأصل والعامل الأهم في الإعداد للخطة والاشراف على مراحلها، ومن ثم تنفيذها التنفيذ الدقيق الحاذق. وجماعة الإخوان المسلمين، ورغم وصف البنا لها بأنها “جماعة دعوية وصوفية وجمعية ثقافية روحية”، إلا أنها في الحقيقة جماعة سياسية، تنشد هدفاً سياسياً واضحاً هو السلطة لترجمة أهدافها لواقع ملموس ومعاش وإحداث التغيير البنيوي الشامل في الدولة والمجتمع. إنها، والحال هذه، ليست مجرد منبر للعبادات ولطقوس الاحتفالات بالمناسبات الدينية. الجماعة تقدم رؤيتها السياسية بكون الدين هو الحامل لها، بوصفه نظاماً للحياة والحكم، فالإسلام الذي تقدمه جماعة الإخوان المسلمين هو دين ودنيا، وأعضاء الجماعة هم الجنود الذين أنيط بهم حمل لواء هذه المهمة على كاهلهم، والانتقال من المراحل الدعوية الأولى إلى مراحل التنفيذ والتطبيق، والتحول من التنظيم الأفقي إلى التنظيم العمودي، أي التحول من الكلمة والدعوة المجازية الشفوية إلى الفعل والعمل، وترجمة الأقوال إلى أفعال، ترسّخ النظام الإسلامي بوصفه دستور الدولة ومرجعها ومسيّرها الأول والأخير، “أيها الشباب يخطئ من يظن أن الإخوان المسلمين دراويش قد حصروا أنفسهم في دائرة ضيقة من العبادات الإسلامية، كل همهم صلاة وصوم وذكر وتسبيح، فالإخوان المسلمون لم يعرفوا الإسلام بهذه الصورة، ولم يؤمنوا به على هذا النحو، ولكنهم آمنوا به عقيدة وعبادة، ووطناً وجنسية، وخلقاً ومادة، وثقافة وقانوناً، وسماحة وقوة، واعتقدوه نظاماً شاملاً يفرض نفسه على كل مظاهر الحياة، ينظم أمر الدنيا كما ينظم الآخرة. اعتقدوه نظاماً عملياً وروحياً معاً، فهو عندهم دين ودولة ومصحف وسيف”([62]).

حسن البنا في جلسة مع عدد من المؤيدين والأصدقاء

وأولى البنا أهمية خاصة لفئة الشباب، إذ وجد فيها القوة الكبرى التي تستطيع سحب قاطرة الجماعة، وتحمل المشاق والصعاب والأهوال، على درب تحقيق الهدف في الأسلمة والوصول إلى الحكم، فالشباب هم الحامل الأقوى للتنظيم، وهم من ينشر أفكار ورؤى الجماعة في كل مكان، وهم المجاهدون بالكلمة والفعل، والقادرين، بحماستهم واندفاعهم، على إيصال صوت وفكر الجماعة لكل المنابر والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية، وعليه، فإن إقبال الشباب على الدعوة، يعطي الجماعة دماء جديدة، ويجعل منها جماعة الشباب المسلم المندفع، القادر على تحمل مشاق التجنيد والدعوة، وليس فقط جماعة الشيوخ وكبار السن، ممن يعطون النصائح والوعظ ويقبلون بالوضع السائد خشية الفتن والفوضى، “وأما إقبال الشباب على الدعوة، ونموها في كثير من الأوساط التي هي أخصب المنابت للدعوات من الطبقات العاملة والوسطى، فتوفيق كبير نحمد الله عليه، فقد أقبل الشباب في كل مكان على دعوة الإخوان يؤمن بها ويؤيدها ويناصرها، ويعاهد الله على النهوض بحقها والعمل في سبيلها. تقدم ستة من شباب الجامعة منذ سنوات يهبون الله نفوسهم وجهودهم، وعلم الله منهم صدق ذلك فأيدهم وآزرهم، فإذا بالجامعة كلها من أنصار الإخوان المسلمين تحبهم وتحترمهم وتتمنى لهم النجاح، وإذا من الشباب الجامعي فئة كريمة مؤمنة تتفانى في الدعوة وتبشر بها في كل مكان”([63]).

ويضع البنا مجموعة من السمات التي يجب أن يتصف بها الكادر الإخواني المنظم، لكي يستطيع الوصول برسالة الجماعة إلى كل فئات المجتمع، وينجح في إقناع الآخرين بفكر وأفكار الجماعة، إلى جانب قدرات الإقناع والاستيعاب، أن يكون مضحياً، صبوراً، يضع مصلحة الجماعة فوق مصلحته الشخصية، ويتحمل من أجل الدعوة ونشرها المشاق والمصاعب. يقول البنا عن الداعية/الكادر الإخواني: “قليل من الناس من يعرف أن الداعية من دعاة الإخوان قد يخرج من عمله المصلحي في عصر الخميس، فإذا هو في العشاء بالمنيا يحاضر الناس، وإذا هو في صلاة الجمعة يخطب وهو بمنفلوط، فإذا هو في العصر يحاضر بأسيوط، وبعد العشاء يحاضر بسوهاج، ثم يعود أدراجه فإذا هو في الصباح الباكر في عمله بالقاهرة قبل إخوانه من الموظفين، أربع حفلات جامعات يحضرها الداعية من دعاة الإخوان في أطراف القطر في ثلاثين ساعة، ثم يعود أدراجه هادئ النفس مطمئن القلب يحمد الله على ما وفقه إليه، ولا يشعر به إلا الذين استمعوه”([64]).

وفي رسالة إلى والده، يشير البنا إلى العمل المتواصل الذي تقوم به الجماعة على درب تمهيد الطريق للوصول إلى الغاية الأهم، وهي أسلمة المجتمع وبناء نواة الدولة الإسلامية، ومن ذلك العمل نسج علاقات طبيعية مع الآخر المختلف، وهو هنا المسيحي، الذي يقاسم المسلم الوطن، ويحاول الآخرون من خلاله اختبار تسامح الإخوان إزاء الآخر ودينه وحقوقه، “الجمعية تسير بخطى موفقة وكانت عندنا بالأمس حفلة كبيرة دعونا إليها كل الطائفة القبطية، وعلى رأسها المطران وأقبلوا جميعاً ولم يتخلف منهم أحد، وكانت صفعة قوية لمنافقي المسلمين الذين يتزلفون إلى هؤلاء بالفتنة، ولقد كنت صريحا جداً في لباقة في بسط فكرة الإخوان بصورة حازت إعجاب الجميع والحمد لله، وكل شيء على ما يرام وسلام عليكم”([65]).

ويتحدث البنا عن شعب الإخوان المنتشرة في المحافظات والمناطق المصرية، الحضرية منها والريفية، ويشير إلى الأعمال والأنشطة التي تقوم بها، وهي أعمال تربوية واجتماعية ودعوية تقدم المساعدة والدعم للناس، في نوع من التضامن والتكافل وفق منظور جماعة الإخوان المسلمين. ويعتبر البنا هذه الأعمال من صميم مهام الكوادر والدعويين، حيث إنها تقرب الجماعة من الناس، وتقرب الناس من الجماعة، وتساهم في انتشار فكر الجماعة، وإيجادها لنفسها مكاناً في كل مناحي ومظاهر حياة المواطنين، “وفي كثير من جمعيات الإخوان المسلمين تجد لجاناً تطوعت للمصالحات بين الأفراد والأسر المتخاصمة، يجري الله على يديها خيراً كثيراً، ويحل بها من المشاكل ما شغل القضاء مدة طويلة. وفي كثير منها لجان للصداقات تتفقد البائسين والمعوزين في المواسم والأعياد وغيرها، وتحاول بذلك القيام بواجب رعاية هؤلاء من جهة، ورد غائلة ذئاب المبّشرين عنهم من ناحية أخرى. وفي كثير منها لجان للوعظ والتذكير في المجتمعات التي لا يظن أن تكون مجامع وعظ كالمقاهي والأندية العامة وحفلات الأفراح والتعزية ونحوها. وفي كثير منها ولاسيم في النواحي القروية لجان تطوعت للإشراف على المرافق العامة في القرية من: ترميم المساجد، وتنظيف الشوارع، وإضاءة الطرقات، والسعي في إيجاد المشافي المتنقلة، وما إلى ذلك من كل ما يعود على القرية بفائدة في دينها ودنياها”([66]).

ويعتبر البنا كل أعمال الجماعة في مساعدة الناس وتقديم يد العون لهم، وكل مظاهر التكافل والتضامن الاجتماعي وحملات الخير العام، جزء من مرحلة التنظيم والإدارة التي ترفد الدعوة بالقوة والزخم الكبير. والهدف هو كسب قلوب المواطنين، وخلق نوع من الارتياح لديهم فيما يخص الموقف من الجماعة وخطابها، “ذلك إلى مساهمة الإخوان في شؤون الخير العام من عمارة المساجد، والبر بالفقراء، وتقديم المذكرات الإصلاحية، وغير ذلك من الشؤون التي تدخل في صميم الخير العام، وتقوي هذه المرحلة من مراحل الدعوة، وبهذا نستطيع أن نقول: إن هذه المرحلة قد تمت وفرغنا من العناية بها، وإن كان لا يفوتنا أن نعمل دائبين على استمرار نشر الدعوة، وتأسيس الشعب، ودور الإخوان، وتقوية أنديتهم ومشروعاتهم في كل مكان ما وجدنا السبيل إلى ذلك إن شاء الله “([67]).

وكانت أساليب مساعدة الفقراء وتقديم العون المادي لهم، ضرباً من ضروب التنظيم والتأطير المنهجي، وآلية من آليات ترويج فكر الجماعة لدى الناس، وتحقيق الجماهيرية والشعبية المطلوبة، “أن مؤسس الجماعة وضع لها المنهاج الواجب اتباعه من مسألة تحقيق المصالح، فمساعدة الفقراء والمحتاجين لم يكن يوماً ما في تاريخ الجماعة من أجل الدين أو العمل الاجتماعي والإنساني، بقدر ما هو عمل دعائي من شأنه تحقيق شعبية أو جماهيرية، ولا حرج على الإطلاق لدى الجماعة من أن يكون هذا العمل الدعائي منطلقاً تحت رايات الدين وادعاء التقوى والإيمان “([68]).

ويحذر البنا كوادر الإخوان والقائمين على الدعوة وتجنيد الأعضاء، من الاضطهاد على أيدي السلطات، ومن الملاحقة والتضييق والسجون، مطالبا الكادر بالصبر والمجاهدة على ما يعتبره ابتلاء من الله، وأن يعلم من الآن وعورة طريق الدعوة، فإن وجد نفسه ليس أهلاً للمهمة، فليتركها لأهلها، وليبتعد ويفسح الطريق لغيره ممن يجد في نفسه المصابرة والقدرة على الجلّد والتحمل في سبيل نصرة دعوة الجماعة. وهذا الخطاب يهدف إلى خلق روح التحدي لدى العضو الكادر، بوضعه أمام اختبار على مفترق طريقين لا ثالث لهما: أما تحمل ما ينتج عن مواصلة طريق الإخوان من معاناة وألم جراء الصدام مع السلطة وأذرعها، أو التراجع ومؤاثرة السلامة عبر الابتعاد عن الصف وترك كتيبة الإخوان تسير بدونه، “أيها الإخوان أعلن لكم هذه الخطوة على صفحات جريدتكم هذه لأول عدد منها، وأدعوكم إلى الجهاد العملي بعد الدعوة القولية، والجهاد بثمن، وفيه تضحيات وسيكون من نتائج جهادكم هذا في سبيل الله والإسلام أن يتعرض الموظفون منكم للاضطهاد وما فوق الاضطهاد، وأن يتعرض الأحرار منكم للمعاكسة وأكثر من المعاكسة، وأن يدعى المترفون منكم إلى السجون وما هو أشق من السجون ولتبلون في أموالكم وأنفسكم، فمن كان معنا في هذه الخطوة فليتجهز وليستعد لها، ومن عقدت به ظروفه أو صعبت عليه تكاليف الجهاد سواء أكان شعبة من شعب الإخوان أم فرداً من أعضاء الجماعة فليبتعد عن الصف قليلاً وليدع كتيبة الله تسير، ثم ليلقنا بعد ذلك في ميدان النصر إن شاء الله”([69]).

وعمل البنا على الأخذ ببعض مظاهر التعبئة والدعاية والتنظيم من الغرب، وأعتبر كل تلك الطرق والأساليب مهمة، ويمكن الأخذ بها من قبل الإخوان بغية توطيد التنظيم وتوسيع شبكات الاستقطاب والتجنيد، “حرص حسن البنا على دفع فرقة الموسيقى إلى الأمام وما يعنيه ذلك من إدراك لدور الدعاية والإعلام في نشر فكرته وتثبيت دعائمها. ورغم أن حسن البنا يرفض الغرب ويرفض حضارته وكل منجزاته، فقد نصح أتباعه بل وأغراهم على الأخذ بوسائله في الدعاية”([70]).

وعند رصد مسيرة حسن البنا من عام تأسيس الجماعة في 1928 وإلى عام 1948، حين إعلان السلطة عن حظر الجماعة وحلها، نجد الحجم الهائل من الحضور والانتشار الذي حققته الجماعة داخل المجتمع المصري. فخطط التنظيم والاستقطاب وتجنيد الكوادر والانتشار داخل صفوف الجماهير، والتي أشرف عليها البنا نفسه طيلة عشرين عاماً، أسهمت في وضع الجماعة في صدارة القوى المؤثرة في البلاد، وعملت على ترسيخ وجودها كرقم صعب حاضر، وهو ما يعتبره بعض الدارسين لتاريخ الجماعة، سبباً مهماً من الأسباب التي دعت السلطة إلى إصدار قرار الحظر والتصفية بحق الجماعة وبحق مؤسسها ورأسها حسن البنا، “وبضغط من الاستعمار وخوفاُ من قوة الجماعة وخاصة بعد تجربتها الجهادية في فلسطين، صدر الأمر العسكري بحل الجماعة في 8 ديسمبر سنة 1948، وكان عدد أعضائها يومئذ نصف مليون عضو، معهم من الأعضاء المؤازرين أضعاف هذا العدد، ولها من “الشعب” المنتشرة في مصر ما يزيد على 2000 شعبة “([71]).

نستنتج مما سبق بأن حسن البنا كان يولي قضايا التنظيم والتأطير وتجنيد واستقطاب الكوادر والأعضاء الفاعلين، وكذلك تحقيق الشعبية الكاسحة في داخل المجتمع المصري، أهمية كبرى. ويظهر ذلك في الرسائل والآراء والخطب التي تركها، والتي اقتبسنا بعض فقراتها أعلاه. فالتنظيم في فكر البنا، كما رآه هو وعمل على تطبيقه وترجمته في المضمار العملي، كان الأساس في تمتين صفوف وأطر الجماعة من الداخل، وترسيخ الولاء والطاعة لدى الكوادر للمرشد والمكتب العام، بالإضافة إلى تلميع صورة الجماعة من خلال العمل الخيري وحملات التكافل وتقديم المساعدة والدعم للفقراء، وحل مشاكلهم وإظهار الميل لهم في الخطاب الدعوي وفي الخطاب الممارس إعلاميا وسياسياً، وذلك بغية تحقيق الانتشار والتمدد، وخلق الأرضية المناسبة للأسلمة والسيطرة على الحكم والسلطة. وجماعةالإخوان المسلمين سارت على خطى الأفكار والآليات التنظيمية التي وضعها المؤسس حسن البنا وطبقها ودعى لها. ويعتبر هذا التراث التنظيمي من الأساسيات والمنطلقات النظرية، ومن منهجيات العمل الدعوي والتنظيمي والسياسي للجماعة في كل مكان وزمان.

2ـ الهيكلية التنظيمية لجماعة الإخوان المسلمين:

تعكس الهيكلية التنظيمية لجماعة الإخوان المسلمين الرؤية الادراية والفكرية والسياسية لمؤسس الجماعة حسن البنا، ومن بعده قادة الجماعة وأعضاء مكتب الإرشاد. والهيكلية التنظيمية، عبر كل الفترات ومع كل التعديلات التي طرأت عليها، تبقى محددة المهام، وهي تنشد الهدف الرئيسي للتنظيم وهو تطبيق مبادئ الجماعة وأفكارها على أرض الواقع للوصول إلى دولة الشريعة وحكم الإسلام، ليس في مصر فقط، ولكن في عموم العالم الإسلامي. وكان المؤسس حسن البنا، وكذلك كل من جاء بعده ممن تولوا مهمة قيادة الجماعة، ينشدون هيكلا تنظيمياً صلباً وشاملاً، يكون قادراً على تنفيذ مشروع الجماعة وتمكينّها في المجتمع.

وأثناء إلقاء نظرة على الهيكل التنظيمي في جماعة الإخوان المسلمين، نجد بأن بنية وهياكل التنظيم في الجماعة تقوم على “مرجعية أيديولوجية مغلقة، عمل على صيانتها وضمان انتشارها بتبني بنية مؤسساتية محكمة التنظيم اتسمت بطابع الازدواجية (دولي/قطري، سري/علني، عسكري/مدني، معاصر/ أصيل). كما أنه على الرغم من الطابع الجماهيري للجماعة، فإن الروابط بداخلها تقوم على ثقافة الطاعة والاستتباع، فضلاً عن التداخل بين الديني والتنظيمي على مستوى العمل الاداري، وتميزت عموماً بمركزية الشيخ المؤسس والمرشدين العامين من بعده، أو من يقوم بتوجيههم من خلف الستار، مع وجود مكتب إرشاد يتولى ـ بحسب اللائحة القطرية للتنظيم المصري ـ المهام التنفيذية، وهو ينبثق من مجلس شورى منتخب، وتعتبر هذه المؤسسات فضلاً عن مجالس شورى المحافظات والمكاتب الإدارية للمحافظات بمنزلة الهيئات الرئيسية”([72]).

وقد تم تحديد تعريفات لمراحل العضوية في الجماعة، وإعلان تراتبية تنظيمية للأفراد الذين يقررون الانضمام إلى الجماعة وقبول صفة “العضو”فيها. وعمدت الجماعة إلى استنباط آليات مراقبة وتقييم للشخص الذي يريد الانضمام إليها، تنجح في وصفه الصفة أو الدرجة التنظيمية التي تتوافق مع مدى ولاءه للجماعة ومبادئها، ومدى انضباطه وتمسكه بخطط وبرامج واستراتيجيات الجماعة، واستعداده للانخراط في هذه البرامج، والتحول لأداة طيّعة لتنفيذ ما يطلب منه من مهام دون نقاش أو تردد. ويمكن الحديث، عموماً، عن مراتب العضوية في جماعة الإخوان المسلمين، وهي هنا: “

أـ المقرب/ المحب: وهي الدرجة التي تسبق الانتماء التنظيمي، يكون فيها الأخ ملازماً لحلقات الجماعة ودروسها ونشاطاتها.

ب ـ المنتسب/ النصير: وهي أولى درجات العضوية في الحركة وأقلها شروطاً وواجبات.

ج ـ العامل أو المنفذ أو المجاهد: هي الدرجة الثانية من درجات العضوية، وفيها يكون العضو قد استكمل مواصفات التقوى والطاعة والجهاد، وهذه الدرجة تمنحه الحق في أن يمارس الأعمال القيادية في التنظيم.

د ـ النقيب: وهي أعلى درجات العضوية العادية، واعطاء أحد الاخوة هذه الدرجة يعني اعطاء حق التربية والتكوين وأخذ البيعة وإخراج القيادات والمشاركة في اتخاذ القرارات الكبرى، ومعرفة أسرار الجماعة، الأمر الذي يتطلب ثقة كبيرة في هذا الأخ القيادي.

هـ ـ الركن: وهي من الدرجات العليا لقادة التنظيم، يتصف حاملها بصفات الرسل عموما، وهي الصدق والأمانة والتبليغ والفطانة وحمل النفس على المطاوعة بالمعروف.

وـ الداعية: درجة عليا لمسؤولي التنظيم في القطر، يتصف حاملها بالعلوم الكثيرة والأخلاق الحميدة.

زـ الأستاذ: أعلى درجات العضوية، يتصف بها المرشد العام ونوابه، وعدد قليل من قادة العمل الإسلامي الأعلام “([73]).

وعند الحديث عن الشأن التنظيمي لدى جماعة الإخوان المسلمين، من المهم الإشارة إلى وجود قواعد عامة لدى الجماعة، معمول بها، وهي مٌلزمة يجري تطبيقها والتمسك بها على مختلف المستويات الإدارية داخل الهيكل التنظيمي، تتعلق بطريقة الاختيار والتصويت على القضايا الأساسية، وتوزيع الصلاحيات والمهام التنظيمية على الأعضاء والأطر الدنيا والعليا في الجماعة. و”هذه القواعد هي:

أـ المجالس المنتخبة في كل مستوى إداري هي صاحبة القرار في كافة نواحي دوائر اختصاصها.

ب ـ الشورى ملزمة، وليست فقط معلمة، وذلك في اتخاذ القرار داخل أي مستوى إداري، حيث يتم التصويت على أي قرار.

ج ـ هناك تصويت استشاري غير ملزم، ولكن يشترط أن يتم الإعلان عن ذلك قبل بدء التصويت على موضوع ما.

د ـ قرار الجهة الإدارية الأعلى ملزم للجهة الإدارية الأقل.

هـ ـ اتخاذ القرارات يتم وفقاً لقاعدة الأغلبية في التصويت.

وـ لا تكون اجتماعات المجالس الإدارية صحيحة إلا بحضور نصف أعضاء المجلس الإداري على الأقل.

زـ في حالة تساوي الأصوات في اتخاذ قرار ما يؤجل الاجتماع لمدة أسبوع، ويتم التصويت مجدداً، وفي حالة تساوي الأصوات مرة أخرى، يتم الأخذ بالرأي الذي يرجح كفة مسؤول المستوى الإداري.

 ح ـ من حق المسؤول عن مستوى بعينه، أن يتخذ قرارات طارئة قبل انعقاد المجلس على أن تعرض هذه القرارات في أول اجتماع، ويحق للأعضاء الموافقة على هذه القرارات أو إلغائها بأثر رجعي.

 ط ـ تشكيل اللجان الفنية من اختصاص المستويات الإدارية

ي ـ يمتلك المكتب الإداري حق التعيين داخل المناطق والشعب

 ك ـ لابد من وجود ميزانية لكل مستوى إداري، تدون بها الإيرادات والمصروفات”([74]).

وكانت جماعة الإخوان المسلمين قد طرحت شعارات وبرامج كثيرة بغية التمدد في داخل المجتمع المصري، ركزت فيها على الجوانب الاجتماعية والتربوية والدينية والوطنية، ولم توضح حقيقة مساعيها في الأسلمة كوسيلة للوصول إلى الغاية النهائية وهي الوصول إلى السلطة وإعلان الدولة الإسلامية. فالتنظيم أسمته الجماعة في خطابها بالتوعية والدعوة، ورفضت دائماً وسمه بالسياسة أو وسم نفسها بالحزب السياسي، لكن ما كان يحدث من بناء للتنظيم وتوسيع القاعدة الشعبية التنظيمية للجماعة، كان يظهر المسعى الواضح للجماعة في التأثير السياسي وتوطيد الحضور في الساحة السياسية، وتأكيد على دور وثقل الجماعة فيها “في الجانب السياسي قامت الجماعة بالتوعية السياسية لمختلف أوساط الشعب المصري بالوسائل التالية:

 أـ محو الأمية السياسية من الوسط الشعبي.

 ب ـ ربط الأوساط الشعبية بالحياة الاجتماعية، وحثها على العمل الوطني.

 ج ـ إحياء الرجولة والفتوة في الأمة.

 دـ تنوير الرأي العام بحقيقة ما يدور في الموقف السياسي.

هـ ـ تربية جيل جديد على التضحية والفداء “([75]).

والهيكل التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين، يضمن قيام الأعضاء بمختلف أنواع النشاطات من دعوية  وسياسية واجتماعية ونقابية وشمولية ورياضية وعلاقات عامة. ويتم الإشراف داخل البنى الهيكلية للجماعة على قطاعات المجتمع من الطلبة والعمال والعلماء والمرأة، بحيث يتم إدارة هذه القطاعات وإعدادها والإشراف عليها من خلال مؤسسات وشُعب الهيكيل التنظيمي للجماعة، حيث يتم تحديد وظائف وغايات ومهام هذه القطاعات وتوزيع الأدوار والمسؤوليات والواجبات عليها، في إطار اللوائح المثبتة ضمن هيكل تنظيم الجماعة.

أما مراحل تطور الهيكل التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين فهي:

أولاً: مرحلة النشأة وقيادة البنا (1928 ـ 1949):

في بدايات هذه المرحلة ركزّ حسن البنا على الجانب الدعوي والتربوي والاجتماعي للجماعة، كأساس لبناء تنظيم قوي ومتغلغل وسط طبقات الجماهير، مؤجلاً تفعيل الجانب السياسي، ومقدماً رؤية زاهدة في السياسة وإدارة الحكم والدولة. وكان مراد المرشد العام الأول بناء النظام الاجتماعي وتوسيع شبكات حضور وسيطرة وسطوة الجماعة، كأساس متين لانتقال الجماعة إلى الميدان السياسي، حيث يكون الانتقال قويا ومؤثراً نظرا لتوافر البنى الاجتماعية والتربوية وتحقيق الحضور والاقتدار المطلوبين. لقد كان المراد هنا إصلاح وتهيئة الأمة، ومن ثم الانتقال إلى مضمار السياسة والاستحواذ على السلطة لاحقاً.

وقد تأسست الجماعة كهيئة إسلامية شاملة مسجلة وفق القانون الذي ضمنّه دستور عام 1923، والذي منح سلطات رقابة لمجلس النواب على الحكومة، وحدّ من سلطات الملك. وكان هذا الدستور بحق “أول دستور مصري خالص نتيجة لما عانته البلاد من احتلال وسيطرة الملك على مقومات الحكم بالبلاد. وقد صدر عن طريق تعيين لجنة من ثلاثين عضواً، ويعد دستور 1923 نقلة حقيقية في تاريخ مصر الدستوري”([76]).

وبدا الهيكل التنظيمي للجماعة في سنوات التأسيس الأولى، أي ما بين أعوام 1928 و1932 يتمحور حول فكر مؤسس الجماعة حسن البنا في الدعوة والتركيز على الجوانب الاجتماعية والتربوية، ونشر قيم  ومظاهر الإسلام بين الجماهير، والابتعاد عن السياسة وشؤونها، “وتجسد ذلك بشكل كبير في اللائحة الداخلية لجمعية الإخوان المسلمين الصادرة في الإسماعيلية عام 1930، التي أكدت أن الجمعية لا شأن لها بالعمل السياسي، حيث ذكرت المادة الثانية أن هذه الجمعية لا تتعرض للشؤون السياسية، أياً كانت، كما وشددت المادة 15 على عدم التعرض للشؤون السياسية أثناء اجتماعات الجمعية “([77]).

وعلى هذا الأساس بدأت الجماعة في بناء هيكلها التنظيمي والإداري، وكان ذلك مطلع الثلاثينيات، في غمرة انشغال الجماعة في تقديم نفسها كحركة دعوية واجتماعية وتربوية، هدفها اصلاح المجتمع وبث وتعزيز القيم الإسلامية، دون إبراز أي مساع في الحياة السياسية، أوإظهار طموحات للانخراط في الانتخابات والصراع على الأصوات والمقاعد. وفي هذه الأثناء كانت الجماعة قد نجحت في استقطاب اعداد كبيرة من الفلاحين والعمال والطلاب، وهنا “قامت بتشكيل هيئة مكتب الإرشاد العام للإخوان المسلمين بناء على قرار مجلس الشورى العام الذي انعقد في الإسماعيلية عام 1933، حيث اعتبر بمنزلة المؤتمر الأول للإخوان، الذي يهتم بالجانب التنظيمي للجماعة”([78]).

ويمكن القول بأن البداية الحقيقية لبناء الهيكل التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين، كانت في المؤتمر الثالث للجماعة في عام 1932، وتم فيه تحديد بعض الأمور التنظيمية مثل شروط العضوية وإيجاد مناصب وهيكليات مثل المرشد العام، ومكتب الإرشاد العام، ومجلس الشورى العام، ونواب الاقسام والمناطق ونواب الفروع، ومجالس الشورى المركزية. ويوضح الاطار التنظيمي لجماعة الإخوان  المسلمين بعد الدورة الثالثة لمجلس شورى الجماعة في عام 1935، حيث تم تحديد الهيئات الإدارية للجماعة، وكانت على الشكل التالي:

1ـ المرشد العام: وهو المنصب الأول في الجماعة وصاحب القرار النهائي فيها، وعلى بقية الأعضاء والأطر والهياكل تقديم فروض الولاء والطاعة له، ومبايعته على القيادة وتولي الأمر، والإشراف على الجماعة والنظر في شؤون المسلمين. وكان حسن البنا هو أول من تولى هذا المنصب، حيث جرت العادة من بعده على المحافظة على مهام وهيبة ومكانة المنصب. والرجل الأول صاحب هذا المنصب هو “مرشد الحركة وممثلها، وهو الرئيس العام للحركة في مصر ورئيس كل من مكتب الإرشاد ومجلس الشورى. تناط به مهام رئيسية منها: الإشراف على كل إدارات الحركة وتوجيهها ومراقبة القائمين على التنفيذ ومحاسبتهم على كل تقصير وتمثيل الحركة في كل شؤونها والتحدث باسمها، وتكليف من يراه من أعضاء الحركة بمهام يحددها هو “([79]) .

2ـ مكتب الإرشاد: ويعد هذا المكتب أعلى هيئة إدارية وتمثيلية للجماعة، وهو المنوط به رسم سياسات الجماعة وتوجيه الدعوة وصوغ الموقف من الأحداث والتطورات والسياسات، و”يتكون مكتب الإرشاد من مرشد عام وثلاثة عشر عضواً آخر، يتم انتخاب ثمانية منهم من خلال مجلس الشورى من أعضاء المجلس من الإقليم الذي يقيم فيه المرشد العام، وخمسة أعضاء يتم انتخابهم من مجلس الشورى، بحيث يتم مراعاة التمثيل الإقليمي في اختيارهم، ومدة ولايته 4 سنوات هجرية، ويشترط لعضوية مكتب الإرشاد أن يكون من بين أعضاء مجلس الشورى العام”([80]).

3ـ مجلس الشورى: وهو السلطة المشرعة للجماعة، والقرارات التي تتمخض عن المجلس قرارات ملزمة للجماعة، ومدة ولاية هذا المجلس هي 4 سنوات هجرية كمدة ولاية مجلس الإرشاد، و”يتألف مجلس الشورى العام من ثلاثين عضواً على الأقل، يتم اختيارهم من قبل مجالس الشورى في الأقطار أو من يقوم مقامهم، ويقوم بعدة مهام، فبالإضافة إلى انتخاب المرشد العام وأعضاء مكتب الإرشاد العام، تناط به مهام أخرى مثل إقرار السياسات العامة وأهداف الجماعة، وإقرار الخطة العامة والوسائل التنفيذية اللازمة، واعتماد الميزانية ومناقشة التقرير المالي والإداري السنوي وإعفاء أو قبول استقالة المرشد العام، والقيام بتعديل اللائحة وفق القواعد المتبعة والأصول لدى الإخوان”([81]).

4ـ مجلس شورى المحافظات: وفي كل محافظة يتشكل مجلس شورى محلي بالتعيين وليس بالانتخاب. ومكتب الإرشاد هو من له الحق في تعيين أعضاء مجلس شورى المحافظات هذا، والذي هو”منوط به نشر الدعوة في الأماكن التي لم تصل إليها الدعوة في حدود المحافظة، كما أنه مكلف بمعالجة ما يجد من مشاكل في شعب المحافظة، وعليه نقل النظم التربوية التي يضعها المركز العام إلى جميع هذه الشعب والإشراف على الأخذ بها، كما عليه توضيح ما تتخذه الهيئات العليا للدعوة من قرارات الشعب التابعة له مع متابعة تنفيذ هذه القرارات”([82]) .

5ـ مكتب إداري المحافظة: وهو عبارة عن هيئة مسؤوليتها الإشراف على سير دعوة الإخوان في المحافظة وتطبيق السياسات والتوجيهات التي يرسلها مكتب إرشاد الجماعة.

والقسم الأشمل في الهيكل التنظيمي الذي يعول عليه الإخوان في الإشراف على النواحي التنظيمية والإدارية في كل المحافظات والمناطق، هو قسم (العمليات الفنية). وهذا القسم يضم عدداُ كبيراً من اللجان، تتبع مباشرة إلى مكتب المرشد العام للجماعة، و”تنقسم العمليات الفنية للجماعة إلى قسمين: الأول: قسم يعني بالناحية الإدارية للحركة ويتكون من ست لجان تتبع مكتب الإرشاد مباشرة. واللجان الست هي: لجنة مالية ولجنة سياسية ولجنة قانونية ولجنة إحصائية ولجنة خدمات ولجنة للفتوى.

والثاني: قسم يعني بالأيديولوجية أو نشر العقيدة، ويتكون من عشرة أقسام هي: نشر الدعوة، والعمال، والفلاحين، والأسر، والطلبة، والاتصال بالعالم الإسلامي، والتربية البدنية، والمهن، والصحافة والترجمة، والأخوات المسلمات، وفي أعقاب عودة الجماعة للعمل عام 1951 أصبح قسما الفلاحين والعمال قسماً واحداً، وأصبح للصحافة والترجمة لجنة بدلاً من قسم. وقد نص القانون الأساسي على أنه يجوز أن تكون اللجان والأقسام مؤقتة أو دائمة، وتكون تابعة لمكتب الإرشاد العام، ويجب أن تتخذ من المركز العام مقراً لها. ويقوم السكرتير العام بإبلاغ الشعب بأنشطة وقرارات تلك الأقسام واللجان بعد التصديق عليها من قبل المرشد العام أو مكتب الإرشاد. ويتلخص دور الأقسام واللجان في إبداء النصح والتحري. ومكتب الإرشاد هو الذي يعين رئيس كل قسم أو لجنة، ويعين المرشد العام مساعداً للرئيس واضعاً في الاعتبار ترشيحات رئيس اللجنة أو القسم”([83]).

أما قرار انخراط جماعة الإخوان المسلمين في الشأن السياسي، والذي شكّل تحولاّ بنيوياً في التنظيم والإدارة وعموم التوجه التنظيمي للجماعة من جهة الإعداد ورسم الخطط والاستراتيجيات، فجاء في المؤتمر الخامس للجماعة والذي أنعقد في عام 1939،  حيث أعلن حسن البنا رأيه المشهور في أن الجماعة هي “دعوة سلفية وطريقة سنية وحقيقة صوفية ومنظمة سياسية وجماعة رياضية ورابطة علمية ثقافية وشركة اقتصادية وفكرة اجتماعية”، ولعل ما كتبه المرشد المؤسس في العدد الأول من مجلة (النذير)، لسان حال جماعة الإخوان المسلمين، كان الإشارة الأولى لإعلان انخراط الجماعة في الشأن السياسي، وإعلان التنافس والتصارع مع الأحزاب السياسية الفاعلة في الساحة المصرية، والتي كانت تتوجس من تمدد الإخوان ومن قوتهم وحضورهم، وتعمل جاهدة للنيل منهم وتشويه صورتهم ومقاصدهم، وهو ما كان يقابل بالهدوء والتأني والصبر من جانب قيادات الإخوان وقواعدهم. وجاء كلام البنا في مجلة (النذير) إيذاناً بنهاية مرحلة الصبر والصمت هذه، والبدء بالمجاهرة، “كان ذلك موقفكم أيها الإخوان سلبياً هكذا فيما مضى، أما اليوم وأما في هذه الخطوة الجديدة، فلن يكون كذلك، ستخاصمون هؤلاء جميعاً في الحكم وخارجه خصومة شديدة لديدة إن لم يستجيبوا لكم ويتخذوا تعاليم الإسلام منهاجاً يسيرون عليه ويعملون له، وسيكون هؤلاء جميعاً منضمين لكم في وحدة قوية وكتلة متراصة متساندة إن أجابوا داعي الله وعملوا معه وحينئذ يجتمعون ولا يفترقون ويتحدون ولا يتعددون فهو موقف أيجابي واضح لا يعرف التردد ولا يتوسط بين الحب والبغض، فإما ولاء وإما عداء “([84]).

كذلك ما أورده حسن البنا من أفكار وتوجيهات في الرسالة التي ألقاها في المؤتمر الخامس لجماعة الإخوان المسلمين والذي انعقد في الثاني من شهر شباط/ فبراير عام 1939، تلك الرسالة التي تصب في خانة إطلاق المرحلة الجديدة، أي مرحلة الانخراط في العمل السياسي والتحول إلى رقم مؤثر وقوي في الساحة السياسية المصرية، وتفعيل كل الحضور الاجتماعي والتربوي والدعوي للجماعة، واستخدام الانتشار الكبير بين قطاعات الفلاحين والعمال والطلبة، في الاستحواذ والهيمنة على السياسة والإدارة في مصر. وسنستعرض فيما يأتي أبرز النقاط التي ركز عليها البنا في تلك الرسالة، وكيف أراد لها أن تكون نقطة التحول في مسيرة الإخوان التنظيمية والإدارية، حيث التوجه إلى السياسة والعمل الحزبي السياسي، وما تبع ذلك من مساعٍ وعمل الجماعة في تشكيل الكتائب المسلحة وانشاء المجموعات الموالية لها ضمن الجيش وقوات الشرطة والأمن، وتأسيس “النظام الخاص”عام 1940، ذلك التنظيم الذي أرٌيد له أن يكون الجناح العسكري الضارب للجماعة.

تحدث البنا في المؤتمر الخامس عن شمولية ومركزية الإسلام، مركزاً على الجوانب الوضعية المعاشية، والتي ينبغي للإسلام كدين ودنيا، ونظام حياة واسلوب حكم، أن يتوجه إليها ويقودها ويوجهها، “نحن نعتقد أن أحكام الإسلام وتعاليمه شاملة تنتظم شؤون الناس في الدنيا وفي الآخرة، وأن الذين يظنون أن هذه التعاليم إنما تتناول الناحية العبادية أو الروحية دون غيرها من النواحي مخطئون في هذ الظن، فالإسلام عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، ودين ودولة، وروحانية وعمل، ومصحف وسيف “([85]) .

وطلب البنا من الإخوان أن يتمعنوا في القرآن الكريم، لكي يجدوا بأن ما مذكور فيه هو عين السياسة والسلطة والحكم، فالإخوان ملزمون بتنفيذ شرع الله، وهذا لن يكون دون تسلم الحكم ومقاليد السلطة والإدارة، “وهكذا اتصل الإخوان بكتاب الله واستلهموه واسترشدوه، فأيقنوا أن الإسلام هو هذا المعنى الكلي الشامل، وأنه يجب أن يهيمن على كل شئون الحياة، وأن تصطبغ جميعها به، وأن تنزل على حكمه، وأن تساير قواعده وتعاليمه، وتستمد منها ما دامت الأمة تريد أن تكون مسلمة إسلاماً صميماً”([86]) .

ولكي لا يتهم الإخوان بأنهم طلاب سلطة ودنيا، ولكي يحافظوا على كل الإرث الدعوي والاجتماعي الذي قاموا عليه وتمسكوا به، ونفوا طيلة سنوات طويلة وجود أهداف ورغبات ومساع سياسية وراءه، فإن البنا يمرر في رسالته تلك نية الإخوان في التعاون مع أي طرف ينشد إقامة دولة الشريعة، “الإخوان المسلمون لا يطالبون الحكم لأنفسهم، فإن وجدوا من الأمة من يستعد لحمل العبء، وأداء هذه الأمانة، والحكم بمنهاج إسلامي قرآني فهم جنوده وأنصاره وأعوانه، وإن لم يجدوا فالحكم من منهاجهم، وسيعملون لاستخلاصه من أيدي كل حكومة لا تنفذ أوامر الله “([87]).

وفي شباط/ فبراير عام 1942م كانت أول مشاركة سياسية للإخوان المسلمين في مصر، حيث ترشح المرشد العام حسن البنا في دائرة الإسماعيلية لمجلس النواب المصري، وضغط الاحتلال الإنجليزي على حكومة النحاس باشا الوفدية، فقام النحاس باشا بمفاوضة البنا حتى يتنازل عن ترشحه وإلا حُلت الجماعة، فوافق البنا على الانسحاب بشروط قبلتها الحكومة آنذاك، وجميعها تتعلق بالدعوة والشريعة الإسلامية، كإحياء الأعياد الإسلامية ولا سيما مولد النبي محمد وجعله عيدا رسميا للدولة، وإلغاء البغاء وغلق بيوت الدعارة وجعلها عملا مجرما، وتحريم الخمر – وإن كان التحريم الذي فعلته الحكومة اقتصر على المناسبات الدينية – وإصدار قانون بوجوب التعامل باللغة العربية في جميع المؤسسات والشركات ومراسلاتها، إضافة إلى إعطائه ضمانات بقيام جمعية الإخوان وفروعها وعدم الوقوف في سبيلها، وعدم مراقبتها والتضييق على أعضائها للحد من نشاطهم، والسماح بوجود جريدة يومية لـجماعة الإخوان المسلمين. وفي أواخر عام 1944عاوَد الإخوان الترشح مرة أخرى لمجلس النواب، فترشح حسن البنا في دائرة الإسماعيلية وعدد آخر من قيادات الإخوان في دوائر أخرى، وفشلت ضغوط الإنجليز وحكومة أحمد ماهر السعدية لإجبار الجماعة على الانسحاب، فمارس الإنجليز كل وسائل الضغط والتزوير وتدخل الجيش الإنجليزي ومنع الناخبين من التصويت لمرشحي الإخوان، فلم يفز الإخوان بأي مقعد([88]).

كذلك شكّل المؤتمر الذي عقدته جماعة الإخوان المسلمين في عام 1945 بعنوان (المؤتمر الشعبي الأول للإخوان المسلمين في القاهرة)، نقطة تحول في علاقة الإخوان بالسياسة، هنا جاء التحول في مسيرة الجماعة باتجاه العمل الحزبي والمشاركة السياسية المباشرة، وفي هذا المؤتمر “قرر رؤساء مناطق الإخوان ومراكز الجهاد في اجتماعهم تحويل اسم الجماعة من “جماعة الإخوان المسلمين”إلى “هيئة الإخوان المسلمين العامة”، حيث إن مصطلح “هيئة”، في وقتها، كان مرادفاً لمصطلح “الحزب”في عصرنا الحالي، كما طرحت الجماعة في مؤتمرها عام 1945، مشروع إقامة دولة إسلامية في كل قطر بدلاً من مشروعها لإقامة الخلافة الإسلامية الذي كان قد طرح عام 1939 “([89]).

وفي الرسالة التي وجهها البنا للمشاركين في هذا المؤتمر، ركز مجدداً على ضرورة انخراط الجماعة في السياسة، معتبراً ذلك من صميم عمل ومهمة الدين الإسلامي، ودون ذلك من تفسير هو جهل محض، لا يعي جوهر الشريعة ومقصد الرسالة، “فإن أردتم أن الإسلام دين لا تتناول أحكامه الشئون السياسية في الداخل والخارج من حيث تنظيم الحكومة، والصلة بين الحاكم والمحكوم، وما يتبع ذلك من حقوق وواجبات، وافتراض حرية الأمة الإسلامية وسيادتها وعزتها إلخ.. فذلك جهل بالإسلام، وظلم لأحكامه وشريعته الشاملة التي جاءت تنظم شئون الدنيا والآخرة، وتحدد العلاقات في المجتمع الإنساني أفضل تحديد”([90]) .

وعليه فقد شهدت حقبة الأربعينيات تغييراً كبيراً في استراتيجية جماعة الإخوان المسلمين، من جهة الانخراط في السياسة، وإحداث التحول في البنى التنظيمية على أساس الاستراتيجية الجديدة، وذلك لتحقيق هدف الأسلمة والسيطرة على الحكم والسلطة، وتحويل برامج الجماعة وأفكارها إلى ممارسة فعلية معاشة، وتطبيق حقيقي على أرض الواقع، يصدر عن مؤسسات الدولة فتكون ملزمة لكل مواطنيها. وتبعاً للمرحلة الجديدة جاءت مساعي الإخوان في تجنيد الضباط والجنود في داخل المؤسسة العسكرية، وفي مؤسسات الأمن والشرطة، كما جاء قرار تأسيس “النظام الخاص”في 1940 والذي أراد له البنا أن يكون يد الجماعة الضاربة في وجه كل خصم ومناوئ. وقد بدأ هذا التنظيم فعلا بالتحرك وتنفيذ عمليات الاغتيال والتصفية بحق الخصوم السياسيين للجماعة.

ونتيجة الانسداد الموجود في تلك المرحلة، حيث فشلت جماعة الإخوان المسلمين في الاستحواذ على الأصوات في الانتخابات، وأخفقت في تشكيل الحكومة والسيطرة على مقاليد السياسة وتوجيه البلاد، فإنها لجأت إلى الاعتماد بشكل كبير على”النظام الخاص”، ومن هنا فقد شن هذا التنظيم العسكري السري عمليات تصفية واغتيالات بحق الخصوم السياسيين والمناوئين، وبشكل خاص رجالات ومسؤولي الدولة، وهو الأمر الذي ألَّب الحكومة والأحزاب السياسية في البلاد على الجماعة، وعلى شخص مرشدها حسن البنا، الذي ظهر أنه لم يستطع السيطرة على التنظيم، ولم يُحسن لجمه ومنعه من اغتيال الشخصيات السياسية والقضائية، مما دفع الحكومة إلى إصدار قرار حل جماعة الإخوان المسلمين في 8 كانون الأول/ ديسمبر من عام 1948، واعتقال أعضاء مكتب الارشاد، وملاحقة قيادات وكوادر “النظام الخاص، ومن ثم، وبعد اغتيال الجماعة لرئيس الحكومة محمود فهمي النقراشي في 28 كانون الأول/ ديسمبر 1948، انتقاماً منه بسبب قراره حل الجماعة، عمدت الحكومة إلى تصفية حسن البنا جسدياً في 12 شباط/ فبراير 1949، منهية بذلك مرحلة مهمة من تاريخ الجماعة هي مرحلة النشأة وقيادة البنا ووضعه الهياكل التنظيمية والأسس الفكرية والعقائدية لها. ونستخلص، من خلال تحليل الهيكلية التنظيمية والإدارية في مرحلة النشأة، بأنها كانت تتسم باستقطاب مستويات تنظيمية مركبة ونوعيات مختلفة من العناصر، منها من جاء على أرضية دعويّة سلمية تدعو المجتمع وتطالبه بالتمسك بالإسلام ومظاهره والسعي لترسيخ الدين في مجالات ومناحي الحياة، والبعض الآخر جاء على أرضية جهادية، عملياتية، حيث الانخراط في “النظام الخاص”، وبناء جيش وقوات مسلحة موازية في الظل. ونتيجة للعقلية التنظيمية المزدوجة في السلمية والدعوة، وفي الجهاد والحرب، بدا الاختلاف شديداً في خطاب وسياسة الجماعة وفي توجهات القائمين على هذين الاتجاهين التنظيميين. كما وظهرت الازدواجية والتناقض في الخطاب الرسمي للجماعة وفي موقفها من العديد من القضايا والأحداث التي وقعت في مرحلة النشأة تلك.

ثانياً: مرحلة المواجهة والتخبط التنظيمي (1949 ــ 1954):

وهي المرحلة التي تلت اغتيال المؤسس والمرشد حسن البنا عام 1949، حيث تميزت بحل الحكومة الملكية لجماعة الإخوان، واعتقال قياداتها وكوادرها، وضرب البنى والهياكل التنظيمية لها. وشهدت هذه المرحلة تفكك الجماعة وتشتت مكتب الإرشاد، وظهور فراغ في قمة هرم القيادة، حين بقيت الجماعة بدون مرشد منذ يوم اغتيال البنا إلى عام 1951 حين انتخاب المستشار حسن الهضيبي مرشداً عاماً للجماعة. وجاءت حركة الضباط الأحرار في تموز/ يوليو من عام 1952، لتقرر الافراج عن كوادر الإخوان، وبدء المشاورات مع الجماعة، بغية ترتيب الأوضاع واعادة تركيب المشهد السياسي في مصر بعد الحقبة الملكية.

وثمّة علاقة بين بعض أعضاء تنظيم الضباط الأحرار وجماعة الإخوان المسلمين، والتي كانت تحاول منذ فترة طويلة التمدد داخل المؤسسة العسكرية وتجنيد الضباط وتشكيل خلايا إخوانية داخل الجيش. ورغم تباين الاتجاهات السياسية للضباط الأحرار الذين نجحوا في تنفيذ الانقلاب على الملك فاروق، إلا أن بعضهم، وهم الأغلبية، مثل عبد المنعم عبد الرؤوف وأنور السادات وكمال الدين حسين، قد سبق وانضموا إلى جماعة الإخوان المسلمين، بينما انضم البعض الآخر إلى اليسار مثل عبد اللطيف البغدادي وأحمد حمروش وخالد محي الدين. ويرجع السبب في انضمام أغلب ضباط الجيش لجماعة الإخوان المسلمين إلى عدة أسباب: منها معاداة الجماعة للحزبية على اختلاف اتجاهاتها وأفكارها، وكذلك لما اتسم به نظام الجماعة من دقة، حيث كانت أكثر انضباطاً من كافة الأحزاب وفي مقدمتها الوفد، وهي أمور كانت أكثر جاذبية للضباط ([91]).

وحاولت الجماعة الاستفادة من انفتاح “مجلس قيادة الثورة”، باعادة الهيكلية التنظيمية وترتيب صفوف القواعد والأطر القيادية في الجماعة داخل وخارج القاهرة. وقد شهدت الفترة الأولى من ثورة 1952 تقارباً وتوافقاً بين الضباط الأحرار، قادة الثورة، وبين جماعة الإخوان المسلمين، “تم التعامل مع الجماعة بتمييز خاص عكسّ مقدار تعاطف الضباط الأحرار مع أفكار هذا التنظيم وتوجهاته، فأصدر “مجلس قيادة الثورة” قراراً بحل الأحزاب جميعها مستثنياً جماعة الإخوان المسلمين، واعتبارها “جمعية دينية دعوية”، كما أعاد المجلس فتح التحقيق في مقتل مؤسس الحركة حسن البنا، فقبض على المتهمين باغتياله وأصدر أحكاماً قاسية بحقهم، وعفا عن معتقلين من الإخوان”([92]).

كما ودعت حركة الضباط الأحرار جماعة الإخوان المسلمين لترشيح أسماء للاشتراك في الوزارة الجديدة بعد الاطاحة بالنظام الملكي، فرشح مكتب الإرشاد ثلاثة من أعضاء الجماعة، ولكن جمال عبد الناصر ورجاله كانوا يريدون أسماء لها رنين وشهرة لدى الشعب المصري، من أمثال الشيخ أحمد حسن الباقوري، والشيخ محمد الغزالي. لذا رفضوا ترشيح المرشد أو مكتب الإشاد، وعرضوا وزارة الأوقاف بالفعل على الشيخ الباقوري، فقبل مبدئياً، وأبلغ الإخوان بذلك، فلم يمنعوه من القبول، ولكن اشترطوا عليه أن يستقيل من الجماعة ([93]).

ومن المهم الإشارة إلى أن “الانفراجة”في العلاقات بين الجماعة و”مجلس قيادة الثورة” قد استمرت إلى عام 1954، حين حدوث الصدام بين الجماعة وقيادة الثورة متمثلة بشخص جمال عبد الناصر، والذي رفض تدخل الجماعة في الشأن السياسي ومحاولتها فرض أجندتها على الضباط الراغبين في الاستمرارية والاستئثار بحكم البلاد، وجاءت حادثة محاولة اغتيال عبد الناصر في الإسكندرية عام 1954، من قِبل شخص ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، لتضع النهاية للعلاقات الجيدة بين الجماعة وقيادة الثورة، حيث أصدر عبد الناصر قرار حل الجماعة وملاحقة قياداتها والكوادر المتقدمة والأعضاء النشطين فيها.

والملاحظ في هذه الفترة حدوث تخبط تنظيمي بعيد حادثة اغتيال البنا، ونجاح الأجهزة الأمنية الملكية في تفكيك الجماعة والوصول إلى قياداتها وكوادرها التنظيمية والإدارية، ومن ثم حدوث الانفراجة بسبب الانقلاب الذي قاده تنظيم الضباط الأحرار على الملك والقصر والتقارب الذي حصل مع الإخوان، واعادة الاعتبار لهم واشراكهم في صياغة القرار ومتابعة أمور الدولة، وهو ما عنى انتعاش الجماعة وتمكنها من اعادة تنظيم الصفوف والعمل بالهيكلية القديمة، ومن ثم محاولة التصّدر للمشهد، إلى حين حدوث المواجهة مع النظام الجديد، والذي رفض رأسه جمال عبد الناصر وصاية الإخوان وتدخلهم في السياسة عبر محاولتهم فرض أجندتهم وتحديد شكل وتوجه النظام السياسي الجديد. وقد عمد عبد الناصر بعد محاولة الاغتيال الشهيرة في الاسكندرية عام 1954 إلى حل الجماعة والإعلان عن سياسة الاجتثاث والملاحقة والاعتقال، وهو ما أدى إلى الحاق الضرر، مرة أخرى، بالهيكل التنظيمي والإداري للجماعة، وشل كل قدرات الجماعة على التنظيم والتحشيد والتمدد السهل والسريع ضمن فئات وطبقات المجتمع المصري.

ثالثاً: مرحلة المواجهة وضرب الهيكل التنظيمي (1954 ــ 1970):

وهي مرحلة التصعيد والملاحقة والإقصاء وضرب الحكومة المصرية التي سيطر عليها تنظيم الضباط الأحرار، ولاحقاً “مجلس قيادة الثورة”، لهياكل وبنى التنظيم والإدارة لدى جماعة الإخوان المسلمين. وجاءت المرحلة بعد فترة قصيرة من التوافق والتعاون بين الجماعة والضباط الأحرار الذين انقلبوا على الملك في تموز/ يوليو 1952، إثر إطلاق سلطة الضباط الأحرار سراح قادة الإخوان من السجون، ورفض حل الجماعة مثلما حدث مع بقية الأحزاب السياسية، وفتح تحقيق في مقتل مؤسس الجماعة ومرشدها الأول حسن البنا. وقد بدأت هذه المرحلة بالصدام السياسي أولاً بين الجماعة والضباط الأحرار، ومحاولة كل طرف السيطرة على السلطة وتحقيق الشعبية بين الجماهير. وهكذا فقد رفض الإخوان المشاركة في الحكومة التي شكلها الضباط، كما وانحازوا إلى جانب اللواء محمد نجيب في الأزمة التي حصلت بينه وبين جمال عبد الناصر، بينما سعّت الحكومة العسكرية وأجهزتها إلى إحداث انشقاقات داخل الجماعة. وتتوّج الخلاف بحادثة محاولة اغتيال عبد الناصر في الإسكندرية عام 1954، واتهام الحكومة العسكرية الإخوان بالوقوف ورائها، ومن ثم قرارها حل الجماعة بعد ذلك مباشرة وملاحقة كوادرها بشكل لا هوادة فيه حتى عام 1970 تاريخ وفاة جمال عبد الناصر([94]).

وفضلاً عن حادثة محاولة الاغتيال فقد شملت الاعتقالات كذلك أعضاء خلية سيد قطب، والتي كانت تخطط لتدمير منشآت حيوية لخلق البلبلة وتثوير العامة للانقضاض على الحكم، “كانت هناك خطة للاغتيالات اعترف بها واضعوها وأبطالها، لم تقتصر على عبد الناصر وبعض كبار المسؤولين، ولكنها امتدت إلى عدد من الكتاب والفنانين على نحو ما أظهرت التحقيقات، كما كانت هناك خطط للنسف والتفجير والتدمير، لمحطات الكهرباء والكباري وغيرها من المرافق “([95]) .

وقد انتهت التحقيقات التي قامت بها السلطات إلى إدانة سيد قطب والحكم عليه بالإعدام وتنفيذ الحكم عام 1966. وكان هدف نظام عبد الناصر في هذه الفترة هو تحجيم قوة ودور الجماعة في عموم المشهد المصري وتحطيم “النظام الخاص”، الذي عده عبد الناصر مسؤولا عن محاولة اغتياله. وشهدت الجماعة في هذه المرحلة أسوأ فترات وجودها، حيث نجح النظام في تفكيك هيكل وبنى التنظيم، واعتقل قيادات وكوادرالجماعة ولاحق البقية، كما حظر عمل الجماعة وحلها بقانون أصدرته الحكومة. ولم تجد الجماعة بدا من التحرك والعمل بشكل سري، بعد أن أجهزت الحكومة على هياكلها التنظيمية والإدارية وعمدت لخلق رأي عام مناوئ لها، بعد تفعيل رسمي موجه لوسائل الإعلام، بالتوازي مع أجهزة الاستخبارات والشرطة، لتقديم صورة مرعبة عن الجماعة للرأي العام المصري والتركيز على أجندة الجماعة الخفية والسريّة والمتمثلة بالسيطرة على الدولة وتغيير بنيتها إلى دولة دينية، تكون نواة للخلافة الإسلامية المتخيلة والمنتظرة.

رابعاً: مرحلة الظهور وإعادة بناء الهيكل التنظيمي (1971 ــ 1981):

وهذه المرحلة هي مرحلة حكم الرئيس أنور السادات، وتمثل لجماعة الإخوان المسلمين مرحلة الظهور إلى الحياة السياسية والبدء بإعادة بناء الهيكل التنظيمي والإداري للجماعة بعد فترة حكم عبد الناصر، والتي تميزت بحل الجماعة والاجهاز على الهيكل التنظيمي لها، وملاحقة قادتها، وهو الأمر الذي اضطرها للعمل السري. وقد قرر السادات بعيد تسلمه مهام الحكم، الإفراج عن قيادات الجماعة، وهو ما شكل الفرصة لها بالالتقاء والسعي مجدداً إلى تفعيل الهياكل والبنى التنظيمية، واستئناف النشاط والدعوة، والتمدد بشكل أفقي وعمودي في المجتمع المصري.

وفي الوقت الذي كانت الجماعة فيه تحاول لملمة صفوفها وإعادة بناء التنظيم، جاء خبر وفاة المرشد الثاني المستشار حسن الهضيبي في عام 1973، ليعيد النقاش والخلاف بين أطر الجماعة التنظيمية، وبشكل خاص بين أعضاء مكتب الإرشاد وقيادات “النظام الخاص”، حول هوية وشخصية المرشد الجديد. ما حدث أن “قيادات الجهاز الخاص اجتمعت لترتيب أوضاع الجماعة متجاهلة القيادات الشرعية للجماعة، أي أعضاء الهيئة التأسيسية وأعضاء آخر مكتب إرشاد قبل حل الجماعة عام 1954، وقاموا باختيار مرشد سري وطالبوا الإخوان ببيعته فرفض الكثير، سواء من كان بداخل مصر أو من أقام في دول الخليج وخاصة المملكة العربية السعودية. وبعد فترة من هذا الرفض ذهبوا للأستاذ عمر التلمساني وطلبوا منه أن يكون المرشد حيث إنه أكبر أعضاء مكتب الإرشاد الأحياء سناً، ويلقي قبولاً من كل الأطراف. وسيطر رجال الجهاز الخاص على الجماعة ودخلت أجيال جديدة لها متأثرة بما تعرضت له الجماعة من اضطهاد، ولم تكن تعلم بمشكلة مشروعية القيادة الموجودة، حيث كان أعضاء الهيئة التأسيسية ومن بقي من أعضاء مكتب الإرشاد المشار إليه يعتبرون أن هؤلاء ليسوا القيادة الشرعية. وظلت هذه المشكلة لفترة طويلة ضاغطة على القيادة الموجودة في الجماعة “([96]).

وما أن تنفس الإخوان الصعداء مع سياسة “الانفتاح” التي مارسها السادات تجاههم، والتي تمثلت في إخراجهم من السجون والمعتقلات وتغاضي الطرف عن نشاطاتهم وحضورهم الاجتماعي والإعلامي والتربوي، الأمر الذي مكنهّم من ترتيب الصفوف وإعادة العمل بالهياكل التنظيمية والإدارية، وانتخاب مرشد جديد، هو المرشد الثالث عمر التلمساني، حتى بدأ الحلم القديم بأسلمة الدولة والسيطرة على السلطة فيها يراود الإخوان مرة أخرى، فانشغل التلمساني بوضع الخطط التي تؤمن للإخوان التمكين في الدولة، ومن بينها رسم “خطة لمدة خمسين سنة أطلق عليها اسم خطة المشي في “خطوات متوازية” للتسلل إلى الأنشطة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والنقابات والمدارس والجامعات. إنها خطة تحاشي “الاصطدام مع النظام”، لأن الإخوان سيعدون أنفسهم بعد اليوبيل الذهبي ــ 50 عاماً ــ لمقاعد الحكم. وإلى حد كبير نجح التلمساني في إعمال أفكاره واستطاع جذب عناصر شبابية لجماعة الإخوان، سرعان ما لعبت أدوار البطولة في مسلسل مسيرة تطور وتنامي الإخوان في عقود السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وضخت أفكاراً وصنعت تجارب وممارسات مثلت رصيداً متميزاً للجماعة للجماعة على مستوى الكم والنوع على السواء”([97]).

كما وشاركت جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات عام 1976، حيث تمكن الإخوان ـ بشكل فردي ـ من إنجاح الشيخ صلاح أبو إسماعيل، كما ساندوا عادل عيد في الإسكندرية. أما في عام 1979، فقد نجح اثنان هما: الشيخ صلاح أبو إسماعيل، والحاج حسن الجمل، وإليهما يُنسب أهم (إنجاز سياسي ودستوري للحركة الإسلامية في هذا العصر)، وهو جعل الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع في مصر عام 1979، إضافة إلى تشكيل لجان برئاسة الدكتور صوفي أبو طالب، لتقنين القوانين ومراجعتها بحسب مقتضيات الشريعة ([98]).

ولايمكن الحديث عن السياسة التنظيمية والإدارية لجماعة الإخوان المسلمين ومساع ومهام بناء الهياكل التنظيمية وسياسات التغلغل والانتشار في هذه المرحلة، بمعزل عن الحديث عن شخصية المستشار التلمساني. فقد كان التلمساني صاحب رؤية خاصة في بناء التنظيم وكيفية تشكيل وتوطيد هياكله وتحديد مهام الأطر الإدارية وتعيين الشخصيات التي تنفذ البرامج والخطط الموضوعة. وعليه فإن بصمات التلمساني واضحة على هذه الفترة من التاريخ التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين، فقد كان أيضا أول من “طرح على الجماعة فكرة تكوين حزب سياسي في ظل قرار الدولة باستمرار سريان قرار حل الجماعة، وقد تخطى التلمساني بهذه الفكرة مبدأ إخوانياً تقليدياً رسخه المؤسس حسن البنا يقوم على رفض الحزبية. وجدد التلمساني طرحه تحول الجماعة إلى حزب سياسي قبيل وفاته عام 1986، واستعان بأبناء جيل السبعينيات التجديدي في كتابة برنامج سياسية تحت اسم “حزب الشورى”، وبعد وفاته كرر أبناء هذا الجيل المحاولة مرتين باسم مختلف هو “حزب الإصلاح”، ولم تحظ محاولتهم في المرتين برضا قادة الحرس القديم، الأمر الذي أدى إلى وأد التجربة للمرة الثانية “([99]) .

ومن المهم القول بأن خطة التلمساني في (المشي في خطوات متوازية) ووضع استراتيجية الجماعة على أساسها وتجيير كل الإمكانيات والخبرات بغية تحقيقها والتصدر بالجماعة إلى الحكم والسلطة، قد فرضت ضرباً جديداً من ضروب المركزية الشديدة، وأثرت بشكل كبير على بنية وآليات عمل الهيكل التنظيمي والإداري في الجماعة، حيث الازدواجية في العملين السري والعلني، وهو ما تطلب تركيزا كبيراً ومتابعة شديدة ومستمرة من المركز، وصرامة في إصدار الأوامر ومراقبة كافة مراحل العمل والتنفيذ. وبناء على هذه الخطة فعّلت ووسعّت الجماعة من أنشطتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتربوية، وأقامت شبكة واسعة من من المؤسسات الاجتماعية والخدمية (مدارس، معاهد، مشروعات خدمية، جمعيات خيرية ومشافي)، وعليه فقد “أنتجت هذه الحالة المركبة أولوية العمل مع المجتمع، ونمط الجماعة الأولية، وشمولية التنظيم، مظهرين يمثلان معاً قوة الجماعة الحقيقية على مدار عقود: قاعدة تنظيمية صلبة شديدة الترابط، وقاعدة اجتماعية واسعة احتضنت الجماعة دائماً خلال مسيرة صدامها المتقطع مع الدولة خلال سنوات حكم مبارك “([100]) .

وفي نهايات حكم السادات كانت جماعة الإخوان المسلمين تقوم على شبكة واسعة من المؤسسات والجمعيات والنوادي، ولها امتدادات في الاتحادات والنقابات المهنية كذلك، وحضور في قطاعات التعليم والعمل الخيري. وقد عهدت الجماعة إلى الهيكلية التنظيمية لها الإشراف على كل هذه القطاعات، في ظل إصرار الدولة على قضية الاستبعاد السياسي ومواصلة التضييق في هذا المجال.

خامساً: مرحلة الشد والجذب في ظل حكم مبارك (1981 ــ 2010):

تعتبر هذه المرحلة من المراحل المهمة والمفصلية في التاريخ التنظيمي والإداري لجماعة الإخوان المسلمين، ففترة حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، تعتبر من أطول الفترات في حياة الجماعة، حيث التعايش مع نظام واحد، وفي ظل حكم الرئيس نفسه. وفي هذه الفترة التي امتدت من 1981 إلى 2010، طرأت تغييرات كبيرة أثرت في هيكل الجماعة التنظيمي، وفي علاقة القيادات بالقواعد، وفي آليات التنظيم والتجنيد والحشد، وفي استراتيجية العمل التنظيمي كذلك. وفي هذه المرحلة تمكنت الجماعة من التمدد في النقابات المهنية واتحادات الطلبة في الجامعات، وفي عموم القطاع التعليمي، كما وشاركت في الانتخابات البرلمانية، وحصلت عام 2005 على ما مجموعه 20% من مقاعد البرلمان المصري.

أقارب سجناء لأعضاء من الإخوان المسلمين في زيارة خلال محاكمة 20 عضواً في ديسمبر 1999 بالقاهرة | أ.ف.ب

في عقد الثمانينيات خرجت الجماعة من مرحلة السادات، والذي كان قد انقلب عليها في أواخر حكمه، لتبني الهياكل التنظيمية والإدارية بشكل أكثر متانة، حيث تمكنت من تأسيس القواعد والأطر التنظيمية الجديدة، والتغلغل في المجتمع المصري والتعايش بطريقة علنية وسلمية مع الدولة والتمدد في المؤسسات، إلى درجة المشاركة السياسية والفوز بمقاعد في البرلمان. ويقول عبد المنعم أبو الفتوح أحد قادة الجماعة والذي كان مسجوناً أواخر عهد السادات، وخرج من السجن بعد تسلم مبارك السلطة، “كان أول ما شغلنا بعد الخروج من المعتقل هو البدء في إعادة تنظيم جماعة الإخوان من جديد والاهتمام بالبناء الداخلي، وهو ما شرعنا فيه فور الخروج مباشرة، خاصة أن نظام الرئيس حسني مبارك لم يغلق الباب مباشرة في وجه الإخوان، فقد استمر نشاطنا قوياً إلى نهاية عقد الثمانينات تقريباً، وإن كنا على قناعة ـ وقت خروجنا ـ أن عصر السادات لن يعود بما كان فيه من انفتاح وحرية في العمل والتنظيم السياسي”([101]).

وعليه فقد كانت الجماعة في هذه المرحلة قد وضعت نصب عينيها التغلغل في داخل الأحزاب السياسية والاتحادات الطلابية والنقابات المهنية، وإبراز حضورها السياسي، ومحاولة فرض نفسها كقوة مؤثرة، ليس لديها تحفظ أو مانع من التحالف والعمل مع القوى السياسية الأخرى، بغية إحداث التغيير ومحاربة الفساد والتجاوزات من قبل الحكومة والحزب الحاكم، وعليه فقد “هدف الإخوان المسلمون إلى استغلال روح التسامح في عهد مبارك من أجل بلوغ هدفين رئيسيين، وهما: مواصلة إعادة بناء التنظيم، وإعادة الاندماج بالمجتمع والسياسة بشكل كامل “([102]).

وشعرت الجماعة بمساحة مقبولة من حرية المناورة والحركة في المضمار السياسي، جراء الانفتاح النسبي المحدود، وتراخي القبضة الأمنية، فعمدت إلى الإعلان عن الظهور للعلن من خلال حزب سياسي، يحمل برنامج عمل واضح ومحدد بنقاط، معلنة إنتهاء عهد السرية والعمل في الخفاء، “ومن التطورات المهمة التي أثرت في الهيكل التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين خلال هذه الفترة، هي إقرار الجماعة في عام 1987 بالعلنية ورفض العمل السري، وتم الخروج وقتها بوثيقة رسمية مكتوبة عرفت باسم (جماعة الإخوان جماعة علنية)، أقر بها مكتب الإرشاد وأرسلت إلى أقسام الجماعة كلها ومكاتبها الإدارية للالتزام بما جاء فيها “([103]).

ولكن جو الانفتاح النسبي هذا لم يدم طويلاً، فعلاقة جماعة الإخوان المسلمين مع نظام مبارك قد بدأت في التردي في نهاية حقبة الثمانينيات وبداية حقبة التسعينيات. وقد بدا النظام يعيد حساباته فيما يخص مشاركة الجماعة في الحياة السياسية (انتخابات النقابات المهنية واتحادات الطلبة، وانتخابات البرلمان والمجالس المحلية)، وتسجيل مرشحي الإخوان لحضور قوي ومؤثر بين الجماهير، وفوز عدد كبير منهم على مرشحي الحزب الوطني الحاكم، وهو الأمر الذي دفع النظام المصري إلى مراجعة سياسته حيال الجماعة والتحول إلى موقع الحذر ورصد تحركات الجماعة ونشاطها في الساحات السياسية والاجتماعية والتعليمية في البلاد. وكان القلق في الأوساط الحكومية والأجهزة المختصة من استحواذ جماعة الإخوان على النقابات المهنية والجمعيات الحرفية المدعومة من الدولة، واضحا. فبالإضافة إلى سيطرة الجماعة على أكثرية المقاعد في انتخابات نقابات الأطباء والمهندسين عام 1992، فإنها حققت كذلك نتائج مهمة في انتخابات اتحاد المحاميين والقضاة، وباتت تستحوذ هناك أيضا على الأغلبية. إن هذا التطور أقلق نظام مبارك، فتلك النقابات كانت على مدى عقود طويلة في يد القوى الليبرالية واليسارية، ومن هنا باتت المخاوف صريحة وعلنية من احتمالية سيطرة جماعة الإخوان المسلمين على كامل النظام القضائي والتشريعي في البلاد، وبالتالي إمكانية نجاحها في تغيير القوانين واللوائح بما ويتناسب مع خططها وبرامجها في الأسلمة وتحقيق دولة الشريعة ([104]).

ومع محاولات الجماعة النفاذ إلى النقابات والاتحادات المهنية والتغلغل في الجهاز الإداري داخل الدولة، واستغلال سوء الحالة الاقتصادية، وتعثر برامج الحكومة في الإصلاح، وتفشي وانتشار الفساد والبطالة، بدأت وسائل الإعلام تنقل عن قادة الجماعة تصريحات خطيرة تخص تغيير بنية الدولة المصرية وترسيخ دور الشريعة فيها. وظهر الحديث عن الأغلبية من الشعب التي تريد حضورا أكثر بروزاً للشريعة الإسلامية، بل تجرأ مصطفى مشهور، المرشد العام للجماعة، في الدعوة لفرض الجزية على المصريين المسيحيين، وعدم السماح لهم بتولي مناصب عليا، مهمة وحساسة، في الجيش المصري. وهو الأمر الذي أحدث غضباً في الأوساط المصرية المسيحية والليبرالية والمدينة، وهدد بظهور تصدع مجتمعي في البلاد([105]).

وفيما يخص المشاركة السياسية في هذه الفترة، فقد خاض الإخوان المسلمون عام 1984 الانتخابات وفازوا ب 6 مقاعد ضمن تحالف الوفد والإخوان، إلى أن حٌكم بعدم دستورية قانون الانتخابات التي أجريت به الانتخابات، وهو قانون القائمة المطلقة، وحٌل المجلس بداية عام 1987. وفي عام 1987 دخل الإخوان البرلمان ضمن التحالف الإسلامي (الإخوان، حزب العمل المصري، حزب الأحرار)، وخاضوا الانتخابات فيها تحت شعار (الإسلام هو الحل)، وتميزت هذه المشاركة بترشيح الإخوان النائب القبطي جمال أسعد عبد الملاك على قائمة التحالف الإسلامي، وفاز هذا المرشح، فكان أول قبطي يدخل البرلمان بالانتخاب منذ عودة التعددية في مصر، ويكون ذلك على قائمة الإخوان. وفي عام 1995 رشح الإخوان 150 مرشحاً في ظل ظروف أمنية وسياسية قاسية لم ينجح منهم إلا نائب واحد هو علي فتح الباب، وحٌول 82 من قيادات الجماعة إلى المحاكمات العسكرية الاستثنائية في مصر. وفي عام 2000 مع أول انتخابات يُشرف عليها القضاء المصري جزئياً، فازت جماعة الإخوان بـ 17 مقعداً بمجلس الشعب المصري ([106]).

وفي عام 1992 اكتشفت الأجهزة الأمنية المصرية خطة أطلق عليها الإخوان اسم (خطة التمكين)، وكذلك عُرفت إعلامياً بـ (قضية سلسبيل). وهذه الخطة التي جاءت في 13 صفحة، ضبطت في منزل القيادي في الجماعة خيرت الشاطر في مداهمة وحملة تفتيش قامت بها الأجهزة الأمنية، وحملت الوثيقة كلاماً خطيراً صيغ على شكل خطة وبرنامج عمل. وتعتبر وثيقة أو (خطة التمكين) هذه من “أخطر وثائق جماعة الإخوان المسلمين السرية على الإطلاق، وهي ـ كما يشير عنوانها ـ تتعلق بخطة الجماعة من أجل الاستيلاء على الحكم، لأن معنى “التمكين”، كما تقول الوثيقة بالحرف الواحد: هو الاستعداد لتحمل مهام المستقبل وامتلاك القدرة على إدارة أمور الدولة، وذلك لن يتأتى ـ كما تقول الوثيقة ـ بغير خطة شاملة تضع في حساباتها ضرورة تغلغل الجماعة في طبقات المجتمع الحيوية، وفي مؤسساته الفاعلة مع الالتزام باستراتيجية محددة في مواجهة قوى المجتمع الأخرى والتعامل مع قوى العالم الخارجي”([107]).

وتضمنت تلك الخطة ملامح ونقاط معينة ومحددة لاستراتيجية عمل الجماعة في المستقبل، تستغل من خلاله كل الفرص والامكانيات والظروف بغية السيطرة الهادئة أو الناعمة على كل مظاهر الحياة وكل قطاعات الدولة ومؤسساتها، إلى حين الوصول إلى استلام دفة الحكم ومقاليد السلطة وإعلان دولة الشريعة المنشودة. وجاء في الخطة عدة نقاط وتعليمات حول البناء الهيكلي والتنظيمي للجماعة، من التي تجعله أكثر مرونة وانسيابية وتفاعلاً مع الأحداث والتطورات، بغية إنجاح سياسة (التمكين)  “البناء الهيكلي:

أـ إرساء المنهج العلمي للإدارة.

ب ـ توفير المعلومات اللازمة لأداء المهام المختلفة.

ج ـ إرساء مبدأ التفويض واللامركزية في الأعمال ما أمكن.

د ـ إرساء مبدأ التفرغ لشغل المناصب ذات الأهمية.

هـ ـ مرونة الهيكل بحيث تسمح باضافة كيانات جديدة استجابة للخطة (جهاز معلومات، علاقات سياسية..).

و ـ استكمال الهياكل بناء على أهمية العمل في الخطة وأولوياته “([108]).

وبعد كشف الأجهزة الأمنية التابعة لنظام مبارك عن هذه الخطة والضجة التي أثارتها لدى الحكومة ومؤسسات الدولة والرأي العام، وبالنظر إلى زيادة جماهيرية الجماعة، قرر النظام الحد من نفوذ جماعة الإخوان المسلمين، عبر القيام بسلسلة من الإجراءات هدفت كلها لتحجيمها وتقليص نفوذها وضرب بناها التنظيمية والإدارية، “إزاء شعبية الإخوان المتزايدة تدخلت دوائر أمنية بقسوة في انتخابات العام 1995، وقامت باعتقال وتحويل أعضاء “مفصليين” وفاعلين في  التنظيم إلى محاكم عسكرية في محاولة غير مسبوقة في عهد الرئيس مبارك لشل حركة الجماعة، وتصفية نفوذها المقلق”([109]).

وقد أدى هذا التطور إلى إلحاق ضربات قوية بالهيكل التنظيمي للجماعة، حيث اعتقال كوادر متقدمة وأعضاء مهمين في الجماعة، الأمر الذي أدى إلى شل قدرات الجماعة التنظيمية وتلقي البنى الإدارية وهيئات الإشراف والمتابعة ضربات قوية. ومن بين الإجراءات التي قامت بها الحكومة ضد جماعة الإخوان المسلمين، والخطوات التي هدفت للحد من تمددها التنظيمي بين الجماهير، “إصدار الحكومة قراراً بضم المساجد جميعها، كي تصبح تحت إشراف وزارة الأوقاف المصرية. كما تم إدخال تعديلات على قانون الجمعيات الأهلية (القانون رقم 32 لعام 1964)، كي يعطي صلاحيات أوسع لوزارة الشؤون الاجتماعية فيما يخص مسألة إنشاء وتأسيس الجمعيات غير الحكومية والعضوية في مجالس إدارتها، وذلك من أجل ضمان السيطرة على النقابات والجمعيات الخيرية “الإخوانية”، التي تقدم خدمات متنوعة للجمهور”([110]).

وعلى الرغم من سياسة التشدد والملاحقة والمنع هذه إلا أن الجماعة استطاعت التكيّف معها نوعاً ما، وبقت محافظة على مكتسباتها في الحضور البارز ضمن العديد من المؤسسات، منافسة بذلك مرشحي النظام، ومن هنا فإن “القمع السياسي للجماعة لم يواكبه تراجع تنظيمي أو مجتمعي لها، فقد حافظت الجماعة على نشاطها المجتمعي والنقابي، فعلى سبيل المثال احتفظت الجماعة بتواجدها داخل معظم النقابات المهنية، مثل الأطباء والمحامين والمهندسين والصيادلة “([111]).

ومن هنا فان حملات القمع وسياسة الملاحقة التي فرضها نظام مبارك على الجماعة وأطرها التنظيمية والإدارية، لم تحل دون مواصلة الجماعة خططها في المشاركة السياسية والتمدد داخل الأحزاب ومؤسسات الدولة، ناهيك عن المشاركة في الانتخابات وتحقيق الفوز فيها، ومن هنا فقد استطاعت الجماعة “تحقيق أكبر فوز برلماني في تاريخها وفي تاريخ المعارضة المصرية، حين فازت بنحو 88 مقعداً، أو ما يوازي 20% من مقاعد مجلس الشعب المصري في الانتخابات التي أجريت عام 2005، وهو ما فسره مراقبون بأنه جاء بضوء أخضر من نظام مبارك الذي كان يتعرض خلال هذه الفترة لضغوط أميركية تطالبه بالمزيد من الإصلاح في المجالين السياسي والديمقراطي “([112]).

ورغم وجود مثل هذا التفسير، أي حدوث الضغوط الأميركية على الحكومة المصرية، ودفعها للانفتاح وافساح المجال للقوى السياسية المعارضة بالمشاركة في السلطة وصنع القرار السياسي إلى جانب الحزب الوطني الحاكم، فإن الفترة التي تلت فوز مرشحي الجماعة في انتخابات مجلس النواب المصري عام 2005، قد شهدت تصعيداً واضحاً وضغوطا كبيرة من جانب الحكومة على الجماعة ومؤسساتها وكوادرها، وإصدار الحكومة لحزمة من القوانين والقرارات التي تهدف كلها إلى التضييق على جماعة الإخوان والحد من قوتها التنظيمية والسياسية، وسد الطريق أمام مشاركتها في السياسة، سواء كان ذلك تحت عناوينها هي، أو من خلال عناوين وأسماء أخرى، وعليه فقد “تأثر الهيكل التنظيمي والإداري والمالي للجماعة بشكل واضح خلال هذه الفترة، وكان أبرز الشواهد على ذلك، ضرب البنية الاقتصادية والاستثمارية للجماعة من خلال اعتقال عدد كبير من رجال الأعمال المحسوبين على الجماعة مثل مدحت الحداد وعبد الرحمن سعودي. وجاء تغيير الدستور الذي تم إعلانه في آذار/مارس 2007 ليشكل ضربة قوية للهيكل التنظيمي والإداري لجماعة الإخوان المسلمين، حيث تم تحديد نحو 34 مادة، خص الإخوان منها بمادتين، الأولى هي المادة (5) التي تحظر قيام الأحزاب على أساس ديني، والثانية هي المادة (88) التي تقيد السلطة القضائية في مراقبة الانتخابات، بما يعني حرمان الإخوان وغيرهم من المرشحين المستقلين من أي ضمانات قد تتيح فوزهم في أي انتخابات. لكن الجماعة سعت كعادتها إلى التكيف مع هذه الإجراءات، وقامت في أغسطس 2007 بإصدار وثيقة مبدئية لإنشاء حزب سياسي، كمناورة للهروب من الضغوط والقيود التي تتعرض لها الجماعة. أما التطور التنظيمي الأبرز خلال هذه الفترة فتمثل في تخلي المرشد العام السابق للجماعة محمد مهدي عاكف واختيار محمد بديع مرشداً جديداً “([113]).

وكنتيجة لسياسة التضييق والملاحقة، القانونية والأمنية، التي انتهجها نظام مبارك ضد الجماعة، والتي حرمتها من المشاركة السياسية والإعلان عن هويتها وخطابها علناً، والتي نالت من الهياكل التنظيمية والإدارية عبر اعتقال وملاحقة الكوادر القيادية ومسؤولي التنظيم والتحشيد والدعوة داخل الجماعة، ظهر خط جديد أكثر تصلباً وتطرفاً، على حساب القيادات المعتدلة التي بدأت بالانسحاب للخلف والانزواء. وبدت التشكيلة الجديدة لقيادات الإخوان والمشرفين على الأطر التنظيمية متطرفة وأقرب إلى “التيار القطبي”القديم، حيث “أسفرت الانتخابات التي انتهت في كانون الثاني/ يناير 2010 عن صعود القيادات التنظيمية المحافظة بعد أن أحكمت سيطرتها كاملة على مكتب الإرشاد، وحازت أهم مواقعه بما في ذلك منصب المرشد الجديد ونوابه الثلاثة والأمانة العامة. هذا في حين تراجع حضور قيادات العمل العام الإصلاحية وخرج أبرز رموزها من المكتب الذي يمثل أعلى سلطة في الجماعة، بل وأعتزل بعضهم من كل مهامه التنظيمية في الجماعة “([114]).

مصرية من جماعة الإخوان المسلمين خلال تظاهرة عام 2005 في القاهرة | أ.ف.ب

وجراء هذه التطورات، عمد نظام مبارك إلى تشديد الخناق على جماعة الإخوان المسلمين، متهما إياها بانتخاب شخصيات تنتمي إلى “التيار القطبي”، الذي يؤمن بالعمل التنظيمي السري، ويضمر غير ما يعلن، ومن بين ذلك الرغبات الدفينة بإحياء “النظام الخاص”/ الجهاز العسكري السري. وعليه فقد استغل نظام مبارك هذه الانتخابات ضد الجماعة، وذلك من خلال “شن حملة اعتقالات طالت العديد من قياداتها بتهمة إحياء النظام الخاص للجماعة، وفي الثامن من شباط/فبراير 2010، بدأ الحديث يثار لأول مرة عن “تنظيم خاص”داخل الجماعة مختلف تماماً في أفكاره وقياداته ومشروعه السياسي عن جماعة الإخوان المعروفة التي تمارس العمل العام وتشارك في الحياة السياسية منذ نحو ثلاثة عقود، ووجهت النيابة العامة المصرية اتهامات جديدة ومفاجئة للمتهمين من قيادات الإخوان كانت هي الأولى من نوعها لقيادات الجماعة، مثل: تكوين تنظيم ينتمي إلى سيد قطب، يقوم على منهج التكفير ومحاولة تنظيم معسكرات مسلحة للقيام بأعمال عدائية داخل البلاد “([115]).

سادساً: مرحلة ما بعد الثورة: الصعود والهبوط السريع (2011 ــ 2013):

بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت بمبارك في 25 كانون الثاني/ يناير 2011 قررت جماعة الإخوان المسلمين إحداث تغيير جذري في هيكليتها التنظيمية والإدارية، عبر تأسيس حزب سياسي، يكون بمثابة واجهة شرعية وقانونية لها، وهذا الحزب حمل اسم (حزب الحرية والعدالة). لكن الجماعة قررت، مع ذلك، الإبقاء على المؤسسات الاجتماعية والجمعيات الخيرية التي كانت ترتبط تنظيمياً بالجماعة الأم. وقد تمكن حزب الحرية والعدالة من الفوز في الانتخابات البرلمانية الأولى بعد الإطاحة بنظام مبارك، مكوناً أكبر كتلة في البرلمان، كما وحقق الفوز في انتخابات مجلس الشورى، مستحوذاً على أغلبية المقاعد فيه. وتوجّت الجماعة مرحلة ما بعد نظام مبارك بنصر كبير من خلال وصول مرشحها محمد مرسي إلى المنصب الأول في جمهورية مصر العربية، أي منصب الرئاسة.

وخلال فترة الحكم القصيرة لمصر، والتي امتدت لعام واحد من 2012 إلى 2013، شهد الهيكل التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين حالة من اللااستقرار والاضطراب وملاحظة ضبابية في الرؤية والتوجه، حيث بدت الجماعة، التي باتت تسيطر على السلطات التشريعية والتنفيذية في البلاد، نهمة للسلطة والاستحواذ وساعية للسيطرة على مؤسسات وأجهزة الدولة، والعمل على خلق حالة من التماهي معها، بغية السيطرة عليها وابتلاعها. وفي حال استحالة ذلك، فيتم بناء أجهزة موازية تعود بمرجعيتها وقراراتها للإخوان وليس للحكومة. كما وتميزت هذه الفترة بتداخل الصلاحيات في أطر الهيكل التنظيمي، ولعل من أهمها تدخل المرشد العام في سياسة وتوجه الرئيس المنتخب محمد مرسي، واعتباره لمنصب الرئاسة الذي يشغله مرسي، وكأنه منصب تكليفي من جانب جماعة الإخوان وليس منصباً سيادياً المفروض به أن يكون فوق الأحزاب والانتماءات العقائدية والأيديولوجية الضيقة.

وهناك من أرجع السبب الرئيسي وراء فشل جماعة الإخوان في الاستمرارية في حكم مصر، إلى التضارب والإخفاقات في مهام وأطر الهياكل التنظيمية وفشل الجماعة في تطوير الجوانب التنظيمية والإدارية فيها، وعدم التمكن من عمل موائمة وتكيف لهذه الأطر مع الواقع السياسي الجديد بعد الإطاحة بنظام مبارك. وقد ظنت جماعة الإخوان المسلمين بأن التغيير في النظام، أو ما سميّ شعبيا ب”الثورة”، هو فرصة ذهبية لها في السيطرة على البلاد والاستحواذ على المؤسسات الصلبة في الدولة، وذلك عبر التمكين والتغلغل فيها وإلحاقها بجهازها التنظيمي، أو خلق بديل مواز لها، يكون ولاءه لأطر وقيادات الجماعة فقط. وظهر بأن هذه القراءة كانت خاطئة تماما ولم تستوعب ما حدث في مصر من تغيير بنيوي، وقفت وراءه إرادة الملايين من الراغبين في إحداث التغيير الشامل وإصلاح حال البلاد وتحقيق دولة القانون والعدالة والرفاه الاقتصادي، ومن هنا فهناك “من يرى أن الهيكل التنظيمي كان أحد أهم أسباب فشل الجماعة، خاصة بعد ثورة يناير 2011، فالطبيعة الغامضة للنظام وأوضاعه المالية من ناحية، وسيطرته شبه التامة على حزب الحرية والعدالة من ناحية أخرى، وغموض مركز صنع القرار به، جعله كياناً موازياً للدولة “([116]).

لقد فشل الإخوان في الخروج من التنظيم المغلق إلى العمل السياسي الرحب، وبقوا ضمن الأطر السرية في العمل، معتمدين على الكوادر التي تنفذ التعليمات الآتية من الهرم القيادي، وكان الأحرى بهم أن يعملوا على تطوير آليات تنظيمية وإدارية وخاصة في حزبهم السياسي، يتمكنوا من خلالها من التحول لحزب وطني وجماهيري عابر للانتماءات الدينية والطبقية والجهوية.

(نهاية القسم الثالث)

المصادر:

أولاً: باللغة العربية:

1ـ الكتب:

 

1ـ أبو الاسعاد، محمد: السعودية والإخوان المسلمون. مركز الدراسات والمعلومات القانونية لحقوق الإنسان. القاهرة، مصر. الطبعة الأولى 1996.

2ـ أبو الفتوح، عبد المنعم: شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر. دار الشروق. القاهرة، مصر. الطبعة الثانية 2012.

3ـ أبو رمان، محمد: أنا سلفي: بحث في الهوية الواقعية والمتخيلة لدى السلفيين. مؤسسة فريدريش ايبرت، مكتب الأردن والعراق. الطبعة الأولى 2014.

4ـ إمام، عبد الله: عبد الناصر والإخوان المسلمون. دار الخياّل. القاهرة، مصر. الطبعة الأولى 1997.

5ـ البدري، جمال: السيف الأخضر: دراسة في الأصولية الإسلامية المعاصرة. دار قباء للطباعة والنشر. القاهرة، مصر. الطبعة الأولى 2002.

6ـ بشارة، عزمي: ما السلفية؟. المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. الدوحة، قطر. الطبعة الأولى 2018.

7ـ البنا، جمال: خطابات حسن البنا الشاب إلى أبيه. دار الفكر الإسلامي. القاهرة، مصر. االطبعة الأولى 1990.

8ـ البنا، جمال: رسالة إلى الدعوات الإسلامية من دعوة العمل الإسلامي. دار الفكر الإسلامي. القاهرة، مصر. الطبعة الأولى 1991.

9ـ البنا، حسن: الرسائل الثلاث. دار الشهاب. القاهرة، مصر. بدون تاريخ نشر.

10ـ البنا، حسن: مجموعة رسائل الإمام البنا. دار النداء. اسطنبول، تركيا. الطبعة الأولى 2014.

11ـ البنا، حسن: مذكرات الدعوة والداعية. مكتبة آفاق. الكويت. الطبعة الأولى 2012.

12ـ البنا، فؤاد عبد الرحمن محمد: الإخوان المسلمون والسلطة السياسية في مصر: دراسة تحليلية لرؤيتهم وموقفهم من السلطة السياسية والعوامل التي حالت دون وصولهم إليها. مركز الدراسات والبحوث الأفريقية في جامعة أفريقيا العالمية. الخرطوم، السودان. الطبعة الأولى 1990.

13ـ البيومي غانم، إبراهيم: الفكر السياسي للإمام حسن البنا. مدارات للأبحاث والنشر. القاهرة، مصر. الطبعة الأولى 2013.

14ـ تمام، حسام: تحولات الإخوان المسلمين: تفكك الايديولوجيا ونهاية التنظيم. مكتبة مدبولي. القاهرة، مصر. الطبعة الثانية 2010.

15ـ الحسيني، أسحق موسى: الإخوان المسلمون: كبرى الحركات الإسلامية الحديثة. دار بيروت للطباعة والنشر. بيروت، لبنان. الطبعة الأولى 1952.

16ـ الحسيني، أسحق موسى: الإخوان المسلمون: كبرى الحركات الإسلامية الحديثة. دار بيروت للطباعة والنشر. بيروت، لبنان. الطبعة الأولى 1952.

17ـ رضا، رشيد: الوهابيون والحجاز: طائفة من المقالات نشرت في المنار والأهرام. مطبعة المنار. القاهرة، مصر. الطبعة الأولى 1925.

18ـ السدمي، نهى عبد الله حسين: الإسلام السياسي في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا. مكتبة مدبولي. القاهرة، مصر. الطبعة الأولى 2010.

19ـ السلمان، محمد بن عبد الله: رشيد رضا ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب. مكتبة المعلا. الكويت. الطبعة الأولى 1988.

20ـ سليمان بيومي، زكريا: الإخوان المسلمون بين عبد الناصر والسادات: من المنشية إلى المنصة 1952 ــ 1981. مكتبة وهبة. القاهرة، مصر. الطبعة الأولى 1987.

21ـ سليمان بيومي، زكريا: الإخوان المسلمون والجماعة الإسلامية في الحياة السياسية المصرية 1928 ــ 1948. مكتبة وهبة. القاهرة، مصر. الطبعة الثانية 1991.

22ـ السيف، توفيق: تحولات الإسلام السياسي ومستقبله في السعودية. مساهمة من كتاب: مستقبل الإسلام السياسي في الوطن العربي. مركز دراسات الوحدة العربية. بيروت، لبنان. الطبعة الأولى 2014.

23ـ الشاعر، ياسر حلمي: التاريخ الأسود للجماعة بين يهودية حسن البنا وماسونية الإخوان. إصدار خاص. لندن، بريطانيا. الطبعة الأولى 2014.

24ـ ضاهر، عادل: أولية العقل: نقدر أطروحات الإسلام السياسي. دار أمواج للطباعة والنشر والتوزيع. بيروت، لبنان. الطبعة الأولى 2001.

25ـ عارف، شريف: الإخوان في ملفات البوليس السياسي: وثائق التنظيم الدموي ونشأة ثقافة الاغتيالات. الهيئة العامة لقصور الثقافة. القاهرة، مصر. الطبعة الأولى 2015.

26ـ عبد الحليم، محمود: الإخوان المسلمون: أحداث صنعت التاريخ، رؤية من الداخل. الجزء الأول. دار الدعوة للطبع والنشر والتوزيع. الاسكندرية، مصر. الطبعة الخامسة 1994.

27ـ عبد العزيز، جمعة أمين: الإخوان والمجتمع المصري والدولي في الفترة من 1928 ـ 1938. دار التوزيع والنشر الإسلامية. القاهرة، مصر. الطبعة الأولى 2003.

28ـ عبد الناصر، وليد محمود: التيارات الإسلامية في مصر وموقفها تجاه الخارج من النكسة إلى المنصّة (1967 ـ 1981). دار الشروق. القاهرة، مصر. الطبعة الأولى 2001.

29ـ عشماوي، محمد سعيد: الاسلام السياسي. مكتبة مدبولي الصغير. القاهرة، مصر. الطبعة الرابعة 1996.

30ـ علي جابر، حسين بن محسن: الطريق إلى جماعة المسلمين. الهيئة العامة لمكتبة الإسكندرية. الاسكندرية، مصر. الطبعة الرابعة 1990.

31ـ علي، عبد الرحيم: الإخوان المسلمون من حسن البنا إلى مهدي عاكف. مركز المحروسة للنشر والخدمات الصحفية والمعلومات. القاهرة، مصر. الطبعة الأولى 2007.

32ـ عمارة، محمد: هل الإسلام هو الحل، لماذ وكيف؟. دار الشروق. القاهرة، مصر. الطبعة الثانية 1998.

33ـ العناني، خليل: الإخوان المسلمون في مصر: شيخوخة تصارع الزمن؟. مكتبة الشروق الدولية. القاهرة، مصر. الطبعة الأولى 2007.

34ـ العوّا، محمد سليم: المدارس الفكريّة الإسلامية من الخوارج إلى الإخوان المسلمين. الشبكة العربية للأبحاث والنشر. بيروت، لبنان. الطبعة الأولى 2016.

35ـ العوضي، هشام: صراع على الشرعية: الإخوان المسلمون ومبارك 1982 ـ 2007. مركز دراسات الوحدة العربية. بيروت، لبنان. الطبعة الأولى 2009.

36ـ عيد، سامح: رسائل التكفير في فكر حسن البنا. مركز المحروسة للنشر والخدمات الصحفية. القاهرة، مصر. الطبعة الأولى 2014.

37ـ الفقي، عماد: الدستور: الحالة المصرية: أسئلة وإجابات في ضوء الدساتير المقارنة. المنظمة العربية لحقوق الإنسان. القاهرة، مصر. الطبعة الأولى 2012.

38ـ القرضاوي، يوسف: التربية الإسلامية ومدرسة حسن البنا. مكتبة وهبة. القاهرة، مصر. الطبعة الثالثة 1992.

39ـ القرضاوي، يوسف: التربية السياسية عند الإمام حسن البنا. مكتبة وهبة. القاهرة، مصر. الطبعة الأولى 2007.

40ـ القرضاوي، يوسف: من فقه الدولة في الإسلام: مكانتها ..معالمها..طبيعتها..موقفها من الديمقراطية والتعددية والمرأة وغير المسلمين. دار الشروق. القاهرة، مصر. الطبعة الثالثة 2001.

41ـ قطب، سيد: الإسلام ومشكلات الحضارة. دار الشروق. القاهرة، مصر. الطبعة الثالثة عشرة 2015.

42ـ قطب، سيد: السلام العالمي والإسلام. دار الشروق. القاهرة، مصر. الطبعة الرابعة عشرة 2006.

43ـ قطب، سيد: في ظلال القرآن. دار الشروق. القاهرة، مصر. الطبعة الأولى 2013.

44ـ قطب، سيد: معالم في الطريق. دار الشروق. بيروت، لبنان. الطبعة السادسة 1979.

45ـ قطب، سيد: معركتنا مع اليهود. دار الشروق. القاهرة، مصر. الطبعة الثالثة عشرة.

46ـ قطب، سيد: نحو مجتمع إسلامي. دار الشروق. القاهرة، مصر. الطبعة العاشرة.

47ـ قطب، سيد: هذا الدين. دار الشروق. القاهرة، مصر. الطبعة الخامسة عشرة 2001.

48ـ مجموعة مؤلفين: جماعة الإخوان المسلمين: ظروف النشأة والتأسيس. مركز تريندز للبحوث والاستشارات. أبو ظبي، الامارات. الطبعة الأولى 2020.

49ـ مجموعة مؤلفين: الهيكل التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين. مركز تريندز للبحوث والاستشارات. أبو ظبي، الامارات. الطبعة الأولى 2020.

50ـ محمود صبحي، أحمد: جذور الإرهاب في العقيدة الوهابية. دار الميزان. بيروت، لبنان. الطبعة الأولى 2008.

51ـ المقدم، محمد إسماعيل: خواطر حول الوهابية. دار التوحيد للتراث. الإسكندرية، مصر. الطبعة الأولى 2008.

52ـ منيب، عبد المنعم: دليل الحركات الإسلامية المصرية. مكتبة مدبولي. القاهرة، مصر. الطبعة الأولى 2010.

53ـ المولى، سعود: الجماعات الإسلامية والعنف: موسوعة الجهاد والجهاديين. مركز المسبار للدراسات والبحوث. دبي، الامارات. الطبعة الاولى 2012.

54ـ ميتشل، ريتشارد: الإخوان المسلمين: الجزء الثاني. ترجمة: منى أنيس وعبد السلام رضوان. مكتبة مدبولي. القاهرة، مصر. بدون تاريخ نشر.

55ـ يوسف، السيد: الإخوان المسلمون: هل هي صحوة إسلامية؟. حسن البنا والبناء الفكري. الجزء الثاني. مركز المحروسة للنشر والخدمات الصحفية والمعلومات. القاهرة، مصر. الطبعة الأولى 1994.

 

2ـ الأطروحات:

1ـ الدروبي، أنمار نزارهاشم: جذور العنف الإرهابي في فكر الإسلام السياسي: الإخوان المسلمون في مصر نموذجاً. اطروحة دكتوراه مقدمة إلى قسم العلوم السياسية في كلية القانون والعلوم السياسية في الأكاديمية العربية في الدنمارك. 2021.

2ـ عطا الله جويليس، إبراهيم جبرين: العقيدة في فكر جماعة الإخوان المسلمين: دراسة تحليلية. أطروحة ماجستير مقدمة إلى قسم أصول الدين في كلية الدراسات العليا بجامعة الخليل 2014. الخليل، فلسطين.

3ـ فريد عبد الفتاح، حسين سليمان: إشكالية العلاقة بين التيارات السلفية وجماعة الإخوان المسلمين وأثرها على عملية التحول الديمقراطي في مصر. أطروحة ماجستير مقدمة إلى كلية الدراسات العليا في جامعة النجاح الوطنية في نابلس، فلسطين 2014

 

3ـ المجلات والصحف والمواقع الإلكترونية:

1ـ مجلة (النذير)، لسان حال جماعة الإخوان المسلمين. العدد الأول، أيار/ مايو 1938. القاهرة، مصر.

2ـ تمام، حسام: قيادة جديدة للإخوان: التداعيات وحدود التغيير. موقع (كارنيغي). 17/02/2010. الرابط:https://carnegieendowment.org/sada/30999

3ـ الحداد، حسام: عمر التلمساني مجدد الجماعة. موقع (بوابة الحركات الإسلامية).04/11/2021. الرابط: http://www.islamist-movements.com/4873

4ـ حسن البنا أول من ترشح للانتخابات وهٌدد بالقتل ولم يحد عن طريق المشاركة. صحيفة (الدستور) الأردنية. 28/10/2012. الرابط:

https://www.addustour.com/articles/623301

5ـ سنجاب، إبراهيم: شخصيات ومواقف: الشيخ الباقوري..الإمام الثائر. صحيفة “الأهرام”المصرية. عدد 7 آب/أغسطس 2013. الرابط:

https://gate.ahram.org.eg/daily/NewsPrint/225126.aspx

6ـ ماضي، أبو العلا: الحالة التنظيمية لجماعة الإخوان المسلمين. موقع قناة “الجزيرة”القطرية. 03/10/2014.  الرابط: https://www.aljazeera.net/2004/10/03/

7ـ الحداد، حسام: عمر التلمساني مجدد الجماعة. موقع (بوابة الحركات الإسلامية).04/11/2021. الرابط: http://www.islamist-movements.com/4873

8ـ نصار، جمال: التجربة السياسية للاخوان المسلمين في مصر بعد ثورة يناير الدور والتأثير وآفاق المستقبل. مجلة (رؤية تركية) الصادرة عن مركز (ستا) للدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. اسطنبول، تركيا. العدد الأول للسنة السادسة 2017.

9ـ فايد، عمار: هل القضاء على أنشطة الإخوان الاجتماعية في مصر يدفع الجماعة إلى العنف؟. 24/03/2016. موقع (المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات). الرابط:

 http://center-lcrc.org/index.php?s=4&id=16278

10ـ خطة التمكين: الشاطر يخطط للهيمنة على مصر. موقع (بوابة الحركات الاسلامية). 19/01/2015. الرابط: https://www.islamist-movements.com/25716

11ـ  العناني، خليل: مبارك والإخوان: خبرة ثلاثين عاما. موقع قناة “الجزيرة” القطرية. 07/08/2011. الرابط: https://studies.aljazeera.net/ar/files/2011/08/201187113648385131.html

ثانياً: باللغة الألمانية:

  • Hünseler, Niklas: Demokratie und Scharia: Vorstellungen politischer Herrschaft der Dawa Salafiyya, Ägyptischen Muslimbruderschaft und Wasat-Partei. Ergon Verlag. München. Deutschland.1 Auflage 2020.
  • Metzger, Albrecht: Der Himmel ist für Gott, der Staat für uns. Islamismus zwischen Gewalt und Demokratie.Lamuv Verlag. Göttingen. Deutschland.1 Auflage 2000.

 

 

 

 

 

([1]) البيومي غانم، إبراهيم: الفكر السياسي للإمام حسن البنا. مدارات للأبحاث والنشر. القاهرة، مصر. الطبعة الأولى 2013. ص 64.

([2]) القرضاوي، يوسف: التربية السياسية عند الإمام حسن البنا. مكتبة وهبة. القاهرة، مصر. الطبعة الأولى 2007. ص 13.

([3]) فريد عبد الفتاح، حسين سليمان: إشكالية العلاقة بين التيارات السلفية وجماعة الإخوان المسلمين وأثرها على عملية التحول الديمقراطي في مصر. أطروحة ماجستير مقدمة إلى كلية الدراسات العليا في جامعة النجاح الوطنية في نابلس، فلسطين 2014. ص 49.

([4]) البنا، حسن: مجموعة رسائل الإمام البنا. دار النداء. اسطنبول، تركيا. الطبعة الأولى 2014. ص 37.

([5]) القرضاوي، يوسف: التربية الإسلامية ومدرسة حسن البنا. مكتبة وهبة. القاهرة، مصر. الطبعة الثالثة 1992. ص 53.

([6]) البنا، حسن: مجموعة رسائل الإمام البنا. مصدر سبق ذكره. ص 350.

([7]) الدروبي، أنمار نزارهاشم: جذور العنف الإرهابي في فكر الإسلام السياسي: الإخوان المسلمون في مصر نموذجاً. اطروحة دكتوراه مقدمة إلى قسم العلوم السياسية في كلية القانون والعلوم السياسية في الأكاديمية العربية في الدنمارك. 2021. ص 179 و180.

([8]) البيومي غانم، إبراهيم: الفكر السياسي للإمام حسن البنا. مصدر سبق ذكره. ص 252.

([9]) البنا، حسن: الرسائل الثلاث. دار الشهاب. القاهرة، مصر. بدون تاريخ نشر، ص 87.

([10]) الدروبي، أنمار نزار هاشم: جذور العنف الإرهابي في فكر الإسلام السياسي: الإخوان المسلمون في مصر نموذجاً. مصدر سبق الإشارة إليه. ص 170.

([11]) أبو الاسعاد، محمد: السعودية والإخوان المسلمون. مركز الدراسات والمعلومات القانونية لحقوق الإنسان. القاهرة، مصر. الطبعة الأولى 1996. ص31.

([12]) محمود صبحي، أحمد: جذور الإرهاب في العقيدة الوهابية. دار الميزان. بيروت، لبنان. الطبعة الأولى 2008. ص 82.

([13]) بشارة، عزمي: ما السلفية؟. المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. الدوحة، قطر. الطبعة الأولى 2018. ص 26.

([14]) المقدم، محمد إسماعيل: خواطر حول الوهابية. دار التوحيد للتراث. الإسكندرية، مصر. الطبعة الأولى 2008. ص 108.

([15]) رضا، رشيد: الوهابيون والحجاز: طائفة من المقالات نشرت في المنار والأهرام. مطبعة المنار. القاهرة، مصر. الطبعة الأولى 1925. ص 52.

([16]) السلمان، محمد بن عبد الله: رشيد رضا ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب. مكتبة المعلا. الكويت. الطبعة الأولى 1988. ص 303.

([17]) تمام، حسام: تحولات الإخوان المسلمين: تفكك الايديولوجيا ونهاية التنظيم. مكتبة مدبولي. القاهرة، مصر. الطبعة الثانية 2010. ص 100.

([18]) السيف، توفيق: تحولات الإسلام السياسي ومستقبله في السعودية. مساهمة من كتاب: مستقبل الإسلام السياسي في الوطن العربي. مركز دراسات الوحدة العربية. بيروت، لبنان. الطبعة الأولى 2014. ص 123.

([19]) عبد الناصر، وليد محمود: التيارات الإسلامية في مصر وموقفها تجاه الخارج من النكسة إلى المنصّة (1967 ـ 1981). دار الشروق. القاهرة، مصر. الطبعة الأولى 2001. ص 33.

([20]) أبو رمان، محمد: أنا سلفي: بحث في الهوية الواقعية والمتخيلة لدى السلفيين. مؤسسة فريدريش ايبرت، مكتب الأردن والعراق. الطبعة الأولى 2014. ص 47.

([21]) البدري، جمال: السيف الأخضر: دراسة في الأصولية الإسلامية المعاصرة. دار قباء للطباعة والنشر. القاهرة، مصر. الطبعة الأولى 2002. ص 21 و22.

([22])  الحسيني، أسحق موسى: الإخوان المسلمون: كبرى الحركات الإسلامية الحديثة. دار بيروت للطباعة والنشر. بيروت، لبنان. الطبعة الأولى 1952. ص 100 و101.

([23]) البنا، حسن: مجموع رسائل الإمام الشهيد. مصدر سبق الإشارة إليه. ص 36.

([24]) عطا الله جويليس، إبراهيم جبرين: العقيدة في فكر جماعة الإخوان المسلمين: دراسة تحليلية. أطروحة ماجستير مقدمة إلى قسم أصول الدين في كلية الدراسات العليا بجامعة الخليل 2014. الخليل، فلسطين. ص 54 و55.

([25]) منيب، عبد المنعم: دليل الحركات الإسلامية المصرية. مكتبة مدبولي. القاهرة، مصر. الطبعة الأولى 2010. ص 61.

([26]) البنا، حسن: مجموع رسائل الإمام الشهيد. مصدر سبق الإشارة إليه. ص 57 و58.

([27]) قطب، سيد: الإسلام ومشكلات الحضارة. دار الشروق. القاهرة، مصر. الطبعة الثالثة عشرة 2015. ص 6 و7.

([28]) عمارة، محمد: هل الإسلام هو الحل، لماذ وكيف؟. دار الشروق. القاهرة، مصر. الطبعة الثانية 1998. ص 35.

([29]) عشماوي، محمد سعيد: الاسلام السياسي. مكتبة مدبولي الصغير. القاهرة، مصر. الطبعة الرابعة 1996. ص 212.

([30]) البنا، حسن: مجموع رسائل الإمام الشهيد. مصدر سبق الإشارة إليه. ص 359.

([31]) المصدر السابق. ص 36.

([32]) قطب، سيد: نحو مجتمع إسلامي. دار الشروق. القاهرة، مصر. الطبعة العاشرة. ص 97.

([33]) قطب، سيد: معركتنا مع اليهود. دار الشروق. القاهرة، مصر. الطبعة الثالثة عشرة. ص 46.

([34]) عبد العزيز، جمعة أمين: الإخوان والمجتمع المصري والدولي في الفترة من 1928 ـ 1938. دار التوزيع والنشر الإسلامية. القاهرة، مصر. الطبعة الأولى 2003. ص 353.

([35]) العوّا، محمد سليم: المدارس الفكريّة الإسلامية من الخوارج إلى الإخوان المسلمين. الشبكة العربية للأبحاث والنشر. بيروت، لبنان. الطبعة الأولى 2016. ص 418.

([36]) البنا، حسن: مجموع رسائل الإمام الشهيد. مصدر سبق الإشارة إليه. ص 66.

([37]) عبد العزيز، جمعة أمين: الإخوان والمجتمع المصري والدولي في الفترة من 1928 ـ 1938. مصدر سبق الإشارة إليه. ص 28.

([38]) البنا، حسن: مجموع رسائل الإمام الشهيد. مصدر سبق الإشارة إليه. ص 361 و362 و363.

([39]) البنا، فؤاد عبد الرحمن محمد: الإخوان المسلمون والسلطة السياسية في مصر: دراسة تحليلية لرؤيتهم وموقفهم من السلطة السياسية والعوامل التي حالت دون وصولهم إليها. مركز الدراسات والبحوث الأفريقية في جامعة أفريقيا العالمية. الخرطوم، السودان. الطبعة الأولى 1990.  ص 135.

([40]) البنا، حسن: مجموع رسائل الإمام الشهيد. مصدر سبق الإشارة إليه. ص 350.

([41]) المصدر نفسه. ص 58.

([42]) المصدر نفسه. ص 564 و566.

([43]) قطب، سيد: في ظلال القرآن. دار الشروق. القاهرة، مصر. الطبعة الأولى 2013. ص 1256.

([44]) القرضاوي، يوسف: من فقه الدولة في الإسلام: مكانتها ..معالمها..طبيعتها..موقفها من الديمقراطية والتعددية والمرأة وغير المسلمين. دار الشروق. القاهرة، مصر. الطبعة الثالثة 2001. ص 19 و20.

([45]) ضاهر، عادل: أولية العقل: نقدر أطروحات الإسلام السياسي. دار أمواج للطباعة والنشر والتوزيع. بيروت، لبنان. الطبعة الأولى 2001. ص 396.

([46]) العشماوي، محمد سعيد: الإسلام السياسي. مصدر سبق الإشارة إليه. ص 26.

([47]) البنا، حسن: مجموع رسائل الإمام الشهيد. مصدر سبق الإشارة إليه. ص 154.

([48]) قطب، سيد: هذا الدين. دار الشروق. القاهرة، مصر. الطبعة الخامسة عشرة 2001. ص 97.

([49]) قطب، سيد: معالم في الطريق. دار الشروق. بيروت، لبنان. الطبعة السادسة 1979. ص 105.

([50]) البنا، حسن: مجموع رسائل الإمام الشهيد. مصدر سبق الإشارة إليه. ص 340.

([51]) قطب، سيد: السلام العالمي والإسلام. دار الشروق. القاهرة، مصر. الطبعة الرابعة عشرة 2006. ص 173.

([52]) المصدر نفسه. ص 35.

([53]) السدمي، نهى عبد الله حسين: الإسلام السياسي في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا. مكتبة مدبولي. القاهرة، مصر. الطبعة الأولى 2010. ص 93.

([54]) عيد، سامح: رسائل التكفير في فكر حسن البنا. مركز المحروسة للنشر والخدمات الصحفية. القاهرة، مصر. الطبعة الأولى 2014. ص 25.

([55]) الحسيني، أسحق موسى: الإخوان المسلمون: كبرى الحركات الإسلامية الحديثة. دار بيروت للطباعة والنشر. بيروت، لبنان. الطبعة الأولى 1952. ص 41.

([56]) البنا، حسن: مجموع رسائل الإمام البنا. مصدر سبق ذكره. ص 529 و530.

([57]) البنا، جمال: رسالة إلى الدعوات الإسلامية من دعوة العمل الإسلامي. دار الفكر الإسلامي. القاهرة، مصر. الطبعة الأولى 1991. ص 17.

[58]([58]) البنا، حسن: مذكرات الدعوة والداعية. مكتبة آفاق. الكويت. الطبعة الأولى 2012. ص 300.

(209) مجموعة مؤلفين: جماعة الإخوان المسلمين: ظروف النشأة والتأسيس. مركز تريندز للبحوث والاستشارات. أبو ظبي، الامارات. الطبعة الأولى 2020 ص  113.

([60]) المولى، سعود: الجماعات الإسلامية والعنف: موسوعة الجهاد والجهاديين. مركز المسبار للدراسات والبحوث. دبي، الامارات. الطبعة الاولى 2012.  ص 50 و51.

([61]) البنا، حسن: مجموع رسائل الإمام البنا. مصدر سبق ذكره. ص 337.

([62]) المصدر السابق، ص 420.

([63]) نفس المصدر، ص 343 و344.

([64]) نفس المصدر. ص 341 و342.

([65]) البنا، جمال: خطابات حسن البنا الشاب إلى أبيه. دار الفكر الإسلامي. القاهرة، مصر. االطبعة الأولى 1990. ص 136.

([66]) البنا، حسن: مجموع رسائل الإمام البنا. مصدر سبق ذكره. ص 81 و82.

([67]) البنا، حسن: مجموع رسائل الإمام البنا. مصدر سبق ذكره. ص 249.

([68]) عارف، شريف: الإخوان في ملفات البوليس السياسي: وثائق التنظيم الدموي ونشأة ثقافة الاغتيالات. الهيئة العامة لقصور الثقافة. القاهرة، مصر. الطبعة الأولى 2015. ص 8.

([69]) البنا، حسن: مذكرات الدعوة والداعية. مصدر سبق ذكره. ص 179 و180.

([70]) يوسف، السيد: الإخوان المسلمون: هل هي صحوة إسلامية؟. حسن البنا والبناء الفكري. الجزء الثاني. مركز المحروسة للنشر والخدمات الصحفية والمعلومات. القاهرة، مصر. الطبعة الأولى 1994. ص 7.

([71]) عمارة، محمد: معالم المشروع الحضاري في فكر الإمام الشهيد حسن البنا. دار التوزيع والنشر الإسلامية. القاهرة، مصر. الطبعة الأولى 2006. ص 12.

([72]) مجموعة مؤلفين: الهيكل التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين. مركز تريندز للبحوث والإستشارات. أبو ظبي، الإمارات. الطبعة الأولى 2020. ص 39 و40.

([73]) الشاعر، ياسر حلمي: التاريخ الأسود للجماعة بين يهودية حسن البنا وماسونية الإخوان. إصدار خاص. لندن، بريطانيا. الطبعة الأولى 2014. ص 149 و150.

([74]) العناني، خليل: الإخوان المسلمون في مصر: شيخوخة تصارع الزمن؟. مكتبة الشروق الدولية. القاهرة، مصر. الطبعة الأولى 2007. ص 107 و108.

([75]) علي جابر، حسين بن محسن: الطريق إلى جماعة المسلمين. الهيئة العامة لمكتبة الإسكندرية. الاسكندرية، مصر. الطبعة الرابعة 1990. ص 372.

([76]) الفقي، عماد: الدستور: الحالة المصرية: أسئلة وإجابات في ضوء الدساتير المقارنة. المنظمة العربية لحقوق الإنسان. القاهرة، مصر. الطبعة الأولى 2012. ص 10.

([77]) مجموعة مؤلفين: الهيكل التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين. مركز تريندز للبحوث والإستشارات. مصدر سبق الإشارة إليه. ص 39.

([78]) علي، عبد الرحيم: الإخوان المسلمون من حسن البنا إلى مهدي عاكف. مركز المحروسة للنشر والخدمات الصحفية والمعلومات. القاهرة، مصر. الطبعة الأولى 2007. ص 35.

([79]) فريد عبد الفتاح، حسين سليمان: إشكالية العلاقة بين التيارات السلفية وجماعة الإخوان المسلمين وأثرها على عملية التحول الديمقراطي في مصر. مصدر سبق ذكره. ص 42.

([80]) المصدر السابق. ص 42.

([81]) نفس المصدر، ص 43.

([82]) عبد الحليم، محمود: الإخوان المسلمون: أحداث صنعت التاريخ، رؤية من الداخل. الجزء الأول. دار الدعوة للطبع والنشر والتوزيع. الاسكندرية، مصر. الطبعة الخامسة 1994. ص 221.

([83]) ميتشل، ريتشارد: الإخوان المسلمين: الجزء الثاني. ترجمة: منى أنيس وعبد السلام رضوان. مكتبة مدبولي. القاهرة، مصر. بدون تاريخ نشر. ص 25 و26.

([84]) مجلة (النذير)، لسان حال جماعة الإخوان المسلمين. العدد الأول، أيار/ مايو 1938. القاهرة، مصر.

([85]) البنا، حسن: مجموع رسائل الإمام البنا. مصدر سبق الإشارة إليه. ص 329 و330.

([86]) المصدر السابق. ص 331.

([87]) نفس المصدر، ص 351.

([88]) أنظر: حسن البنا أول من ترشح للانتخابات وهٌدد بالقتل ولم يحد عن طريق المشاركة. صحيفة (الدستور) الأردنية. 28/10/2012. الرابط:

https://www.addustour.com/articles/623301

([89]) مجموعة مؤلفين: الهيكل التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين. مركز تريندز للبحوث والإستشارات. مصدر سبق الإشارة إليه. ص 77.

([90]) البنا، حسن: مجموع رسائل الإمام البنا. مصدر سبق الإشارة إليه. ص 578.

([91]) أنظر: سليمان بيومي، زكريا: الإخوان المسلمون والجماعة الإسلامية في الحياة السياسية المصرية 1928 ــ 1948. مكتبة وهبة. القاهرة، مصر. الطبعة الثانية 1991. ص 245.

([92]) مجموعة مؤلفين: الهيكل التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين. مركز تريندز للبحوث والإستشارات. مصدر سبق الإشارة إليه. ص 79.

([93]) سنجاب، إبراهيم: شخصيات ومواقف: الشيخ الباقوري..الإمام الثائر. صحيفة “الأهرام”المصرية. عدد 7 آب/أغسطس 2013. الرابط:

https://gate.ahram.org.eg/daily/NewsPrint/225126.aspx

([94]) أنظر: سليمان بيومي، زكريا: الإخوان المسلمون بين عبد الناصر والسادات: من المنشية إلى المنصة 1952 ــ 1981. مكتبة وهبة. القاهرة، مصر. الطبعة الأولى 1987. ص 34 و35 و36 و37.

([95]) إمام، عبد الله: عبد الناصر والإخوان المسلمون. دار الخياّل. القاهرة، مصر. الطبعة الأولى 1997. ص 169.

([96]) ماضي، أبو العلا: الحالة التنظيمية لجماعة الإخوان المسلمين. موقع قناة “الجزيرة”القطرية. 03/10/2014.  الرابط: https://www.aljazeera.net/2004/10/03/

([97]) الحداد، حسام: عمر التلمساني مجدد الجماعة. موقع (بوابة الحركات الإسلامية).04/11/2021. الرابط: http://www.islamist-movements.com/4873

([98]) أنظر: نصار، جمال: التجربة السياسية للاخوان المسلمين في مصر بعد ثورة يناير الدور والتأثير وآفاق المستقبل. مجلة (رؤية تركية) الصادرة عن مركز (ستا) للدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. اسطنبول، تركيا. العدد الأول للسنة السادسة 2017. ص 137.

([99]) مجموعة مؤلفين: الهيكل التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين. مصدر سبق ذكره. ص 82.

([100]) فايد، عمار: هل القضاء على أنشطة الإخوان الاجتماعية في مصر يدفع الجماعة إلى العنف؟. 24/03/2016. موقع (المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات). الرابط: http://center-lcrc.org/index.php?s=4&id=16278

([101]) أبو الفتوح، عبد المنعم: شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر. دار الشروق. القاهرة، مصر. الطبعة الثانية 2012. ص 127.

([102]) العوضي، هشام: صراع على الشرعية: الإخوان المسلمون ومبارك 1982 ـ 2007. مركز دراسات الوحدة العربية. بيروت، لبنان. الطبعة الأولى 2009. ص 99.

([103]) مجموعة مؤلفين: الهيكل التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين. مصدر سبق ذكره. ص 88.

([104])Vgl. Metzger, Albrecht: Der Himmel ist für Gott, der Staat für uns. Islamismus zwischen Gewalt und Demokratie.Lamuv Verlag. Göttingen. Deutschland.1 Auflage 2000. S 69.

([105])Vgl. Hünseler, Niklas: Demokratie und Scharia: Vorstellungen politischer Herrschaft der Dawa Salafiyya, Ägyptischen Muslimbruderschaft und Wasat-Partei. Ergon Verlag. München. Deutschland.1 Auflage 2020. S 187.

([106]) أنظر: نصار، جمال: التجربة السياسية للاخوان المسلمين في مصر بعد ثورة يناير الدور والتأثير وآفاق المستقبل. مصدر سبق ذكره. ص 137.

([107]) خطة التمكين: الشاطر يخطط للهيمنة على مصر. موقع (بوابة الحركات الاسلامية). 19/01/2015. الرابط: https://www.islamist-movements.com/25716

([108]) نفس المصدر السابق.

([109]) العوضي، هشام: صراع على الشرعية: الإخوان المسلمون ومبارك 1982 ـ 2007. سبق الإشارة إليه. ص 242.

([110]) مجموعة مؤلفين: الهيكل التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين. مصدر سبق ذكره. ص 89.

([111]) العناني، خليل: مبارك والإخوان: خبرة ثلاثين عاما. موقع قناة “الجزيرة” القطرية. 07/08/2011. الرابط: https://studies.aljazeera.net/ar/files/2011/08/201187113648385131.html

([112]) المصدر السابق.

([113]) نفس المصدر.

([114]) تمام، حسام: قيادة جديدة للإخوان: التداعيات وحدود التغيير. موقع (كارنيغي). 17/02/2010. الرابط:https://carnegieendowment.org/sada/30999

([115]) مجموعة مؤلفين: الهيكل التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين. مصدر سبق ذكره. ص 94.

([116]) المصدر السابق. ص 99.

د.طارق حمو

زميل باحث في المركز الكردي للدراسات. حاصل على الدكتوراه في العلوم السياسية عن أطروحة بعنوان (علاقة جماعة الإخوان المسلمين المصرية بالمؤسسة العسكرية: فترة الرئيس محمد مرسي نموذجاً). له كتاب مطبوع بالإشتراك مع د. صلاح نيوف بعنوان (الحرية والديمقراطية في خطاب الإسلام السياسي بعد التحولات الأخيرة في العالم العربي). نشر العشرات من الأبحاث والدراسات حول الإسلام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين المصرية، والتي أصبحت مرجعاً للعديد من رسائل الماجستير والدكتوراه في العالم العربي. مدرس في قسم العلوم السياسية في الأكاديمية العربية في الدنمارك.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد