انتخابات البرلمان الأوروبي في ألمانيا: رفض أدلجة الخضر والاشتراكيين ومنح الثقة لدعاة «الوطنية» والانكفاء
المركز الكردي للدراسات
أسفرت انتخابات البرلمان الأوروبي التي جرت في ألمانيا في 9 يونيو/حزيران الجاري لانتخاب 96 برلمانياً، هم حصة ألمانيا من مجموع 720 مقعد برلماني أوروبي، عن النتائج التالية:
1ـ الإتحاد المسيحي الديمقراطي/ الإتحاد المسيحي الإجتماعي 30% (29 مقعداً).
2ـ حزب البديل من أجل ألمانيا 15,9% (15 مقعداً).
3ـ الحزب الإشتراكي الديمقراطي 13,9% (14 مقعداً).
4ـ حزب الخضر 11,9% (12 مقعداً).
5ـ تحالف سارا فاغنكنيشت 6,2% (6 مقاعد).
6ـ الحزب الديمقراطي الحر 5,2% (5 مقاعد).
6ـ حزب اليسار 2,7% (3 مقاعد).
بالاضافة إلى مجموعة من الأحزاب الصغيرة حازت كلها مجتمعة على 11,5% (9 مقاعد). وبلغت نسبة المشاركة 64,8%، وهي أكبر نسبة مشاركة ألمانية في الانتخابات الأوروبية حتى الآن، حيث لم تبلغ نسبة المشاركة في الإنتخابات الماضية عام 2019 سوى 61,4%.
خسارة أحزاب التحالف الحكومي
أبرز الخاسرين في انتخابات البرلمان الأوروبي في ألمانيا هي أحزاب التحالف الحاكم: الحزب الإشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر وشريكهما الثالث: الحزب الديمقراطي الحر. فالحزب الإشتراكي الديمقراطي (حزب المستشار أولاف شولتس) خسر نقطتين بالمقارنة مع الانتخابات الماضية في 2019 (15,8%)، بينما خسر حليفه التقليدي حزب الخضر تقريباً نصف أصواته مقارنة مع الانتخابات السابقة في 2019 (20,5%)، في حين حافظ الحزب الديمقراطي الحر على نفس المستوى الذي كان عليه في انتخابات 2019 وهي نسبة (5,4%).
ويعد حزب الخضر الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات، التي يمكن اعتبارها مؤشراً ومقياساً للانتخابات البرلمانية القادمة في ألمانيا المزمع إجراءها في شهر سبتمبر/أيلول 2025. وفي حال بقاء شعبية أحزاب التحالف الحاكم على المستوى الحالي (مجتمعة: 31%)، فإنها لن تتمكن من المحافظة على الأغلبية المطلوبة (51%) لتشكيل الحكومة وحكم البلاد معاً.
ويرجع السبب في خسارة حزب الخضر لكل هذه الأصوات إلى العديد من الأسباب والتي من أهمها تأييده لوقف استيراد الغاز من روسيا اعتباراً من سبتمبر/أيلول 2022 بعد هجوم هذه الأخيرة على أوكرانيا بداية عام 2022، وموافقته على إيقاف العمل في مشروع أنبوب «نورد ستريم 2» الذي بدء العمل في بنائه عام 2018، وهو مشروع لنقل الغاز من روسيا إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق. وساهم قرار وقف الغاز الروسي الذي اتخذه وزير الاقتصاد روبرت هابيك (الرئيس المشارك لحزب الخضر، والذي أصرّ الحزب على أن يتسلم حقيبة وزارة الاقتصاد رغم كونه في الأصل خريج كلية الفلسفة ومؤلف كتب أطفال) في ارتفاع أسعار الغاز بشكل كبير إلى 80%، ما أثر بشكل مباشر على حياة المواطنين، خاصة أبناء الطبقة المتوسطة وأصحاب المشاريع الصناعية الصغيرة. ورغم أن الحكومة سارعت إلى تقديم حزمة مساعدات مالية كدعم للمستهلكين، عمدت فيها إلى دفع جزء كبير من ثمن الغاز، إلا أن حالة من التذمر تفشت في أوساط شرائح واسعة من المواطنين الألمان، ساعدت وسائل التواصل الإجتماعي في تعميقها.
لم يكتف حزب الخضر ووزير الاقتصاد بهذا الإجراء فقط، بل عمدا إلى تمرير قانون التدفئة الجديد «Heizungsgesetz» في سبتمبر/أيلول 2023 ألزما فيه المواطنين على استبدال أنظمة التدفئة المنزلية التي تعمل بالوقود الأحفوري بأنظمة تستخدم ما لا يقل عن 65 % من الطاقة المتجددة (النظيفة)، واضعين هدفاً مستقبلياً وهو التخلص من الوقود الأحفوري نهائياً بحلول عام 2045. وأثار هذا القانون، الذي يحتوي تفاصيل كثيرة وإجراءات بيروقراطية معقدة على مالكي المساكن والأبنية التقيّد بها، حالة من الغضب والتذمر الشعبي، لا سيما أن تحويل نظام التدفئة من الوقود الأحفوري إلى نظام يعمل بمصادر الطاقة المتجددة يعني تبعات مالية مرهقة على السكان ليس بمقدور فئات كثيرة من المجتمع، خاصة كبار السن ممن ترفض البنوك منحهم قروض، تحملها رغم تعهد الحكومة تغطية 30% من تكاليف تركيب نظام التدفئة الجديدة.
رأت شرائح واسعة أن حزب الخضر يعيش في عالم مواز خاص به. فهو يركز على وقف التغير المناخي في العالم ويسعى لفرض أنظمة وأنماط تدفئة مكلفة على الألمان رغبة منه في «إنقاذ العالم» من تبعات التغير المناخي، رغم أن حصة ألمانيا في انبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون على مستوى العالم لا تتعدى 1,8%. اعتبر خصوم الحزب مبعث قوانين التدفئة الجديدة والإصرار على الطاقة النظيفة بأي ثمن هي أيديولوجيا تهمل الواقع ولا تراعي مصالح المواطنين وحالتهم الاقتصادية. وتزايدت حالة الاستياء من سياسات الحزب جراء القوانين التي شارك في تمريرها فيما يخص قطاع الزرعة والإنتاج الحيواني التي اعتبرها المزارعون الألمان غبناً بحقهم، ونظموا للتنديد بها تظاهرات كبيرة مطلع العام الجاري. فيما تمسك وزير الزراعة جيم أوزدمير (من أصول مهاجرة من الأناضول) بخطط التقشف وسحب الدعم الحكومي عن المزارعين ورفض طلبات هؤلاء رغم التظاهرات الصاخبة التي نظموها. واستغل حزب البديل اليميني وجود أوزدمير، الأجنبي، على رأس وزارة الزراعة وطريقة تعامله مع المزارعين الألمان، فعمد إلى تقديم صورة عن حزب الخضر كمستهتر بمصالح المواطنين، خاصة ممن هم من أصول ألمانية أصلية/صافية.
كذلك، ساهمت سياسة التحالف الحكومي الثابتة في دعم أوكرانيا ضد روسيا وإمداد كييف بالأسلحة وعدم مطالبتها حكومة زيلنسكي بالحوار مع موسكو للوصول إلى حل سلمي للنزاع في تدني شعبيتها وانصراف الناخبين عنها. طال النقد مواقف برلين وإصرارها على دعم الجيش الأوكراني والحكومة الأوكرانية بعشرات مليارات الدولارات وتصعيدها الخطاب الرسمي ضد روسيا. واعتبر خصوم أحزاب التحالف الحاكم، خاصة حزب البديل من أجل ألمانيا ولاحقاً تحالف سارا فاغنكنيشت، تصرف الحكومة هذا سبباً قوياً في زيادة تعنت كييف ورفضها الحوار مع روسيا للوصول إلى حل سياسي للأزمة. اعتبر خصوم التحالف الحاكم موقفه من الحرب في أوكرانيا ودعم حكومة زيلنسكي «شيكاً على بياض» لكييف في الرهان على الحرب ورفض التفاوض، واعتبروا دعم الجيش الأوكراني بالأسلحة والأموال حتى «تحقيق النصر وتحرير المناطق المحتلة من روسيا»، بما فيها شبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو عام 2014، لامراعاة لمصالح ألمانيا وتهويناً واضحاً من احتمالات المواجهة العسكرية المباشرة مع روسيا.
ويبقى ملف الهجرة من بين أهم العوامل والأسباب التي دفعت بالناخبين للانصراف عن أحزاب التحالف الحاكم، وخاصة حزب الخضر الذي بقي مصراً على موقفه في رفض إعادة المهاجرين ممن لم تقبل طلبات لجوئهم إلى بلدانهم حتى وإن تورطوا في أعمال عنف ذات دافع ديني أو جنائي. كما فشلت الحكومة في التعامل مع أكثر من 300 ألف شخص رفضت طلبات لجوئهم بشكل نهائي مطلوب إعادتهم إلى بلادهم، فيما استمرت أعداد المهاجرين القادمين إلى ألمانيا في الارتفاع، بينما تزايدت حوادث الطعن والاعتداء على المواطنين الألمان من قبل إسلاميين مهاجرين. وتابع الرأي العام الألماني تظاهرات آلاف السلفيين في كل من مدينتي إيسن وهامبورغ وهم يطالبون بدولة الخلافة ويرفعون شعارات تنظيم داعش الإرهابي. وكانت الانتقادات تطال الحكومة التي تتهرب من مواجهة المشكلة، وكذلك مواقف وزيرة الداخلية نانسي فيزر (الحزب الإشتراكي الديمقراطي) في رفض الاستجابة للدعوات المطالبة بحظر منظمة «muslim interaktiv» السلفية المتطرفة ورفض منحها التراخيص للتظاهرات المطالبة بالخلافة وبحل النظام الديمقراطي في ألمانيا. وقاد حزب البديل من أجل ألمانيا الحملة الإعلامية على أحزاب التحالف الحاكم، وسلط الضوء على ما اعتبره ازدواجية في التعامل مع كل من التيار اليميني الذي تتشدد وزارة الداخلية في ملاحقته والتضييق عليه وتصويره خطراً على الديمقراطية والنظام من جهة، والتيار الإسلامي المتطرف الذي تتهاون معه الحكومة رغم مطالبته بالخلافة وحل مؤسسات الدولة وتهديد النظام الديمقراطي.
لقد تراجع مستوى المعيشة في ظل الحكومة الائتلافية وتآكلت حالة الرفاهية، بينما فشل التحالف الحكومي في معالجة تبعات جائحة كورونا وملاحقة قضايا الفساد الناتجة عن التعامل مع الجائحة التي تورط فيها سياسيون (عمولات شراء الكمامات والأمصال). وطغى شعور لدى المواطنين الألمان بأن الحكومة يديرها حزب الخضر وحده، وهو يٌسيّر البلاد تبعاً لنظرته الأيديولوجية فيفرض القيود على المواطنين لإجبارهم على استخدام الطاقة المتجددة اعتقاداً منه أن ذلك سيوقف التغيبر المناخي العالمي، حتى لو أدى ذلك إلى إرهاق المواطنين وخلق أزمات مالية لهم. بينما يفرض سياسته في الانفتاح على المزيد من المهاجرين ويتمسك بموقفه الرافض لإعادة اللاجئين الذين رفضت طلبات لجوئهم إلى البلاد التي قدموا منها. كما كان حزب الخضر وراء تمرير قانون في أبريل/نيسان 2014 يضمن لوائح جديدة تسهل على الأشخاص تغيير اسمهم الأول وهويتهم الجنسية بشكل رسمي في سجلات الدولة، بالاضافة إلى تغيير قواعد اللغة الألمانية (علامات النجمة والنقطتين) حسب «لغة الجندر» مراعاة لثنائيي الجنس والمتحولين إلى جنس آخر، رغم الاعتراضات الكبيرة وخاصة من الأوساط الأكاديمية والتعليمية والإعلامية.
تم تداول هذه الأمور كلها في وسائل التواصل الاجتماعي بشكل واسع وأثرت في صورة وشعبية حزب الخضر خاصة، والحزبين الآخرين في التحالف بشكل عام. كما لا يمكن إغفال تشتت عدد غير قليل من الأصوات، التي كان حزب الخضر يحظى بها تقليدياً، بين أحزاب صغيرة مدافعة عن البيئة وعن الحيوان. ومن بين هذه الأحزاب حزب حماية الحيوان «Tierschutzpartei» وحركة الجيل الأخير «Letzte Generation Partei» المدافعة عن البيئة
البديل اليميني ثاني أكبر حزب
حصل حزب البديل من أجل ألمانيا على 15,9% من الأصوات، محققاً نسبة 4,9% زيادة عن النسبة التي حققها في انتخابات 2019 والتي بلغت حينها 11%. ويعود السبب الرئيسي في هذا النجاح الكبير الذي جعل من حزب البديل ثاني أقوى حزب سياسي في ألمانيا إلى التذمر الشعبي من سياسة التحالف الحكومي والأزمة الاقتصادية التي تسبب بها وحالة الغلاء التي بدأت أطياف واسعة من الناس تستشعرها، بالإضافة إلى الموقف من الحرب في أوكرانيا، والمتمثل بالدعم السخي لكييف عسكرياً ومالياً، فضلاً عن السياسة المرنة حيال ملف المهاجرين وعدم التشدد والحسم في إعادة من رفض طلبات لجوئهم، خاصةً مرتكبي الجرائم والانتهاكات. لقد عمد حزب البديل إلى استغلال كل هذه النقاط والتركيز عليها في برنامجه وإعلامه وحملاته الانتخابية، بالاضافة طبعاً إلى طيف واسع من الإجراءات والسياسات والتصرفات التي قام بها ساسة ومسؤولون في أحزاب التحالف الحاكم، خاصة حزبي الخضر والإشتراكي الديمقرطي، مثل زيارة جبهات الحرب في أوكرانيا والتقاط الصور بالقرب من الصواريخ والدبابات المرسلة إلى الجيش الأوكراني والظهور باللبس العسكري (صورة وزير الزراعة جيم أوزدمير باللباس العسكري)، فضلاً عن الانحياز الواضح للأقليات المهاجرة في ألمانيا (السكوت على تمظهرات الإسلام السياسي من جوامع ومراكز ومدارس إسلامية) ولحقوق المثليين والإصرار على «جندرة اللغة»، وغير ذلك من السياسات والمواقف التي فسرها حزب البديل على أنها تستهدف العائلة والهوية الوطنية للشعب الألماني وتنشد خلق وطن عالمي على أنقاض ألمانيا وهوية تعددية جندرية على حساب العائلة الألمانية التقليدية، وكل ذلك بالضد من إرادة الأغلبية من المواطنين الألمان.
ركّز حزب البديل على الهوية الألمانية. وظهرت اللافتات التي نشرها في الشوارع في إطار الدعاية لإنتخابات البرلمان الأوروبي وهي تدعو الألمان إلى «استعادة وطنهم» وإلى ضرورة «حماية الوطن والهوية» ورفض المركزية الأوروبية و«ديكتاتورية بروكسل». خاطب حزب البديل عواطف الشعب الألماني، مراهناً على مخاوف الناس من تدهور الحالة الاقتصادية واندلاع حرب مع روسيا بسبب دعم الحكومة أوكرانيا بالسلاح، بالاضافة إلى سعي «الأحزاب القديمة» إلى إغراق ألمانيا بـ«أعداد هائلة من المهاجرين»، وبالتالي المساهمة في «أسلمة أوروبا». وجاء حزب البديل في المرتبة الأولى في الولايات الخمس التي كانت تشكل ألمانيا الشرقية السابقة. ففي كل من ولايتي زاكسن وزاكسن أنهالت، حصل الحزب على 28% من الأصوات. وفي ولاية براندنبورغ، نال 24%. وفي ولاية مكلنبورغ فوربومرن، حصل على 25%. ويعود السبب الرئيسي في تصدر الحزب هذه الولايات إلى شعور سكان الولايات الشرقية بالغبن والاهمال من المركز/برلين وعدم رعاية هذه الولايات لجهة إقامة المشاريع الاقتصادية والخدمية الكبيرة وضمان فرص العمل وضخ الأموال والاستثمارات، بينما تستمر الحكومة في صرف مليارات الدولارات على ملايين المهاجرين وعلى الحرب الأوكرانية وتمويل مشاريع المناخ والبيئة داخل وخارج ألمانيا!
وبشكل عام، جاء التصويت الكثيف لحزب البديل في الأرياف والمدن والبلدات الصغيرة، في حين حاز عل أصوات أقل في المدن الكبيرة، خاصة تلك التي تضم نسبة كبيرة من المواطنين من أصول مهاجرة أو تلك المرفهة الغنية (في مدينة مونستر مثلا، وسكانها 315 ألف، لم يحصل حزب البديل سوى على 4,8 %). كذلك، حقق الحزب نتائج كبيرة ضمن صفوف الشباب، على عكس التوقعات، إذ جاء في المرتبة الأولى من حيث تصويت فئة الشباب. وكانت الأحزاب التقليدية، خاصة الخضر والإشتراكي الديمقراطي واليسار، قدمت مشروع قانون لخفض سن التصويت إلى 16 سنة، ظناً منها بأن هذه الفئة ستصوت لها باعتبارها أحزاب تدعو لحماية البيئة والتعددية الثقافية وحقوق الأقليات والمثليين وسبق لحزب البديل أن رفع دعوة قضائية في ولاية تورينغن عام 2018 ضد مشروع خفض سن التصويت إلى 16، مخافة أن يساهم هذا القانون في زيادة شعبية خصومه من خلال تصويت فئة الشباب لهم. لقد نجح حزب البديل في كسب فئة الشباب من خلال استخدامه الواسع والمهني لوسائل التواصل الإجتماعي، خاصة «تيك توك»، مقدماً نفسه على أنه حزب السلام الوحيد في ألمانيا المعارض للحرب والمؤيد للحوار والتفاوض مع روسيا، بخلاف الأحزاب الأخرى التي تراهن على الحرب وضخ السلاح والأموال لهزيمة روسيا فتخاطر بذلك بجر البلاد إلى المواجهة المباشرة، ما يعني تجنيد الشباب وإرسالهم إلى جبهات القتال. وركز حزب البديل في وسائل الإعلام القريبة منه على «حملات تجنيد الشباب في أوكرانيا للانخراط في حرب زيلنسكي»، مشيراً إلى أن التحالف الحاكم، ومن خلال دعمه لأوكرانيا وتأييدها رفض التفاوض مع روسيا وقراره إعادة بناء الجيش الألماني، يخاطر بجر البلاد إلى حرب كبيرة سيكون الشباب وقودها.
المفاجأة: تحالف سارا فاغنكنيشت
حقق تحالف السياسية سارا فاغنكنيشت، المنشقة عن حزب اليسار، والذي تأسس في سبتمبر/أيلول 2023، نتائج ملفتة بحصوله على 6,2% من الأصوات. وذهبت التفسيرات بأن نسبةً كبيرةً من هذه الأصوات جاءت من الشريحة التي كانت تصوت في العادة لكل من حزب اليسار وحزب البديل. ومن الجدير قوله بأن حزب البديل، وبحسب أغلب استطلاعات الرأي، كان يصل إلى نسبة تقدّر ما بين 18% إلى 22%، قبل تأسيس تحالف سارا فاغنكنيشت. لقد حصل التحالف على نصف أصوات اليسار والكثير من أصوت حزبي البديل والاشتراكي الديمقراطي.
واحتل التحالف المرتبة الثالثة في الولايات الخمس في شرق ألمانيا. ففي ولاية زاكسن، حصل على 12,6%. وفي زاكسن أنهالت، على 15%. وفي ولاية براندنبورغ، فاز بنسبة 13,8%. وفي ولاية مكلنبورغ فوربومرن، حاز على 16,4% من أصوات المقترعين. وكانت أغلبية الأصوات التي حصل عليها التحالف في هذه الولايات من خزان الأصوات لكل من حزب البديل وحزب اليسار، وهي مفارقة أن يأتي حزب سياسي أسس قبل أشهر فقط ليحصد أصوات ناخبي حزبين أحدهما يميني والآخر يساري. ويبدو أن السبب يكمن في أفكار وكاريزما السياسية المخضرمة سارا فاغنكنيشت (مولودة لأب إيراني وأم ألمانية)، والتي أسمت الحزب بإسمها، بسبب حضورها الطاغي في الإعلام وطرحها أفكار جرئية، صنفت بعضها بأنها يسارية والأخرى بأنها يمينية لا تخطئها العين. وتمكنت فاغنكنيشت بجسارة وحرفية كبيرة من تناول مواضيع حساسة تتفادى الأحزاب الأخرى الخوض فيها بشكل علني وصريح. ومن بين هذه المواضيع: ضرورة استئناف استيراد الغاز من روسيا رغم حربها على أوكرانيا والعمل على دعم القطاع الاقتصادي الألماني وتشجيع الابتكار والتطوير في البرمجيات والذكاء الصناعي لتبقى ألمانيا محافظة على اسمها في عالم الجودة والتقنية المتطورة وتستمر في الريادة والتنافس. كما تدعو فاغنكنيشت إلى تقنين الهجرة والتعامل الحاسم مع تمظهرات الإسلام السياسي والأذرع التركية داخل الجاليات المسلمة، من قبيل طرد الأئمة الداعين للكراهية وحظر الجمعيات والمراكز المتهمة بالتطرف. كما تدعو إلى إبعاد اللاجئين الذين رفضت طلبات لجوئهم ومراعاة الشعور الوطني وحماية الثقافة الألمانية ورفض جندرة اللغة والتوقف عن منح الأقليات والمثليين امتيازات أو حقوق خاصة تستفز الأغلبية الألمانية. كما تؤيد فاغنكيشت خفض الضرائب المفروضة على الطبقة الوسطى وأصحاب المشاريع الصغيرة وزيادتها على أصحاب رؤوس الأموال وملاك الشركات الضخمة ووضع شروط صعبة لدفع المساعدة الإجتماعية لمن لا يستطيع العمل والتلويح بالعقوبات الرادعة بحق كل من يرفض الاندماج والعمل. وهذه كلها مواضيع تلقى رضا الناخب اليميني والناخب العادي الذي يرفض سياسة أحزاب التحالف في كل هذه الملفات ويرى بأنها كانت مرنة ورخوة وساهمت في تفاقم المشاكل وتراجع مستوى المعيشة وفقدان ثقته بالعملية الديمقراطية.
وترى فاغنكنيشت بأن العلاقات الخارجية لألمانيا يجب أن تنطلق من المصالح الوطنية، بما في ذلك الموقف من الحرب الروسية على أوكرانيا، وأنه لا بد من الضغط على الحكومة الأوكرانية لقبول الحوار مع روسيا والوصول إلى صيغة حل مناسبة (التخلي عن القرم)، وتالياً استئناف العلاقات مع روسيا والتركيز على الجانب الاقتصادي والحصول السهل على الغاز الروسي وبأسعار مناسبة. كما ترفض فاغنكنيشت فكرة توسيع الاتحاد الأوروب، ولا تؤيد زيادة الانفاق العسكري وبناء جيش ألماني حديث. وهي تعارض أيضاً توسيع حلف الناتو وضم دول محاذية لروسيا. ويضم فريق سارا فاغنكنيشت برلمانيين من حزب اليسار انشقوا عن حزبهم، منهم البرلمانية من أصل كردي سفيم دادغلين. كما تضم لائحة برلمانيي الحزب في الاتحاد الأوروبي العديد من الشخصيات المعروفة مثل توماس غايزل، الرئيس السابق لبلدية دسلدورف عن الحزب الإشتراكي الديمقراطي، وميشائيل فون درشولنبورغ، وهو سياسي عمل في الأمم المتحدة وشارك في بعثات لحل الأزمات في العديد من الدول. والملاحظ بأن هذه الشخصيات ترفض التصعيد الأوروبي حيال روسيا وتسليح أوكرانيا وتوسيع حلف الناتو، وتؤيد الحوار والتفاوض مع موسكو وتعزيز التعاون الإقتصادي معها.
حزب الدعوة: اختراق رغم الفشل
حقق حزب الدعوة، التحالف الديمقراطي من أجل التنوع والنهضة، الذي تأسس في يناير/كانون الثاني 2024 نتائج ملفتة في أوساط الجالية التركية. إذ حصل الحزب على 0,4% على صعيد ألمانيا، ولكنه لم يتمكن من الفوز بأي مقعد في البرلمان الأوروبي. وبالمقارنة مع الأصوات التي حصل عليها سلفه حزب التحالف من أجل الابتكار والعدالة، يتبين أنه ضاعف أصواته. ففي الانتخابات السابقة عام 2019، حصل الحزب الإسلامي التركي السابق على 68 ألف صوت، فيما حصل خليفته حزب الدعوة على 149 ألف صوت. وكانت أعلى نسبة تصويت له في مدينة ديسبورغ، حيث حقق ما مجموعه 2,5%. وفي ولاية شمال الراين، حيث الكثافة الإسلامية، حقق الحزب نسبة 0,7%. ويستفيد حزب الدعوة، الذي يصفه الإعلام الألماني بحزب الشريعة الموالي لأردوغان، من الصراع في غزة بين إسرائيل وحركة حماس في التسويق لنفسه والتمدد بين أوساط الجاليات المسلمة، خاصة العربية. ومن هنا، يلاحظ استخدام الحزب الرموز الفلسطينية، مثل الكوفية والعلم الوطني، ونشر البيانات المؤيدة لحركة حماس والمنددة بعمليات الجيش الإسرائيلي في غزة. ويهدف الحزب الى تعزيز حضوره في الانتخابات البرلمانية المقبلة في ألمانيا بعد عام، وهدفه الاستحواذ على أغلبية أصوات 2,5 مليون مواطن مسلم، قسم كبير منهم حصل على الجنسية الألمانية في عهد حكومة الآئتلاف الحالي بعد الإصلاحات والتسهيلات التي قدمتها، والعدد الأكبر من هؤلاء قدموا من سوريا والعراق وأفغانستان وتركيا.
وتتابع دائرة حماية الدستور، أي الاستخبارات الألمانية، ارتباطات وعلاقات حزب الدعوة بالمنظمات والجمعيات الإسلامية في ألمانيا، خاصة جماعة الإخوان المسلمون وحركة حماس وبعض الجمعيات السلفية. وتترصد وسائل الإعلام الألمانية سيَر قادة ومسؤولي الحزب وتنبش في ماضيهم، في محاولة للكشف عن الأجندة الحقيقية للحزب وارتباطاته والأهداف التي يسعى إليها ومدى خطورته على النظام الديمقراطي، لا سيما وأنه حزب ديني يستوحي خطابه وبرنامجه من أفكار الإسلام السياسي، ويسعى لاحتكار صوت الجالية التركية خاصة وعموم الجاليات المسلمة ويحقق تقدماً واضحاً في صفوفها.