حسين جمو
لم يفشل الطبيب والوزير في الحكومات الأولى للجمهورية التركية، رضا نور، تماماً في تحقيق جزء من الهدف الذي من أجله كتب مذكراته، وهو نزع هالة التعظيم عن مصطفى كمال وتقديم ما اعتبره الصورة الحقيقية لهذا القائد كشخص محدود الذكاء، بارع في المؤامرات، متعطش للسلطة، لا يقرأ وغير مثقف.
لكن رغم ذلك، نجح مصطفى كمال في الإبقاء على روايته طاغية في عالم التأليف والنشر. يتم الاقتباس من مذكرات رضا نور في كل كتابات سيرة مصطفى كمال كرأي غير معتد به، إذ أن المؤلف غالباً يعود إلى تبني سيرة مصطفى كمال عن نفسه. وحتى لو اعتمد على شهادات تظهر مصطفى كمال ضعيفاً من الناحية النفسية ومتأزماً، مثل مذكرات صديق مصطفى كمال ووزيره فؤاد أورباي، أو شهادات زوجة كمال، لطيفة خانم، فإن هذا الضعف يخدم فكرة أنه بشر وهذا جزء من التكوين، لكن لا ينال من منجزه الكبير. وتبنى هذا الأسلوب أحد أبرز كتاب سيرة مصطفى كمال، أندرو مانجو، الذي يقدم له في تمهيد كتابه أنه «كان بانياً، أعظم بناة الأمم في الأزمة الحديثة». أما المؤرخ والأكاديمي والتركي إيلبير أورتايلي، فتجاهل في كتابه «أتاتورك» كل ما كتبه رضا نور. وبذلك، بقي مصطفى كمال «الرجل العظيم»، وهو عنوان الفصل الختامي من كتاب أورتايلي.
ضمّن رضا نور في مذكراته كماً كبيراً من الإضاءات على أحداث يتم تقديمها عادة باجتزاء. وتفيد مذكراته في التعرف على قصص الشخصيات في صنع الأحداث خلال «حرب التحرير» وتأسيس الجمهورية، بدلاً من الاقتصار على تقديم كل شيء كسيرة بلا شخصيات إلا حين يكون مصطفى كمال وعصمت إينونو. لكن، يبقى أن رضا نور لم يحالفه الحظ لأنه لم يكن عسكرياً ويكره طبيعة الجنرالات ويسخر منهم أيضاً، ولم يكن يعرف بناء زعامة لنفسه من حوله. لذلك، كان كثير المساهمات حتى في اقتراح اسم تركيا وتبني النظام الجمهوري وتدعيم موقف تركيا في مفاوضات لوزان. لكن دائماً كان هناك من يقطف هذه المساهمات ويختفي أثر رضا نور من المشهد. وتبقى نقطة قوته – ومن الصعب إنكار ذلك – أنه كان شاهداً داخل مركز القرار، أو قريباً منه، خلال السنوات المضطربة من الانقلاب على السلطان إلى مغادرته تركيا عام 1927.
من المآخذ الأخرى عليه أنه يفتقد للعمق في الفهم الاجتماعي. لذلك، فإن تحليله للمجتمع أقرب للسطحية ولا يُعتمد عليه لمعرفة الانقسامات الأهلية وجذورها خلال حرب الاستقلال، ولا التناقض التاريخي بين إسطنبول والأناضول ودور هذا العامل في نجاح مصطفى كمال. لكن يحذر المرء حتى من تحليل شخصية نور بناء على الصفحات. في كل الأحوال، لا يمكن حتى الوثوق بصحة المآخذ أعلاه لأن النسخة العربية من المذكرات مشوهة في الأساس، وهو ما اعتمدنا عليه في هذه القراءة، إذ تم اختصار المذكرات من 1655 صفحة في النسخة الأصلية التركية إلى 464 صفحة. وهناك اقتباسات من مذكراته حصلنا عليها من قراءات صحافية تركية ترجمها المركز الكردي للدراسات، خاصة فيما يتعلق بالملف الكردي، واستعرضنا بعضها في الحلقة الأولى التمهيدية. لم يتفق رضا نور مع طروحات أغلب دعاة التتريك، من أمثال عبدالخالق رندا، الأكاديمي من أصل ألباني وعضو مجلس إصلاح الشرق، أو ضياء كوك ألب، الكردي ومهندس الدراسات الميدانية عن العشائر الكردية. تبنى رضا نور اتجاهاً انتقائياً في التتريك، إذ اعترض على استيعاب الألبان والبوشناق والشركس ضمن الأمة التركية الجديدة. لكنه دافع عن إطلاق حملة تتريك بين الكرد واعتبرها ضرورة، لا لعداء مستحكم بين الشعبين، وفق رأيه، بل لأن عدد الأتراك كان متدهوراً إلى حد كبير مطلع القرن العشرين. وكان العدد الكبير من الأتراك تم تعريبهم وتكريدهم، وفق تصوره، بحيث أن اندماج الكرد في الهوية التركية سيعالج الخلل الديمغرافي التركي أمام الألبان والشركس. وهذه القضية سيحملها معه رضا نور إلى مفاوضات لوزان لاحقاً.
يستهل رضا نور مذكراته بالحديث عن سبب كتابتها، وحددها بطموحه في تقديم العبرة للأجيال التركية. يصر على أنه يكتب الحقائق بدون تحريف «كتبتُ ما هو في صالحي وما هو ضدّي». يمكن تلمس صدقه في هذا الجانب، إذ لم يوفر انتقاد نفسه حتى نهاية هذه الصفحات المجتزأة في النسخة العربية. في التعريف بوالده وأمه، يكرر رضا نور عبارات تشير إلى تفاخره بـ«النقاء التركي». فوالده كان بائع أحذية يعرف القراءة والكتابة، وكان تركياً قحاً من سينوب. وهو من عائلة إمام أوغلو لامتهان أجداده «إمامة المسجد» في سينوب. ولدى انتقاله للحديث عن أمه، يتفاخر بالقول: «كانت أمي تركية خالصة من سينوب، معنى هذا أن دمائي تركية خالصة، وأفخر بهذا».
إن هذه الزاوية «العقدة»، أي مسألة النسب، محورية في حياة رضا نور على ما كشفه بنفسه في سيرته هذه. ومحورية «الأصالة التركية» تكسب قيمتها في ذلك الوقت من أن معظم قادة تركيا الذين ابتسم لهم الحظ أو «نجحوا في الخداع والاحتيال»، وفق تعبيره، لم يكونوا من أصول تركية. ومن ادعى النسب التركي منهم، سارع رضا نور بنفسه إلى التشكيك فيهم. ومزاعمه في هذا الإطار لها ما يبررها، وهي رؤيته أن شخصيات النهج الطوراني في شكل من الأشكال امتداد للنهج العثماني الذي أقصى الأتراك من مراكز الحكم والوزارات. لكن مع فارق أساسي، وهو أن رضا نور أراد أن يكون من سدنة الطورانية في الحكم، وهذه قضيته الأساسية، أي موقعه الشخصي ضمن الجوقة القومية الجديدة. وإلا، فإن أيديولوجيا الدولة نفسها كانت تنال إحسانه. يجب توخي الدقة في زاوية الانتقاد أو الهجوم لدى رضا نور، فجلّه شخصي، يهاجم أشخاصاً، من مصطفى كمال إلى عصمت إينونو. لكنه لا يهاجم مضمون الجمهورية إلا من باب انتقادات محددة، مثل اعتراضه على إلغاء الخلافة وطرد الخليفة من اسطنبول. بل يزايد على الجمهورية المشيدة بأنها ناعمة ولينة في الطورانية كأيديولوجيا للأمة التركية.
يسرد رضا نور ملامح من طفولته وتأثره الشديد بوالدته وإيمانها النقي بالإسلام. وهنا أيضاً لم يذكر أمه بالاسم. رسم صورتين متناقضتين لوالده. في البداية، وصفه بالعنف وكيف كان يضرب زوجته (والدة رضا)، ثم قدمه بصورة إيجابية رغم ضربه المتكرر للطفل رضا بشكل عنيف. ومن ثنايا مذكراته في الطفولة، يمكن ملاحظة التغير الاجتماعي الكبير في البلدة الصغيرة المرفأ على البحر الأسود، سينوب. فقد شرب رضا نور الخمر للمرة الأولى في منزله بشهر رمضان أمام والدته. قبل ذلك، كان شارك في «رجم الكفار» خلال طفولته. فحين تحل ليلة رأس السنة، يوقدون ناراً في الشارع ويقفزون عليها (وهو طقس نوروزي في الأساس) ثم يملؤون جيوبهم بالحصى ويذهبون إلى أحياء النصارى في سينوب ويلقون عليها الحجارة. وكان هذا يسمى بين الأطفال «رجم الكفار». أدت الإطاحة بالسلطان عبدالحميد الثاني عام 1909 إلى تغير اجتماعي سريع. فالجوامع في سينوب كانت تعج بالمصلين في الصلوات الخمس قبل المشروطية (إعادة الدستور عام 1908). لكن مع السنوات الأولى بعد ذلك، باتت الجوامع شبه خالية في أوقات الصلاة.
يلفت رضا نور إلى الدور الشكلي الذي كان يؤديه نواب البرلمان (المبعوثان) في فترة الدستور، فلم يكن لدى أي منهم نفوذ، والمجلس تحت سيطرة ثلاثة أشخاص، هم حسب نور: جاويد باشا (من يهود الدونمة – تم إعدامه عام 1926 خلال تمرد إزمير على مصطفى كمال) وطلعت باشا (ماسوني) وإيمانويل قره صو (يهود الدونمة). وضد هؤلاء الثلاثة، كتب النائب في مجلس المبعوثان، رضا نور، أول مقال له أثار زوبعة سياسية قال فيها إن الدولة ستغرق على أيدي الاتحاديين. حين رآه طلعت باشا في المجلس اقترب منه وقال: «جهّز كفنك». إلا أن هذا التهديد فقد تأثيره، بحسب ظن رضا نور، حين بدأت المقالات الانتقادية تنهال ضد الاتحاد والترقي من كتّاب آخرين. رداً على ذلك، كلفت جمعية الاتحاد والترقي رجلاً شركسياً من سينوب لقتل رضا نور، وتم تحذير الأخير من قبل رئيس بلدية سينوب. في هذه الأجواء، أقدم رضا نور على الهرب إلى مصر ثم باريس. أما منتقدوه، فيصرون أنه هرب خوفاً من تكليفه بمهام تشكل خطراً على سلامته، أي جبناً من مهام على جبهة الحرب. يغفل رضا نور عن ذكر التواريخ بدقة، ولا يحدد الأعوام أو الشهور التي شهدت أحداثاً ملفتة. فهو يتهم وزير الداخلية طلعت باشا بقتل الصحافي الموالي للاتحاديين تحسين السلاحي (صاحب صحيفة السلاح) ووضع جثته في كيس حبوب ورميها. وصفحات المذكرات مليئة بـ«أحداث جنائية» من قتل وملاحقات في حقبة الاتحاد والترقي.
يصف رضا نور أحداث تمرد 31 مارس/ آذار 1909 كشاهد عيان. فقد انفجر التوتر بين الجنود من جهة، وهم في غالبيتهم متدينون غير مثقفون، وبين الضباط من جهة ثانية وغالبيتهم متهمون بالإلحاد.
كانت الشرارة التي أشعلت التمرد منع قيادات الجيش للجنود من الاغتسال والوضوء في الصباح. استطاعت جمعية دينية تحت اسم «الجمعية المحمدية» حشد الجنود وبعض صغار الضباط، على رأسهم الجاويش حمدي، لإعلان الثورة. حاول الجاويش قبل التمرد بأسابيع مقابلة السلطان عبدالحميد في قصر يلدز. لكن الأخير كان خائر القوى ورفض مقابلته بعد أن علم بنوايا الجمعية المحمدية وعدم قدرته على حمايتهم في حال الفشل. فتصرف الجاويش من تلقاء نفسه للإطاحة بالاتحاديين وإعادة حكم الشريعة. انهال الجنود على الضباط في الشوارع وأماكن إقاماتهم. فكلما صادفوا أحدهم، أسرعوا باعتقاله. وكان في اسطنبول يومها 40 ألف جندي شارك أغلبهم في التمرد الانقلابي. احتشد الآلاف أمام مجلس المبعوثان يطلبون رأس الصحافي حسين جاهد، رئيس تحرير صحيفة «طنين»، والمتهم بالإلحاد والماسونية، وأصبح لاحقاً من المقربين من مصطفى كمال بعد إعلان الجمهورية. ظن المتمردون أن أمين أرسلان، وهو درزي وعضو المبعوثان، هو حسين جاهد، فقتلوه مع عدة أشخاص آخرين. لم تنجح الحركة رغم سيطرتها على الشارع، ذلك أنها تحركت بدون خطة، ولم يعلم الجنود ورجال الدين الخطوة التالية.
خصص الشيخ سعيد النورسي صفحات طويلة لهذا الحدث في ثنايا «رسائل النور»، إذ كان من أبرز المتهمين في تحريض الجمعية المحمدية (الاتحاد المحمدي) على الانقلاب، وهو من مؤسسي الجمعية حسب الاتهامات. وكان من المرجح أن يصدر عليه حكم بالإعدام، لكن المحكمة برأته بشكل مفاجئ، فسار خلفه الآلاف في إسطنبول وهم يرددون شعاراً في مرافعته: «فلتعش جهنم للظالمين». (النورسي – السيرة الذاتية).
أثناء سيطرة الجنود على إسطنبول، لم يطلق الاتحاديون هجومهم المضاد إلا بعد مرور 11 يوماً، فتحرك ما عرف بـ«جيش الحركة» التابع للاتحاد والترقي من سالونيك وعديده عشرة آلاف جندي ودخل إسطنبول بعد صدامات مع أنصار الجمعية المحمدية.
لعبت ثلاث شخصيات في منع تحول هذه الصدامات إلى حرب أهلية ومذابح في الشوارع، وهم السلطان عبدالحميد الثاني الذي آثر الهزيمة على مثل هذا السيناريو. ولنفس الأسباب اتخذ كل من وزير الحربية ناظم باشا، وسعيد النورسي المؤثر الرئيس على أتباع الجمعية، مواقفهما بتهدئة الجنود وعدم المقاومة. يثير رضا نور شكوكاً ولم يقدم تفسيراً؛ فقد كان على رأس قوات الاتحاد والترقي كل من كاظم قره باكير وعصمت إينونو. لكن فجأة على مشارف إسطنبول، تم تسليم قيادة الهجوم إلى محمود شوكت باشا، الجنرال الجورجي المتحدر من سلالة المماليك حكام بغداد حتى عام 1831.
هناك نزعة طورانية مبكرة لدى رضا نور. فهو بنفسه اقترح على وزير الحربية – بحسب زعمه – خلع السلطان عبدالحميد. لكن حين خلعه الاتحاديون، استنكر بشدة إرسالهم «يهودياً حقيراً» و«ألبانياً سافلاً» لإبلاغ «السلطان التركي» بخلعه.
حتى هذه المرحلة، كان مجلس المبعوثان منقسماً في كتل سياسية، ولم يشكل الاتحاديون الغالبية في المجلس. في هذه الإطار، يستعرض رضا نور خريطة الداعمين للمجلس المنتخب في خريف 1908 وعدد نوابه 281. فكتلة الأرمن البالغة 30 نائباً تدعم الاتحاد والترقي، وكذلك غالبية النواب الروم واليهود والألبان. أما العرب، فانتظموا في حزب خاص. لذلك، وهنا المفارقة، كان غالبية المعارضين للاتحاد والترقي في مجلس 1908 من الأتراك والعرب، وهو استنتاج لم يتطرق له رضا نور رغم أهمية ذلك لو أدلى بشهادة أعمق حول ولاءات المجلس ودوافع كل كتلة.
لكن اللافت، أن رضا نور لم يتطرق للحضور الكردي في مجلس المبعوثان على الإطلاق حتى هذه المرحلة من المذكرات. ويفتقد التاريخ الكردي الحديث الإضاءة على هذه المرحلة وأدوار النواب الكرد. ولم يبحث فيها المشتغلون على هذا التاريخ من الباحثين الكرد وغير الكرد، رغم أن المادة التوثيقية متوفرة في الصحف والمنشورات العائدة لتلك الفترة في صحف إسطنبول. لكن، المرجح أن النواب الكرد كانوا يعانون من التيه السياسي، كما المجتمع، فلم يحسموا ما الذي يريدونه ومن يؤيدون. ولعل سعيد النورسي أجاد التشخيص الاجتماعي للذهنية المعاكسة للحداثة حين قام بجولة في كردستان مطلع العام 1910 لرصد اتجاهاتهم وتوجيههم نحو تأييد الواقع الجديد ما بعد السلطان عبدالحميد. فكتب في مستهل رحلته أنه خرج من «العصر الذي تمثله إسطنبول، متحدراً إلى القرون الوسطى بين عشائر الأكراد» (ص 131 – السيرة الذاتية – ومجلد صيقل الإسلام). وهو مع ذلك لم يحمل الكرد مسؤولية هذا النكوص عن الحداثة، إنما اعتبر ذلك نتيجة من نتائج تخلي الحكومة عن كردستان عقوداً طويلة متتالية.
انتابت رضا نور مخاوف من الحركة العربية في مجلس المبعوثان. ويبدو أنه كان مرتاحاً في العموم للكرد رغم يقينه أنهم سيتحركون يوماً ما من أجل قضية قومية. فبشكل ما، يعتبرهم جزءاً أصيلاً من الدولة المستقبلية مع نقاش حول هويتهم المستقبلية، أيكونون تركاً أم يبقون كرداً. تشير مذكراته إلى الخيوط الأولى لحملة إعدام زعماء سوريا ولبنان عام 1916 على أيدي جمال باشا. فقد رفض وجهاء العرب، وفي مقدمتهم عبدالحميد الزهراوي (أعدم في 1916) وشكري العسلي (أعدم في 1916) العمل مع المعارضين للاتحاديين في حزب واحد. وزعم أن العسلي «الساذج» كشف له عن مشروعه وهو «إقامة دولة أموية في دمشق»، وأن الوالي والصدر الأعظم الأسبق مدحت باشا وافق على هذه الفكرة خلال محادثات مع والد شكري العسلي حين كان والياً على دمشق. لجأ رضا نور إلى تهديد النواب العرب: «إذا كونتم حزباً عربياً، فإننا بالضرورة سنؤسس حزباً تركياً، ثم نتحد مع الاتحاديين، وسنرى بعد ذلك من سيكون الخاسر بيننا». (ص 117)
يروي رضا نور تفاصيل اغتيال الصدر الأعظم محمود شوكت باشا، سليل حكام المماليك القفقاس في العراق، في 1913. قيل إن الاغتيال نفذه أشخاص من عائلة وزير الحربية السابق ناظم باشا الذي اغتيل على أيدي الاتحاد والترقي وبتخطيط من محمود شوكت باشا. وقد لا يكون معروفاً إلا على نطاق ضيق أن إعدام الشيخ عبدالسلام البارزاني على جسر الموصل عام 1914 كان من تبعات عملية اغتيال محمود شوكت باشا. فقد لجأ أحد المتهمين في اغتياله إلى شيخ بارزان واحتمى به. نصح المتهم صفوت بك، وهو يغادر مخبأه إلى مكان آمن، الشيخ عبدالسلام البارزاني بأن يتحالف مع الروس بالاتفاق مع سيد طه النهري وعبدالرزاق بدرخان. (حسين جمو – التكايا المسلحة)
بعد اغتيال الصدر الأعظم محمود شوكت باشا، خلا الطريق أمام الإنكليز لفصل الولايات العربية عن الدولة العثمانية، حيث كان محمود شوكت بمثابة صمّام أمان الوحدة بين العرب والترك. يذكر نور الأسماء الأولى من مدبري الاغتيال، وهم «كاظم وشوقي وحقي وضياء وأصحابهم»، وهم قيادات في المعارضة ضد الاتحاديين. و«كانوا سيقتلون طلعت باشا وجميع الاتحاديين أيضاً. علم طلعت بهذا، فاختبأ هو وجمال باشا»، ص 128. لكنه لم يذكر شيئاً عن المتهم الوحيد الهارب: صفوت بك.
من المرجح أن صفوت بك الذي هرب واختبأ عند الشيخ عبدالسلام البارزاني ضحية ضمن هذا المخطط. فبحسب رضا نور، طارد الاتحاديون قتلة محمود شوكت، وقُتل بعضهم في مواجهة بأحد أحياء بيه أوغلو. أما الآخرون، فأعدموهم مع الداماد صالح باشا. لذلك، فإن صفوت بك هرب خلال ملاحقة الاتحاديين للقتلة. ودفعه سبب ما للخشية على نفسه، مثل علاقته المحتملة ببعض من تم إعدامهم، ففر إلى كردستان. وهناك، قام خصوم الشيخ عبدالسلام في الموصل بتدبير التهمة للشيخ عبدالسلام الذي رفض تسليم صفوت بك. رغم مناهضته الشديدة للاتحاديين، اعتبر رضا نور أن فترة حكمهم الكارثية «أرحم من مصطفى كمال».