المركز الكردي للدراسات
تراجعت الهجمات المسلحة على القوات الأميركية في العراق منذ مقتل جنود أميركيين في قاعدة بالأردن، بعد تدخل الحرس الثوري الإيراني وفرضه تهدئة على الميليشيات المسلحة. لكن في المقابل، ترتفع وتيرة الهجمات المسلحة في سوريا على قوات سوريا الديمقراطية من جانب مسلحين ينطلقون من مناطق تهيمن عليها ميليشيات موالية لإيران على الضفة الشامية من نهر الفرات. كما لوحظ تصاعد التوتر بين حزب الله اللبناني وإسرائيل في المنطقة الحدودية منذ نهاية الشهر الماضي، ما ينذر باحتمال تحول في مسار جغرافية التوترات وتركزها على سوريا ولبنان بالتوازي مع تراجع الميليشيات العراقية المسلحة من مشهد الهجمات والضغط على القوات الأميركية.
نشرت وكالة رويترز تقريراً في 18 فبراير/شباط نقلت فيه شهادات من عدة مصادر إيرانية وعراقية أن زيارة إسماعيل قآني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري إلى بغداد أدت إلى توقف الهجمات التي تشنها فصائل متحالفة مع إيران في العراق على القوات الأميركية. ووصفت المصادر هذا بأنه علامة على رغبة طهران في الحيلولة دون نشوب صراع أوسع نطاقاً.
والتقى قآني بممثلي عدة فصائل مسلحة في مطار بغداد في 29 يناير/كانون الثاني، بعد أقل من 48 ساعة من اتهام واشنطن لهذه الفصائل بالوقوف وراء مقتل ثلاثة جنود أميركيين في موقع البرج 22 العسكري بالأردن.
واستندت وكالة رويترز إلى شهادات عشرة مصادر اتفقت جميعها على أن قآني، الذي قُتل سلفه قاسم سليماني في هجوم بطائرة مسيرة أميركية بالقرب من المطار نفسه قبل أربع سنوات، أبلغ الفصائل بأن سفك الدماء الأميركية يخاطر برد عنيف. واغتالت الولايات المتحدة سليماني رداً على حادث أقل بكثير من مقتل الجنود الأميركيين في الأردن. إذ جاءت العملية رداً على هجوم اتهمت واشنطن كتائب حزب الله بشنه وأدى إلى مقتل متعاقد أميركي.
وذكر مصدر أمني عراقي كبير: «تعلم الإيرانيون الدرس من تصفية سليماني ولا يريدون تكرارها».
أبلغ قآني الفصائل المسلحة أنه يتعين عليها أن تبتعد عن المشهد لتجنب شن ضربات أميركية على كبار قادتها أو تدمير بنيتها التحتية الرئيسية أو حتى الانتقام المباشر من إيران.
واعترف مسؤول أميركي بدور إيران في الحد من الهجمات، لكنه قال إنه ليس واضحاً ما إذا كان الهدوء سيستمر.
ومنذ الرابع من فبراير/شباط، لم تقع هجمات تذكر على القوات الأميركية في العراق وسوريا، مقارنة مع أكثر من 20 هجوماً في الأسبوعين السابقين لزيارة قآني. لكن مجموعات مسلحة شنت عدداً من الهجمات على حواجز لقوات سوريا الديمقراطية في ريف دير الزور الشرقي، وهي جماعات مرتبطة بميليشيات موالية لإيران على الضفة المقابلة لنهر الفرات وتنطلق من أطراف الميادين والبوكمال، ولديها خلايا في مناطق قوات سوريا الديمقراطية.
واستهدفت الهجمات مصفاة مياه البوبدران التي تتمركز فيها قوات سوريا الديمقراطية، ونقاط في بلدة السوسة وتمركزات خفيفة للقوات في بلدات وقرى على السرير النهري.
وفي حال طال أمد الهدنة غير المعلنة من جانب المجموعات العراقية المسلحة، فإن خريطة الهجمات في شمال شرق سوريا ومناطق الإدارة الذاتية ستعود إلى وضع ما قبل حرب غزة. وبالتالي، قد تتوسع الهجمات المتفرقة ضد قوات سوريا الديمقراطية مقابل تراجع استهداف القوات الأميركية.
وأجرت قوات التحالف الدولي في 17 فبراير/شباط تدريبات عسكرية في منطقة حقل كونيكو للغاز بريف دير الزور، «لرفع الجاهزية والكفاءة القتالية لقواتها»، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وحدث آخر هجوم ضد أماكن تواجد القوات الأميركية في 15 فبراير/شباط واستهدف على حقل العمر النفطي الذي تتمركز فيه قوات من التحالف الدولي، إلا أن حجم الهجوم كان صغيراً ولا يشكل تهديدات جدية مقارنة بالهجمات الكبيرة التي كانت تشنها فصائل الحشد الشعبي تحت اسم «المقاومة الإسلامية في العراق»، وهي حركة تنضوي تحت لوائها جماعات وفصائل شيعية مسلحة متحالفة مع إيران، أعلنت مسؤوليتها عن أكثر من 150 هجوماً على قواعد تضم القوات الأميركية في سوريا والعراق منذ أكتوبر/تشرين الأول.
الفصائل المسلحة في هذه الحركة (المقاومة الإسلامية) هي من مكونات قوات الحشد الشعبي وتتمتع بعلاقات جيدة مع أحزاب سياسية شيعية. وتدرج الولايات المتحدة فصائلها الرئيسية على قائمة المنظمات الإرهابية. لكن لم تتبن أو تشارك كل فصائل الحشد الشعبي في هذه الهجمات. فأبرز الفصائل التي تشكل رأس حربة طهران في الهجمات على القوات الأميركية هي كتائب حزب الله، وهي من الفصائل المسلحة الأقرب إلى إيران، ولديها ممثلون في البرلمان العراقي. أسسها أبو مهدي المهندس الذي قُتل في غارة جوية أميركية في بغداد مع سليماني. واتهمت واشنطن هذه الجماعة بالمسؤولية عن هجوم الأردن وأدى إلى مقتل ثلاثة جنود.
الفصيل الثاني ضمن تشكيلة «رأس الحربة» هو حركة النجباء، وتشكلت كفرع لفصائل مسلحة أخرى، وتتمتع بحضور قوي في سوريا لدعم النظام السوري ومساندة القوات الإيرانية.
وهناك أيضاً «كتائب سيد الشهداء» وهي أصغر من الجماعتين الأخريين، وقاتلت أيضاً في سوريا لدعم الأسد.
تتواجد هذه الجماعات الثلاث على الأراضي السورية وتنتشر على الضفة اليمنى (الشامية) لنهر الفرات، المقابلة للضفة اليسرى التي تتمركز فيها قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي.
لذلك، يختلف موقع هذه الجماعات الثلاث عن البقية في الحشد الشعبي التي لا تمتلك حضوراً في سوريا، مثل عصائب أهل الحق، التي تعد واحدة من أقوى الفصائل بقيادة قيس الخزعلي، وسرايا السلام، التابعة لمقتدى الصدر. وهذان الفصيلان لديهما نشاط سياسي كبير، محلي ودولي، وحساباتهما أكثر حذراً في الانخراط المفتوح ضد القوات الأميركية في أي تصعيد قادم في سوريا والعراق.