طوفان سوري” أصغر” في أوائل أكتوبر نفسه!
موفق نيربية
كان الأسبوع الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي حافلاً بالأخبار لنا أيضاً نحن السوريين:
الأحد 1 تشرين الأول (أكتوبر) هجوم على مبنى إدارة الأمن في أنقرة.
ليلة الأحد- الاثنين 2 تشرين الأول (أكتوبر) بدء الهجمات التركية الانتقامية على إقليم كردستان العراق، ثم التوسّع كثيراً على شمال شرق سوريا.
يوم الخميس 5 تشرين الأول (أكتوبر) ، تفجيرات الكلية الحربية في حمص، ابتدأ النظام بعدها مباشرة هجومه الانتقامي مع الروس على إدلب.
ويوم السبت 7 تشرين الأول (أكتوبر) هاجمت حماس وحلفاؤها ما يُسمّى غلاف غزة وحصل ما حصل… ثمّ ابتدأ الانتقام الإسرائيلي- الأكبر بكثير من مجرّد انتقام- واستمرّت حرب غزّة حتى الآن.
لا تريد هذه المقدّمة الدفع بأيّ استنتاج منها، فهي مجرّد صدفٍ متتابعة غالباً، يعكس تواقيتها ما يربط بين السوريين والفلسطينيين. موضوع هذه المقالة يخص تلك الأحداث التي كانت متقاربة في حمص وإدلب وشمال شرق سوريا، ولن يتمّ تناولها بالترتيب الزمني الذي حدثت به تماماً.
فور انتهاء حفل تخرّج ضبّاط من الكلية الحربية في مدينة حمص في وسط سوريا، وبينما كانت عائلات الضباط الخريجين تحتفي بهم في باحة الكلية، وجد الحاضرون أنفسهم ضحايا انفجارات قيل لاحقاً إن مصدرها طائرات مسيّرة. وباعتباري من تلك المدينة الجميلة، أذكر أن احتفال تخرّج الضباط ذلك كان دوماً مناسبة بهيجة مع منظر طلّاب الضباط بملابسهم الزاهية ومشيتهم الأنيقة.
كانت نتيجة تلك الهجمات أكثر من 90 ضحية ما بين الضباط وأهاليهم المحتفلين معهم. واستطاعت تلك النتيجة أن تحيي ذكرى لحادثة أخرى حدثت في صيف ١٩٧٩، حين قام عملاء” الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين” بتجميع طلاب الضباط في مدرسة المدفعية بحلب من الطائفة العلوية خصوصاً، وإطلاق النار عليهم وقتل العشرات منهم. كان أهم ما أحدثته تلك المجزرة هو الارتفاع الملحوظ في مستوى المشاعر الطائفية في سوريا، لدى النظام ومن قِبله، ولدى الطرف” السني” في الجهة الأخرى.
لم تتبنَّ أي جهة المسؤولية عن الهجوم على الكلية الحربية، التي هي أكاديمية تخرّج منها أركان الجيش وقياداته على مر عقود. سارع النظام إلى اتهام “التنظيمات الإرهابية المسلحة” بتنفيذ الهجوم “عبر مسيّرات تحمل ذخائر متفجرة”، وأكد أنه “سيردّ بكل قوة وحزم”.
بعد ذلك، بدأت على الفور حملة قصف مدفعي على مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) وفصائل متحالفة معها في محافظة إدلب (شمال غرب) ومحيطها. وسرعان ما انضمّ الروس إلى النظام في عمليات القصف التي طالت مراكز سكانية وبضعة مخيّمات للنازحين. أُشير في اتهامات السلطة إلى قوى معيّنة إسلامية متطرفة، من بينها الحزب الإسلامي التركستاني (الإيغوري- الصيني)، وكتائب المجاهدين، والطرفان قريبان من القاعدة وجبهة النصرة ومن داعش، ويحوزان على رضا أطراف إقليمية أيضاً.
تحدّث أرون لوند الكاتب السويدي الذي يكاد يكون سورياً لخبرته العميقة عن الموضوع، وأشار إلى احتمال أن تكون هيئة تحرير الشام أو تركيا أو الطرفين معاً، من دون أن يجزم تماماً. كانت هنالك طائرات مسيرة مجهولة تغير على القاعدة الروسية في مطار حميميم غرب محافظة اللاذقية، وكانت تثير مثل تلك التساؤلات والتكهّنات والإسقاطات أيضاً.
الموضع الثاني للتوتّر كان في إدلب كما ذكرنا، وتمّ تبريره بناءً على هجوم حمص المذكور أعلاه. حيث لم تمرّ إلّا ساعات قليلة على مجزرة حمص، حتى صعّدت قوات النظام هجومها المدفعي والصاروخي- الذي كان قد ابتدأ في تليوم السابق، والذي كان بمشاركة سلاح الجو الروسي، لتتضاعف بذلك نسبة القتلى والمصابين في صفوف المدنيين ولتتسع رقعة الدمار في تلك المناطق. شمل القصف الجنونيّ أكثر من 15 مدينة وبلدة في شمال غرب سوريا
فخلال الفترة التي أعقبت الانفجار الذي ضرب الكلية الحربية بحمص خلال حفل تخريج الطلاب الضباط بعد ظهر الخميس (الـ5 من تشرين الأول) وأودى بحياة نحو 90 شخصاً وإصابة أكثر من 270 آخرين، من الخريجين (28 طالب ضابط) وذويهم، وصولاً إلى صباح يوم الجمعة؛ قُتل 14 مدنياً وأصيب 73 آخرون بينهم 19 طفلاً و13 سيدة من جراء قصف “انتقامي” للنظام والروس طال أكثر من 15 مدينة وبلدة بينها دارة عزة وسراقب وسرمين و،جفتلك والضبيط، وأصابت أسواقاً شعبية وأحياء سكنية ومدارس ومسجداً ومركزاً للدفاع المدني، وأوقعت في اليوم الأول للقصف 14 مدنياً بينهم 3 نساء و3 أطفال، وهي أرقام لم تتوقّف عن التزايد لاحقاً!
وفي مكان ثالث، أعلنت وزارة الدفاع التركية عن قصف 15 هدفاً في شمال شرق سوريا فيما بعد. وشملت الأهداف، وفق البيانات التركية، “مقرات وملاجئ” تستخدمها قوات سوريا الديمقراطية. لكنّ الواضح أن الهدف كان البنية التحية لمناطق الإدارة الذاتية هناك.
أثرت الأضرار التي لحقت بسبب تلك الهجمات التي وقعت بين 5 و10 أكتوبر/تشرين الأول على نحو 4.3 مليون شخص في شمال شرق سوريا، حيث أصبح ما لا يقل على 18 محطة لضخ المياه و11 محطة طاقة خارج الخدمة. كما شملت مرافق الطاقة الكهربائية التي استُهدفت محطة كهرباء السويدية، وهي مصدر حيوي للكهرباء لأكثر من مليون شخص، ومحطة تحويل الكهرباء في شمال القامشلي التي تخدم 40 ألف أسرة. عطلت الهجمات هذه المرافق الحيوية، مما أدى إلى انقطاع كامل لخدمات إمدادات الطاقة والمياه، لأسبوعين على الأقل؛ كانت محطة تحويل السد الغربي في الحسكة بعدهما، وهي التي تخدم عادة أكثر من 20 ألف أسرة، ومحطة تحويل عامودا، التي تخدم 30 ألف أسرة، ما تزالان معطلتين جراء الأضرار التي لحقت بهما بسبب هجمات 5 أكتوبر/تشرين الأول. تزود محطة تحويل عامودا أيضاً محطة تحويل الدرباسية بالطاقة والتي تغذي بدورها محطة مياه علوك قرب رأس العين، وهي التي تغذي بدورها الحسكة وبعض ريفها بالمياه.
وكان ينبغي ذكر الضحايا البشرية أيضاً، خصوصاً بين المدنيين.
حدثت أشياء أخرى في مناطق من سوريا من قصف بالصواريخ الإيرانية لمواقع التمركز الأمريكي، وقصف إسرائيلي لم يتوقّف لمطاري دمشق وحلب؛ لكن القصص الثلاث أعلاه، المتواقتة مع “طوفان الأقصى” بالصدفة، قبله وبعده مباشرة، هي أهمّها. وهي التي قد يتوقّف عندها المرء قليلاً ثمّ يجتازها إلى غيرها من أخبار النيران المتنقّلة، لكنه لا يفتأ يعود إليها ويحاول ترتيبها بطرق مختلفة، لعلّه يستنتج شيئاً قد فاته من قبل..
فقد عودّتنا أطراف آستانة منذ سقوط حلب أواخر 2016 على وجه الخصوص، على أحجيات من هذا النوع، تبعث على الشكوك الموروثة، ولا تتوصّل إلى نتيجة قاطعة ذات براهين. وقد كانت خلاصة ما توصّل إليه مسار آستانة، اتفاقاً بتأسيس مناطق” خفض التوتّر” الأربع في سوريا، قال عنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يومها إنها “تحلّ نصف المشكلة”. كانت تلك المناطق- للذكرى- في جنوب سوريا حيث درعا والقنيطرة والنفوذ والمصالح الأقوى لإسرائيل والأردن، وفي غوطة دمشق الشرقية، وفي شمال حمص، وفي إدلب أو شمال غرب البلاد. وعلى أرض الواقع، تمّت تصفية الجيوب المعارضة في الغوطة وريف حمص لينتهي” التوتّر” هناك؛ وتمّ تجميع المعارضين الأكثر تشدّداً من الغوطة وحمص ومن المنطقة الشرقية وغيرها في الشمال الغربي وإدلب، حيث النفوذ التركي وهيئة تحرير الشام- جبهة النصرة سابقاً.
ما زالت تركيا بالتعاون مع معارضين سوريين تريد أمنها القومي جنوب الحدود، ولو بتغيير عن طريق الهندسة البشرية؛ وما زالت إيران بالتعاون مع موالين للنظام تريد تخفيف الكثافة السكانية بالإحلال أو الإجبار والقهر أو ” الثقافة”، وما زالت إسرائيل ممتنعة عن التدخّل إلّا لضبط بعض الأمور والمسارات بالقصف المنتظم، وما زال النظام يثبت أنه جاهز للتدمير الذاتي طالما استمرّ الهجوم عليه.
وحدهم السوريون غائبون، بعيداً أو قريباً، وعاجزون عن تفكيك الأحجيات التي تحاصرهم… حتى موتهم لم يعد يظهر في الأخبار الإقليمية والدولية، مع طغيان الموت في غزّة القريبة!