ضمن سلسلة الندوات الحوارية التي يعقدها المركز الكردي للدراسات، أقام المركز يوم الجمعة الماضي ندوة حوارية بعنوان «الإدارة الذاتية في ظل الوضع السوري الراهن».
واستضافت الندوة، التي أدارها الزميل شورش درويش وبُثت على الصفحات الرسمية للمركز على مواقع التواصل الاجتماعي، رياض درار الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية، وجلال الحمد وهو محامٍ سوري ومدير منظمة «العدالة من أجل الحياة الناشطة في شمال سوريا».
ودارت الندوة حول محورين أساسيين وهما: نموذج الإدارة الذاتية وكيف بإمكانه أن يشكل مقدمة للحل في سوريا، فيما ناقش المحور الثاني المخاطر والتحديات الداخلية والخارجية والسياسية والعسكرية التي تواجه الإدارة وخاصة أطماع تركيا وإيران في شمال شرقي سوريا ومستقبل الإدارة الذاتية في ظل الانسداد السياسي الذي تعاني منه سوريا وغياب الحل للأزمة المستمرة منذ 13 عاماً.
خلال النقاش، تطرق الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية في بداية حديثه إلى الحكم الطويل لحزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا والاستبداد والقمع اللذين مارسهما بحق السوريين ومنعهم من إدارة مناطقهم وشؤون حياتهم السياسية، وكيف أن سياسة القمع وكم الأفواه التي استمرت أكثر من ستين عاماً من قبل حزب البعث أخذت دورها ومداها وتأثيرها ولذلك «بات من الصعب تغيير العقلية والذهنية المركزية بسهولة».
وأضاف درار أن «الثورة السورية كشفت عقم الحل السياسي والقدرة السياسية للكثير من الأشخاص ممن كنا نراهم قامات كبيرة في السياسة وأثبتت الأحداث والثورة وإدارة الثورة أنهم فشلة. هؤلاء لم يقوموا بعمل حقيقي لبناء القدرات لمواجهة النظام والتمكن من تغييره، بل على العكس خلقوا أجواء جديدة أكثر فساداً من النظام»، مشيراً إلى أن «سياق الأحداث بعد الثورة، كشفت أن المعارضة متمثلةً بالائتلاف والمجلس الوطني لم تستطع أن تشكل الحامل الحقيقي لا للثورة ولا للهدف السياسي المنشود».
وأشار الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية إلى أنه في شمال شرقي سوريا كان هناك حزب واحد، لديه معرفة وقدرة سياسية وتنظيم متماسك (الاتحاد الديمقراطي)، قاد حراكاً اعتمد فيه على بناء قدرات حقيقية في منطقة محدودة بشمال شرقي سوريا ليتوسع فيما بعد إلى مناطق أخرى بحكم طبيعة الأحداث وخاصة بعد محاربة تنظيم داعش وطرده من المنطقة.
وزاد على كلامه، أن هناك تماسكاً سياسياً حقيقياً في شمال شرق سوريا، «استطاع أن يبني نفسه ويبني المجتمع من حوله لأن لديه إيديولوجية ونظرية»، موضحاً أن «إقناع الأطراف السورية الأخرى بهذا الحزب وبمشروعه وبتوجهه احتاج إلى الوقت، ولا يزال يحتاج إلى الكثير من الإقناع للوصول إلى مرحلة مفادها بأن هذا هو الشكل الذي يمكن من خلاله خلق برامج تساهم في توسع العمل السياسي وإنشاء أهداف سياسية لمواجهة الأحداث القادمة».
وفي معرض حديثه، تطرق درار إلى محاولات التفاهم التي قام بها مجلس سوريا الديمقراطية (مسد) والإدارة الذاتية مع القوى السياسية المعارضة في مناطق النظام، «ولكنها محكومة بظروف النظام وسيطرته واستبداده»، بالإضافة لتواصلها مع المعارضة في الخارج والتي يفترض أن يكون لديها مجال من الحرية للتحرك، لكن أيضاً أصبحت مقيدة بارتهانها أكثر من المعارضة في مناطق النظام.
ووصف درار الإدارة الذاتية بأنها «شكل دولة ولكن بنظام ثورة»، إذ قال في هذا الصدد: «يجب ألّا نفكر بأن الدولة تحكمنا لأن الثورة هي الهاجس الأساسي الذي يجعلنا نغير بسرعة ولا تجعل الشكل الوظيفي يتحكم بأدائنا»، مشيراً إلى أنه في شمال شرق سوريا «يوجد نموذج متماسك يمكن البناء عليه ويمكن أن يشكل أرضية للعمل السياسي وأن يكون نقطة انطلاق لسوريا جديدة وبمشاركة الفاعلين السياسيين السوريين من كل الأطياف، مع إمكانية أن يتقدم مشروع الإدارة الذاتية وينجح ويمتد إلى باقي المناطق السورية».
وفي ظل التراجع الكبير في المسار السياسي لحل الأزمة السورية، رأى جلال الحمد مدير منظمة «العدالة من أجل الحياة الناشطة في شمال سوريا» أن الإدارة الذاتية كفكرة وكمشروع قد تكون مؤهلة لإحداث حل في مسار الحل السوري وذلك من مدخل الإدارة المحلية، وذلك لأنها «تمتلك إدارة محلية ومشروع ورؤية واضحين»، مشيراً إلى أن رؤية الإدارة المحلية في بقية المناطق السورية «مشوشة».
ونوه الحمد إلى أن الإدارة الذاتية «يجب أن تكون مقبولة من مختلف الأطراف، ويجب أن تصوّب مسارها سواء على مستوى علاقتها مع المجتمعات المحلية التي تحكمها أو على مستوى علاقاتها مع إقليم كردستان العراق». وأضاف في هذا الصدد أن «الإدارة الذاتية مدعوة أكثر من الإدارات الأخرى في المناطق السورية لفتح أبواب التواصل مع الإدارات المحلية في مختلف المناطق السورية، والتفاهم على مجموعة من الملفات، منها كيف يمكن أن يكون شكل سوريا القادم لأن مختلف التوجهات أو معظمها يتحدث عن عدم إمكانية العودة إلى الشكل المركزي في سوريا ما قبل 2011». وأفاد أن السكان في شمال شرق سوريا «يجدون أنفسهم إلى حد ما أمام إدارة تمتلك رؤية وقدرة على تقديم الخدمات لهم وتمتلك قدرة الدفاع عنهم في مواجهة الحكومة المركزية».
ولم تختلف وجهة نظر الحمد عن ما قدمه درار فيما خص فكرة الإدارة الذاتية التي تحمل قيم يبحث عنها السوريون وهي قيم مفقودة في بقية المناطق السورية، من بينها المشاركة في الحكم من مختلف المكونات والتعايش المشترك واللامركزية.
ولكن يرى الحمد أن «نسبة عدم الرضا عن الإدارة الذاتية وأداءها تزداد في بعض مناطقها ولاسيما خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة». وقال: «هذا يفقدنا أحد المداخل المهمة التي نعوّل عليها لحل سياسي مستقبلي تكون الإدارة الذاتية أحد أعمدته. وطالما أن هذه الإدارة لا تحظى بالرضا المقبول والكافي، أعتقد لن تكون لديها القدرة على المضي قدماً في أن تكون حجر زاوية في تحقيق المسار السياسي في سوريا. إن تجربة الإدارة الذاتية قد تكون منقوصة بمكان ما ولكنها تعطينا نموذجاً يمكن البناء عليه لا سيما أن العودة إلى ما قبل 2011 أصبحت ضرباً من الخيال».
وبشأن التحديات التي تواجهها الإدارة الذاتية منذ بداية تأسيسها، قال الرئيس المشترك لـ«مسد» إن منطقة شمال شرقي سوريا «كانت محكومة بالصراع منذ فترة طويلة، الأطماع فيها داخلية وخارجية، حتى السوريون استثمروا فيها لفترة طويلة وجعلوها مهمشة»، في إشارة منه إلى حزب البعث.
ولم يخفِ درار أن لدى الإدارة الذاتية نفسها ضعف في الأداء، موضحاً في هذا الصدد أن الإدارة «نشأت ضمن صراع ومواجهة قتالية، وبالتالي كل ما بنته حتى الآن من محاولات الاستثمار في نجاحها يفشل نتيجة طريقة البناء السريعة أو طريقة التوظيف غير المعتمدة على الكفاءة أو بسبب نماذج القيادات التي لا تستطيع أن ترى رؤية بصيرة الأهداف الحقيقية التي ممكن أن ينشدها ممثلو الإدارة. لدينا ضعف ذاتي يمكن أن يؤثر على طبيعة استقطاب الناس من حول الإدارة».
أما التحديات الخارجية، فتتمثل في «سعي تركيا احتلال أجزاء من شمال شرقي سوريا، لاسيما أن لديها أطماع في المنطقة ولا تريد استقرارها، إذ استغلت ضعف الدولة السورية الحالية للتدخل في المنطقة إما بصمت دولي وإما باندفاع ذاتي من دون النظر في تأثيرات المحيط، كما حصل في عفرين وسري كانيه وتل أبيض، بالإضافة إلى قصف المنطقة بالمسيرات لتخريب المنطقة، ذلك أن جماعة أستانا يخططون لتخريب المنطقة وإبعاد الخصم الأميركي المتواجد في المنطقة، والذي يدعم الإدارة الذاتية، خاصة في حربها ضد داعش».
كما أشار درار إلى أن الأعمال التي قامت بها الإدارة الذاتية في قطاعات التعليم والصحة والخدمات تتأثر بالقصف التركي لاسيما بناء قنوات المياه والجسور التي تأثرت بقطع مياه علوك والفرات، بالإضافة لوجود خلايا نائمة ضمن المنطقة والضغط الخارجي الذي يحرك هذه الخلايا سواء من جهة إيران، كما حصل في مشكلة العشائر بدير الزور، أو من جهة تركيا عبر الخلايا المدعومة المحسوبة على المعارضة. وأضاف أن «الإدارة الذاتية تعاني في مسألة التواصل السياسي لأننا غير مقبولين بحكم الضغط الخارجي الذي يدفع لإبعادنا عن كل احتمالات المشاركة السياسية».
بدوره، انتقد جلال الحمد ضعف بعض المؤسسات الخدمية للإدارة الذاتية، معتبراً أن «بعض قطاعات الإدارة الذاتية في تراجع، إذ لا تزال هناك مشاكل خدمات رئيسية يعاني منها الناس ضمن مناطق الإدارة الذاتية وتؤثر على حياتهم اليومية. ويكمن السبب بأن القرار مركزي ويفتقر أحياناً للكفاءة وللمعرفة بسياق المنطقة واحتياجاتها ويفتقر أحياناً إلى المشورة والمشاركة». وأشار إلى أن «المستشارين في بعض القطاعات في بعض المناطق لديهم سلطة على المؤسسات المدنية، وهذا باعتقادي أكبر تحدٍ يواجه الإدارة الذاتية».
وبحسب الحمد، فإن آلية اجتماع الإدارة الذاتية مع أبناء دير الزور لنقاش مطالبهم بعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها دير الزور، «لم تكن الآلية التي يطمح لها الناس لإدارة مناطقهم، وهو ما يزيد نسبة عدم الرضا عن أداء الإدارة الذاتية». ورأى مدير منظمة «العدالة من أجل الحياة الناشطة» أن «ما تقوم به إيران والنظام السوري وتركيا هو استغلال لحالة من عدم الاستقرار في شمال شرق سوريا»، مضيفاً أنه «يتوجب على أبناء المنطقة، ابتداء من الإدارة الذاتية مروراً بمنظمات المجتمع المدني وانتهاء بالفاعلين المحليين، إيجاد صيغة لحكم المنطقة بشكل مشترك يزيد من الرضا المحلي على الإدارة الذاتية وهذا سيكون بحد ذاته منطلق لتحقيق استقرار طويل الأمد في شمال شرقي سوريا».
وأردف أن «المهمة الأساسية للإدارة الذاتية هي القيام بمراجعة دقيقة لعملية إدارتها في كامل مناطقها من خلال تفاهمٍ وحوارٍ مع المجتمع المدني ومع الزعماء المحليين والفاعلين المحليين، كما أن على الإدارة الذاتية أن تعي أن الاعتماد على الخارج غير مضمون ولن يستمر. لذا، عليها تصويب العلاقة مع المجتمعات المحلية من خلال الحوار، وهذا يمكن أن يعطينا إدارة ذاتية تشاركية قليلة العيوب والرضا عنها عالٍ جداً»، لافتاً إلى «ضرورة تقوية الإدارة الذاتية علاقاتها مع إقليم كردستان العراق لكونه الشريان الأساسي لشمال شرقي سوريا».