ندوة حوارية للمركز الكردي للدراسات بعنوان: تأثيرات حرب غزة على سوريا

عقد المركز الكردي للدراسات في الرابع والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني ندوة حوارية بعنوان: تأثيرات حرب غزة على سوريا.
واستضافت الندوة التي أدارها الزميل شورش درويش والتي بثت على الصفحات الرسمية للمركز على مواقع التواصل الاجتماعي، الدكتور طه علي، وهو باحث مصري متخصص في شؤون الشرق الأوسط وسياسات الهوية والكاتب والصحافي السوري موفق نيربية.
وتمحورت الندوة حول تداعيات حرب غزة على سوريا وتحولها لساحة تصفية حسابات إقليمية، وانتشار عسكري كثيف للقوات الأميركية في منطقة الشرق الأوسط في ظل احتمالية اتساع رقعة الصدامات إلى سوريا، فضلاً عن موقف إيران ومساعي تركيا للاستفادة من الحرب للضغط على سوريا.
ورأى الدكتور طه علي أن الأزمة التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط حالياً هي جزء من أزمة عالمية يعيشها النظام العالمي خلال الفترة الأخيرة، وأن النظام الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط الذي يرجع تأسيسه لمائة عام من الآن طرأ عليه مستجدات تدفعه الآن نحو إجراء بعض التغيرات، مستنداً في ذلك على أن طبيعة النظم العالمية وعبر التاريخ تعرضت لعدد من التغيرات كل منها كان يدوم نحو قرن أو قرن وربع أو قرن ونيف.
واعتبر الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط وسياسات الهوية أن ما يحدث ما بين حركة حماس وإسرائيل ما هو إلا مرحلة لإعادة تشكل نظام جديد، ومركزه الشرق الأوسط، نتيجة بروز قوى فاعلة في المشهد تسعى إلى التغيير، ولأن حالتها قبل مائة عام ليست كما هي الآن، مثل إيران وتركيا اللتان تسعيان للحصول على مكان في الخريطة الإقليمية تزاحمهما إسرائيل الرافضة لعودة أي طرف. ولكنه في المقابل استبعد احتمالية انتقال شرارة الحرب إلى سوريا، قائلاً إن الحرب ترتبط بردود الأفعال والتزام إيران بسلسلة التحذيرات والرسائل التي بعثت لها واشنطن عن طريق وسطاء اقليميين في الأيام الأخيرة.
وأضاف الدكتور طه علي في هذا الصدد أن التزام إيران بهذه الرسائل سوف يحدد وتيرة تصاعد الأحداث على المستوى الاستراتيجي في المنطقة، مشيراً إلى أنه ليس من مصلحة النظام الإيراني توسيع نطاق الحرب لأنه سيكون في مقدمة المتضررين والخاسرين، لا سيما أنه يعاني من مشاكل داخلية وفي مقدمتها مشاكل اقتصادية، إضافة إلى بركان الهويات الذي يعيشه المجتمع الإيراني خلال الفترة الأخيرة والذي تم التعبير عنه في العديد من التظاهرات. ويضاف إلى كل هذا، بحسب الباحث المصري، أن النظام الإيراني لم يعد بالقوة التي كان عليه في فترة التسعينيات ومطلع الألفية قبل عشرة أعوام، فليس من مصلحته تسريع وتيرة الصدام مع قوى دولية ستحتشد جميعها ضده في حال اتسعت رقعة الحرب.
وعلى الجانب الآخر، لفت الدكتور طه علي النظر إلى أن اسرائيل تسعى أحياناً لاستفزاز إيران خاصة من خلال الضربات الاستباقية التي نفذتها في الأراضي السورية على مدار الشهر الأخير وضرب مطارات ومواقع تقول تل أبيب إنها قواعد عسكرية ومخازن أسلحة لأطراف تابعة لإيران.
وتطرق ضيفا الندوة لمسألة الحشود العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط بعد اندلاع الحرب بين حركة حماس وإسرائيل ودلالاتها، ففي الوقت التي كانت أميركا تستعد للخروج من الشرق الأوسط والتوجه نحو الشرق الأقصى، أعادتها حرب غزة مكرهة إلى المنطقة مرة أخرى لحماية إسرائيل من حرب إقليمية.
وفي هذا السياق، قال الدكتور طه علي أن ما حدث في السابع من أكتوبر/تشرين الأول كان بمثابة صدمة حقيقية في المشروع الأميركي في التوجه الأسيوي، كما أن ما يعرف بالربيع العربي كان أيضاَ حجر عثرة للمشروع الأميركي في الشرق الأوسط عبر قوى الإسلام السياسي ودولة إقليمية فاعلة مثل تركيا. واعتبر أن ما حدث في 2013 في مصر، كان السبب في هدم ذلك المشروع الأميركي، وكذلك ما حدث في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي (الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل) كان حجر عثرة لهذا المشروع. وعلى إثر ذلك، أرسلت واشنطن حشوداً شملت حاملة الطائرات التي ضمت قوات أميركية إلى المنطقة.
وتحدث الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط وسياسات الهوية عن تسريبات ذكرها له فلسطيني قريب من دوائر صنع القرار أثناء استعداده لإجراء مقابلة تلفزيونية، أن واشنطن علمت عن هجوم تستعد له عدة أطراف من بينها حزب الله في لبنان والحوثيين وميليشيات موالية لإيران ضد إسرائيل يهدف إلى توجيه ضربة قاصمة لتل أبيب وللتواجد العسكري الأميركي في الشرق الأوسط، وربما هذا ما يفسر كثافة واستجابة الحشود العسكرية الأميركية في المنطقة. وأضاف أن ما يعزز هذه الرواية، تصريحات بعض المسؤولين التابعين لحركة حماس في لبنان ومناطق أخرى بأنهم تعرضوا لخيانة من طهران، إذ كان هناك سقف من الطموحات وتطلعات لدى الحركة أن الهجوم في السابع من أكتوبر/تشرين الأول لن يكون حراكاً جزئياً إنما بمثابة يوم القيامة بالنسبة إلى الشرق الأوسط. ولفت إلى أنه إذا ثبت هذا التسريب، فإن حركة حماس تعرضت للخيانة. وزاد على كلامه أن هناك أزمة حقيقة بين الحركة وإيران على مستوى التنسيق. فالتصريحات الإيرانية التي تدعو للتهدئة أحياناً وللتصعيد أحياناً أخرى ليست كما كانت تتوقع الحركة.
واتفقت قراءة الكاتب الصحافي موفق نيربية مع سابقه أن ما حدث مؤخراً في غزة أعاد الولايات المتحدة وبقوة غير مسبوقة إلى الشرق الأوسط، بعدما كانت ترغب بالابتعاد عن هذه المنطقة والتوجه نحو الشرق الأقصى، مشيراً إلى أن هذه المسألة ستؤثر جداً على سوريا وعلى معادلات المنطقة في المرحلة المقبلة وبشكل مختلف عما كان يحدث سابقاً.
وقال نيربية إن هناك انعكاسات لحرب غزة على سوريا وعلى حالة النظام السوري، إذ ابتدأت بعض مظاهر تهتك النظام السوري بالتعبير عن نفسها أكثر من المراحل السابقة. ولكنه أشار أنه لا يمكن التنبؤ بما سيحدث مستقبلاً لأن الأمور لم تتضح بعد، مضيفاً أنه بالإمكان تلمس بعض النقاط من بينها أن روسيا أصبحت في حالة حذر في منطقة الشرق المتوسط أكثر من السابق، لا سيما أنها غير قادرة على الانغماس في معركة الشرق الأوسط بالحجم الذي تخوضه في أوكرانيا. كما أن إيران، ومن خلال خطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله الأخير، تتخذ موقف التحفظ لما يجري حالياً في غزة على الرغم من تورطها في كل ما يحدث، إذ تدفع الحوثيين والحشد الشعبي والميليشيات الموالية لها لقصف مواقع القوات الأميركية في سوريا والعراق.
وفسّر نيربية هذا التحفظ أن إيران تنتظر التغيرات على مستوى القيادة، لا سيما أن نجم المرشد الإيراني علي خامنئي على وشك الأفول وهناك حراك في إيران بهذا الاتجاه. ورأى أنه ليس من السهل أن تأفل القوة الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط، خاصة بعد انتشارها إلى هذا الحد وعلى أساس صلب قوي يعتمد على إيديولوجية دينية شيعية متعصبة متماسكة، وهي قادرة على الحياة لفترة لا بأس بها. وأوضح أن إيران انتقلت من مرحلة الهجوم إلى مرحلة الدفاع وتعزيز دفاعاتها ومكتسباتها السابقة، وأن هجومها ببضعة صواريخ من العراق باتجاه التنف أو من لبنان واليمن ما هو إلا إثبات لوجودها، فهي غير قادرة حالياً على الاستفادة من الأزمة الاسرائيلية على الأرض ولا من فورة جماعتها وما فعلته حركة حماس وجماعتها الجهادية الأخرى.
وأشار نيربية إلى أهمية تقييم الحالة التركية الحالية، إذا تسعى أنقرة للاستفادة من الجوانب السياسية لحرب غزة للضغط على سوريا، موضحاً أن الهجوم الأخيرة على قاعدة إنجرليك وآلية استقبال أنقرة لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ومحاولة التقليل من احترامه لم يكن سوى رسائل، إذ تريد تركيا فتح البازار، من قبيل الإذن بالتدخل وضرب شمال سوريا، والحصول على ضوء أخضر لشن هجوم على شمال شرق سوريا.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد