قدم المركز الكردي للدراسات برنامجاً حوارياّ باللغة الكردية على مواقعه في شبكات التواصل الاجتماعي للحديث عن الهجمات التركية التي تطال البنية التحتية في مناطق شمال شرق سوريا، والتي أسفرت عن تدمير وتخريب مئات المنشآت المدنية والمرافق العامة ومحطات الكهرباء والماء والوقود والجسور والطرق والمشافي، وأدت إلى استشهاد وجرح عشرات المواطنين الأبرياء.
واستضاف البرنامج، الذي قدمه الزميل طارق حمو، كل من الصحافي والكاتب الكردي فهيم إيشق ونواف خليل مدير المركز الكردي للدراسات، واللذيّن قدما، وعلى مدار ساعة كاملة، تحليلاً لخلفيات وأسباب ومجريات العدوان التركي الذي استهدف تخريب وتدمير البنية التحتية في مناطق شمال شرق سوريا.
وقدم الصحافي الكردي فهيم إيشق سرداً تاريخياً لسياسة الدولة التركية حيال الشعب الكردي منذ أكثر من مائة عام وإلى الوقت الحاضر، مركّزاً على عقيدة تركيا، كدولة ومؤسسات، في معاداة كل تمظهر كردي سواء كان سياسياً أو إدارياً أو حتى ثقافياً، وكيف أنه وبالاستناد إلى هذه العقلية المتجذرة والحاضرة دائماً، شنت الدولة التركية في الماضي حملات حرب وإبادة وقمع لكل الحركات والانتفاضات الكردية واختارت دائماً الحل الأمني والعسكري القمعي، رافضةً كل شكلٍ من أشكال الحوار والحل السياسي.
وأشار إيشق إلى بعض أوجه سياسة القمع والامحاء التركية حيال الشعب الكردي ووطنه كردستان، وقال بأن «تركيا لم تتغير، ولم تأخذ المتغيرات والتطورات في العالم بعين الاعتبار، بل هي ما تزال تراهن على الحرب، ولا تجد ضيراً في ممارسة إرهاب الدولة وارتكاب الابادات حيال الكرد إذا ما تطلب الأمر»، موضحاً بأن «المسؤولين الأتراك لا يخفون هذه السياسة، بل يؤكدون عليها في كل مناسبة من خلال رفضهم لأي ظهور إدارة كردية في أي جزء من أجزاء كردستان. ومن هنا، يأتي التعاون والدعم التركي لكل خصوم واعداء الهوية والحقوق الكردية، وهناك حوادث ومجريات تاريخية كثيرة تثبت تعاون تركيا ودعمها للأنظمة والمنظمات التي قمعت الكرد وشنت حملات الإبادة بحقهم».
وفي ما يخص حملة الحرب التركية على مناطق شمال شرق سوريا، قدم إيشق عرضاً زمنياً للموقف التركي المعادي للتغيير الديمقراطي في سوريا منذ عام 2011، مبيناً بأن تركيا كانت حليفاً للنظام السوري، وكانت تعتمد عليه في قمع الكرد. وبعد الاحتجاجات التي تحولت إلى التسليح والمواجهات بين المجموعات المسلحة والنظام في دمشق، خاصةً بعد عام 2015، بدأت تركيا تراهن على الجماعات المعارضة المسلحة في الهجوم على الشعب الكردي والإدارة الذاتية. وبدعم من تركيا، شنت هذه الجماعات المسلحة والجهادية الخارجة على القانون والقيم الانسانية هجماتٍ اسفرت عن تخريب المناطق الكردية وقتل وتهجير أهلها. كما دعمت الحكومة التركية منظماتٍ متطرفة وارهابية مثل «النصرة» و«داعش»، وسهّلت لمقاتليها المرور والتموقع لاستخدامها ضد الإدارة الذاتية وقواتها. وكل ذلك، جاء لمنع ظهور ادارة في شمال شرق سوريا قادرة على تأطير الكرد وغيرهم من المكونات في وحدة سياسية وإدارية وعسكرية مشتركة. وبعد فشل تلك السياسة في الرهان على الجماعات المسلحة، عمدت الدولة التركية إلى التدخل العسكري المباشر من خلال إطلاق حملاتٍ عسكرية احتلالية ضخمة في أعوام 2016 باحتلال جرابلس والباب وإعزاز و2018 باحتلال عفرين و2019 باحتلال تل أبيض ورأس العين. وها هي الآن تستخدم الحجج المختلفة لشن هجماتٍ واسعة النطاق تستهدف تخريب البينة التحتية ومصادر الحياة والعيش في مناطق الإدارة الذاتية، لنشر التخريب والفوضى ودفع المواطنين للهجرة، ومنح الجماعات المسلحة الفرصة لاعادة تأهيل وتنظيم صفوفها وشن الهجمات على تللك المناطق.
واختتم إيشق مداخلته بالتأكيد على «ضرورة توحيد القوى الكردية لمواقفها السياسية والعسكرية والتصدي سويةً للأخطار الوجودية التي تهدد الشعب الكردي»، موضحاُ بأن «الهدف يجب أن يكون هو رد عدوان الدولة التركية والعمل على تحرير المناطق المحتلة مثل عفرين ورأس العين وتل أبيض وكركوك»، ومشيراً إلى أن «لدى الكرد الحق في الدفاع المشروع عن النفس ورد الموت والابادة عن أنفسهم».
من جانبه، ركزّ نواف خليل على أهداف الدولة التركية الحقيقية من وراء الهجوم على البنية التحتية في مناطق شمال شرق سوريا وتدميرها، مشيراً إلى أن الحجج التي تقدمها الحكومة التركية «واهية ولا يصدقها أحد»، وأن المسؤولين الأتراك «لا يخفون الأهداف من وراء الهجمات المركزة على مصادر الحياة والمرافق المدنية، وهي تخريب المنطقة وازالة كل أسباب العيش فيها، ودفع الملايين من المواطنين فيها إلى الهجرة والرحيل».
وشدد خليل على «ضرورة فضح كل أكاذيب الحكومة التركية ونشر الحقائق حول السيناريوهات المفبركة التي أعتادت على تمريرها في الإعلام، مثل اتهام الإدارة الذاتية بالوقوف وراء بعض الهجمات التي تحدث في تركيا، مثل السيناريو الملفق حول هجوم ميدان تقسيم في 2022 والذي ثبت بأن لا علاقة للإدارة الذاتية به، وأن المنفذة كانت على علاقة بتنظيم داعش ولديها أخوة في ميليشيات الجيش الوطني».
وأوضح خليل أن الدولة التركية تقودها الآن «حكومة حرب تراهن على القمع والتخريب والابادة وترفض كل أشكال الحوار والتفاوض. وانطلاقاً من هذه الحقيقة، فإن كل الشعب الكردي وقواه السياسية مطالبة بالتوحد والتكاتف بغية إفشال حملات الحرب والاجتثاث التركية التي تطال كل أبناء الشعب الكردي في كل أجزاء كردستان وفي الخارج أيضاً»، مشيراً إلى «التدخل التركي الاحتلالي في جنوب كردستان (إقليم كردستان العراق) من خلال بناء القواعد العسكرية ومناصرة الميليشيات التركمانية ودعم الحكومة في بغداد لإبقاء كركوك خارج إقليم كردستان العراق، وفعل كل ما من شأنه إضعاف الحكومة في أربيل، ناهيك عن الهجمات العسكرية على قوات البيشمركة في السليمانية والاغتيالات والتصفية في كل من أربيل والسليمانية بحق الوطنيين الكرد من أبناء جنوب وشمال كردستان».
ودعا خليل إلى «موقفٍ أقوى وأكثر حزماً من حكومة إقليم كردستان حيال التدخل التركي في شؤون الإقليم والقصف اليومي للمناطق الآهلة»، مطالباً القوى السياسية هناك بـ«الدفاع عن المكتسبات والسيادة والمواطنين في وجه حملات التخريب والقتل التركية». ونوه إلى أن «حملات الحرب التركية مستمرة، وبشكل أكثر توحشاً، على مناطق حق الدفاع المشروع، إذ أن الدولة التركية تستخدم كل صنوف الأسلحة الحديثة، ومن بينها المحرّمة دولياً، للنيل من قوات الدفاع الشعبي الكردستاني، في إطار حملتها القمعية الشاملة على الكرد في شمال كردستان، والتي أسفرت كذلك عن اعتقال البرلمانيين الكرد ووضع اليد على البلديات الكردية واعتقال عشرات الآلاف من النشطاء والسياسيين الكرد».
وفي ختام مداخلته، دعا مدير المركز الكردي للدراسات أبناء الشعب الكردي في داخل وخارج كردستان إلى «التضامن مع الإدارة الذاتية في وجه العدوان التركي والدفاع عن حق مكونات منطقة شمال شرق سوريا بالعيش الحر بعيداً عن أجواء الحرب والكراهية والتخندق ضمن المحاور المتحاربة»، مشيراً إلى أن «المجتمع الدولي مطالب برفض حملات الحرب التركية والتنديد بالعدوان التركي والتحرك لوقفه ووضع حد له، والمساهمة في إعادة اعمار المنطقة وبناء البنية التحتية والمرافق المدنية التي دمرتها آلة الحرب التركية».