بعد حرب كاراباخ الأخيرة.. هل يقترب التطبيع التركي – الأرميني؟

 باريت كايا أوغلو

على الرغم من الدعم العلني للهجوم الأذربيجاني الأخير، الذي استغرق 24 ساعة على الأجزاء التي تسيطر عليها أرمينيا من كاراباخ، فإن مصالح تركيا طويلة المدى وحكومة الرئيس رجب طيب أردوغان تعمل ربما على تطوير نهج أكثر إيجابية تجاه أرمينيا. تهتم انقرة بإقامة علاقات دبلوماسية مع أرمينيا وفتح طرق تجارية مباشرة إلى أذربيجان وغيرها من الجمهوريات التركية في آسيا الوسطى والحد من النفوذ الغربي والروسي في جنوب القوقاز من خلال موطئ قدم لها في المنطقة. تعزز علاقات تركيا مع أرمينيا من مكانتها العالمية، فيما تصف المصادر التركية التي تحدثت إلى موقع «المونيتور» شرط عدم الكشف عن هويتها التطبيع المستمر بأنه «فرصة تاريخية لا تتكرر إلا مرة واحدة في العمر».

تطبيع العلاقات التركية – الأرمينية

يعتبر التطبيع مع تركيا واحدة من أجندات رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان ورغبته في نقل أرمينيا من دائرة النفوذ الروسي إلى الغربي. في المقابل، ترى حكومة أردوغان أن تحسين العلاقات مع أرمينيا لا يقل أهمية عن دعم احتياجات أذربيجان  – التي ربما تكون أقرب حليف إقليمي لتركيا – بالإضافة إلى مصالحها الجيوسياسية الخاصة. من جهةٍ ثانية، تتمثل المصلحة الجيوسياسية الأخرى لأنقرة في إنشاء ما يسمى «ممر زانغيزور» الذي من شأنه أن يربط البر الرئيسي لأذربيجان بمنطقة ناختشيفان، وهو منطقة غير ساحلية بين أرمينيا وتركيا وإيران.

«ممر زانغيزور» هدف أساسي 

يعتبر زنغيزور طريقاً برياً أقصر وأكثر أمانًا من تركيا إلى أذربيجان، حيث تسعى الحكومة التركية إلى تعميق علاقاتها التجارية والسياسية مع أذربيجان وجمهوريات آسيا الوسطى التركية، وفي الوقت ذاته تحاول كل من أنقرة وباكو إقناع أرمينيا بفتح الممر. وقد تريد أنقرة أيضاً في التعامل والتطبيع مع أرمينيا الحد من التدخل الروسي والإيراني وحتى الغربي في جنوب القوقاز. تستغل أنقرة الحرب الروسية في أوكرانيا والتي أدت إلى الحد من نفوذها (في القوقاز). لكن إيران، أثناء وبعد حرب 2020 بين أذربيجان وأرمينيا، والتي أسفرت عن استعادة باكو لمناطق ناغورنو كاراباخ التي تحت سيطرة أرمينيا، وقفت إلى جانب أرمينيا خوفا من أن تؤدي أذربيجان القوية إلى إثارة المشاعر الانفصالية بين الأقلية الأذرية في البلاد.

بدورها، عارضت طهران مشروع ممر زانغيزور، خشية أن تؤدي إلى إغلاق روابط طهران البرية مع روسيا عبر أرمينيا وجورجيا. ومن المرجح أن تعمل أنقرة على تحسين الصفقة من خلال توفير وصول لوجستي موسّع لإيران عبر أرمينيا وأذربيجان. وفي وقتٍ سابق من هذا الأسبوع، قال أردوغان إن إيران ترسل الآن رسائل «إيجابية» بشأن خطط الممر.

في هذا الصدد، لا تريد تركيا أن تحصل فرنسا أو الولايات المتحدة على مكانة بارزة في النزاع بين أرمينيا وأذربيجان. وحتى حرب 2020، كانت فرنسا والولايات المتحدة عضوين فيما يسمى «مجموعة مينسك» التي تم تشكيلها للتوسط في حل نزاع ناغورنو كاراباخ. ومع ذلك، كان يُنظر إلى كلا الدولتين الغربيتين على أنهما تفضلان يريفان بسبب العدد الكبير من مواطنيها من أصل أرمني. انتصار أذربيجان في عام 2020 يعني في الوقت ذاته أن دورهما لم يعد ضرورياً.

ترغب أنقرة في الحد من تواجد واشنطن في القوقاز بسبب العمل العسكري الأميركي في العراق وسوريا المجاورين والذي أدى إلى تفاقم التوقعات الأمنية لأنقرة. كذلك، تريد تركيا إبقاء حليفتها في «الناتو»على مسافة بعيدة حتى تتجنب التحركات المضادة من روسيا وإيران، ما يعقد الخطط التركية تجاه جنوب القوقاز وآسيا الوسطى.

جهود لتحقيق التطبيع

منذ عام 2021، بدأ أردوغان المفاوضات مع باشينيان من خلال أحد أكثر مسؤولي السياسة الخارجية الموثوق بهم، وهو سردار كيليج، وهو دبلوماسي محترف كان منصبه السابق سفيراً لأنقرة لدى الولايات المتحدة. دعا أردوغان باشينيان لحضور حفل أداء اليمين في يونيو/حزيران الماضي، في سابقة هي الأولى بالنسبة لرئيس تركي، وأجرى مكالمة هاتفية معه في 11 سبتمبر/أيلول، واستمر تواصل أنقرة مع يريفان منذ حرب كاراباخ الأخيرة. وقبل أيام، أجرى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ونظيره الأرميني أرارات ميرزويان محادثة هاتفية.

حتى أن أحد المصادر قام برسم صورة أقرب إلى الخيال حول كيفية «بيع السلام التركي الأذربيجاني الأرميني لمواطني الدول الثلاث»، حينما «سينضم أردوغان إلى باشينيان والرئيس الأذربيجاني إلهام علييف بالقرب من جبل أرارات أو أي موقع آخر ذي أهمية تاريخية وثقافية ويتبادل الثلاثة الاحتضان، في إشارة للعالم إلى أنهم يتركون ماضي بلادهم المتوتر وراءهم».

لدى كلا الجانبين مظالم تاريخية مشروعة في النزاع بين أرمينيا وأذربيجان. خلال الحرب العالمية الأولى، تم ترحيل أو قتل مئات الآلاف من المواطنين الأرمن في الإمبراطورية العثمانية. واعتنق العديد من الأشخاص الآخرين الإسلام لإنقاذ حياتهم في حادثة تُعرف باسم «الكارثة الكبرى»، والتي يعتبرها العديد من العلماء، فضلاً عن الولايات المتحدة والعديد من القوى الأوروبية الأخرى، إبادة جماعية.

ومع ذلك، ترى تركيا أن عمليات الترحيل والقتل هي نتيجة مؤسفة لدعم الأرمن لجيوش الإمبراطورية الروسية خلال الحرب. وكان جمر تلك الذكريات المؤلمة هو الذي أشعل صراع كاراباخ في التسعينيات. كانت المنطقة تتمتع بالحكم الذاتي داخل أذربيجان خلال العهد السوفييتي، لكن معظم سكانها كانوا من الأرمن. بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، سيطرت القوات الأرمينية على كاراباخ وكذلك على الأراضي الأذربيجانية المحيطة بها وأنشأت إدارة انفصالية.

لكن أذربيجان استعادت معظم أراضيها من أرمينيا في خريف 2020، بما في ذلك أجزاء من كاراباخ. وعلى الرغم من إرسال قوات حفظ السلام الروسية كجزء من اتفاق وقف إطلاق النار الموقّع في 2020، فشلت المفاوضات بين باكو ويريفان في التوصل إلى معاهدة سلام دائمة أو حل وضع الإدارة الأرمينية في كاراباخ. وهكذا، نفذت أذربيجان العملية التي استمرت يوماً واحداً، والتي أدت إلى نزوح جماعي للسكان الأرمن في المنطقة.

المصدر:المونيتور

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد