“بريكس+”.. انقسام مبكر إلى كتلتين

المركز الكردي للدراسات

خلال انعقاد قمة مجموعة «بريكس» في جنوب أفريقيا الأسبوع الماضي، أطلق بعض زعماء المجموعة التي أصبحت تعرف باسم «بريكس+» بعد انضمام ست دول جديدة إليها تصريحات سياسية تتحدى «الهيمنة الأميركية» و«الدولار الأميركي».
في اليوم التالي من نهاية قمة جوهانسبرغ، عقد وزير التجارة والصناعة الهندي بيوش جويال وممثلة التجارة للولايات المتحدة كاثرين تاي فى نيودلهى اجتماعاً بهدف تعزيز التجارة والاستثمارات بين الدولتين. وبحسب تعبير الوزير الهندي: «ناقشنا قضايا ثنائية رئيسية ذات اهتمام مشترك واستكشفنا سبلاً من أجل مزيد من الزخم للشراكة الهندية- الأمريكية عبر تعزيز التجارة والاستثمارات».
والهند عضو مؤسس في مجموعة «بريكس+» والدولة الثالثة من حيث الأهمية بعد الصين وروسيا في هذه المجموعة.
إن مثال النشاط الهندي على أكثر من مسار تجاري يقسم «بريكس+» مبكراً إلى تكتلين، الأول تتزعمه الهند الساعية إلى المزيد من الفوائد التجارية من كل الأطراف وترتبط بعلاقات سياسية متينة مع الولايات المتحدة وذات علاقات فاترة ومتوترة ببعض أعضاء «بريكس+» مثل الصين جراء الخلافات الحدودية والتنافس على النفوذ في المحيطين الهندي والهادي. ومن المرجح أن تتموضع الإمارات ومصر وإثيوبيا والأرجنتين، وهي من الدول الأربع الجديدة المنضمة إلى «بريكس+» إلى جانب التيار التجاري في المجموعة. وتعد السعودية، والبرازيل تحت قيادة لولا دا سيلفا أقرب إلى هذا التكتل الذي ترتبط دوله بعلاقات سياسية وتجارية وأمنية قوية مع الغرب، وتسعى في الوقت نفسه إلى الاستفادة من الفرص الواعدة الجديدة في «بريكس+» بما في ذلك التعاملات المالية بالعملات الوطنية بعيداً من الدولار طالما كان ذلك يصب في صالح جني المزيد من الأموال. وسيسعى بعض أعضاء هذا التكتل إلى استخدام هذه العضوية للمساومة مع الغرب لتخفيف الضغوط السياسية والحقوقية عليهم.
أما التكتل الثاني، فيضم الصين وروسيا وإيران، وهي الدول الثلاث التي تبحث من وراء «بريكس+» وضع قواعد جديدة للنظام العالمي أو على الأقل إدارة الجزء الخاص بهم من هذا النظام العالمية بما يتوافق مع سياساتهم، والتخلص من أثر العقوبات المالية الضخمة المفروضة على موسكو وطهران.
وفي نظرة على تصريحات الدولة المنضمة إلى المجموعة، يلاحظ بوضوح ملامح دول «التكتل التجاري» في المجموعة. وقال رئيس وزراء إثيوبيا أبي أحمد إن أديس أبابا تهدف إلى أن تصبح مركزاً للتواصل في القارة الأفريقية ويمكنها أن تربط المجموعة بأسواق شرق أفريقيا.
وفي مصر، حدد مجلس الوزراء ما تطمح إليه القاهرة من الفوز بعضوية التكتل. فجاء في بيان صدر بعد الانضمام إن «استهداف بريكس تقليل التعاملات البينية بالدولار الأميركي سيخفف من الضغط على النقد الأجنبي في مصر. علاوة على أن وجود مصر كدولة عضو ببنك التنمية التابع لتكتل البريكس سيمنح فرصاً للحصول على تمويلات ميسرة لمشروعاتها التنموية».
وفي إفادة لوكالة «رويترز»، قال تشارلز روبرتسون، من شركة «إف.أي.إم بارتنرز» إن «الحصول على تمويل منخفض التكلفة من بنك التنمية الجديد سيساعد مصر وإن من المنطقي التقارب مع الصين التي تعد مصدراً محتملا للاستثمار الأجنبي الضخم المباشر في الصناعة المصرية، كما أن مصر لديها احتياجان ملحان وهما الحصول على استثمار أجنبي مباشر وديون أقل كلفة وقد تساهم عضوية بريكس في تحقيق كليهما».
بشكل عام، توجهات التكتل التجاري مختلفة عن خطابات التحدي السياسي الذي كان يقتصر على روسيا، وبدرجة أقل الصين، وانضمت الآن إيران إلى هذا التيار. فقد أعلن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي على الفور بعد الانضمام أن طهران تدعم جهود تكتل الاقتصادات الناشئة للابتعاد عن الاعتماد على الدولار، وأن انضمام إيران سيعزز معارضة المجموعة للهيمنة الأميركية.
وتتناقض تصريحات فلاديمير بوتين وإبراهيم رئيسي عن الهيمنة الغربية وطموحات «بريكس+» في النظام العالمي، مع تصريحات الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا الذي قال في كلمة على وسائل التواصل الاجتماعي أثناء وجوده في القمة إنه لا يراد بالمجموعة أن تكون «ثقلاً موازناً لمجموعة السبع أو مجموعة العشرين أو الولايات المتحدة».

الموقف الأميركي

قلل المسؤولون الأميركيون من احتمال أن تشكل المجموعة منافساً جيوسياسياً. وفي مؤتمر صحافي بالبيت الأبيض، الأسبوع الماضي، قال مستشار الأمن القومي جيك سوليفان إن بلاده تستبعد تحول المجموعة إلى منافس جيوسياسي لها أو لأي بلد آخر، مضيفا أن «هذه مجموعة متنوعة من الدول لديها اختلاف في وجهات النظر بشأن القضايا الحاسمة». وكررت واشنطن التقليل من شأن خطط المجموعة لتوسيع العضوية. وقال ناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية إن «الولايات المتحدة تكرر التعبير عن قناعتها بأن للدول خيار الشركاء والتجمعات التي ترتبط بها». وأضاف: «سنواصل العمل مع شركائنا وحلفائنا في إطار ثنائي، إقليمي، ومتعدد الطرف لتعزيز ازدهارنا المشترك وتعزيز السلام العالمي والأمن».

مزايا اقتصادية وسياسية

في المحصلة، يمكن أن يمثل توسع المجموعة شريان حياة لكل من إيران والأرجنتين. لكن مستثمرين ومحللين يقولون إن تحقيق مزايا اقتصادية كبيرة للدول الأعضاء ليس في حكم المؤكد. ووفق تقرير لوكالة «رويترز»، تشكل الدول الجديدة خليطاً يشمل السعودية والإمارات، وهما دولتان غنيتان بالنفط، والأرجنتين التي تعاني من ارتفاع معدلات التضخم وتشتد الحاجة فيها إلى الاستثمار الأجنبي، وإيران التي تعيش في عزلة بسبب العقوبات الغربية، وإثيوبيا التي تتعافى من حرب أهلية، ومصر التي تواجه أزمة اقتصادية. ويقول ياكوب إيكهولت كريستنسن، المحلل الاستراتيجي البارز في «بنك إنفيست» في كوبنهاغن: «ستستفيد الصين والبرازيل والهند فيما يتعلق بسهولة الوصول إلى النفط، وستستفيد الأرجنتين، وبدرجة أكبر إيران، فيما يتعلق بالوصول إلى الأسواق والاستثمارات الأجنبية المباشرة».
لكن يفترض هذا أنهم لن يشهدوا تدفقات رأس مال على أي حال من دول «بريكس» الأكثر ثراء وأن أي رأس مال يتم تقديمه عبر مؤسسة في إطار التكتل لا يعرض للخطر رأس المال المستمد من مصادر أخرى متعددة وثنائية الأطراف.
على سبيل المثال، فإن قرضاً من «بريكس» للأرجنتين قد يتعارض مع أموال الإنقاذ التي تتلقاها من صندوق النقد الدولي الذي يملك أموالاً أكثر.
لكن من المرجح أن يعني التوسع مزيداً من الخلافات في المجموعة التي تجد صعوبة بالفعل في اتخاذ القرارات بسبب الحاجة إلى توافق الآراء. وتعثر مجرد إعلان مشترك يخص التوسعة في مفاوضات مضنية بشأن معايير قبول الأعضاء الجدد.
وقال باتريك لوكوسا، المتخصص في التعاون الدولي بجامعة «ويتواترسراند» في جوهانسبرج: «ستكون هناك بالتأكيد مشكلة إذا فعلوا كل شيء بتوافق الآراء. يتعين تغيير النموذج إلى تصويت الأغلبية».
وأضاف في تقرير آخر لـ«رويترز»: «توجد بالفعل اختلافات بين الدول الخمس على العملة المشتركة. ماذا يحدث لو أصبح لدينا عشر دول أخرى؟».
وكما تكشف المناقشات المحمومة أحياناً في مجموعة الدول السبع التي تمثل أغنى الدول الليبرالية في العالم، فإن بناء التماسك في حالة «بريكس+» يتطلب أكثر من مجرد المال. ومن السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت «بريكس+» ستتخذ شكل تحالف، إذ أنه لا يوجد توافق في تصويت أعضاء «بريكس» الحاليين في الأمم المتحدة في كثير من الأحيان.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد