فهيم تاشتيكين
– تركز مصادر المعارضة السورية ووسائل إعلام تركية منذ مدة على سيناريو يصوّر صداما في سوريا بين الجماعات (المسلّحة) المدعومة من تركيا والجماعات المدعومة من إيران.
– قد ترد روسيا على التقارب التركي-الأمريكي.
– قد تعاود روسيا الغاضبة من الكرد لشراكتهم مع الولايات المتحدة ومقاومتهم للضغوط من أجل الاتفاق مع الأسد وفق شروط دمشق، المشاركة العملية مع الإدارة الذاتية.
تجد سوريا نفسها مجدّداً على أعتاب إحدى المعادلات الغريبة التي فرضتها الحرب بالوكالة. تركز الخطة الأميركية الجديدة على قطع إمداد الأسلحة الإيراني. الهدف هو انشاء جيش من العناصر العربية وتوزيعه على طول الخط الممتد من دير الزور إلى قاعدة التنف على الحدود الأردنية، وبالتالي منع إيران من استخدام معبر البو كمال- القائم على الحدود العراقية-السورية. دأبت الولايات المتحدة على مدى سنوات على دعم ميليشيا «مغاوير الثورة» التابعة لـ«الجيش السوري الحر» في قاعدة التنف، فيما يخضع الجزء الشمالي من دير الزور لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من قبلها. بالنسبة لدير الزور، فإن المكونات العربية داخل قوات سوريا الديمقراطية هي البارزة فيها.
في البحث ضمن الهدف الأميركي المعلن، يتم تصوّر العديد من السيناريوهات. يتصوّر أحد هذه السيناريوهات خلافاً بين قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الكرد والولايات المتحدة. ويتوقّع آخر تشكيل وحدات جديدة من القبائل العربية على محور دير الزور – الرقة والتقائها مع قوات سوريا الديمقراطية في عمليات مشتركة. بينما يذكر سيناريو ثالث وضع مكونات «الجيش الوطني السوري»، التي احتارت تركيا في ايجاد وسائل لإدراتها، تحت تصرف الولايات المتحدة.
أثارت صحيفة «الأخبار» اللبنانية وقناة الميادين شائعات عن خلاف بين قوات سوريا الديمقراطية والولايات المتّحدة من خلال أخبارهما التي بدت وكأنها مستقاة من نفس المصدر. تزعم هاتان الوسيلتان، المقرّبتان من المحور الإيراني-السوري، أن قوات سوريا الديمقراطية تشعر بخيبة أمل متزايدة من الولايات المتحدة لعدم إدانة الأخيرة الهجمات التركية المتصاعدة. وأرجع المصدر الذي أبلغ «الأخبار» و «الميادين» اتساع الفجوة إلى ثلاثة عوامل:
– بينما يواصل البعض داخل قوات سوريا الديمقراطية اعتبار واشنطن شريكاً دائماً، ترغب الولايات المتحدة بتقييد مشاركتها مع الكرد لكي لا تزيد من إثارة غضب تركيا.
– الولايات المتحدة لا تساند خطة قوات سوريا الديمقراطية لتحقيق هدفها المتمثل في تقرير المصير والحكم الذاتي في شمال سوريا. (لذا فإن الشراكة ضد تنظيم داعش لم تحقق اعترافاً سياسياً).
– خطة الولايات المتحدة لتشكيل تحالفات جديدة مع القبائل العربية في المنطقة مرفوضة من قبل قوات سوريا الديمقراطية. وترى قوات سوريا الديمقراطية أن هذا يمثل تهديداً للهوية الكردية.
وتعزز كل من «الأخبار» و «الميادين» ادعاءاتها بالإشارة إلى عدة أحداث:
– التمرد الذي قام به قائد مجلس دير الزور العسكري الذي أنشأته الولايات المتحدة قد تم بفضل دعم واشنطن، وأنه لولا دعمها الضمني لما كان قائد مجلس دير الزور العسكري أبو خولة تجرأ على العصيان ضد قوات سوريا الديمقراطية.
– أثارت الخارجية الأميركية غضب الكرد ببيانها حول الخطة التركية لإعادة توطين مليون لاجئ في عفرين والذي جاء فيه «لا نرى نية تركية لإحداث تغيير ديموغرافي في عفرين». وصف بدران جيا كرد، الرئيس المشارك لإدارة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا، البيان الأميركي بأنه «خاطئ وغير عادل ومتناقض مع الحقائق ويعمل على خلق المزيد من الفوضى». كما دعا واشنطن إلى تبني موقف من شأنه ردع تركيا.
– أيضاً يتم انتقاد موقف الولايات المتحدة غير الرادع لهجمات تركيا المتزايدة بالمسيّرات. في 3 أغسطس/آب، قتلت تركيا أربعة عناصر من قوات سوريا الديمقراطية بهجوم عبر طائرة من دون طيّار. بعد الهجوم، طالب بدران جيا كرد «التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لاتّخاذ موقف واضح ضد استهداف شعبنا ومقاتلينا».
كما قال الرئيس المشارك لحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) صالح مسلم لـ«المونيتور»: «يقول حلفاؤنا في التحالف إنه لا يوجد ما يمكنهم فعله لوقف هجمات تركيا. صمتهم ليس شيئاً جديداً ولا نعرف ما يدور خلف الأبواب المغلقة».
سيناريو قتال الجماعات المدعومة من تركيا ضد تلك المدعومة من إيران بات يتكرر في كل من مصادر المعارضة السورية ووسائل الإعلام التركية منذ فترة. مؤخّراً، أدّعى المرصد السوري لحقوق الإنسان أنه سيتم نشر عناصر من «الجيش الوطني السوري» في قاعدة التنف لمحاربة الميليشيات المدعومة من إيران والسيطرة على الحدود السورية العراقية.و في هذا السياق، ذكر المرصد عن بدء مجموعات من الجيش الوطني السوري بتجنيد رجال بعقود لمدة ستة أشهر مقابل مئات الدولارات. ستقوم الاستخبارات التركية أيضاً بإعداد هؤلاء الأشخاص جسدياً ونفسيًا من أجل أداء المهمّة.
كما زعم المرصد السوري لحقوق الإنسان أن الميليشيات التي تم تدريبها في التنف تم نقلها في مجموعات مكّونة من 15 عنصراً إلى شرق الفرات حيث مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، تمهيداً لزجّهم في معارك ضد الميليشيات المدعومة من إيران على خط دير الزور – الميادين – البو كمال.
وتعزو وسائل الإعلام التغير في مواقف أنقرة الميدانية إلى اختراقات تركيا في قمة حلف الناتو الأخيرة المنعقدة في فيلنيوس، زاعمة أنّه غداة القمة زار وفدٌ أميركي أنقرة لاقناعها بقبول مقترح نقل عناصر «الجيش الوطني» إلى خط الفرات. كما يُزعم أن الولايات المتحدة سترسل 2500 جندي إلى شمال سوريا. وبالتوازي مع ذلك، ستركّز 3000 مقاتل من المعارضة على محور دير الزور-التنق مقابل انسحاب قوات سوريا الديمقراطية إلى شرقي الفرات، وتوطين ثلاثة ملايين لاجئ في المناطق التي سيتم إخلاؤها. وبهذه الطريقة، ستغلق الولايات المتحدة ممر السلاح والميليشيات الممتد من طهران إلى سوريا ولبنان.
غطت أكثر من صحيفة هذا السيناريو الذي لم تظهر واقعيّته على الأرض. بالنظر إلى وسائل الإعلام التركية، فإن ميليشيا «الجيش الوطني السوري» تنتظر هذه المهمة بفارغ الصبر. وهي تعمل كل ما تطلبه تركيا. المهم توفّر الدولارات الخضراء!
بالتوازي مع هذه المزاعم، غزّت الصحف الموالية في تركيا ادّعاءات قيام إيران بنشر التشيع سوريا كنوع من التحضير النفسي لهذا السناريو. هذا موضوع تحبه الصحف العربية التي تمولها السعودية مثل «الشرق الأوسط» وتغذيه على مدى الأعوام الماضية، على الرغم من عدم ثبات فاعليّته.
تشهد المنطقة في الوقت ذاته احتكاكات بين القوات الأميركية والروسية. ومن غير الواضح اذا كان لهذه الاحتكاكات علاقة بخطط دير الزور – التنف الأميركية. يتهم الطرفان بعضهما البعض بانتهاك اتفاقية 2015 لتجنب النزاعات في الجو. ولكن بصرف النظر عن الهجمات المتكررة بين الميليشيات المدعومة من إيران والقوات الأميركية، لا أحد يتوقع صراعاً وشيكاً في سوريا. ورأت مصادر تحدثت لصحيفة «الوطن»، التي تعكس موقف الحكومة السورية، أن التحصينات العسكرية على خط الفرات تهدف إلى منع نشوب صراعٍ شامل على الأرض. كما تتنبأ الصحيفة بأن عملية إغلاق الحدود تتطلب تعبئة جادة، بما في ذلك تدريب آلاف المليشيات من العناصر العربية، وأن مثل هذه الخطة ستستغرق وقتاً، وأن الكرد والعرب لن يتّفقوا بشأن هذه القضية. يتفق الصحافي السوري سركيس قصارجيان، الذي تبادلت معه الآراء، أيضاً مع هذه النتائج، مشيراً إلى أن فرص نجاح الخطة الأميركية ضعيفة، ويذكّر بأن الكرد لا يرغبون مواجهة الجيش السوري وإيران.
قال صالح مسلم، رداً على أسئلتي، إن قوات سوريا الديمقراطية خارج الخطط الأميركية لتنظيم العرب وإنشاء مجلس عسكري منفصل لدير الزور والرقة. «نحن حذرون» من احتمال التأثير سلباً على العلاقات بين قوات سوريا الديمقراطية والعرب. ويؤكد مسلم النتائج التي توصل إليها أنه «من الصعب على الأكراد المشاركة في مثل هذه الخطة» ، وأن «قوات سوريا الديمقراطية لن تشارك في خطة لإغلاق حدود إلبوكمال» ، وأنها «تستثني الخيارات التي قد تتطلب من الكرد الاشتباك مع الجيش السوري أو مع العشائر العربية» . لكن مسلم رفض الادعاء بأن العلاقات مع الولايات المتحدة متوترة بناء على هذه النقاط، قائلاً: «لقد بالغوا في بعض الكلمات. هذا ليس صحيحا. العلاقات هي نفسها كما كانت سابقاً» .
بغض النظر عن مدى صحّتها، فإن المخططات الأميركية التي تم تداولها في وسائل الإعلام الموالية في تركيا تشير أيضاً إلى شيء واحد: أدرك الرئيس رجب طيب أردوغان أنه لا يستطيع مقابلة الرئيس السوري بشار الأسد على طاولة أصبح الوجود العسكري التركي فيها خطا أحمراً. بالإضافة إلى ذلك، خفف التوترات مع الحلفاء الغربيين في فيلنيوس. مع هذه التطورات، مال إلى العودة إلى المخططات الأميركية في سوريا. تذكرنا هذه المناورة بطلبه من الولايات المتحدة لاتخاذ «الجيش السوري الحر كشريك، بدلاً من وحدات حماية الشعب» في عام 2015. بطريقة ما، يريد القول بأن «الجيش الوطني السوري» تحت تصرفكم ضد الميليشيات المدعومة من إيران.
لم يتبن الأسد نهج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتأجيل انسحاب القوات التركية. في الواقع، وفقًا للمصادر في دمشق، تعرّض الأسد لضغوطٍ من بوتين. كان موازنة هذا الضغط هو دعم إيران للأسد. استخدم الأسد عبارات قاسية وواضحة في مقابلته التي نُشرت على قناة «سكاي نيوز» مؤخراً: «لن ألتقي بأردوغان بالشروط التي يعرضها.. هدف أردوغان من رغبته في مقابلتي هو إضفاء الشرعية على الاحتلال التركي في سوريا.. الإرهاب في سوريا منتج تركي.. التحدي الأكبر لعودة اللاجئين هو البنية التحتية التي دمرها الإرهاب».
لطالما عكست هذه الكلمات المكانة الرسمية لدمشق. على الرغم من وجود بعض الكلمات المهدئة من وقت لآخر ، لم يتغير شيء في المحور الأساسي من الأمس إلى اليوم. إذا وافق أردوغان فعلياً على إرسال الجيش الوطني السوري إلى التنف، فإن ذلك يعني الرد على طهران واللعب بالورقة الأمريكية في وجه دمشق، وفي الوقت ذاته تقويض الشراكة الكردية-العربية وخلق انقسامات بين الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية. في المقابل قد لا تترك روسيا الغاضبة من الكرد بسبب شراكتهم مع الولايات المتحدة ورفضهم الاتفاق مع إدارة الأسد بظروف دمشق، التقارب التركي الأمريكي دون رد ، وقد تعيد روسيا التعامل مع الإدارة الذاتية.