اللقاء الرباعي في موسكو: لقاء ربع الساعة الأخير

المركز الكردي للدراسات

قبل أربعة أيام فقط على موعد الانتخابات التركية الحاسمة اجتمع وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران وسوريا في موسكو للمرة الأولى منذ قرابة 12 عاماً. كانت الاجتماعات السابقة  على مستوى وزراء الدفاع ورؤساء أجهزة الاستخبارات، فيما حصل اجتماع ثالث جمع نواب وزراء الخارجية للدول الأربع، أما ظروف وتوقيت اللقاء الرابع ورفع مستوى تمثيله إلى وزراء خارجية الدول الأربع، يشير إلى الوظيفة السياسية المرجوّة من هذا اللقاء أكثر من الدور الفعلي المرجوّ منه والمتمثّل بالوصول إلى تطبيع وسلام دافئ بين أنقرة ودمشق.

يبدو أن الغاية من اللقاء الأخير، الذي جاء في غمرة المنافسة الانتخابية التركية، هو تدعيم موقف الرئيس التركي أردوغان الانتخابي قبل موعد التصويت، كما أن رعاية موسكو لهذا المسار يكشف عن رغبة روسية في تقديم العون لأردوغان حتى وإن تعارض ذلك مع مصالح دمشق، التي كانت تفضّل المضي في طريق المفاوضات مع الحكومة التركية المقبلة سواء أفازت المعارضة أم بقيت الحكومة في السلطة، بمعنى أن تفضيلات دمشق كانت متمثلة في التريث إلى حين انقشاع الضباب من المشهد التركي.

ماذا عن موقف دمشق قبل موعد الانتخابات؟

طيلة الفترة الماضية، ومنذ أن شرعت موسكو في تيسير لقاءات أنقرة ودمشق نهاية العام الفائت، كانت دمشق تتطلّع إلى إرجاء اللقاءات ذات الطابع الدبلوماسي إلى ما بعد يوم 14 مايو/أيار الحالي، موعد الانتخابات التركية؛ فعلى ضوء هذه الانتخابات سيقرر النظام السوري أي السبل يمكنه أن يسلكها فيما خص التطبيع. وفي وقت سابق أبدى أردوغان، استعداده لقاء الأسد شخصياً، غير أن الأخير صرح أواسط آذار/مارس الماضي أن لا جدوى من هكذا لقاء حتى تنهي تركيا احتلالها غير الشرعي، وتتوقف عن دعم الإرهاب.

أرادت موسكو عبر الضغط على دمشق تجسير الهوّة بين أنقرة ودمشق، إذ يؤمّن حل بعض المشكلات بينهما جملة منافع لأردوغان وهو ما تسعى إليه موسكو قبيل الانتخابات التركية. ومن جملة ما تسعى إليه حكومة أردوغان تأتي مسألة طمأنة جموع الناخبين الأتراك إلى مصير  اللاجئين السوريين في المقام الأوّل، فقد سعى أردوغان للقاء الأسد لأجل إقناع الأتراك الغاضبين من مسألة استضافة السوريين المفتوحة، بالتالي سحب ورقة اللاجئين من يد المعارضة، الأمر الذي دفع موسكو إلى تقديم هذه الخدمة لأنقرة، ذلك أن بقاء أردوغان في السلطة مفيد لروسيا أكثر من وصول حكومة جديدة ذات هوى غربيّ- أطلسي، كما أن  العلاقات فوق العادية والمصالح والمنافع الاقتصادية المتبادلة قد يلحقها الضرر حال وصول المعارضة لحكم البلاد. فدرجة الصداقة بين أردوغان وبوتين وتنامي دور روسيا داخل تركيا جعلتها لاعباً مؤثّراً، في الانتخابات التركية ولعل تغريدة مرشح الرئاسة كمال كليجدار أوغلو، الخميس الفائت، التي اتهم فيها الروس بالوقوف وراء نشر فيديوهات مزيّفة تستهدف معارضي أردوغان، مهدداً بالقول “إذا كنتم ترغبون في استمرار صداقتنا بعد 15 مايو ، ارفعوا أيديكم عن الدولة التركية. ما زلنا نؤيد التعاون والصداقة”.

 غير أن مصلحة روسيا في بقاء أردوغان تصطدم بمصالح النظام السوري الذي أبدى تمنّعاً متواصلاً مبنياً على اشتراطات لا يمكن للحكومة التركية الموافقة عليها في الوقت الضيّق الذي يسبق الانتخابات، فالوساطة الروسية التي بدأت منذ نهاية العام الفائت جهدت لتقريب وجهات النظر بين الطرفين، فيما أصرت دمشق على ألّا تكون طرفاً في الصراع الانتخابي التركي وسبباً في إكساب أردوغان نقاطاً إضافية في مواجهته المعارضة لاسيما حزب الشعب الجمهوري الذي لم تنقطع علاقاته الدبلوماسية بالأسد طيلة أعوام الأزمة السورية.

يبدو أن ضغوطاً فعلية مورست على دمشق للقبول بموعد اللقاء ورفع مستوى التمثيل إلى مستوى وزراء الخارجية، رغم تكرار الأسد في مناسبات صحفية عدة عدم جدوى اللقاءات ما لم تفضي إلى انسحاب عاجل للقوات التركية وتوقف أنقرة من دعم المعارضة المسلحة “الإرهاب”.

لا جديد قدمه اللقاء الأخير

خلال اللقاءات الثلاثة السابقة، لم يرشح ما يفيد بتقدّم الأطراف للوصول إلى تطبيع منجز أو رسم ملامح خارطة طريق تفضي للتطبيع. ولعل العبارات الدبلوماسية من قبيل وصف الاجتماع بـ”الإيجابي” أو أن الأطراف اتفقت على مواصلة اللقاءات، يدخل في حسابات كسب الوقت، حتى وإن كانت الملفات المشتركة الأربعة وضعت على طاولة البحث والتي أشار إليها وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو بأن الاجتماع الرباعي في العاصمة الروسية موسكو “أكد ضرورة التعاون في مكافحة الإرهاب، وتوفير البنية التحتية لعودة اللاجئين، ودفع العملية السياسية ووحدة أراضي سوريا.”

تكررت هذه العبارات الملتبسة مراراً في الاجتماعات السابقة، الأمر الذي يجعل المخرجات الأولية للقاءات عمومية بحيث أنها تقول كل شيء ولا تقول شيئاً، فما المقصود بالإرهاب على ما تقوله أطراف الاجتماع التي تؤكّد على التعاون في محاربتهم؟ في نظر دمشق يشمل توصيف الإرهاب كل الفصائل المسلحة (الجيش الوطني) المدعومة من تركيا والجماعات الجهادية التي تحظى بتغطية تركية لا سيما “هيئة تحرير الشام”، ويجب أن تكف أنقرة عن دعمها، فيما تصرّ أنقرة على حصر “الإرهاب” بقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والمقاتلين الكرد، وهو الأمر الذي لا تتبنّاه دمشق وموسكو وطهران رغم تحالف قسد مع الولايات المتحدة.

إلى ذلك ما الذي يمكن قراءته من اتفاق الأطراف على “توفير البنية التحتية لعودة اللاجئين”. قد يعني ذلك أن أطراف الرباعية ملتزمة بمساعدة النظام على إعمار بنية المناطق المتضررة في سوريا كشرط أسبق لعودة اللاجئين، لا إلى إعادتهم بشكل مباشر كيفما اتفق، وهذا يعني أن إعادة اللاجئين قد تستغرق الكثير من الوقت ومرهونة بتعافي دمشق اقتصادياً ودبلوماسياً.

أما الاتفاق على وحدة الأراضي السورية على ما قاله الوزير التركي، يمر بمسألة انسحاب تركيا من الأراضي السورية أوّلاً، وهو شرط دمشق الرئيسي، في حين أن الوقائع وتصريحات الوزير نفسه تعارض مثل هذا المنحى الذي يتعارض مع عقيدة الحكومة التركية الحالية التوسعيّة، وربطها الانسحاب بقضايا تتعلق “بالأمن القومي التركي”، ففي مطلع هذا الشهر الحالي صرح جاويش أوغلو أن قوات بلاده “لن تنسحب في الوقت الراهن من شمالي سوريا والعراق”.

 قبلة حياة روسيّة

لقاء وزراء خارجية الدول الأربع الأخير في موسكو، يبدو أنه لن يسعف أردوغان بالشكل المطلوب، ففي الوقت الذي تمضي الآلة الدعائية لمنافسه، كليجدار أوغلو، في تسويق وجهة نظرها الخاصة بإعادة اللاجئين السوريين خلال عامين، تبدي الدعاية الانتخابية لأردوغان التفافاً على هذه التفصيل الحيوي في الحياة السياسية التركية، ذلك أن الرئيس الحالي وفريقه الحزبي لا يحتكمان إلى رؤية متكاملة حول عودة السوريين خارج الكلام العام، لأجل ذلك جاء لقاء وزير الخارجية التركي  مولود جاويش أوغلو، ونظيره السوري فيصل المقداد رغبة من روسيا بمنح أردوغان قبلة الحياة فيما خصّ مسألة اللاجئين، وتصوير حكومة أردوغان بأنها باتت بعد اللقاء تمتلك الطريق الملكية لإعادة اللاجئين، وهذا الطريق هو عينه الذي طرحه كليجدار أوغلو، أي المضي في المسار الدبلوماسي.

ولئن كانت موسكو تعي مخاوف دمشق من تنصّل أردوغان من وعوده، فقد اقترح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وضع خارطة طريق لتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، وقال إن “خارطة الطريق المقرر رفعها إلى رؤساء الدول (الأربع) ستتضمن مواقيت زمنية لتنفيذ المبادئ التي سيتم الاتفاق عليها في الاجتماع الرباعي”، ولعل مسألة تحديد المواقيت تدخل في صالح دمشق إذ إن مسار التطبيع الذي بدأ قد تتولى متابعته الحكومة التركية المقبلة أيّاً كان الفائز في الانتخابات، لأجل ذلك لا يمكن التقليل من شأن مستقبل عملية التطبيع وإن جرت في ربع الساعة الأخير من عمر الحكومة التركية الحالية.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد