كارثة الزلزال تكشف الجانب الأكثر عمقاً لاختلال التنمية

المركز الكردي للدراسات

في ضوء انتخابات مايو/أيار المقبلة في تركيا، لم يُسلط الضوء على المناطق الكردية المتأثرة بالزلزال الذي ضرب البلاد بقوة 7.8 ريختر، إذ وصل عدد القتلى لساعة كتابة التقرير إلى أكثر من 20.000 عبر تركيا/ شمال كردستان وسوريا/ روجآفا، ومن المحتمل أن تستمر الأرقام في الارتفاع على مدار الأيام المقبلة,
لا تميز الكوارث الطبيعية بين العرق أو اللون أو الطبقة أو الجنس. تضرب الناس بشكلٍ عشوائي وتدمّر المناطق والمجتمعات بأكملها. لكن الآثار اللاحقة للكارثة وطريقة التعامل مع المجتمعات المختلفة وتوزيع المساعدات والإمدادات والدعم الفني والدعم البشري غالباً يظهر على هيئة تناقضٍ صارخ، ما يسلط الضوء على العنف المنهجي والهيكلي الذي تواجهه الأقليات. يحصل ذلك حتى في أكثر الدول ديمقراطيةً على مستوى العالم. تعتبر عملية توزيع الموارد والمساعدة عمليةً سياسية بشكلٍ لا يصدق، بحيث تحدد أيٍ من المجتمعات يمكن أن تنهض بعد الكوارث أو النزاعات وأيٍ منها سيعاني من أجل الحصول على الحاجات الأساسية. في هذه الحالة، يمكن القول إن خير مثالٍ على ذلك هو كيفية استخدام تأثير الكوارث الطبيعية كفرصةٍ لقمع الكرد.
تعتبر تركيا واحدة من أكثر مناطق الزلازل نشاطاً على مستوى العالم. في أغسطس/آب 1999، ضرب زلزالٌ بقوة 7.6 درجة مرمرة، وهي منطقةٌ مكتظة بالسكان جنوب اسطنبول، وأسفر عن مقتل أكثر من 17500 قتيل، واستمر أكثر من 45 ثانية. في مشهدٍ مشابه، ضرب عددٌ كبير من الهزات الأرضية المنطقة الجنوبية الشرقية من تركيا بدرجاتٍ تأرجحت بين 3 إلى 7.5 ريختر.
تتحدث الكثير من التقارير عن أعدادٍ كبيرة من الأشخاص الذين ما زالوا في عداد المفقودين، فيما يتضاءل الأمل في العثور على أشخاصٍ أحياء مع مرور الوقت. في هذه الأثناء، ينام المواطنون في السيارات ومراكز التسوق والمساجد وحتى في الشوارع، في ظل درجات حرارةٍ متدنية جداً. يتّحد الخراب والخوف واليأس في مزيجٍ يؤثر على هذه المجتمعات المنكوبة بالفعل، خاصةً في ضوء افتقار الحكومة إلى المصداقية في تقديم المساعدة والدعم للمناطق الكردية المتضررة.
في هذا الإطار، أشارت الكثير من المصادر إلى التاريخ الطويل للزلازل الشديدة في تركيا، الأمر الذي يسلط الضوء على مسائل التوزيع غير المتكافئ للمساعدات. لكن يأتي هنا السؤال الذي يطرح نفسه: لم تعتبر دولة ذات تاريخٍ طويل من الزلازل واسعة النطاق غير مجهزة للتعامل مع الكوارث المتعددة في عدة مناطق؟ أم هل يا ترى أن السبب يكمن، كما يشك كثير من الكرد، في أن غالبية الموارد يتم توزيعها على المناطق غير الكردية؟. يتزامن ذلك مع حقيقة أن المناطق تعاني بالفعل من نقصٍ في التمويل وبنيةٍ تحتية منخفضة الجودة، كعقابٍ جماعي على التصويت لحزب الشعوب الديمقراطي بدلاً من حزب العدالة والتنمية الحاكم.
لم يبذل الرئيس رجب طيب أردوغان، إلى جانب تحالفه الفاشي الجديد بين حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، أي محاولاتٍ لإخفاء مشاعرهم المعادية للكرد، خاصةً خلال فترة الانتخابات الحاسمة. ليس من غير المألوف أن نرى أعضاءً برلمانيين وحزبيين رفيعي المستوى يرفعون لافتة «الذئاب الرمادية»، وهي جماعة إرهابية إجرامية وشبه عسكرية عنصرية تمولها نخبٌ سياسية واجتماعية واقتصادية ثرية مختلفة في جميع أنحاء البلاد ويعتبر رمزها الأكثر عنفاً وكرهاً ضد الكرد. تُعتبر كارثة ما بعد الزلزال مجرد يومٌ آخر من القمع المنهجي ومحو الهوية الكردية.
نتيجةً لذلك، لجأ العديد من النشطاء الكرد إلى وسائل التواصل الاجتماعي للإشارة إلى المعاملة غير العادلة والظالمة لهم خلال هذه الكارثة. ويجادل الخبراء بأن العنصرية وآثارها غالباً ما تكون غير مرئية ويمكن أن يكون لها تأثيرات بين الأجيال لأنها تتردد عبر المجتمعات المهمشة. وفقاً لـBravemen et al:
«ليست العنصرية دائماً مدركة أو صريحة أو مرئية بسهولة، إذ غالباً ما تكون نظامية وهيكلية. العنصرية النظامية والهيكلية هي أشكال من العنصرية منتشرة وعميقة في الأنظمة والقوانين والسياسات المكتوبة أو غير المكتوبة والممارسات والمعتقدات الراسخة التي تنتج وتتغاضى وتديم معاملة غير عادلة واضطهاد واسع النطاق للأشخاص الملونين، مع عواقب صحية ضارة. ومن الأمثلة على ذلك، الفصل بين أماكن الإقامة وممارسات الإقراض غير العادلة والعوائق الأخرى التي تحول دون ملكية المنازل وتراكم الثروة واعتماد المدارس على ضرائب الملكية المحلية والظلم البيئي والشرطة المتحيزة وإصدار الأحكام بحق الرجال والأولاد الملونين وسياسات قمع الناخبين. العنصرية الممنهجة والهيكلية تعكس المظالم المستمرة والتاريخية. على الرغم من أن العنصرية الممنهجة والعنصرية الهيكلية غالباً ما تكون متلازمة، إلا أن لها مناهج مختلفة إلى حد ما. تشدد العنصرية الممنهجة على مشاركة جميع قطاعات النظم السياسية والقانونية والاقتصادية ونظم الرعاية الصحية والمدرسية ونظم العدالة الجنائية، كل الهياكل التي تدعم النظم. فيما تركز العنصرية الهيكلية على دور الهياكل (القوانين والسياسات والممارسات المؤسسية والمعايير الراسخة) التي تُعتبر أسس بناء النظام».
يجادل جان بيل بيخير وكريستيان شارلمان، في مقالتهما «العرق والجنس والدروس الطبقية من إعصار كاترينا»، إنه في الكوارث الطبيعية:
«لا يجوز تمييز الضحايا على أساس عرقهم أو جنسهم أو طبقتهم. ولكن لا تحدث مثل هذه الكوارث في الفراغات التاريخية أو السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية. بدلاً من ذلك، فإن عواقب مثل هذه الكوارث تتكرر وتؤدي إلى تفاقم آثار عدم المساواة. وغالباً ما تُبرز بشكلٍ صارخ أهمية المؤسسات والعمليات والأيديولوجيات والمعايير السياسية».
وفقاً للبحث الذي أجرته صحيفة «نيويورك تايمز»، هناك تناقضٌ صارخ بين كيفية حصول المواطنين الأميركيين البيض على المساعدات الحكومية والتمويل على عكس الأشخاص السود والملونين المتضررين من نفس الكوارث. تشير الأبحاث إلى أن الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ في الولايات المتحدة في كثيرٍ من الأحيان «تساعد ضحايا الكوارث البيض أكثر من الأشخاص السود، حتى عندما يكون حجم الضرر هو نفسه». لذلك، في حين أن هذا المستوى من التمييز بين المساعدات وتوزيعات الموارد ليس بالضرورة شيئاً جديداً في البلدان الديمقراطية، إلا أن وجوده في هذه البلدان ليس سبباً لأن يتم التسامح والتغافل عنه.
في حالة الكرد، أحد أكثر المجتمعات تهميشاً واضطهاداً في الشرق الأوسط، فإن المعاملة غير العادلة أثناء الكوارث الطبيعية، وحتى النزاعات، أصبحت إلى حدٍ كبير قاعدةً مأساوية معتمدة. على سبيل المثال، عملت المنظمات غير الحكومية الدولية على توزع المساعدات أثناء النزاع السوري مع الدولة ومسؤوليها بغض النظر عن مدى وحشية أو عدم ديمقراطية هذا النظام. في كثيرٍ من الأوقات، تجاوزت المساعدات والإمدادات الدولية مناطق روجآفا (شمال سوريا) التي يهيمن عليها الكرد والتي دمرتها الحرب.
إن فشل تركيا في الاستجابة بالسرعة والإنسانية المطلوبة تجاه المناطق المتأثرة كردياً يصل إلى حد الجريمة. نشر مواطنون في مدن اسكندرون وأديامان عنتاب مقاطع فيديو توضح أن وكالة إدارة الكوارث والطوارئ لم تصل إلى هذه المناطق الأكثر تضرراً بعد أكثر من 24 ساعة من ضرب الزلزال المدمر. تُظهر مقاطع فيديو أخرى فرق الكوارث الأجنبية تنتظر في المطارات بسبب نقص النقل والدعم الحكومي. لم تعد المباني العامة والطرق السريعة والمطارات، بما في ذلك العديد من المستشفيات، غير قابلة للاستعمال فحسب، بل كانت في كثير من الحالات مدمرة تماماً، ما دفع العديد من الخبراء إلى انتقاد الحكومة بسبب افتقارها إلى الرؤية والتخطيط للكوارث.
على الرغم من مواجهته انتخاباتٍ مقبلة، قد يتم تأجيلها بحجة الزلزال للتشبث بالسلطة، فشل أردوغان وأعضاء حزب العدالة والتنمية في الرد بشكل كافٍ على هذه المزاعم، ما أدى إلى انتقاد العديدين للحكومة. لم يقتصر الأمر على عدم ظهور أردوغان بعد 36 ساعة من وقوع الكارثة، على الرغم من ظهوره بشكلٍ شبه يومي تقريباً عبر وسائل الإعلام التركية، بل هدد أيضاً أحزاب ومجموعات المعارضة بسبب تصريحاتها المناهضة للحكومة. بالإضافة إلى ذلك، طلب أيضاً من الأشخاص الإبلاغ عن أخبار الكوارث الوهمية من خلال تطبيقٍ خاص يعمل باللغة التركية فقط، ما استحضر انتقادات ناشطين كرد حيال سياسات الحكومات العنصرية المستمرة تجاههم وتجاه المجتمعات المتضررة والمظلومة.
يُظهر لنا التاريخ أنه من المرجح أن تتفاقم محنة الكرد في هذه المنطقة، إذ لا تتلقى هذه الأمة المضطهدة سوى شذرات من المساعدات الوطنية والدعم الذي ستحصل عليه المناطق الأخرى. وبينما دعا النظام السوري رسمياً إلى تقديم مساعداتٍ دولية لدعم ضحايا الزلزال، أوضح أردوغان أن إدارة الكوارث والطوارئ وحدها هي التي ستقدم وتوزع المساعدات والإمدادات على المنطقة المتضررة. يُظهر تاريخ كلا البلدين غير الديمقراطيين ميلاً كبيراً نحو التمييز واستخدام المساعدات والغذاء والموارد كسلاحٍ ضد المواطنين، خاصةً تجاه الأقليات المضطهدة منذ فترةٍ طويلة.
لا تميز الكوارث الطبيعية بين الأشخاص. ولكن توزيع المساعدات في أعقاب الكوارث، يُظهر في كثير من الأحيان مدى ديمقراطية الدولة أو ديكتاتوريتها. في ضوء المشاعر المعادية للكرد والتهديد الذي يلوح في الأفق بغزوٍ آخر لروجآفا لدعم تطلعات أردوغان الانتخابية، من غير المرجح أن تتلقى المناطق الكردية المدمرة جزءاً من المساعدة التي تحتاجها بالفعل، ما يجعل وجود ودعم منظمات الإغاثة الكردية مثل الهلال الأحمر الكردي اليوم ضرورياً، في وقتٍ يجد ملايين الكرد أنفسهم تحت رحمة البرد القارس في الدول التي تمنت لو أنهم سحقوا تحت أنقاض منازلهم المتواضعة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد